الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّسُول [صلى الله عليه وسلم] لكنهما قَول الصَّحَابِيّ أَو مَن بعده.
وَفِي الْخُلَاصَة: اخْتلف فِي متن الحَدِيث أهوَ قَول الصَّحَابِيّ عَن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم كَذَا وَكَذَا، أَو هُوَ مقول الرَّسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَحسب؟ وَالْأول أظهر لما تقرر من أَن السَّنة إِمَّا قَول، أَو فعل، أَو تَقْرِير، وَالسَّلَف أطْلقُوا [الحَدِيث] على أَقْوَال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وآثارهم وفتاويهم.
(
[الْمَرْفُوع تَصْرِيحًا أَو حكما] )
(وَهُوَ) أَي الْإِسْنَاد، (إِمَّا أَن يَنْتَهِي إِلَى النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَيَقْتَضِي لَفْظُهُ) أَي تلفظ الحَدِيث، وَالْمرَاد مَتنه. قَالَ محشٍ: هُوَ عطف تَفْسِير لقَوْله: / 95 - أ / يَنْتَهِي إِلَى النَّبِي عليه الصلاة والسلام، وَضمير لَفظه عَائِد إِلَى الْإِسْنَاد، وَلَو لم يذكرهُ وَيَقُول: يَقْتَضِي أَي الْإِسْنَاد، لَكَانَ صَحِيحا. انْتهى وَضَعفه لَا يخفى لِأَن الِانْتِهَاء لَا يتنوع بالتصريح وَالْحكم، بل تلفظ الْمَتْن يدل على عَلَيْهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَام الشَّيْخ صَرِيحًا فِي بَيَان قَوْله: تَصْرِيحًا أَو حكما، وَلذَا تدارك الْمَتْن بقوله فِي الشَّرْح: وَيَقْتَضِي لَفظه، وَأما جَعلهمَا مُتَعَلقين بِمَا بعدهمَا على مَا تكلَّف لَهُ الْمحشِي، فَيدل على بُعْدِه.
(إِمَّا تَصْرِيحًا أَو حُكماً) حالان أَو تمييزان، (أَن الْمَنْقُول) مفعول يَقْتَضِي، فَلَا يَصح مَا فِي نُسْخَة: لِأَن الْمَنْقُول، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَجْعَل تَصْرِيحًا أَو حكما مَفْعُولا بِهِ
ليقتضي، فحينئذٍ يَصح التَّعْلِيل بقوله: لِأَن الْمَنْقُول (بذلك الْإِسْنَاد) أَي إِسْنَاد ذَلِك اللَّفْظ الَّذِي هُوَ الْمَتْن، وَقَالَ الْمحشِي: وَهُوَ من وضع الظَّاهِر مَوضِع الضَّمِير انْتهى. وَهُوَ ماشٍ على طَرِيقَته.
(من قَوْله) أَي من جنس قَول (صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم أَو من فعله، أَو من تَقْرِيره) قَالَ شَارِح: وَالظَّاهِر قَوْله بِدُونِ " من " انْتهى. وَكَأَنَّهُ بدلٌ من النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَمن للتَّبْعِيض، أَو تمييزٌ من النَّبِي عليه الصلاة والسلام، مثل قَوْلهم: لله دَرُّهُ مِن فَارس، وعَزَّ مِن قَائِل. [135 - أ] و:" أَو " للتنويع، وَهَذَا بِاعْتِبَار الْمَتْن، وَأما بِاعْتِبَار الشَّرْح، فَالْأَمْر ظَاهر لِأَنَّهُ خبر لِأَن.
هَذَا، وَقد أَشَارَ المُصَنّف إِلَى تَعْرِيف الْمَرْفُوع بِحَيْثُ لَا يشذ شَيْء من أقسامه مِمَّا ذكره غَيره فِي الْمَرْفُوع.
قَالَ الْجُمْهُور: الْمَرْفُوع مَا أضيف / إِلَى النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم قولا، أَو فعلا، وَقيل تقريراً أَو همّة، سَوَاء أَضَافَهُ صَحَابِيّ أَو تَابِعِيّ، أَو من بعده حَتَّى يدْخل فِيهِ قَول الْمخْرج وَلَو تَأَخّر: قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ الْخَطِيب: هُوَ مَا أخبر فِيهِ الصَّحَابِيّ عَن قَول النَّبِي عليه الصلاة والسلام، أَو فعله، فَأخْرج مَا يضيفه التَّابِعِيّ فَمن بعده إِلَى النَّبِي عليه الصلاة والسلام، لَكِن الْمَشْهُور هُوَ القَوْل الأول، وَاخْتَارَهُ المُصَنّف وَزَاد قيد التَّقْرِير كَمَا هُوَ مَذْهَب الْبَعْض، وَترك قيد الهِمَّة، إِذْ الهمة خُفْيَة لَا يُطَّلع عَلَيْهَا إِلَّا بقول، أَو فعل.
(مِثَال الْمَرْفُوع من القَوْل تَصْرِيحًا: أَن يَقُول الصَّحَابِيّ) فِيهِ مُسَامَحَة، وَلَو
قَالَ: مَا يَقُول كَمَا قَالَ فِي بعض مَا يَجِيء، لم تكن مُسَامَحَة كَذَا قَالَه محشٍ، وَإِذا قُلْنَا: أَن يَقُول بِمَعْنى القَوْل، وَهُوَ بِمَعْنى الْمَقُول يرجع إِلَى مَا يَقُول، فَلم تكن فِيهِ مُسَامَحَة.
(سَمِعت رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم يَقُول كَذَا، أَو حَدثنَا رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم بِكَذَا) إِشَارَة إِلَى أَنْوَاع التحديث.
(أَو يَقُول هُوَ) أَي الصَّحَابِيّ، (أَو غَيره) [أَي من التَّابِعِيّ] أَو مَن دونه:(قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم كَذَا) أَي بِلَفْظ لَا يحْتَمل التَّدْلِيس.
(أَو عَن رَسُول الله / 95 - ب / صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كَذَا) أَي بِلَفْظ يحْتَملهُ، (وَنَحْو ذَلِك) أَي من أَلْفَاظ التحديث الْمُحْتَمل وَغَيره.
(وَمِثَال الْمَرْفُوع من الْفِعْل تَصْرِيحًا، أَن يَقُول الصَّحَابِيّ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فعل كَذَا) وَمِنْه قَول الصَّحَابِيّ: " كَانَ آخرُ الْأَمريْنِ من رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم تَرْكَ الْوضُوء مِمَّا مسته النَّار ".
(أَو يَقُول هُوَ) أَي الصَّحَابِيّ (أَو غَيره) كالتابعي: (كَانَ [135 - ب] رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم يفعل كَذَا) أَو يتْرك كَذَا.
(وَمِثَال الْمَرْفُوع من التَّقْرِير تَصْرِيحًا، أَن يَقُول الصَّحَابِيّ: فَعَلْتُ) أَي أَنا، وَفِي مَعْنَاهُ: فَعَلَ فلَان، (بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم كَذَا) وَمِنْه قَول الصَّحَابِيّ:" أُكَلِ الضَّبُّ على مائدة رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم "
(أَو يَقُول هُوَ أَو غَيره) كَانَ الأولى [أَن يَقُول] بِدُونِ هُوَ، (فعل فلَان بِحَضْرَة النَّبِي عليه الصلاة والسلام كَذَا، وَلَا يَذكر) أَي الصَّحَابِيّ أَو غَيره (إنكارَه) أَي إِنْكَار النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم (لذَلِك) أَي الْفِعْل الَّذِي فُعِل بِحَضْرَتِهِ من فعل الْمُتَكَلّم، أَو غَيره، سَوَاء قَرَّرَهُ صَرِيحًا أَو حكما بِأَن سكت عَلَيْهِ. قَالَ محشٍ: وَلَا يذكر مَعْرُوف أَو مَجْهُول، وَهُوَ أولى لإفادته نفي الْعَام. انْتهى. وَفِيه أَن إِفَادَة نفي الْعَام مستفادة من عُمُوم فَاعل يذكر، وَهُوَ الصَّحَابِيّ، أَو غَيره.
(وَمِثَال الْمَرْفُوع من القَوْل حكما لَا تَصْرِيحًا:) تصريحٌ بِمَا عُلِمَ ضمنا فِي قَوْله: حكما، فَهُوَ تَأْكِيد لَا تَقْيِيد، (مَا يَقُول الصَّحَابِيّ) قيل " مَا " مَصْدَرِيَّة، وَالْأَظْهَر أَن " مَا " مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة، أَي الحَدِيث الَّذِي يَقُوله الصَّحَابِيّ، أَو حَدِيث يَقُول فِيهِ الصَّحَابِيّ (الَّذِي لم يَأْخُذ عَن الْإسْرَائِيلِيات) أَي من كتب بني إِسْرَائِيل، أَو من
أَفْوَاههم، وَهُوَ احْتِرَاز عَن الصَّحَابِيّ الَّذِي عُرِفَ بِالنّظرِ فِي الْإسْرَائِيلِيات، كَعبد الله بن سَلام، وكعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، فَإِنَّهُ كَانَ حصل لَهُ فِي وقْعَة / اليرموك كتب كَثِيرَة من كتب أهل الْكتاب، وَكَانَ يخبر بِمَا فِيهَا من الْأُمُور المغيبة، حَتَّى كَانَ بعض أَصْحَابه رُبمَا قَالَ: حدِّثنا عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تحدِّثنا من الصَّحِيفَة، ذكر السخاوي. فَقَوله لَا يكون من الْمَرْفُوع حكما لقُوَّة الِاحْتِمَال، ثمَّ قيد بِقَيْد آخر وَهُوَ:(مَا لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهِ) وَمحله النصب على المفعولية ل: يَقُول، وَقَالَ محشٍ: يُمكن أَن يتنازع يَقُول، وَلم يَأْخُذ فِيهِ، [وَفِيه] أَنه يجوز لفظا لكنه يفْسد معنى. قَالَ السخاوي: مثل [136 - أ] حَدِيث: " منْ أَتَى ساحراً أَو عرّافاً، فقد كفر بِمَا أُنْزِلَ على مُحَمَّد صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم " رَوَاهُ ابْن مَسْعُود. وَمن أَمْثِلَة ذَلِك أَيْضا قَول أبي هُرَيْرَة: " وَمَنْ لم يُجِبِ الدعْوَة، فقد عصى الله وَرَسُوله ". وَقَول عمَّار بن يَاسر " منْ صَامَ الْيَوْم الَّذِي يشَكّ فِيهِ فقد عصى أَبَا الْقَاسِم صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم ".
لَكِن قد جوزّ شَيخنَا فِي ذَلِك وَمَا يُشبههُ / 96 - أ / احْتِمَال إِحَالَة الْإِثْم على مَا ظهر من الْقَوَاعِد، بل يُمكن أَن يُقَال ذَلِك أَيْضا فِي الحَدِيث الأول، أما السَّاحر،
فَلقَوْله تَعَالَى: {وَمَا هم بضارين بِهِ من أحد إِلَّا بِإِذن الله} . قلت: الأولى أَن يَقُول: لقَوْله تَعَالَى: {وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين} أَو لقَوْله: {وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا يعلمُونَ النَّاس السحر} ، أَو لقَوْله:{وَمَا يعلمَانِ من أحد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر} أَو لقَوْله: {ويتعلمون مَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ} . وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَمَا هم بضارين} الخ، فإخبار من الله تَعَالَى بِأَنَّهُ لَا يَقع شَيْء إِلَّا بأَمْره وإرادته، وَلَا دلَالَة لَهُ على حِلِّية شَيْء، وَلَا حرمته. قَالَ: وَأما العرَّاف، وَهُوَ المنجم، فَلقَوْله تَعَالَى:{قل لَا يعلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله} قَالَ شَيخنَا: لَكِن الأول [يَعْنِي الحكم لَهَا بِالرَّفْع] أظهر. انْتهى.
على أَن حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَإِن جَاءَ من وَجه آخر عَنهُ بِصُورَة الْمَوْقُوف، فقد جَاءَ من بَعْضهَا بالتصريح بِالرَّفْع، بل فِي " صَحِيح مُسلم " من حَدِيث صَفية عَن بعض أَزوَاج النَّبِي عليه الصلاة والسلام قَالَ:" مَن أَتَى عَرّافاً، فَسَأَلَهُ عَن شَيْء لم تُقْبَلْ لَهُ صلاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَة ". وَمن الْأَدِلَّة للأظهر أَن أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حدث كَعْب الْأَحْبَار بحَدَّيث: " فُقِدت أُمَّةٌ من بني إِسْرَائِيل لَا يُدرى مَا فَعَلت، فَقَالَ لَهُ كَعْب: أَنْت سَمِعت النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم يَقُوله؟
فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَة: نعم، وتكرر ذَلِك مرَارًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَة [136 - ب] أفأقرأ التَّوْرَاة "؟ قَالَ شَيخنَا: فِيهِ أَن أَبَا هُرَيْرَة لم يكن يَأْخُذ من أهل الْكتاب، وَأَن الصَّحَابِيّ الَّذِي يكون كَذَلِك إِذا أخبر بِمَا لَا مجَال للرأي والمجتهد فِيهِ يكون للْحَدِيث حكم الرّفْع. وَهَذَا، وَلَا بُد من قيد آخر عدمي، وَهُوَ قَوْله:
(وَلَا لَهُ) أَي للْحَدِيث أَو للراوي، (تعلق بِبَيَان لُغَة) : أَي ضَبطه، (أَو شرح غَرِيب) أَي تَفْسِير، (كالأحبار) بِكَسْر الْهمزَة، (عَن الْأُمُور) أَي الْأَحْوَال (الْمَاضِيَة) أَي الْمُتَقَدّمَة (من بَدء الْخلق) أَي عَمَّا خلق أَولا قبلٍ خلق السَّمَاء وَالْأَرْض، كَقَوْلِه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم حِين سُئِلَ عَنهُ:" كَانَ الله وَلم يكن شيءٌ قَبْلَه، وَكَانَ عَرْشه على المَاء ثمَّ خلق السَّمَاوَات / وَالْأَرْض، وَالْأَرْض، وَكتب فِي الذّكر كلّ شَيْء " انْتهى لفظ الحَدِيث. [فالعرش وَالْمَاء خلقا قبل السَّمَاوَات والأَرضِين. فالعرش] على المَاء، وَالْمَاء على متن الرّيح، وَالرِّيح قَائِمَة بقدرته الْكَامِلَة، وَالذكر عبارَة عَن اللَّوْح الْمَحْفُوظ (وأخبار الْأَنْبِيَاء) بِفَتْح الْهمزَة أَي وكقصص [الْأَنْبِيَاء](عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام) وأقوالهم، وأفعالهم وأحوالهم.
(أَو الْآتِيَة) أَي الْأُمُور الْمُسْتَقْبلَة، (كالمَلَاحِم) بِفَتْح الْمِيم، جمع المَلْحَم، وَهُوَ المَقْتَل، وَالْمرَاد بهَا الحروب / 96 - ب / لاشتباك النَّاس فِيهَا كالسَّدى واللُّحْمة، أَو لِكَثْرَة لُحُوم الْقَتْلَى فِيهَا، (والفتن) جمع الْفِتْنَة وَهِي أَعم مِمَّا قبله
من الْأُمُور الْوَاقِعَة فِي أَحْوَال الدُّنْيَا (وأحوال يَوْم الْقِيَامَة) أَي مواقفها وأهوالها، (وَكَذَا الْإِخْبَار) بكسرة الْهمزَة، (عَمَّا يحصل بِفِعْلِهِ ثَوَاب مَخْصُوص، أَو عِقَاب مَخْصُوص) قيَّد بِهِ لِأَن مُطلق الثَّوَاب وَالْعِقَاب على الْخَيْر وَالشَّر، للِاجْتِهَاد فِيهِ مدْخل، بِخِلَاف التَّحْدِيد فِيهَا، فَإِن ذَلِك إِنَّمَا يُعْلَم بِالْوَحْي.
(وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ) أَي للْحَدِيث (حكم الْمَرْفُوع لِأَن إخْبَاره) أَي الصَّحَابِيّ (بذلك) أَي الْخَبَر، (يَقْتَضِي مُخْبِراً لَهُ) بِكَسْر الْمُوَحدَة.
قيل: كَانَ عَلَيْهِ أَن يعمه بِحَيْثُ يَشْمَل صورته الاجتهادية أَيْضا، ليَكُون أَعم من المُوقِف بِأَن يَقُول: لِأَن إخْبَاره بِشَيْء يَقْتَضِي [137 - أ] إِمَّا كَونه من عِنْد نَفسه، أَو من مخبِر وحِينئذٍ لم يسْتَدرك قَوْله:
(وَمَا لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهِ يَقْتَضِي مُوقِفاً) بِضَم مِيم، [وَسُكُون وَاو] وَكسر قَاف مُخَفّفَة، أَو مُشَدّدَة أَي: مُعْلِماً أَو مُطْلعاً (للقائل بِهِ) قَالَ محشٍ: الْبَاء مُتَعَلق بالقائل، فَلَو قَالَ: لقائله، لَكَانَ أولى، وَيحْتَمل أَن يتَعَلَّق بقوله مُوقفاً. انْتهى. وَهُوَ فِي غَايَة من الْبعد لفظا وَمعنى. لِأَنَّهُ يُقَال: قَالَ بِهِ، وَلَا يُقَال: أُوقِف بِهِ، بل يُقَال أوقفهُ.
(وَلَا مُوقِف للصحابة) وَفِي نُسْخَة: للصحابي وَالْمرَاد بِهِ الْجِنْس. (إِلَّا النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم) وَأما الْكَشْف والإلهام، فخارجان عَن المبحث لاحْتِمَال الْغَلَط فيهمَا. (أَو بعض مَن يخبر عَن الْكتب الْقَدِيمَة) وَفِي نُسْخَة: الْمُتَقَدّمَة وَهِي الإسرائيلية.
(فَلهَذَا) أَي لكَون حصر المُوقِف فِي هذَيْن الْقسمَيْنِ من النَّوْعَيْنِ الْمَذْكُورين، (وَقع الِاحْتِرَاز) أَي فِيمَا سبق، (عَن الْقسم الثَّانِي) أَي بقوله: لم يَأْخُذ عَن الْإسْرَائِيلِيات، فاختص بالقسم الأول، وَهُوَ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ التلميذ: قَوْله عَن الْقسم الثَّانِي: هُوَ بعض من يخبر عَن الْكتب الْمُتَقَدّمَة، وَقع الِاحْتِرَاز عَنهُ بقوله فِيمَا تقدم: مَا يَقُول الصَّحَابِيّ الَّذِي لم يَأْخُذ عَن الْإسْرَائِيلِيات. انْتهى. وَهُوَ وَاضح.
(وَإِذا كَانَ) أَي الْأَمر، (كَذَلِك) أَي على نَحْو مَا ذكر من الشَّرْط فِي الصَّحَابِيّ، (فَلهُ) أَي فلحديثه الْمَوْقُوف (حكم مَا لَو قَالَ: قَالَ: رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ مَرْفُوع) أَي حكما، (سَوَاء كَانَ مِمَّا سَمعه مِنْهُ) أَي بِغَيْر وَاسِطَة، (أَو عَنهُ بِوَاسِطَة) كلمة مِن للاتصال، وَكلمَة عَن للانقطاع، فَإِذا قيل سَمِعت مِنْهُ يكون سَمَاعه بِلَا وَاسِطَة، وَإِذا قيل عَنهُ يكون بِوَاسِطَة، وَيحْتَمل أَن يكون بِلَا وَاسِطَة وَلذَا قَيده بقوله: عَنهُ بِوَاسِطَة.
وَحَاصِله: أَنه لَا يضرّهُ صِيغَة التَّدْلِيس لِأَن الصَّحَابِيّ عدل ثِقَة مَحْفُوظ
خُصُوصا / 97 - أ / فِي الرِّوَايَة
وَمِثَال / الْمَرْفُوع من [137 - ب] الْفِعْل حكما: أَن يفعل الصَّحَابِيّ مَا لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهِ أَي من الْفِعْل، (فينزَّل) بتَشْديد الزَّاي الْمَفْتُوحَة أَي فَيحمل (على أَن ذَلِك) أَي الْفِعْل، (عِنْده) أَي الصَّحَابِيّ (عَن النَّبِي عليه الصلاة والسلام أَي مستفاداً مِنْهُ بِأَيّ وَجه كَانَ تحسيناً للظن بالصحابة.
وَاسْتشْكل شَارِح بِأَنَّهُ يجوز فعل الصَّحَابِيّ مَا لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهِ لسماعه مِنْهُ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، لَا لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فعله، فَلَا يكون من مَرْفُوع الْفِعْل. انْتهى وَهُوَ مَدْفُوع بِأَن المُرَاد من الْمِثَال أَن يكون فعل الصَّحَابِيّ لَهُ حكم المرفوعٍ، بِأَن لَا يكون من تِلْقَاء نَفسه لاشْتِرَاط مَا لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهِ، بل يكون مأخوذاً مِنْهُ عليه الصلاة والسلام، وَهُوَ أَعم من أَن يكون مستفاداً من قَوْله، أَو فعله، أَو تَقْرِيره صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ
(كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي صَلَاة عليِّ كرم الله وَجهه فِي الْكُسُوف) أَي فِي صلَاته (فِي كل رَكْعَة أَكثر من ركوعين) وَلَعَلَّ هَذَا قولٌ فِي مذْهبه، وَإِلَّا فَالْمَشْهُور من مذْهبه، وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد فِي كل رَكْعَة ركوعان، وَعند أبي حنيفَة رحمه الله رُكُوع وَاحِد، فَمَعْنَى قَوْله: أَكثر من ركوعين غير ظَاهر، قَالَ فِي " الْأَنْوَار " وَهُوَ كتاب مَشْهُور فِي مَذْهَب الشَّافِعِي: أقل صَلَاة الخسوف والكسوف
رَكْعَتَانِ، فِي كل رَكْعَة قيامان وركوعان، وَلَا يُزَاد وَلَا ينقص، وَلَو زيد أَو نقص عَامِدًا بطلت، وناسياً يُتَدَارَك انْتهى. وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ: أَن الشَّافِعِي حمل فعل عليّ كرم الله تَعَالَى وَجهه على أَنه فِي حكم الْمَرْفُوع، ثمَّ رَجَّح غَيره من الْأَدِلَّة المقتصرة على ركوعين على فعله رضي الله عنه.
(وَمِثَال الْمَرْفُوع من التَّقْرِير حكما، أَن يُخبر الصَّحَابِيّ أَنهم كَانُوا) أَي الصَّحَابَة، (يَفْعَلُونَ فِي زمَان النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم كَذَا) أَي بِالْإِضَافَة إِلَى زَمَنه عليه الصلاة والسلام، [لَا] إِلَى حَضرته عليه الصلاة والسلام كَقَوْلِه:" كُنَّا نَأْكُل لُحُوم الْأَضَاحِي [138 - أ] على عهد رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم ". وكقول [جَابر] : " كُنَّا نعزل وَالْقُرْآن يَنْزِل "، أَو " كُنَّا نَأْكُل لُحُوم الْخَيل على عهد رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم "، فَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ
الِاعْتِمَاد وَبِه قَطَع الْحَاكِم وَغَيره من أَئِمَّة الحَدِيث، أَنه مَرْفُوع. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: إِنَّه مَوْقُوف، وَالصَّوَاب الأول.
(فَإِنَّهُ يكون لَهُ حكم الْمَرْفُوع من جِهَة أَن الظَّاهِر اطِّلَاعه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك) أَي على مَا فعله أَصْحَابه فِي زَمَانه، (لتوفر دواعيهم)[أَي لتكثر بواعث الصَّحَابَة (على سُؤَاله) من الْإِضَافَة إِلَى الْمَفْعُول، وَفِي نُسْخَة: على السُّؤَال، (عَن أُمُور دينهم] ، وَلِأَن ذَلِك الزَّمَان [زمَان] نزُول الْوَحْي) أَي الْجَلِيّ، وَحُصُول الْوَحْي الْخَفي. وَفِي نُسْخَة: زمَان تَوَاتر الْوَحْي أَي تتابعه وتعاقبه، وَالْمرَاد / 97 - ب / عدم انْقِطَاعه.
(فَلَا يَقع من الصَّحَابَة فعل شَيْء) بِفَتْح الْفَاء وَيجوز كسرهَا، وَهُوَ مُضَاف إِلَى مَفْعُوله، / (ويستمرون عَلَيْهِ) أَي على ذَلِك الْفِعْل، وَفِيه إِشَارَة إِلَى عدم نُدْرَة وُقُوعه الْمُحْتَمل عدَم اطِّلَاعه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم. (إِلَّا) وَالِاسْتِثْنَاء مفرغ من أَعم الْأَحْوَال، (وَهُوَ) أَي ذَلِك الشَّيْء، (غير منوع الْفِعْل) .
(وَقد اسْتدلَّ جَابر وَأَبُو سعيد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا على جَوَاز العَزْل) أَي فِي الأمَة وَإِن لم يسْتَأْذن، وَفِي الزَّوْجَة بِإِذْنِهَا.
(بِأَنَّهُم كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَالْقُرْآن ينزل، وَلَو كَانَ) أَي الْعَزْل أَي بِذَاتِهِ، (مِمَّا يُنهى عَنهُ [لَنَهَى عَنهُ] الْقُرْآن) وَفِيه إِشَارَة لَطِيفَة إِلَى أَن هَذَا كَأَنَّهُ تَقْرِير رباني، وإيماء إِلَى أَن فعلهم مرضِي سبحاني، فَإِن الله سبحانه وتعالى حَبَّبَ إِلَيْهِم الْإِيمَان وزينه فِي قُلُوبهم، وكرَّه إِلَيْهِم الْكفْر والفسوق والعصيان، وَلِأَن الله تَعَالَى ارتضاهم لصحبة نبيه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، واختارهم لتقوية دينه وجعلهم خير أمّة أُخرجت للنَّاس يأمرون بِالْمَعْرُوفِ، وينهَون عَن الْمُنكر، وَلذَا قَالَ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم:[138 - ب]" خير الْقُرُون قَرْني " وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ ".
(ويلتحق بِقَوْلِي) أَي فِي الْمَتْن، (حكما) أَي قولٌ حكمي وَهُوَ (مَا ورد
بِصِيغَة الْكِنَايَة فِي مَوضِع الصِّيَغ) جمع الصِّيغَة أَي الْكَلِمَة (الصَّرِيحَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ عليه الصلاة والسلام يَعْنِي مَا ورد بالصيغ الَّتِي كنّى بهَا أَصْحَاب الحَدِيث عَن قَوْلهم: قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ إِمَّا لكَونه رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، أَو اختصاراً، أَو غير ذَلِك. قَالَ ابْن الصّلاح: وَحكم ذَلِك عِنْد أهل الْعلم حكم الْمَرْفُوع، وَمُقْتَضَاهُ الِاتِّفَاق. وَقد صرح بِهِ النَّوَوِيّ.
(كَقَوْل التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ: يرفع الحَدِيث) أَو رَفعه أَو مَرْفُوعا، كَحَدِيث سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس:" الشِّفَاء فِي ثَلَاث: شَرْبَة عَسَلٍ، وشَرطَةِ مِحْجَمٍ، وكَيَّةِ نارٍ، وأنْهى أُمُتي عَن الكي " رفع الحَدِيث.
(أَو يرويهِ أَو ينْمِيه) بِفَتْح أَوله، وَسُكُون النُّون، وَكسر الْمِيم، أَي ينْسبهُ ويسنده. يُقَال: نَمَيْتُ الحَدِيث إِلَى غَيْرِي نَمْياً، إِذا أسندته أَو رفعته، كَحَدِيث مَالك عَن أبي حَازِمٍ عَن سهل بن سعد قَالَ:" كَانَ النَّاس يؤمرون أَن يضع الرجل يَده الْيُمْنَى على ذراعه الْيُسْرَى فِي الصَّلَاة ". قَالَ أَبُو حَازِم لَا أعلم إِلَّا أَنه ينمي ذَلِك.
(أَو رِوَايَة) بِالنّصب على المصدرية كَحَدِيث سُفْيَان عَن الزُّهري عَن سعيد بن
المسيّب عَن أبي هُرَيْرَة رِوَايَة: " الفِطْرَةُ خمْس "
(أَو يَبْلُغ بِهِ) كَحَدِيث مُسلم عَن أبي الزِّناد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة يَبْلُغُ بِهِ: " النَّاس تَبَعٌ لقريش " وَبِه عَن أبي هُرَيْرَة رِوَايَة: " تُقَاتِلون قوما / 98 - أ / صِغارٍ الأعْيُن ".
(أَو رَوَاهُ) أَي بِصِيغَة الْمَاضِي، وَكَأَنَّهُ أقلّ اسْتِعْمَالا من الْمُضَارع، والمصدر وَلذَا أَخّرهُ عَنْهُمَا وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.
(وَقد يقتصرون) أَي المحدثون (على القَوْل مَعَ حذف الْقَائِل) أَي اختصاراً بِنَاء على الوضوح، (ويريدون بِهِ) أَي بالقائل، (النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ
وَسلم كَقَوْل ابْن [139 - أ] سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:) أَي أَبُو هُرَيْرَة، (قَالَ) أَي النَّبِي عليه الصلاة والسلام:
(" تقاتلون قوما
…
" الحَدِيث) تَمَامه " صغَار الْأَعْين، تسوقونهم ثَلَاث مَرَّات حَتَّى تُلحِقُوهم بِجَزِيرَة الْعَرَب، فَأَما فِي السِّيَاقة / الأولى، فينجو من هرب " مِنْهُم، وَأما فِي الثَّانِيَة فينجو بعض، ويَهْلِك بعض، وَأما وَفِي الثَّالِثَة فيَصْطَلِمُون "، أَو كَمَا قَالَ. انْتهى. وصغار الْأَعْين: التّرْك، وجزيرة الْعَرَب: مَا أحَاط بهَا بَحر الْحَبَشَة، وبحر فَارس، ودجلة والفرات، وَاصْطلمَ: أَي هلك.
(وَفِي كَلَام الْخَطِيب أَنه) أَي الِاقْتِصَار على القَوْل مَعَ حذف الْقَائِل، (اصْطِلَاح خَاص بِأَهْل الْبَصْرَة) أَي مِنْهُم ابْن سِيرِين وَغَيره، وتحقيقه مَا قَالَ ابْن سِيرِين: كل شَيْء حَدَّثْتُ بِهِ عَن أبي هُرَيْرَة فَهُوَ مَرْفُوع. وَقَالَ الْخَطِيب عقبه: قلت للبرْقَاني: أحْسَب أَن مُوسَى غَنَى بِهَذَا القَوْل أَحَادِيث ابْن سِيرِين خاصه، فَقَالَ: كَذَا [تَحْسِب؟] .
(وَمن الصِّيَغ المحتملة) أَي لِأَن يكون مَرْفُوعا أَو مَوْقُوفا، (قَول الصَّحَابِيّ: من السّنة كَذَا) كَقَوْل عَليّ كرم الله وَجهه: " مِن السنَّه وضع الْكَفّ على الْكَفّ فِي
الصَّلَاة تَحت السُّرَّة ". ذكره السخاوي. قَالَ التلميذ: قَالَ المُصَنّف: وَمن الْوُجُوه المرجِّحة بِأَنَّهَا سنةُ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، إِذا قَالَهَا كبراء الصَّحَابَة كَأبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مثلا، إِذْ لَيْسَ قبله إِلَّا سنَّه النَّبِي عليه الصلاة والسلام، وَمِنْهَا أَن يُورِدهُ فِي مقَام الِاحْتِجَاج لِأَن الصَّحَابَة مجتهدون، والمجتهد لَا يقلِّد مُجْتَهدا آخر، فَصُرِف إِلَى سنَّة النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم.
(فالأكثر) أَي الْجُمْهُور من الْمُحدثين وَالْعُلَمَاء [139 - أ] على (أَن ذَلِك) أَي قَوْله: من السنَّة كَذَا، (مَرْفُوع) أَي حكما.
(وَنقل ابْن عَبْدِ البَر فِيهِ) أَي فِي قَول الصَّحَابِيّ الْمَذْكُور. (الِاتِّفَاق) وَأطلق الْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ اتِّفَاق أهل النَّقْل على الرّفْع. قَالَ السخاوي: وَخص ابْن الْأَثِير نفيَ الْخلاف بِأبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ خَاصَّة، إِذا لم يتأمَّر عَلَيْهِ أحد غير النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، بِخِلَاف غَيره، فقد تَأمر عَلَيْهِم أَبُو بكر رضي الله عنه وَغَيره، (قَالَ:) أَي ابْن عبد البَر فِي مَسْأَلَة التَّابِعِيّ:
(وَإِذا قَالَهَا) أَي الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة الشاملة للسّنة، وَهُوَ قَوْله: من السنَّة كَذَا، أَو السنَّة الْمُطلقَة، (غير الصَّحَابِيّ) أَي التَّابِعِيّ، (فَكَذَلِك) أَي مَرْفُوع حكما بالِاتِّفَاقِ. قَالَ التلميذ: قَوْله: إِذا قَالَهَا غير التَّابِعِيّ / 98 - ب /، فَكَذَلِك، يظْهر مِنْهُ أَن هَذَا من التَّنْبِيه بالأدنى على الْأَعْلَى، فَإِذا قَالَهَا التَّابِعِيّ، فَهُوَ من بَاب أولى انْتهى. وَهُوَ مُخَالف للنُسخ المتعمدة وَالله أعلم.
(مَا لم يضفها) أَي ينسبها (إِلَى صَاحبهَا) أَي السنَّة، (كسنَّة العمرين) أَي أبي بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وغُلِّب عمر لكَونه أخفِّ وأخصر، ولتقابله بالقمرين لفظا، وَإِن كَانَ تَغْلِيب الْقَمَر على الشَّمْس لكَونه مذكراً لفظا.
وَأما مَا اشْتهر على أَلْسِنَة الْعَامَّة من قَوْلهم: " اللَّهُمَّ أيِّدِ الْإِسْلَام بِأحد العُمرَين " المُرَاد بهما عمر بن الْخطاب رضي الله عنه، وَعَمْرو بن هِشَام المكنَّى بِأبي الحكم فِي الْجَاهِلِيَّة، وكناه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم بِأبي جهل فِي الْإِسْلَام، فَلَا أصل لَهُ بِهَذَا اللَّفْظ [140 - أ] . نعم روى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا بِلَفْظ: " اللَّهُمَّ أيد الْإِسْلَام بأحبّ هذَيْن الرجلَيْن إِلَيْك: بِأبي جهل،
أَو بعمر بن الْخطاب ". وروى الْحَاكِم عَن عَائِشَة [بِلَفْظ] : " اللَّهُمَّ أعزَّ الْإِسْلَام بعمر بن الْخطاب ". قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي الْجمع بَين اللَّفْظَيْنِ: إِنَّه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم دَعَا بِالْأولِ، فَلَمَّا أُوحِي إِلَيْهِ أَن أَبَا جهل لن يسلم خص عمر بدعائه فَأُجِيب فِيهِ.
(فَفِي [نقل] الِاتِّفَاق نظر) أَي فَإِن الْخلاف مَوْجُود: (فَعَن الشَّافِعِي) هُوَ وَجه النّظر، فالفاء للتَّعْلِيل أَي لِأَن عِنْده (فِي أصل الْمَسْأَلَة قَولَانِ) ، فَفِي الْقَدِيم أَن ذَلِك مَرْفُوع إِذا صدر من الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ وَقَالَ فِي الْجَدِيد: لَيْسَ بمرفوع.
(وَذهب إِلَى أَنه غير مَرْفُوع أَبُو بكر الصَّيْرَفِي) صَاحب " الدَّلَائِل "(من الشَّافِعِيَّة، وَأَبُو بكر الرَّازِيّ) صَاحب " شرعة الْإِسْلَام "(من الْحَنَفِيَّة، وَابْن حَزْم) بِفَتْح مُهْملَة وَسُكُون زَاي (من أهل الظَّاهِر) ، هم جمَاعَة كَبِيرهمْ دَاوُد الظَّاهِرِيّ، وهم الَّذين لَا يُؤِّلون الْأَحَادِيث بل يُجرُونَها على ظَاهرهَا. قَالَ محش: وَفِي كثير من النّسخ: أهل النّظر، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ مَا رَأينَا نُسْخَة وَاحِدَة، وَهُوَ مَعَ مُخَالفَته للرواية غير مُوَافق للدراية.
وَاحْتَجُّوا أَي المانعون من كَونه مَرْفُوعا لوُجُود الِاحْتِمَال (بِأَن السنَّة تتردَّدُ بَين النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَبَين غَيره) أَي من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، فقد سَمَّاهَا النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم سنة فِي قَوْله عليه الصلاة والسلام:" عَلَيْكُم بِسنتي وسنَّة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين بعدِي "، واندفع بتقريرنا هَذَا مَا قَالَ محش: هَذَا الدَّلِيل إِنَّمَا يدل [140 - ب] على بطلَان مَا ادّعى الْخصم من الْجَزْم بِالرَّفْع، وَلَا يدل على مدعاهم من الْجَزْم بِعَدَمِ الرّفْع. انْتهى.
وَبَيَانه أَنه إِذا دلّ على بطلَان مَا ادّعى الْخصم من الْجَزْم بِالرَّفْع، حصل مدعاهم من الْجَزْم بعد الرّفْع، لِأَن الْعَدَم هُوَ الأَصْل، وَمَعَ وجود الِاحْتِمَال لَا يحْتَمل الِاسْتِدْلَال، مَعَ أَنهم مَا يدعونَ / 99 - أ / الْجَزْم بِعَدَمِ الرّفْع، بل يَقُولُونَ: حَيْثُ تُرَدَّد السَّنة بِأَن تطلق تَارَة على سنته صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَتارَة على سنَّة غَيره، لَا نقُول بِأَنَّهُ فِي حكم الْمَرْفُوع لاحْتِمَال أَن يكون مَوْقُوفا. وَالْمَسْأَلَة ظنية لَا يقينية حَتَّى يَقُول أحدهم بِالْجَزْمِ، وَالْقطع، وَلذَا قَالَ:
(وأُجيبوا: بِأَن احْتِمَال إِرَادَة غير النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم بعيد) يَعْنِي وَغَلَبَة الظَّن كَافِيَة فِي الْمَسْأَلَة. قَالَ محش: أَي أُجِيب اعتراضهم، فالإسناد مجَاز، فَالْأَظْهر أُجِيب أَو أجابوا، وَهُوَ غَرِيب لأَنهم إِذا أجابوا، فهم أجِيبُوا. وَأغْرب شَارِح
وَقَالَ: فكثيراً مَا يعبرون بِهِ عَن سنَّة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، وَقد يطلقونه ويريدون بِهِ سنَّة الْبَلَد، وَهَذَا الِاحْتِمَال وَإِن قيل بِهِ فِي الصَّحَابِيّ، فَهُوَ فِي التَّابِعِيّ أقوى، فَلذَلِك اخْتلف الحكم فِي الْمَوْضِعَيْنِ. انْتهى وَوجه غرابته إِطْلَاق السنَّة على سنَّة الْبَلَد، فَإِنَّهُ مَعَ عدم صِحَّته، إِلَّا على زَعمه فِي بَلَده، خَارج عَمَّا نَحن فِيهِ بصدده مَعَ أنّ قَوْله: فَلذَلِك اخْتلف الحكم فِي الْمَوْضِعَيْنِ، غير صَحِيح لما سبق من أَنه لَا فرق بَينهمَا فِي اخْتِلَاف الحكم.
(وَقد روى البُخَارِيّ فِي " صَحِيحه ") بِمَنْزِلَة التَّعْلِيل لقَوْله: بَعيدٌ المتضمن لدَلِيل الْأَكْثَرين، (فِي حَدِيث ابْن شهَاب) هُوَ [141 - أ] الزُّهْرِيّ من صغَار / التَّابِعين، (عَن سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قصَّته) أَي ابْن عمر أَو سَالم (مَعَ الْحجَّاج) بِفَتْح أوَّله، أَي كثير الحُجَّة، وَهُوَ ابْن يُوسُف أَمِير أُمَرَاء عبد الْملك بن مَرْوَان، قيل: قَتَلَ مئةً وَعشْرين ألفا من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ والسادات وَالصَّالِحِينَ صبرا، غير مَا قتل مِنْهُم فِي الْمُحَاربَة، (حَيْثُ قَالَ) أَي سَالم حَقِيقَة، وَابْن عمر حكما، (لَهُ:) [أَي للحجاج] :
(" إِن كنت تريدُ السّنة فهَجِّر) بتَشْديد الْجِيم الْمَكْسُورَة أَي بَادر (الصَّلَاة ")
أَي إِلَيْهَا، إِذْ التهجير التبكير إِلَى كل صَلَاة، كَذَا فِي " التَّاج ". والقضية على مَا نَقله السخاوي عَن البُخَارِيّ، أَن الحجَّاج عامَ نزل بِابْن الزبير سَأَلَ عبد الله، يَعْنِي ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا؛ كَيفَ تصنع فِي الْموقف يَوْم عَرَفَة؟ فَقَالَ سَالم:" إِن كنت تُرِيدُ السنَّة فَهجر بِالصَّلَاةِ يَوْم عَرَفَة ". فَقَالَ ابْن عمر: " صدق إِنَّهُم كَانُوا يجمعُونَ بَين الظّهْر وَالْعصر فِي السنَّة ". انْتهى.
وَفِي كَلَام ابْن عمر زِيَادَة إِفَادَة أنّ هَذِه سنَّة واظب عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم [وأصحابُه]، لَكِن لما كَانَ موهماً أَن يكون سنَّة [الْخُلَفَاء] فَقَط (قَالَ ابْن شهَاب: فَقلت لسالم: أفَعَله) أَي التهجير، (رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:) أَي سَالم: (وَهل يعنون) أَي السّلف هُوَ اسْتِفْهَام إِنْكَار، أَي لَا يُرِيدُونَ (بذلك) أَي بِإِطْلَاق / 99 - ب / السّنة، (إِلَّا سنته) أَي سنة النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم!) أَي غَالِبا.
(فَنقل سَالم - وَهُوَ) أَي وَالْحَال أَن سالما (أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة) وهم: ابْن
المسَّيب [141 - ب /، وَالقَاسِم [بن مُحَمَّد] بن أبي بكر الصّديق، وَعُرْوَة بن الزُّبير، وخَارِجَة بن زيد، وَسليمَان بن يَسَار، وَعبد الله بن عُتْبَة بن مَسْعُود، وَالسَّابِع أَبُو سَلَمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: سَالم بن عبد الله بن عمر. وَقَالَ أَبُو الزِّناد: أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن حَارِث بن هِشَام، فَهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
(من أهل الْمَدِينَة) الَّذين يصدرون عَن رَأْيهمْ وعلمهم، واشتهروا فِي الْآفَاق، ولعلهم المعنيون بقوله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم:" يُوشك أَن يَضربَ النَّاس أكباد الْإِبِل يطْلبُونَ الْعلم لَا يَجدونَ أحدا أعلمَ من عَالم الْمَدِينَة " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ.
وَالْحَاصِل: أَن نَقله وَهُوَ أحد الْفُقَهَاء على خلاف.
(وَأحد الْحفاظ من التَّابِعين -) بالِاتِّفَاقِ.
(عَن الصَّحَابَة: أَنهم إِذا أطْلقُوا السنَّة لَا يُرِيدُونَ بذلك إِلَّا سنَّة النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم) لأنّ مقصودهم بيانُ الشَّرْع، وَلِأَن السنِّة لَا تَنْصَرِف بظاهرها حَقِيقَة إِلَّا إِلَى الشَّارِع فَإِنَّهُ الْفَرد الْأَكْمَل، وَلِأَنَّهُ أصل، وسنَّة غَيره وَإِنَّمَا هُوَ تبع فِي كَلَامهم فحَمْل كَلَامهم على الأَصْل أولى.
(وَأما قَول بَعضهم:) أَي الْخلف، (إِن كَانَ) أَي الحَدِيث الَّذِي عبِّر عَنهُ بالسنَّة
(مَرْفُوعا فلِمَ لَا يَقُولُونَ) أَي السّلف (فِيهِ: قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم؟) أَي لَو كَانَ، لقالوا فِيهِ: قَالَ.
(فَجَوَابه: أَنهم) أَي السّلف، (تركُوا الْجَزْم بذلك) أَي بذلك القَوْل وعبروا عَنهُ بالصيغة الَّتِي ذكرهَا الصَّحَابِيّ (تورعاً واحتياطاً) فِي الرِّوَايَة [142 - أ] .
(وَمن هَذَا) أَي [مِمَّا] تُرِك الْجَزْم فِيهِ / تورعاً: (قَول أبي قِلابة) بِكَسْر الْقَاف (عَن أنسٍ: " من السنَّة إِذا تزوج) أَي أحد، (البِكر على الثِّيب أَقَامَ عِنْدهَا سبعا ". أَخْرجَاهُ) أَي الشَّيْخَانِ (فِي الصَّحِيح) أَي كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي صَحِيحه لَا فِي غَيره من كتبه إِشَارَة إِلَى كَمَال صِحَّته.
(قَالَ أَبُو قِلابة: لَو شئتُ لقلتُ: إِن أنسا رَفعه إِلَى النَّبِي عليه الصلاة والسلام، أَي لَو قلت لم أكذب) بالتحفيف [أَي لست كَاذِبًا]، وَقيل: بِالتَّشْدِيدِ
مَجْهُولا، أَي لم أنسب إِلَى الْكَذِب؛ (لِأَن قَوْله: من السنَّة، هَذَا) أَي الرّفْع (مَعْنَاهُ، لَكِن إِيرَاده بالصيغة الَّتِي ذكرهَا الصَّحَابِيّ أولى) أَي كَمَا لَا يخفى.
(وَمن ذَلِك) أَي من الصِّيَغ المحتملة للرفع وَالْوَقْف. وَقَالَ محش: أَي وَمِمَّا تُرك فِيهِ الْجَزْم تورعاً انْتهى. وَهُوَ غير صَحِيح؛ لِأَنَّهُ (قَول الصَّحَابِيّ: أُمرنا بِكَذَا، أَو نُهينا عَن كَذَا،) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فيهمَا، كَقَوْل أمِّ عَطِيَّة:" أَمَرَنَا أنْ نُخْرِج فِي الْعِيدَيْنِ / 100 - أ / العَوَاتِق وَذَوَات الخُدور، وأَمَر الحُيَّضِ - بِضَم الْحَاء، تَشْدِيد الْيَاء جمع حَائِض - أَن يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسلمين ". " ونُهِينا عَن اتِّباع الجَنائز ".
(فَالْخِلَاف فِيهِ)[أَي فِي هَذَا](كالخلاف فِي الَّذِي قبله) أَي فِي قَوْله: من السنَّة كَذَا، وَهُوَ أَن الْوَقْف مَذْهَب الْبَعْض، والرفعَ مَذْهَب الْأَكْثَر الَّذِي هُوَ الصَّحِيح.
(لِأَن مُطلق ذَلِك) أَي مَا ذكر من الْأَمر وَالنَّهْي، (ينْصَرف بِظَاهِرِهِ إِلَى مَن لَهُ الْأَمر وَالنَّهْي، وَهُوَ الرَّسُول صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم) .
(وَخَالف) وَفِي نُسْخَة: وَخَالفهُم (فِي ذَلِك)[142 - ب] أَي فِي كَونه مَرْفُوعا وحكموا بِأَنَّهُ مَوْقُوف، (طَائِفَة) مِنْهُم الْإِسْمَاعِيلِيّ، (وتمسكوا بِاحْتِمَال أَن يكون المُرَاد غَيره) أَي غير النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم (كأمر الْقُرْآن أَو الْإِجْمَاع) بِنِسْبَة الْأَمر الْمجَازِي إِلَيْهَا. أَو بعض الْخُلَفَاء، وَفِي معناهم بعض الْأُمَرَاء (أَو الاستنباط) أَي الِاجْتِهَاد.
(وأجيبوا: بِأَن الأَصْل) أَي فِي الْأَمر (هُوَ الأول) وَهُوَ أمره صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ حَقِيقَة، (وَمَا عداهُ مُحْتَمل لكنه) أَي الْمُحْتَمل (بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ) أَي إِلَى الأَصْل الَّذِي هُوَ الأول، (مَرْجُوح) لكَونه إِمَّا مجَازًا، أَو لِأَنَّهُ تبع، وَلَا اعْتِبَار للفرع مَعَ وجود الأَصْل.
(وَأَيْضًا) جعله وَجها آخر فِي الْجَواب، وَهُوَ ظَاهر، وَيُمكن تَقْرِيره بِوَجْه يكون دَلِيلا على مَا ذُكر فِي الْجَواب من كَون الأول راجحاً، وَالثَّانِي مرجوحاً.
(فَمن كَانَ فِي طَاعَة رَئِيس) وَهُوَ مرجع أهلِ بلدٍ فِي الْأَمر وَالنَّهْي، (إِذا (قَالَ:) فَاعله ضمير مَن (أُمِرْتُ، لَا يفهم عَنهُ) أَي عَن قَوْله: أَن آمرِه) بِصِيغَة الْفَاعِل ( [لَيْسَ] إِلَّا رئيسه) أَي غير رئيسه الَّذِي هُوَ الأَصْل فِي الْبَلَد، ومدار الْأَمر وَالنَّهْي عَلَيْهِ، فإلا بِمَعْنى غير، على مَا هُوَ مَذْهَب الْبَعْض فِيمَا إِذا لم تكن " إِلَّا " تَابِعَة لجمع منكور غير مَحْصُور، وَحقّ الْعبارَة أَن يَقُول: لَا يُفْهَم إِلَّا أَنَّ
آمره رئيسه، بِتَقْدِيم إِلَّا، أَو: لَا يُفْهم آمره إِلَّا رئيسه بحَذف أَن، أَي لَا يفهم آمره على صفة إِلَّا [على] صِفة كَونه رَئِيسا لَهُ، أَو يفهم أَن آمره لَيْسَ إِلَّا رئيسه، وَالْأَظْهَر أَن يُقَال: لَا يفهم مِنْهُ إِلَّا أَن آمره لَا يكون / إِلَّا رئيسه، وَحَاصِل معنى كَلَامه: أَنه لَا يفهم مِنْهُ أَن آمره [143 - أ] غير رئيسه بل يفهم مِنْهُ أَنه رئيسه.
(وَأما قَول من يَقُول:) أَي تمسكاً على عدم الرّفْع، (يحْتَمل أَن يظنّ) أَي الرَّاوِي، (مَا لَيْسَ بِأَمْر أمرا) أَي قَالَ فِي نفس الْأَمر، فَلَا يَصح أَن يَقُول: أمرنَا
(فَلَا اخْتِصَاص) أَي فَجَوَابه أَنه لَا اخْتِصَاص (لَهُ) أَي لاحْتِمَال الظَّن حِينَئِذٍ (بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة، بل هُوَ مَذْكُور) الأولى متصوَّر (فِيمَا لَو صرح) أَي الرَّاوِي، (فَقَالَ: أمرنَا رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم بِكَذَا) أَي [أَيْضا](وَهُوَ) أَي احْتِمَال الظَّن (احْتِمَال ضَعِيف) أَي / 100 - ب / فِي: أُمِرنا مَجْهُولا، وَفِي: أَمَرنا مَعْلُوما أَضْعَف وأضعف.
(لِأَن الصَّحَابِيّ عَدْلٌ) تَمنعهُ عَدَالَته أَن يعبر بِالْأَمر بِنَاء على ظنٍ ضَعِيف، (عارفٌ بِاللِّسَانِ) أَي بِلِسَان الْعَرَب حَقِيقَة، ومجازاً، وَصِحَّة وجوازاً، (فَلَا يُطْلِق) أَي الصَّحَابِيّ (ذَلِك) أَي الْأَمر، (إِلَّا بعد التَّحْقِيق) أَي بعد تَحْقِيق الْأَمر، وتثبيت جَوَاز إِطْلَاقه.
(وَمن ذَلِك قَوْله:) أَي الصَّحَابِيّ: (كُنَّا نَفْعل كَذَا) أَي فِي زمن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، [أَي مِمَّا يَحْتَمِل الْمَرْفُوع] وَهَذَا مثل مَا تقدم مِثَالا لِلْمَرْفُوعِ من التَّقْرِير حكما قَول الصَّحَابِيّ: إِنَّهُم كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي زمَان النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم كَذَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ المُصَنّف [بقوله] :
(فَلهُ حكم الرّفْع أَيْضا كَمَا تقدم) فَيكون هَذَا تنظيراً لَا تمثيلاً، فَلم يرد عَلَيْهِ أنَّ عَدَّ هَذَا من الصِّيَغ المحتملة - وَذَلِكَ من الْمَرْفُوع حكما - لَا يخلوا من تحكم. قَالَ محشٍ: ولعلهم يفرقون بَين: " كنّا نَفْعل "، وَبَين:" كُنَّا نَفْعل فِي زمن النَّبِي عليه الصلاة والسلام ". ثمَّ رَأَيْت التلميذ ذكر فِي حَاشِيَته أَنه قَالَ المُصَنّف: كُنَّا نَفْعل كَذَا، أحطّ رُتْبَة من قَوْلهم:" كُنَّا نَفْعل فِي عهد النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم "، لِأَن هَذَا وَإِن أوردهُ محتجاً بِهِ يحْتَمل أَن يُرِيد الْإِجْمَاع، أَو تَقْرِير النَّبِي عليه الصلاة والسلام، فالاحتجاج صَحِيح. وَفِي كَونه من التَّقْرِير التَّرَدُّد. انْتهى. وَلِهَذَا لَهُ حكم الرّفْع عِنْد الْحَاكِم، وَالْإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ، وَمَوْقُوف عِنْد جُمْهُور من الْمُحدثين، وَأَصْحَاب الْفِقْه وَالْأُصُول، وَكَذَا عِنْد ابْن الصّلاح والخطيب.
(وَمن ذَلِك أَن يحكم الصَّحَابِيّ على فعل من الْأَفْعَال بِأَنَّهُ طَاعَة لله أَو لرَسُوله،