الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[زِيَادَة الثِّقَة] )
(وَزِيَادَة راويهما) وَفِي نُسْخَة: رواتهما، (أَي الصَّحِيح وَالْحسن، مَقْبُولَة) إِذْ لَيْسَ فِيهَا سَبَب الردّ. وأضاف الرَّاوِي إِلَيْهِمَا لِأَن الْكَلَام فِي الثِّقَة، فَزِيَادَة غَيرهمَا بل رُوَاته مُطلقًا غير مَقْبُولَة، (مَا لم تقع) أَي الزِّيَادَة (مُنَافِيَة لرِوَايَة مَن) أَشَارَ فِي الشَّرْح إِلَى تَقْدِير مُضَاف فِي الْمَتْن.
(هُوَ أوثق) أَي من راويهما فَمن التفضيلية مقدرَة مَعَ مدخولها وَبَين من بقوله:
(مِمَّن لم يذكر تِلْكَ الزِّيَادَة) نُوقِشَ بِأَنَّهُ لَو وَقعت الزِّيَادَة مُنَافِيَة لرِوَايَة من هُوَ مسَاوٍ لَهُ فِي الوثوق لَا يُقْبل بل يتَوَقَّف فِيهَا مَعَ أَنه يصدق عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا لم تقع مُنَافِيَة لرِوَايَة من هُوَ أوثق، ودُفع بِأَن المُرَاد من قَوْله: مَقْبُولَة، غير مَرْدُودَة قطعا [فَيصدق على مَا وَقعت الزِّيَادَة مُنَافِيَة للمساوي فِي الثِّقَة أَنَّهَا غير مَرْدُودَة قطعا] .
وَالْأَظْهَر فِي الْجَواب: أَن التَّوَقُّف يَقْتَضِي عدم الْعَمَل لَا الرَّد أَلا ترى إِلَى مَا سَيَأْتِي من تَقْسِيم المقبول إِلَى معمولٍ بِهِ. وَغير مَعْمُول بِهِ؟
(لِأَن الزِّيَادَة إِمَّا أَن تكون لَا تنَافِي) أَي لَا تَعَارُض (بَينهَا) أَي بَين رِوَايَة من ذكر الزِّيَادَة (وَبَين راوية من لم يذكرهَا، فَهَذِهِ) أَي الزِّيَادَة، (تُقبل مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَت فِي اللَّفْظ، أم فِي الْمَعْنى، تعلق بهَا حكم شَرْعِي، أم لَا، غيرت الحكم الثَّابِت [63 - ب] أم لَا، أوجبت نقصا من أَحْكَام ثبتَتْ بِخَبَر آخر أم لَا، علم اتِّحَاد الْمجْلس أم لَا، كثر الساكتون عَنْهَا أم لَا. ذكره السخاوي. وَزَاد الْعِرَاقِيّ بقوله: سَوَاء كَانَ ذَلِك من شخص واحدٍ بِأَن رَوَاهُ مرّة نَاقِصا وَمرَّة بِتِلْكَ الزِّيَادَة، أَو كَانَت الزِّيَادَة من غير من رَوَاهُ نَاقِصا.
(لِأَنَّهَا أَي الزِّيَادَة) حِينَئِذٍ (فِي حكم الحَدِيث المستقل الَّذِي ينْفَرد بِهِ) أَي بروايته (الثِّقَة) أَي الْمُعْتَمد فِي الضَّبْط وَالْعَدَالَة، (وَلَا يرويهِ عَن شَيْخه غَيره) عطف تَفْسِير للتفرد.
(وَإِمَّا أَن تكون) أَي الزِّيَادَة، (مُنَافِيَة) / بِأَن تُعارِضَ روايةُ من ذكر الزِّيَادَة رِوَايَة من لم يذكرهَا تَعَارضا لَا يُمكن الْجمع بَينهمَا أصلا (بِحَيْثُ يلْزم من قبُولهَا) أَي الزِّيَادَة (رد الرِّوَايَة الْأُخْرَى) كَمَا أَنه يلْزم من قبُول الرِّوَايَة الْأُخْرَى رد الزِّيَادَة / 47 - أ / عَلَيْهَا.
(فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَقع التَّرْجِيح بَينهَا وَبَين معارضها)[يَعْنِي أَن هَذِه الزِّيَادَة قد يَقع التَّرْجِيح بَينهَا وَبَين منافيها] .
(فَيقبل الرَّاجِح) لكَون راوية أوثق، أَو شَيْء آخر فِيمَا إِذا كَانَت مُنَافِيَة لرِوَايَة من هُوَ مسَاوٍ.
(ويردُ الْمَرْجُوح) سَوَاء كَانَ الْمُرَجح فِي جَانب رَاوِي الزِّيَادَة، أَو غَيره. وَهَذَا إِذا وجد الْمُرَجح، وَأما إِذا لم يُوجد كَمَا إِذا كَانَ زِيَادَة الرَّاوِي مُنَافِيَة رِوَايَة من هُوَ مثله فِي جَمِيع الْجِهَات لَا أدنى مِنْهُ وَلَا أوثق، فَلَا يَقع التَّرْجِيح هُنَاكَ بل يُتَوقف فيهمَا كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِيمَا سبق.
ثمَّ هَذَا الَّذِي حررناه يَشْمَل مَا إِذا كَانَ قَوْله: لِأَن الزِّيَادَة
…
إِلَخ تقسيماً للزِّيَادَة، أَو تعليلاً لما فِي الْمَتْن. فَقَوْل تِلْمِيذه: هَذَا تَقْسِيم للزِّيَادَة لَا تَعْلِيل لما وَقع فِي الْمَتْن، هَذَا هُوَ الظَّاهِر من السُّوق، فَإِن اعْتَبرهُ المُصَنّف تعليلاً فَهُوَ أَعم مِمَّا فِي الْمَتْن. انْتهى مناقشة فِي غير مَحَله، فَإِن اعْتِبَار الْأَعَمّ لَا شكّ أَنه أتم، مَعَ أَنه قد تقدم أَن الشَّيْخ رَحمَه الله تَعَالَى جعل مَتنه وَشَرحه ككتاب واحدٍ بِالضَّمِّ
ثمَّ قَول التلميذ: وَكَانَ اللَّائِق بِالتَّعْلِيلِ أَن يَقُول: لِأَن المنافية لرِوَايَة من هُوَ أوثق مُعَارضَة بأرجح، فَلم تقبل وَالَّتِي لم تناف بِمَنْزِلَة حَدِيث مُسْتَقل، وَيفهم مِنْهُ مَا نافى وَلَيْسَ بأوثق أَنه يقدم. انْتهى. غير لَائِق لما تقرر أَنه أَتَى بِعِبَارَة شَامِلَة للتَّعْلِيل وَالزِّيَادَة.
[64 - أ] مَعَ زيادات من الإفادة الدَّالَّة على أَن مَا نافى وَلَيْسَ بأوثق باحتماليه غير مقدم على مَا تحقق.
وَأعلم أَن معرفَة زِيَادَة الثِّقَة فن لطيف يستحسن الْعِنَايَة لما يُسْتَفَاد بِالزِّيَادَةِ من الْأَحْكَام، وَتَقْيِيد الْإِطْلَاق وإيضاح الْمعَانِي وَغير ذَلِك، وَإِنَّمَا يُعْرف بِجمع الطّرق الْأَبْوَاب، وَقد كَانَ إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة لجمعه بَين الْفِقْه والْحَدِيث مشاراً إِلَيْهِ بِحَيْثُ قَالَ تِلْمِيذه ابْن حبَان: مَا رَأَيْت على أَدِيم الأَرْض من يحفظ الصِّحَاح بألفاظها، وَيقوم بِزِيَادَة كل لَفْظَة: زَاد فِي الْخَبَر ثِقَة مَا غَيره، حَتَّى كَأَن السّنَن نُصبَ عَيْنَيْهِ.
(واشتهر عَن جمع من الْعلمَاء) أَي جُمْهُور الْفُقَهَاء وَأَصْحَاب الحَدِيث كَمَا حَكَاهُ الْخَطِيب عَنْهُم.
(القَوْل بِقبُول الزِّيَادَة مُطلقًا) أَي على مَا سبق معنى الْإِطْلَاق.
(من غير تَفْصِيل) أَي بَين زِيَادَة وَزِيَادَة، وَبَين حكم وَحكم، وَبَين شخص وشخص. وَقيل: لَا يقبل مُطلقًا مِمَّن رَوَاهُ نَاقِصا وَيقبل من غَيره من الثِّقَات لإشعاره بخلل فِي ضَبطه وَحفظه. وَقسمهَا ابْن الصّلاح إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام:
أَحدهَا: مَا يَقع مُخَالفا منافياً لما رَوَاهُ سَائِر الثِّقَات، فَهَذَا حكمه الرَّد.
الثَّانِي: مَا لَا مُخَالفَة فِيهِ أصلا فيقبَل.
الثَّالِث: مَا يَقع بَين هَاتين المرتبين، وَهِي / 47 - ب / زِيَادَة لَفْظَة فِي الحَدِيث لم يذكرهَا سَائِر رُوَاته كَحَدِيث:" جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا ". تفرد أَبُو مَالك الْأَشْجَعِيّ عَن سَائِر رُوَاته فَقَالَ: " وَجعلت تربَتهَا طهُورا " فَهَذَا الْقسم يشبه الأول لمنافاته لظَاهِر مَا أَتَى بِهِ الْجُمْهُور، وَيُشبه الثَّانِي لكَونه بِالْجمعِ [أَي بالتوفيقٍ] بَينهمَا صَار / كالواحد وَزَالَ التَّنَافِي. انْتهى كَلَام ابْن الصّلاح. وَلم يفصح بِحكم هَذَا الْقسم.
قَالَ النَّوَوِيّ: وَالصَّحِيح قبُول هَذَا الْأَخير، يَعْنِي وَهُوَ مَا يُمكن الْجمع بَينهمَا بِأَن يُقَال مثلا: مُرَاده بالتربة الأَرْض، وَهِي: الصَّعِيد المطابق لِلْآيَةِ والْحَدِيث الْوَارِد فِيهِ بِهَذَا اللَّفْظ الْمُوَافق لمَذْهَب الإِمَام الْأَعْظَم وَمن [46 - ب] تبعه، لَا بِأَن يُقَال: المُرَاد بِالْأَرْضِ التربة كَمَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِي وَأَتْبَاعه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، بِنَاء على أَن الْمُطلق يُقيد، فَإِن رد رِوَايَة الْمُنْفَرد إِلَى رِوَايَة الْجُمْهُور أولى من عَكسه، مَعَ احْتِمَال أَنه نقل بِالْمَعْنَى، وَاخْتَارَ المُصَنّف تَقْسِيم ابْن الصّلاح وأدرج الثَّالِث فِي الْقسم الأول وَأورد الْإِشْكَال على الْجُمْهُور بقوله:
(وَلَا يتأتي ذَلِك) أَي لَا يَسْتَقِيم مَا ذَكرُوهُ من الْإِطْلَاق من غير تَفْصِيل.
(على طَرِيق الْمُحدثين) أَي بأجمعهم، أَو الصرحين بالحدود، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله:
(الَّذين يشترطون فِي الصَّحِيح أَن لَا يكون) أَي الحَدِيث أَو رَاوِيه.
(شاذا) فَإِنَّهُ على تَقْدِير قبُول الزِّيَادَة مُطلقًا يلْزم رد الصَّحِيح مَعَ أَن الْمُحدثين يعْرفُونَ بِهِ الصَّحِيح.
(ثمَّ يفسرون الشذوذ بمخالفة الثِّقَة من هُوَ أوثق مِنْهُ) فِيهِ أَن مُطلق الشذوذ لَيْسَ منافيا للصِّحَّة كَمَا سبق إِلَيْهِ الْإِشَارَة. قيل مُجَرّد اشْتِرَاط عدم الشذوذ الْمُفَسّر
بِمَا ذكر فِي الصَّحِيح لَا يُنَافِي قبُول الزِّيَادَة مُطلقًا لعدم انحصار المقبول فِي الصَّحِيح بل مِنْهُ الْحسن، وَإِنَّمَا الْمنَافِي لَهُ اشْتِرَاطه فِي الصَّحِيح وَالْحسن جَمِيعًا.
وَأجِيب بِأَن اشْتِرَاطه فِي الْحسن أَيْضا مُرَاده يدل عَلَيْهِ قَوْله الْآتِي: وَكَذَا الْحسن. وَفِي حَاشِيَة التلميذ عِنْد قَوْله: وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك
…
الخ قَالَ المُصَنّف فِي تَقْرِيره: لِأَن الْمُخَالفَة تصدق على زِيَادَة لَا تنافيها فَلَا يحسن الْإِطْلَاق وَلَيْسَ فِي الشاذ مَا يُخَالف، فَلذَلِك قيدت بِقَوْلِي: مَا لم يَقع منافيه، قلت: لَيْسَ فِي هَذَا زِيَادَة فَائِدَة وَمَا فِي الشَّرْح غَنِي عَن هَذَا. انْتهى.
(وَالْعجب مِمَّن أغفل ذَلِك) أَي الشَّرْط الَّذِي ذكره المحدثون فِي الصَّحِيح أَن لَا يكون شاذا بِأَن أهمله وَلم يذكرهُ. يُقَال: أغفل الشَّيْء إِذا تَركه على ذكر مِنْهُ، كَذَا فِي " شمس الْعُلُوم "، فَلَا يرد أَنه لَا مُؤَاخذَة على الْغَفْلَة.
(مِنْهُم) أَي من الْمُحدثين [65 - أ] بَيَان لمن أغفل، وغفل شَارِح هُنَا عَن الْمَعْنى المُرَاد بذلك فَقَالَ: أَي ترك قبُول الزِّيَادَة مُطلقًا. انْتهى. ويبطله قَول الشَّيْخ:
(مَعَ اعترافه) أَي الْمُغَفَّل مِنْهُم فِي مَوضِع آخر.
(بِاشْتِرَاط انْتِفَاء الشذوذ فِي [حد] الحَدِيث الصَّحِيح) أَي تَعْرِيفه.
(وَكَذَا) وَفِي نُسْخَة صَحِيحَة: وَكَذَلِكَ.
(الْحسن) بِالْجَرِّ على أَنه عطف على الصَّحِيح، وبالرفع وَهُوَ الصَّحِيح على أَنه مُبْتَدأ قدم خَبره. أَي وحد الْحسن مَشْرُوط بِانْتِفَاء الشذوذ كانتفائه فِي حد الصَّحِيح. قَالَ التلميذ: قَالَ المُصَنّف: أَعَادَهُ أَي الصَّحِيح لأجل ذكر الْحسن فَإِنَّهُ أولى أَن يشْتَرط فِي الصَّحِيح. انْتهى.
وَحَاصِل الْكَلَام: أَن الملائم لمَذْهَب من يَقُول بِالزِّيَادَةِ مُطلقًا مَعَ اعترافه بِاشْتِرَاط انتقاء الشذوذ مُطلقًا أَن يفصل أَو يفضل.
(وَالْمَنْقُول عَن أَئِمَّة الحَدِيث الْمُتَقَدِّمين، كَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي) بِفَتْح الْمِيم، وَسُكُون الْهَاء، وَتَشْديد / التَّحْتِيَّة.
(وَيحيى الْقطَّان) بِفَتْح الْقَاف، وَتَشْديد الطَّاء.
(وَأحمد بن حَنْبَل، وَيحيى بن معِين) بِفَتْح مِيم، وَكسر عين.
(وَعلي بن الْمَدِينِيّ) بِكَسْر الدَّال، بعْدهَا يَاء سَاكِنة، مَنْسُوب إِلَى الْمَدِينَة المطهرة على الصَّحِيح.
(وَالْبُخَارِيّ، وَأبي زرْعَة) بِضَم زَاي، وَسُكُون رَاء، الرَّازِيّ.
(وَأبي حَاتِم) بِكَسْر الْفَوْقِيَّة، والعوام يفتحونها.
(وَالنَّسَائِيّ) بِالْمدِّ وَالْقصر مَنْسُوب إِلَى نسا، بِفَتْح النُّون، والأعجام يكسرونها، بلد مَشْهُور فِي خُرَاسَان.
(وَالدَّارَقُطْنِيّ) بِفَتْح الرَّاء، وَضم الْقَاف، وَسُكُون الطَّاء نِسْبَة إِلَى محلّة بِبَغْدَاد.
(وَغَيرهم) أَي غير الْمَذْكُورين الْمُسْتَفَاد من قَوْله: كَعبد الرَّحْمَن، فَهُوَ للتأكد، أَو الْمُغَايرَة بِاعْتِبَار أَن غَيرهم لَيْسُوا فِي مرتبتهم كَمَا قيل فِي قَول الصرفيين: من نَحْو حسب يحْسب وأخواته.
(اعْتِبَار التَّرْجِيح) بِالرَّفْع على أَنه خبر الْمَنْقُول، وَالْجُمْلَة حَالية.
(فِيمَا يتَعَلَّق) يتَعَلَّق بِالِاعْتِبَارِ [65 - ب] ، أَو التَّرْجِيح أَي فِي حكم يتَعَلَّق.
(بِالزِّيَادَةِ) أَي إِذا كَانَت مُنَافِيَة.
(وَغَيرهَا) مِمَّا يُعَارض كَمَا سبق.
(وَلَا يعرف) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول، وَضَمنَهُ معنى النَّقْل أَي وَلَا ينْقل.
(عَن أحد مِنْهُم إِطْلَاق قبُول الزِّيَادَة) أَي لَو سمع مِنْهُم لنقل عَنْهُم، وَفِيه من اللطافة أَن زِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة، فَإِن الْإِطْلَاق أَمر زَائِد على التَّقْيِيد الَّذِي هُوَ اعْتِبَار التَّرْجِيح.
(وأعجب من ذَلِك) أَي من ذَلِك الْعجب.
(إِطْلَاق كثير من الشَّافِعِيَّة) أَي التَّابِعين للشَّافِعِيّ الْمَنْسُوب إِلَى جده شَافِع، (القَوْل:) بِالنّصب.
(بِقبُول زِيَادَة الثِّقَة) المنافية لتفسير الْمُحدثين الشذوذ بمخالفة الثِّقَة من هُوَ أوثق، اللَّازِم مِنْهُ أَنه لَا يقبل زِيَادَة هَذَا الْفَرد من الثِّقَة.
(مَعَ أَن نَص الشَّافِعِي يدل على غير ذَلِك) أَي على عدم إِطْلَاق القَوْل بقبولها. قيل: وَجه الأعجبية أَن فِي كَلَام الشَّافِعِي وجد التَّصْرِيح، وَهُنَاكَ لم يُصَرح بِهِ، بل لزم مِمَّا اعْترف بِهِ. قَالَ التلميذ: لَيْسَ هَذَا مَحل مَا ذكره إمَامهمْ، لِأَنَّهُ فِيمَن يختبر ضَبطه، وَكَلَامهم فِي الثِّقَة، وَهُوَ عِنْدهم الْعدْل الضَّابِط فَلَا تعجب (فَإِنَّهُ) أَي الشَّافِعِي / 48 - ب / رَحمَه الله تَعَالَى (قَالَ فِي أثْنَاء كَلَام هعلى مَا يعْتَبر بِهِ حَال الرَّاوِي) على مُتَعَلق بِكَلَامِهِ (فِي الضَّبْط) مُتَعَلق ب: يعْتَبر.
(مَا نَصه:) بِالرَّفْع أَي مَا هُوَ كَلَام الشَّافِعِي بِلَفْظِهِ، أَو مَا هَذَا نَصه، وَهُوَ تَأْكِيد لما سبق وَهُوَ مقول قَالَ، وَمَا بعده بدل عَنهُ، وَفَائِدَته أَن لَا يتَوَهَّم أَنه نقل بِالْمَعْنَى. وَقَالَ محش: كلمة مَا فِي: مَا نَصه، مفعول قَالَ، وَنَصه مُبْتَدأ وَخَبره مَا بعده أَي قَوْله: وَيكون
…
الخ. وَالْجُمْلَة صلَة مَا أَو صفة.
وَالْمعْنَى: أَن الشَّافِعِي قَالَ كلَاما نَصه وَمَعْنَاهُ الْقطعِي قَوْلنَا: وَيكون
…
الخ. وعَلى هَذَا فالمنقول لَيْسَ عبارَة الشَّافِعِي بل محصلها، وَإِن حمل على أَنه عِبَارَته لَا يَخْلُو الْكَلَام من اسْتِدْرَاك. وَهُوَ قَوْله: مَا نَصه [66 - أ] بل الأولى تَركه لإيهام خلاف الْمَقْصُود.
قلت: وَفِيه انه كَانَ يفوت الْمَقْصُود كَمَا قدمْنَاهُ مَعَ أَنه لَو لم يقل: مَا نَصه، لَكَانَ نَصه لقَوْله السَّابِق: مَعَ / أَن نَص الشَّافِعِي، وَلقَوْله اللَّاحِق. انْتهى كَلَامه، فَتدبر وَتَأمل. وَالْحَاصِل: أَن الإِمَام قَالَ:
(وَيكون) أَي الرَّاوِي (إِذا شرك) بِكَسْر الرَّاء، (أحدا من الْحفاظ لم يُخَالِفهُ) أَي حَقه أَن لَا يُخَالِفهُ الرَّاوِي لَا بِالزِّيَادَةِ وَلَا بِالنُّقْصَانِ. وَقيل: مَعْنَاهُ إِذا شركه لم يكن مُخَالفا لَهُ إِذْ المُرَاد بِالشّركَةِ هِيَ الشّركَة فِي التَّمام.
(فَإِن خَالفه) أَي الرَّاوِي حَافِظًا وَلم يراع مَا هُوَ حَقه [بل خَالفه] بعد شركته فِي أصل الرِّوَايَة، فالمخالفة بِالنُّقْصَانِ مَقْبُولَة، وبالزيادة مَرْدُودَة، وَهَذَا معنى قَوْله:
(فَوجدَ) بِالْفَاءِ التعقيبية، أَو التفصيلية (حَدِيثه) أَي الرَّاوِي (أنقص) أَي من رِوَايَة الْحَافِظ (كَانَ فِي ذَلِك) أَي وجدان الْمُخَالفَة بِالنُّقْصَانِ.
(دَلِيل على صِحَة مخرج حَدِيثه) بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء، أَي خُرُوجه وظهوره، أَو
سَنَد. وَضبط فِي بعض الشُّرُوح بِضَم الْمِيم، وَتَشْديد الرَّاء، وَفَسرهُ بالراوي. وَفِيه أَن الحكم عَام والمخرج خَاص كالبخاري وَنَحْوه من المصنفين مَعَ أَنه لَا يُقَال: دَال على صِحَة الرَّاوِي، وَإِنَّمَا كَانَ النَّقْص دَلِيلا على صِحَة حَدِيثه لاحتياط فِي رِوَايَته. قيل: هَذَا إِذا لم يكن النُّقْصَان منافيا لما رَوَاهُ الْحَافِظ، وَأما إِذا كَانَ منافيا لما رَوَاهُ الْحَافِظ ومخلا لمقصود الْحَافِظ فَيضر ذَلِك بحَديثه.
(وَمَتى خَالف) أَي الرَّاوِي، (مَا وصفت) أَي مَا ذكرته من وجدان حَدِيثه أنقص بِأَن يكون زَائِدا، وَكَذَا مَا يكون نَاقِصا كَمَا سبق. وَيُشِير إِلَيْهِ قَول الشَّيْخ فِيمَا بعد: فَدخلت
…
الخ، فَإِنَّهُ يدل على أَن المضر لَيْسَ منحصرا فِي الزِّيَادَة.
(أضرّ ذَلِك) أَي مَا ذكره من الْمُخَالفَة بِالزِّيَادَةِ.
(بحَديثه) وَفِيه أَنه يُوهم أَن الزِّيَادَة على الْحَافِظ مُطلقًا غير مَقْبُولَة، مَعَ أَن المضر إِنَّمَا هُوَ الزَّائِد الْمنَافِي للأوثق. [66 - ب]
(انْتهى كَلَامه) . قيل حَاصِل كَلَامه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن الْعدْل الَّذِي لم يعرف ضَبطه إِذا عرض حَدِيثه على حَدِيث من شَاركهُ من الْحفاظ فَلم يُخَالِفهُ كَانَ ضابطا وَتبين أَنه ثِقَة، لِأَنَّهُ جمع مَعَ الْعَدَالَة / 49 - أ / الضَّبْط، وَإِن خَالف تبين أَنه غير ضَابِط، فَلَيْسَ بِثِقَة لِأَن توهيمه أولى من توهيم الْحفاظ. وَإِذا كَانَ كَلَامه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِيمَا لم يعرف ضَبطه فَلَا يُنَافِيهِ إِطْلَاق أَصْحَابه قبُول
زِيَادَة الثِّقَة وَالله أعلم.
(وَمُقْتَضَاهُ) أَي مَا يَقْتَضِيهِ كَلَام الإِمَام، (أَنه) أَي الرَّاوِي، (إِذا خَالف) أَي أحدا من الْحفاظ، (فَوجدَ حَدِيثه) أَي حَدِيث الرَّاوِي، (أَزِيد) أَي من حَدِيث الْحَافِظ، (أضرّ ذَلِك) أَي وجدان الْمُخَالفَة بِالزِّيَادَةِ (بحَديثه) أَي بِحَدِيث الرَّاوِي، (فَدلَّ) أَي كَلَام الإِمَام، (على أَن زِيَادَة الْعدْل عِنْده) أَي فِي مذْهبه.
(لَا يلْزم قبُولهَا مُطلقًا) وَفِيه أَنه بِإِطْلَاقِهِ يُنَافِي مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخ من أَن الزِّيَادَة مَقْبُولَة مَا لم تقع مُنَافِيَة لمن هُوَ أوثق. وَيُخَالف الْقَاعِدَة الْمَشْهُورَة من أَن الْمُثبت مقدم على النَّافِي، فَكيف على السَّاكِت؟ فَإِن من حفظ حجَّة على من لم يحفظ.
(وَإِنَّمَا تقبل من الْحَافِظ) يَعْنِي يشْتَرط فِي / قبُول الزِّيَادَة كَون من رَوَاهُ حَافِظًا. قَالَ الْعِرَاقِيّ: شَرط أَبُو بكر الصَّيْرَفِي من الشَّافِعِيَّة، وَكَذَا الْخَطِيب فِي قبُول الزِّيَادَة كَون من رَوَاهَا حَافِظًا. انْتهى. وَهَذَا لَا يُنَافِي إِطْلَاق أَصْحَاب القَوْل بِقبُول الزِّيَادَة، فَإِن الْخلاف عِنْدهم فِي [قبُول] زِيَادَة من لم يعرف بِالْحِفْظِ، وَأما من عرف بِالْحِفْظِ، وَهُوَ المُرَاد بِكَوْنِهِ ثِقَة أَي عدلا ضابطا، فَلَا خلاف عِنْدهم فِي
قبُول زِيَادَته مَعَ احْتِمَال الْإِطْلَاق وَالتَّقْيِيد بِكَوْنِهِ لَا يُخَالف من هُوَ أوثق مِنْهُ، وَهَذَا مَا سنح ببالي وَالله أعلم بحالي وَمَالِي.
قَالَ محش: فَإِن قلت: كَيفَ جعله من مَدْلُول كَلَام الشَّافِعِي مَعَ أَنه لم يذكرهُ؟ وَكَيف جعله فصلا بَين الدَّلِيل [76 - أ] ومدعاة؟ قلت: هُوَ من مَدْلُوله بِاعْتِبَار أَنه لما خص الضَّرَر بمخالفة الرَّاوِي لِلْحَافِظِ، [فقد] دلّ على أَن زِيَادَة الْحَافِظ مَقْبُولَة. فَإِن قلت: إِن كَانَ المُرَاد أَن الزِّيَادَة مُطلقًا تقبل من الْحَافِظ، يرد عَلَيْهِ أَن زِيَادَة الْحَافِظ إِذا كَانَت مُنَافِيَة لحافظ آخر يلْزم أَن لَا تقبل؟ وَإِن أَرَادَ أَن يقبل فِي الْجُمْلَة من الْحَافِظ، يرد عَلَيْهِ أَن زِيَادَة الثِّقَة على ثِقَة [آخر] دونهَا مَقْبُولَة، فَلَا يَسْتَقِيم الْحصْر؟
قلت: يُمكن المُرَاد من حصر قبُول الزِّيَادَة حصر عدم ردهَا عَلَيْهِ، لَكِن هَذَا الْجَواب إِنَّمَا يتم إِذا أَدعِي أَن حَافِظًا لَا يكون أوثق من حَافظ مَعَ أَنه يتَفَاوَت حَال الْحفاظ، وَالزِّيَادَة المنافية من الْمَرْجُوح مَرْدُودَة.
(فَإِنَّهُ) أَي الشَّافِعِي، وَهُوَ دَلِيل لقَوْله: لَا يلْزم قبُولهَا مُطلقًا.
(اعْتبر أَن يكون حَدِيث هَذَا الْمُخَالف أنقص من حَدِيث من خَالفه من الْحفاظ) الظَّاهِر أَن [من] بَيَان من، وَفِيه أَن هَذَا ميل من الشَّيْخ إِلَى مذْهبه من التَّقْيِيد فِي الْمُخَالفَة الْمَرْدُودَة بالأوثق، وَإِلَّا فَلَا دلَالَة فِي كَلَام الشَّافِعِي على / 49 - ب / ذَلِك، بل قَوْله: إِذا شرك أحدا من الْحفاظ صَرِيح على خِلَافه! فَيتَعَيَّن أَن تكون من تبعيضية.
(وَجعل) أَي الشَّافِعِي رضي الله عنه (نُقْصَان هَذَا الرَّاوِي من الحَدِيث دَلِيلا على صِحَّته) أَي صِحَة حَدِيثه، وَكَمَال ضَبطه، (لِأَنَّهُ) أَي نُقْصَان حَدِيثه.
(يدل على تحريه) بتَشْديد الرَّاء، أَي طلبه الأولى والأحرى. قَالَ تِلْمِيذه: لم [لَا] يجوز أَن يكون نقصانه عَن الْحَافِظ دَلِيلا على نُقْصَان حفظه؟ انْتهى. وَالْجَوَاب: إِن هَذَا فِيمَن لم يعرف بِالْحِفْظِ فَإِنَّهُ لما نقص من الحَدِيث علم أَنه تحرى واجتهد، فَيكون نقصانه بِالِاجْتِهَادِ فَيقبل، فَلَا يُخَالف قَوْلهم: من حفظ حجَّة على من لم يحفظ، أَي من حفظ [من] الْحفاظ المعروفين بِالْحِفْظِ، أَو فِيمَن خَالف من هُوَ أَثِق مِنْهُ.
(وَجعل) أَي الشَّافِعِي (مَا عدا ذَلِك)[67 - ب] أَي النُّقْصَان (مضرا بحَديثه فَدخلت فِيهِ) أَي فِي مَا عدا ذَلِك (الزِّيَادَة) وَإِنَّمَا قَالَ: دخلت الزِّيَادَة لِأَن النُّقْصَان أَيْضا يكون مضرا كَمَا ذكر، (فَلَو كَانَت) أَي الزِّيَادَة (عِنْده) أَي عِنْد الشَّافِعِي، (مَقْبُولَة مُطلقًا) أَي أَعم من أَن يكون الرَّاوِي مُخَالفا لِلْحَافِظِ، أَو لمن هُوَ أوثق، أَو لمثله، علم ضَبطه، أَو لَا، (لم تكن) أَي الزِّيَادَة [الْمَذْكُورَة] ، (مضرَّة بِحَدِيث صَاحبهَا) بجعلها دَالَّة على ضعف مخرج حَدِيثه.
(وَالله / سُبْحَانَهُ أعلم) قَالَ تِلْمِيذه: إِذا حمل كَلَام الإِمَام على مَا نَحن فِيهِ