الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[المُدْرَجُ وأقسامه] )
(ثمَّ الْمُخَالفَة، وَهُوَ الْقسم السَّابِع، إِن كَانَت وَاقعَة) ، إِشَارَة إِلَى أَن خبر كَانَ مُقَدَّر فِي الْمَتْن، كَمَا أَشَارَ إِلَى أَن الْبَاء فِي الْمَتْن سببيّة فِي قَوْله:(بِسَبَب) تَغْيِير السِّيَاق، أَي سِيَاق الْإِسْنَاد) ، إِشَارَة إِلَى أَن اللَّام للْعهد، أَو بدل من الْمُضَاف إِلَيْهِ، كَقَوْلِه تَعَالَى:{فَإِن الْجنَّة هِيَ المأوى} .
ثمَّ اعتُرض بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بتغيير سِيَاق الْإِسْنَاد تَغْيِيره بِاعْتِبَار نَفسه لَا فِي الْمَتْن، يلْزم أَن لَا ينْدَرج فِيهِ الْقسم الرَّابِع، والشق الثَّانِي من الْقسم الثَّالِث، وَإِن أُرِيدَ تَغْيِيره أَعم من أَن يكون بِاعْتِبَار نَفسه [أَو بِاعْتِبَار] مُتَعَلّقه، وَهُوَ الْمَتْن والْحَدِيث، يتدرج فِيهِ مُدْرَجُ الْمَتْن أَيْضا. وَدفع بِأَن يُقَال: أَرَادَ بمدرج الْمَتْن مَا يكون التَّغْيِير فِي الْمَتْن فَقَط. أَو يُقَال: مَا يكون فِي إِسْنَاده وَمَتنه تَغْيِير، فَهُوَ بِاعْتِبَار الأول مدرج الْإِسْنَاد، وَبِاعْتِبَار الثَّانِي مدرج الْمَتْن.
(فالواقع) أَي الحَدِيث الثَّابِت، (فِيهِ ذَلِك التَّغْيِير) ، وَبِه [108 - أ] تنْدَفع الْمُسَامحَة الْوَاقِعَة فِي الْمَتْن، (هُوَ) على مَا فِي نُسْخَة، (مُدْرَج الْإِسْنَاد) وَإِنَّمَا
سمي بِهِ، لِأَن المغير أَدخل / 77 - أ / خللاً فِي الْإِسْنَاد، فالإسناد مُدْخَلٌ فِيهِ.
وَأعلم أَن تَفْسِير مدرج الْإِسْنَاد بِظَاهِرِهِ يَشْمَل مقابلاته الْآتِيَة، غير مَا يَلِيهِ من التَّقْدِيم، وَالتَّأْخِير، وَزِيَادَة الرَّاوِي، وإبداله، وتغيير حرف، أَو حُرُوف، فَلَا تصح الْمُقَابلَة، كَمَا يدل عَلَيْهِ لَفظه، أَو اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يخْتَص هَذَا التَّغَيُّر على وَجه لَا يشملها باستعانة السِّيَاق.
(وَهُوَ أَقسَام:) أَي أَقسَام أَرْبَعَة، وَهُوَ لَا ينْحَصر عقلا فِيهَا، فانحصاره فِيهَا استقرائي، والاستقراء غير مَعْلُوم.
(الأول: أَن يروي جمَاعَة الحَدِيث) فِيهِ مُسَامَحَة إِذْ حق الْعبارَة: مَا يرويهِ جمَاعَة (بأسانيد مُخْتَلفَة) وَكَذَا فِي الْبَاقِي. (فرويه عَنْهُم راو) أَي مطعون بالمخالفة، (فَيجمع) أَي الرَّاوِي، (الْكل)[أَي كلهم] يَعْنِي جَمِيع تِلْكَ الْجَمَاعَة، (على إِسْنَاد وَاحِد من تِلْكَ الْأَسَانِيد، وَلَا يبين الِاخْتِلَاف) أَي اخْتِلَاف الْأَسَانِيد.
وَحَاصِله: أَنه يسمع الرَّاوِي حَدِيثا عَن جمَاعَة مُخْتَلفين فِي إِسْنَاده، فيرويه عَنْهُم بِاتِّفَاق، وَلم يبين الِاخْتِلَاف. مِثَاله: حَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: عَن بنْدَارٍ عَن عبد الرَّحْمَن بن مَهدي، عَن سُفْيَان الثَّوْري، عَن وَاصِلٍ، وَمَنْصُور، والأعمَش، عَن أبي وَائِل، عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ: قلت يَا رَسُول الله: " أَي الذَّنب
أعظم
…
"؟ الحَدِيث. هَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن كثير العَبْدِي، عَن سُفْيَان، فرواية وَاصِل هَذِه مُدْرَجة على رِوَايَة مَنْصُور وَالْأَعْمَش، لِأَن واصلاً لم يَذكر فِيهِ عمرا، بل رَوَاهُ عَن أبي وَائِل، عَن عبد الله.
وَإِنَّمَا ذكره فِيهِ مَنْصُور وَالْأَعْمَش، فَوَافَقَ رِوَايَته بروايتهما، وَقد بَين الإسنادين مَعًا يحيى بن القَطان فِي رِوَايَة عَن سُفْيَان، [108 - ب] وفَصَلَ أَحدهمَا عَن الآخر. كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي " صَحِيحه " فِي كتاب الْمُحَاربين عَن عَمْرو بن عَليّ، عَن يحيى، عَن سُفْيَان، عَن مَنْصُور وَالْأَعْمَش، كِلَاهُمَا عَن أبي وَائِل، عَن عَمْرو.
وَعَن / سُفْيَان، عَن وَاصل، عَن أبي وَائِل، عَن عبد الله من غير ذكر عَمْرو بن شُرَحْبيل.
(الثَّانِي: أَن يكون الْمَتْن عِنْد راوٍ) أَي بِإِسْنَاد وَاحِد، كَمَا يدل عَلَيْهِ بُعَيْدَ هَذَا بِالْإِسْنَادِ الأول، فَيصح الِاسْتِثْنَاء بقوله:
(إِلَّا طرفا) ، أَي بَعْضًا (مِنْهُ، فَإِنَّهُ) أَي الطّرف (عِنْده بِإِسْنَاد آخر، فيرويه راوٍ عَنهُ تَاما بِالْإِسْنَادِ الأول) وَهَذَا هُوَ المطعون بالمخالفة للثقات. مِثَاله: حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة زَائِدَة، وشَريك، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة،
كلهم عَن عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن وَائِل بن حُجْر فِي صفة صَلَاة رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ فِيهِ:" ثمَّ جِئْت بعد ذَلِك فِي زمَان برد شَدِيد، فَرَأَيْت النَّاس عَلَيْهِم جُل الثِّيَاب، تُحَرك أَيْديهم تَحت الثِّيَاب ". قَالَ مُوسَى بن هَارُون: وَذَلِكَ عندنَا وهم.
فَقَوله: " ثمَّ جِئْت " / 77 - ب / لَيْسَ هُوَ بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَإِنَّمَا هُوَ أُدرِج عَلَيْهِ عَن عَاصِم، عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن بعض أَهله، عَن وَائِل، وَهَكَذَا رَوَاهُ مُبَيَّناً زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، وَأَبُو بدر شُجَاع بن الْوَلِيد، فَميَّزا قصَّة تَحْرِيك الْأَيْدِي من تَحت الثِّيَاب، وفصلاها من الحَدِيث، وذكرا إسنادها كَمَا ذكرنَا.
(وَمِنْه) أَي من قبيل الْقسم الثَّانِي، (أَن يَسْمَع الحَدِيث من شَيْخه) أَي بِلَا وَاسِطَة، كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من الْعبارَة، (إِلَّا طرفا مِنْهُ، فَيَسْمَعه عَن شَيْخه بِوَاسِطَة) الْأَظْهر أَن يَقُول بدل فيسمعه: عَن مَن سَمعه من شَيْخه، (فيرويه) أَي الحَدِيث، [راوٍ] عَنهُ) أَي عَن شَيْخه، (تَاما) أَي من غير اسْتثِْنَاء الطّرف، (بِحَذْف الْوَاسِطَة) مَعَ أَنه لم يسمع الطّرف إِلَّا بِوَاسِطَة، وَهَذَا هُوَ المطعون [109 - أ][بالمخالفة] .
(الثَّالِث: أَن يكون عِنْد الرَّاوِي متنان مُخْتَلِفَانِ بِإِسْنَادَيْنِ مُخْتَلفين) إِمَّا عَن صحابِيين، أَو عَن وَاحِد فَقَط، (فيرويهما) مَعًا كَامِلين، أَو مختصرين أَو أَحدهمَا
مُخْتَصرا دون الأول، (راو عَنهُ مُقْتَصرا على أحد الإسنادين) هَذَا هُوَ المطعون بالمخالفة.
(أَو يروي) أَي راوٍ، (أحد الْحَدِيثين) أَي الْمُخْتَلِفين ليظْهر الْفرق بَين هَذَا الْوَجْه وَالْوَجْه الثَّانِي، فَاللَّام للْعهد. (بِإِسْنَادِهِ الْخَاص بِهِ، لَكِن يزِيد فِيهِ) أَي فِي أحد الْحَدِيثين، (مِن الْمَتْن الآخر) أَي وَله إِسْنَاد آخر، (مَا لَيْسَ فِي الأول) أَي فِي الحَدِيث الأول، أَو الْمَتْن الأول، وَهُوَ الْمَذْكُور بقوله: أحد الْحَدِيثين، فَهُوَ مِن وَضْع الظَّاهِر مَوضِع ضَمِيره.
ومثاله: حَدِيث رَوَاهُ سعيد بن أبي مَرْيَم، عَن مَالك، عَن الزُّهْرِي، عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تباغضوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تنافسوا
…
" الحَدِيث. فَقَوله: " وَلَا تنافسوا " مدرجة [فِي الحَدِيث] أدرجها ابْن أبي مَرْيَم من حديثٍ آخر لمَالِك، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: " إيَّاكُمْ وَالظَّن، فَإِن الظَّن أكذبُ الحَدِيث، وَلَا تَجَسَّسُوا [وَلَا تَحَسَّسُوا] وَلَا تنافسوا، وَلَا تَحَاسَدُوا ". وكلا الْحَدِيثين مُتَّفق عَلَيْهِ من طَرِيق مَالك. وَلَيْسَ
فِي الأول: " وَلَا تنافسوا "، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الحَدِيث الثَّانِي.
(الرَّابِع: أَن يَسُوق) أَي / راو، أَو مُحدث (الْإِسْنَاد) أَي إِسْنَاد حَدِيث فَقَط، (فيَعْرض لَهُ عَارض) أَي فَلَا يذكر متن الحَدِيث لما يقطعهُ عَنهُ قَاطع، (فَيَقُول كلَاما من قِبَل نَفسه، فيظن بعض مَنْ سَمعه) أَي ذَلِك الرَّاوِي، وَهُوَ المطعون بالمخالفة، (أَن الْكَلَام هُوَ متن ذَلِك الْإِسْنَاد، فيرويه عَنهُ كَذَلِك) أَي على أَنه متن ذَلِك الْإِسْنَاد. وَبِهَذَا التَّقْرِير الْمُوَافق لتحرير [109 - ب] السخاوي يظْهر مِنْهُ أَنه لَا ذكر لمتن الحَدِيث فِي الْقسم الرَّابِع من مدرج الْإِسْنَاد، فَلَا / 87 - أ / يصدق تَعْرِيف مدرج الْمَتْن عَلَيْهِ، فَلَا يرد عَلَيْهِ مَا قيل: من أَن تَعْرِيف مدرج الْمَتْن غيرُ مَانع لدُخُول الْقسم الرَّابِع من مدرج الْإِسْنَاد فِيهِ.
(هَذِه) أَي الْوُجُوه الْأَرْبَعَة، (أَقسَام مُدْرَج الْإِسْنَاد) أما الثَّلَاثَة الأول، فَظَاهر، وَأما الْأَخير، فتغيير السِّيَاق بِاعْتِبَار أَن سِيَاق الْإِسْنَاد يَقْتَضِي أَن يذكر الحَدِيث بعده، لَا كلَاما مِن قِبَل نَفسه.
(وَأما مدرج الْمَتْن: فَهُوَ أَن يَقع فِي الْمَتْن كَلَام) أَي وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَاد، (لَيْسَ مِنْهُ) أَي لَيْسَ ذَلِك الْكَلَام من جملَة ذَلِك الْمَتْن.
وَحَاصِله: أَن يذكر الرَّاوِي - صحابياً أَو غَيره - كلَاما لنَفسِهِ أَو غَيره، فيرويه مَنْ بَعْدَهُ مُتَّصِلا بِالْحَدِيثِ من غير فصل يتَمَيَّز عَنهُ، بِأَن يعزوه لقائله صَرِيحًا أَو كنايه، فَيَتوَهَّم مَنْ لَا يعرف حَقِيقَة الْحَال أَنه من الحَدِيث. وَحَقِيقَته على مَا صرح بِهِ
السخاوي: إِضَافَة الشَّيْء لغير قَائِله.
قَالَ محشي: هَذَا التَّعْرِيف لمدرج الْمَتْن أَعم من تَعْرِيفه الْخَارِج من عبارَة الْمَتْن. إِذْ قَوْله: كَلَام لَيْسَ مِنْهُ، أَعم من أَن يكون من كَلَام نَفسه أَو غَيره، من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ، إِلَّا أَن يُخَصّ بِكَلَام غَيره، وَإِنَّمَا ذكر هَذَا الْكَلَام لُيفَرَّقَ بَين مدرج الْمَتْن ومدرج الْإِسْنَاد من الْقسم الرَّابِع.
وَحَاصِله: أَن الْقسم الرَّابِع من مدرج الْإِسْنَاد يكون بِتَمَامِهِ مِمَّا يظُن أَنه حَدِيث مُسْتَقل. وَأما مدرج الْمَتْن فيظن أَنه جُزْء من الحَدِيث.
(فَتَارَة يكون) أَي إدراج الْمَتْن (فِي أَوله) مِثَاله: مَا رَوَاهُ الْخَطِيب من رِوَايَة أبي قطَن وشَبَابَة، فروياً عَن شُعْبَة، عَن مُحَمَّد بن زِيَاد، عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: " أَسْبِغُوا الْوضُوء، ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار ". فَقَوله: أَسْبغُوا الْوضُوء، من قَول [110 - أ] أبي هُرَيْرَة، وَصِلَ بِالْحَدِيثِ فِي أَوله، كَذَلِك وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي " صَحِيحه " عَن آدم بن إِيَاس، عَن شُعْبَة، عَن مُحَمَّد بن زِيَاد، عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: أَسْبغُوا [الْوضُوء]، فَإِن أَبَا الْقَاسِم [صلى الله عليه وسلم] [قَالَ] :" ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار ".
قَالَ الْخَطِيب: وهِمَ أَبُو قطنٍ وشَبَابَة فِي روايتهما هَذَا الحَدِيث عَن شُعْبَة على مَا سقنا، وَذَلِكَ أَن قَوْله: أَسْبغُوا، من كَلَام أبي هُرَيْرَة، وَقَوله:" ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار " من كَلَام النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم.
(وَتارَة فِي أَثْنَائِهِ)، مِثَاله: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي " سنَنه " من رِوَايَة عبد الحميد بن جَعْفَر، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن بُسْرَة بنت صَفْوَان قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " مَنْ مَسَّ ذَكَرَه أَو أُنَثَيْيه أَو رُفْغَيْه فَليَتَوَضَّأ ". قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَذَا رَوَاهُ عبد الحميد، عَن هِشَام، وَوهم فِي ذكر الأنْثَيَيْنِ والرُفْغ / وإدراجه ذَلِك فِي حَدِيث بُسْرَة. قَالَ: وَالْمَحْفُوظ أَن ذَلِك من قَول عُرْوَة. انْتهى.
وَفِي " النِّهَايَة ": من السّنة نتف الرُّفغين، أَي الإبطين. وَإِذا التقى الرفغان وَجب الْغسْل، أَي أصُول الفخذين / 78 - ب / وَالرَّاء تضم وتفتح. انْتهى. وَالظَّاهِر أَن الْمَعْنى الثَّانِي هُوَ المُرَاد هُنَا.
(وَتارَة فِي آخِره) مِثَاله: مَا روى أَبُو خَيْثَمَة زهيرُ بن مُعَاوِيَة، عَن الْحسن بن الحُرّ، عَن الْقَاسِم بن مُخَيْمِرَة عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله بن مَسْعُود: أَن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم علَّمه التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة فَقَالَ: " قل: التَّحِيَّات لله " فَذكر حِين قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله: فَإِذا قلت هَذَا، فقد قضيت صَلَاتك، إِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ، وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ. كَذَا رَوَاهُ أَبُو خَيْثَمة، فأدرج فِي الحَدِيث قَوْله: فَإِذا قلت
…
الخ
وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام ابْن مَسْعُود لَا من [110 - ب] كَلَام النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم. وَمن الدَّلِيل عَلَيْهِ أَن الثِّقَة عبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن ثَوْبَان رَوَاهُ عَن ابْن الحًرِّ الْمَذْكُور هَكَذَا. وَاتفقَ حُسَيْن الْجعْفِيّ، وَابْن عجلَان وَغَيرهمَا فِي روايتهم عَن الْحسن بن الحًرِّ على ترك هَذَا الْكَلَام فِي آخر الحَدِيث، مَعَ اتِّفَاق كل من روى التَّشَهُّد عَن عَلْقَمَة وَغَيره عَن ابْن مَسْعُود على ذَلِك. وَرَوَاهُ شَبَابة عَن أبي خَيْثَمَة فوصله أَيْضا.
(وَهُوَ) أَي مَا يَقع فِي الآخر هُوَ (الْأَكْثَر) وقوعاً أَو اسْتِعْمَالا، فَيكون بِمَعْنى الأشهَر، (لِأَنَّهُ يَقع بعطف جملَة على جملَة) يَعْنِي وَهُوَ حِينَئِذٍ يكون غَالِبا فِي الآخر، وَبِه انْدفع مَا قَالَ محشي: وَفِيه أَن الظَّاهِر أَنه دَلِيل لقَوْله: أَكثر، وَيرد عَلَيْهِ أَنه لَا نسلم أَن الآخر دَائِما يكون بعطف كَلَام مُسْتَقل على آخر مثله، بل رُبمَا يكون بعطف مُفْرد على مُفْرد، بل بِلَا عطف، وَلَو سلم أَن الْأَخير يَقع بعطف الْجُمْلَة [على الْجُمْلَة] وَلَا يَقع بعطف الْمُفْرد أَو بِدُونِ الْعَطف، فَلَا نسلم أَن الْوَاقِع بعطف الْجُمْلَة [على الْجُمْلَة] يدل إِلَى الأكثرية، مَعَ أَن الأول وَالثَّانِي يقعان بعطف الْجُمْلَة أيضاَ. انْتهى. وَإِنَّمَا قُلْنَا: بِوُقُوع الْعَطف حسب الْغَالِب فِي الْوَاقِع، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُمكن استقلاله عَن اللَّفْظ السَّابِق، فيتميز من لفظ الحَدِيث، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ بِغَيْر جملَة. وَلِهَذَا قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: إِنَّمَا يكون الإدراج بِلَفْظ تَابع يُمكن استقلاله
عَن اللَّفْظ السَّابِق، وَاسْتشْكل - أَي ابْن دَقِيق الْعِيد - على الْأَوَّلين فَقَالَ: وَمِمَّا يضعف أَن يكون مدرجا فِي أثْنَاء لفظ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم لَا سِيمَا إِن كَانَ مقدَّماً على اللَّفْظ الْمَرْوِيّ، أَو مَعْطُوفًا عَلَيْهِ بواو الْعَطف، كَمَا لَو قَالَ:" مَن مس أُنْثَييه وذَكَرَه فَليَتَوَضَّأ "، بِتَقْدِيم لفظ:" الْأُنْثَيَيْنِ " على " الذَكَر "، فههنا يضعف الإدراج لما [111 - أ] فِيهِ من اتِّصَال هَذِه اللَّفْظَة بالعامل الَّذِي هُوَ من لفظ رَسُول الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ المُصَنّف: لَا مَانع من الحكم على مَا فِي الأول، وَالْآخر، أَو الْوسط بالإدراج، إِذا قَامَ / 79 - أ / الدَّلِيل الْمُؤثر غَلَبَة الظَّن.
(أَو بدَمج مَوْقُوف) أَي أَو كَانَت الْمُخَالفَة بِسَبَب دمج، وَأظْهر لَفْظَة كَانَت / فِي الشَّرْح فِي الْأَقْسَام الْآتِيَة دون هَذَا لطول الْعَهْد هُنَاكَ. فِي " الْقَامُوس " درج: مَشى، والمَدْرَج: المَسلَك، ودَمَجَ: دخل فِي الشَّيْء واستحكم فِيهِ. انْتهى.
وَالظَّاهِر أَنه تفنن فِي الْعبارَة، وَالتَّحْقِيق أَن الدَّمج أَدخل فِي الخفاء من الدرْج، كَمَا أَن المزج أَدْخَلُ مِنْهُمَا فِي المخالطة، بِحَيْثُ يصير المازج والممزوج كشيء وَاحِد، بِحَيْثُ لَا يُمكن التَّفْرِقَة بَينهمَا أصلا.
(من كَلَام الصَّحَابَة،) من بَيَانِيَّة لموقوف، (أَو من بعدهمْ) بِفَتْح الْمِيم، عطفا على الصَّحَابَة، وَفِيه تسَامح من بَاب عُمُوم الْمجَاز، وَإِلَّا، فَالْمَوْقُوفُ هُوَ مَا يُروى
عَن الصَّحَابَة لَا من بعدهمْ، فإنْ قلت: قد يُطلق [الْمَوْقُوف] إِلَى مَا يُروى عَن غير الصَّحَابَة، قلت: إِنَّمَا يُطلق عَلَيْهِ مُقَيّدا، فَيُقَال: حَدِيث كَذَا، [وَقفه] فلَان على عَطاء، أَو على طَاوُوس، وَإِمَّا إِذا أطلق، فَيخْتَص بالصحابة.
(بمرفوع) مُتَعَلق بدمج، (من كَلَام النَّبِي،) أَي من حَدِيثه، (صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم،) أَي قولا أَو فعلا، (من غير فصل) أَي تَمْيِيز وتفرقة بَين الْمَوْقُوف، وَالْمَرْفُوع، بِمَا يدل على مغايرتهما.
قَالَ المُصَنّف: الْبَاء يُحْتَمَل أَن تكون بِمَعْنى من، أَو بِمَعْنى مَعَ، وَقَالَ تِلْمِيذه: أما اسْتِعْمَالهَا بِمَعْنى مَعَ، فورد نَحْو:{اهبط بِسَلام} ، {وَقد دخلُوا بالْكفْر} وَأما بِمَعْنى من، فَلم أَقف عَلَيْهِ. قلت: قد ورد فِي قَوْله تَعَالَى: {يشرب بهَا عباد الله} وَقد جعلهَا صَاحب " الْقَامُوس " بِمَعْنى التَّبْعِيض؛ وَكَذَا ذكره الْمُغنِي، لَكِن الْأَظْهر أَن الْبَاء هُنَا " فِي " لما فِي " الْقَامُوس " من أَن الدُّمُوج هُوَ الدُّخُول [111 - ب] فِي الشَّيْء.
(فَهَذَا هُوَ مدرج الْمَتْن) سُمّي بِهِ لِأَنَّهُ أدرج فِي الْمَتْن شَيْء، فَهُوَ مُدْرَج فِيهِ، ثمَّ حذف الْجَار، وأوصل الْفِعْل، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله فِيمَا بعد: مِمَّا أُدرِج فِيهِ.
(ويُدْرَك الإدراج) أَي يعرف، بأَرْبعَة أَشْيَاء:
(بورود رِوَايَة مفصِّلة) بِكَسْر الصَّاد، أَي مبينَة (للقدر المدرج مِمَّا) أَي من حَدِيث (أدرج فِيهِ) أَي المدرج، أَو فِيهِ نَائِب الْفَاعِل، ومثاله: مَا ذكر آنِفا [أَي من أَن] شَبَابَة رَوَاهُ عَن أبي خَيْثَمَة ففصله.
(أَو بالتنصيص) أَي بالتصريح (على ذَلِك) أَي الإدراج أَو المدرج، (من الرَّاوِي)، أَي نَفسه كَحَدِيث ابْن مَسْعُود: سَمِعت رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من جعل لله ندا دخل النَّار " وَقَالَ: وَأُخْرَى أقولها وَلم أسمعها مِنْهُ، " من مَاتَ لَا يَجْعَل لله ندا دخل الْجنَّة ".
(أَو من بعض الْأَئِمَّة المطلعين) أَي على ذَلِك كَحَدِيث التَّشَهُّد.
(أَو باستحالة كَون النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ذَلِك) وَهُوَ أَعْلَاهَا ك: " وَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَة تُعضَد "، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الجهادُ فِي سَبِيل الله، وبِرُّ أُمِّي،
لأحببت أَن أَمُوت / 79 - ب / وَأَنا مَمْلُوك ". وَأعلم أَن مَا ذكر من الْوُجُوه الْأَرْبَعَة لمعْرِفَة الإدراج، غير مُخْتَصّ بإدراج الْمَتْن إِلَّا الرَّابِع، كَمَا لَا يخفى على المتأمل الْكَامِل فِي كَلَامه.
(وَقد صنف الْخَطِيب فِي المدرج كتابا) أَي عَظِيما شهيراً سَمَّاهُ " الفَصْل للوَصْلِ المدرج فِي النَّقْل "، (ولخصته) أَي اختصرته بِحَذْف الزَّوَائِد، مُرَتبا على الْأَبْوَاب مَعَ زِيَادَة علل وَغَيره، (وزدت عَلَيْهِ) أَي على الملخص، وَهُوَ خُلَاصَة الْفَوَائِد (قدر مَا ذكر مرَّتَيْنِ، أَو) / أَي بل (أَكثر) وَسَماهُ " تقريب الْمنْهَج بترتيب المُدْرَجِ ".
(وَللَّه الْحَمد.) أَي على هَذِه الزِّيَادَة طلبا للمزيد، وَاعْلَم أَنهم قَالُوا: الإدراج بأقسامه حرَام، لما فِيهِ من التلبيس، والتدليس، وَإِن كَانَ بعضه أخف من بعض، كتفسير لَفظه [112 - أ] غَرِيبَة مثل المُزَابَنَة، والمُخَابَرَة، والعَرايَا وَنَحْوهَا مِمَّا