الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بمحفوظه ليرسَخ) / بِفَتْح السِّين، أَي يثبت [217 - أ] .
(فِي ذهنه) أَي فِي فهمه وَحفظه من جِهَة مَعْنَاهُ وَلَفظه، ليَكُون من الراسخين فِي الْعلم، والكاملين فِي الْحلم. وَقد رُوِيَ عَن عَليّ كرم الله تَعَالَى وَجهه قَالَ:" تَذَاكَرُوا هَذَا الحَدِيث وَلَا تغفلوا، يُدْرَس ". وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: " تَذَاكَرُوا الحَدِيث، فَإِن حَيَاته مذاكرته. انْتهى. وَمَفْهُومه أَن مماته متاركته.
(
[سِنُّ التَّحَمُّل وَالْأَدَاء] )
(وَمن المهم أَيْضا معرفَة سنّ التَّحَمُّل) أَي سَماع الحَدِيث وَأَخذه سَوَاء كَانَ بِنَفسِهِ أَو غَيره.
(وَالْأَدَاء) أَي سنّ أَدَاء مسموعه وَرِوَايَته. وَاخْتلف فِي سنّ التَّحَمُّل فَقَالَ الْجُمْهُور: أَقَله خمس سِنِين. وَقَالَ جمَاعَة من الْعلمَاء: يسْتَحبّ أَن يَبْتَدِئ بِسَمَاع الحَدِيث بعد ثَلَاثِينَ سنة. وَحكى مُحَمَّد بن جَلَاّد الرَّامَهُرْمُزِي فِي كِتَابه " المُحَدِّث الْفَاصِل: عَن أبي عبد الله الزُّبَيْرِي من الشَّافِعِيَّة أَنه قَالَ: يسْتَحبّ كَتْب الحَدِيث فِي الْعشْرين لِأَنَّهَا مُجْتَمع الْعقل. قَالَ: وأُحِب أَن يشْتَغل دونهَا بِحِفْظ الْقُرْآن والفرائض. وَقَالَ الثَّوْريّ: كَانَ الرجل إِذا أَرَادَ أَن يطْلب الحَدِيث تَعبَّد قبل ذَلِك
عشْرين سنة. كَذَا فِي " المنهل الروي فِي أصُول الحَدِيث النَّبَوِيّ ". وَقَالَ مُوسَى بن هَارُون: إِذا فرق بَين الْبَقَرَة وَالدَّابَّة، أَي بَين الْخُصُوص / 150 - أ / والعموم، وَالظَّاهِر أَنَّهَا النَّاقة وَإِنَّمَا صُحِّفتْ على النَّاسِخ، فَالْمُرَاد التَّفْرِقَة بَين حَيَوَان وحيوان وَهُوَ أدنى مَرَاتِب التَّمْيِيز، وَأما معرفَة الْعَام وَالْخَاص فَإِنَّمَا هِيَ مرتبَة الْخَواص. قَالَ السخاوي: سِن السماع التَّمْيِيز، كَأَن يعرف الْجَمْرَة من التمرة، وَيحصل غَالِبا فِي خَمْسَة، وَرُبمَا يتَخَلَّف بل قد يحصل قبلهَا. وَقَالَ الكازَروني شَارِح البُخَارِيّ: وبلغنا عَن إِبْرَاهِيم بن سعد الْجَوْهَرِي قَالَ [217 - ب] رَأَيْت صَبيا فِي أَربع سِنِين قد حُمِل إِلَى الْمَأْمُون وَقد قَرَأَ الْقُرْآن وَنظر فِي الرَّأْي غير أَنه إِذا جَاع بَكَى. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد [بن عبد الرَّحْمَن] الْأَصْبَهَانِيّ: حفظت الْقُرْآن ولي خمس سِنِين، وحُمِلْتُ إِلَى أبي بكر بن المُقْرِي لأسْمع مِنْهُ ولي أَربع سِنِين، فَقَالَ بعض الْحَاضِرين: لَا تسمعوا لَهُ فِيمَا قَرَأَ فَإِنَّهُ صَغِير. فَقَالَ لي ابْن المقرِي: اقْرَأ سُورَة الْكَافِرُونَ فقرأتها وَلم أغلط فِيهَا، فَقَالَ ابْن المُقْرِي: اسمعوا لَهُ والعُهْدةُ عليّ:
(وَالأَصَح اعْتِبَار سنّ التَّحَمُّل بالتمييز) وَهُوَ: مَن فهم الْخطاب وَرَدَّ الْجَواب على وَجه الصَّوَاب. وَنَحْو ذَلِك، بِحَيْثُ ارْتَفع عَن حالِ مَن لَا يعقل مثله. قَالَ
النَّوَوِيّ والعراقي: إِن فَهِم الْخطاب ورد الْجَواب كَانَ مُمَيّزا صَحِيح السماع، وَإِن كَانَ لَهُ دون خمس، وَإِلَّا فَلَا يَصح سَمَاعه وَإِن كَانَ ابْن خمسين سنة.
(هَذَا فِي السماع) أَي دون الْحُضُور للبركة وَالْإِجَازَة بعد الْأَهْلِيَّة.
(وَقد جرت عَادَة الْمُحدثين) أَي خَلَفاً، وسَلَفاً وقديماً، وحديثاً.
(بإحضارهم الْأَطْفَال) أَي أَطْفَال أنفسهم وَغَيرهم مِمَّن لم يتأهل للسماع، بِقَرِينَة قَوْله: هَذَا فِي السماع.
(مجَالِس الحَدِيث) مفعول فِيهِ أَي رِوَايَته ودرايته ليحصل لَهُم من بركاته، فَإِنَّهُ عِنْد ذكر الصَّالِحين تنزل الرَّحْمَة، فَكيف عِنْد ذكر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ / وأتباعهم من الْعلمَاء العاملين، وَذكر أَحَادِيث سيد الْعَالمين [صلى الله عليه وسلم] .
(ويكتبون) أَي المحدثون (لَهُم) أَي للأطفال، (أَنهم حَضَرُوا) أَي الْمجْلس الْفُلَانِيّ.
(وَلَا بُد فِي مثل ذَلِك) أَي وَلَا بُد من اعْتِبَار الرِّوَايَة بعد الكِبَرِ لَهُم فِي مثل ذَلِك الْحُضُور حَال الطفولية والصغر.
(من إجَازَة المُسْمِع) بِكَسْر الْمِيم، أَي الشَّيْخ لَهُم للأطفال إجَازَة خَاصَّة أَو عَامَّة [218 - أ] لِأَن رِوَايَة الحَدِيث لَا تصح بِدُونِ السماع وَالْإِجَازَة، وَلَا سَماع هُنَا
فَلَا بُد من الْإِجَازَة، وَمنع قوم رِوَايَة الصَّبِي مُطلقًا. قَالَ الْعِرَاقِيّ: وَهُوَ خطأ مَرْدُود عَلَيْهِم لِأَن الحَسَنْينِ وَغَيرهمَا مِمَّن تحمل فِي حَال صباه، وقَبِل النَّاس روايتهم من غير / 150 - ب / فرق بَين مَا تَحملُوهُ قبل الْبلُوغ وَبعده، وَكَذَلِكَ كَانَ أهل الْعلم يُحضرون الصّبيان مجَالِس الْعلم ويَعْتَدُّون بروايتهم لذَلِك بعد الْبلُوغ. انْتهى. وَيفهم مِنْهُ أَن مُجَرّد إِحْضَار الْعلم للصبيان يسْتَلْزم اعتدادهم بروايتهم بعد الْبلُوغ وَلَو بِلَا إجَازَة، لكنه متعقب بِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون الْحُضُور لأجل التمرين وَالْبركَة الْحَاصِلَة لأهل الْيَقِين.
(وَالأَصَح فِي سنّ الطّلب) أَي طلب علم الحَدِيث.
(بِنَفسِهِ) بالاشتغال بِكَتْبِه الحديثَ وتحصيله وَضَبطه، وَكَذَا الرحلة فِيهِ. قَالَ التلميذ: إِشَارَة إِلَى أَن الطَّالِب قد يكون بِغَيْرِهِ كالأطفال يُحْضِرُونهم الْمجَالِس.
(أَن يتأهل لذَلِك) أَي يستعد لما ذكرنَا من مُتَعَلَّقات الطّلب، لَا أَن يعرف علل الْأَحَادِيث والنكات، وَاخْتِلَاف الرِّوَايَات وَلَا أَن يعقل استنباط الْمعَانِي، [واستنباط] الدلالات، لِأَن هَذَا لَيْسَ شَرط الْأَدَاء فضلا عَن الطّلب، وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص، وَلَيْسَ ينْحَصر فِي سُن مَخْصُوص. وَقَالَ أَبُو عبد الله بن أَحْمد الزُّبَيْرِيّ [واسْمه الزبير] بِضَم الزَّاي، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أهل الْكُوفَة: يسْتَحبّ كتب الحَدِيث فِي الْعشْرين، وَقَالَ أهل الْبَصْرَة: فِي الْعشْرَة. وَقَالَ أهل الشَّام: فِي الثَّلَاثِينَ.
(وبصح تحمل الْكَافِر أَيْضا، إِذا أَدَّاهُ بعد إِسْلَامه) أَي كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَته ومثاله: حَدِيث جُبير بن مُطْعِم الْمُتَّفق على صِحَّته " أَنه سمع النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب بِالطورِ " وَكَانَ [218 - ب] جَاءَ فِي فدَاء أُسَارَى بدر قبل أَن يُسْلِم، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ " وَذَلِكَ أولَ مَا وَقَر الْإِيمَان فِي قلبِي ".
(وَكَذَا الْفَاسِق) أَي قبُول تحمله (من بَاب الأولى) أَي من تَحَمُّل الْكَافِر، (إِذا أَدَّاهُ بعد تَوْبَته) أَي من فسقه، (وَثُبُوت عَدَالَته) أَي وَبعد ظُهُورهَا بِظُهُور عَلَانِيَته، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم بسريرته وَنِيَّته.
(وَأما الْأَدَاء فقد تقدم أَنه لَا اخْتِصَاص لَهُ بِزَمن معِين بل يُقَيَّد) زمنُ تَعَيُّنِه، (بالاحتياج) أَي باحتياج النَّاس إِلَيْهِ رِوَايَة أَو دراية.
(والتأهل لذَلِك) والمدار عَلَيْهِ كَمَا صرح بِهِ السُّيُوطِيّ فِي " الإتقان " فِي إقراء الْقُرْآن وَرِوَايَة الحَدِيث والإفتاء والتصنيف، أَي إنّ من لَهُ أَهْلِيَّة ذَلِك بِالِاسْتِحْقَاقِ التَّام وَقلة خطئه فِي المرام يجوز لَهُ أَن يتَصَدَّى، وَإِن لم يكن لَهُ إجَازَة، وَمن لم يكن أَهلا لذَلِك فَلَا تفيده وَلَو أَلْفَ إجَازَة وَسَمَاع وَرِوَايَة. قَالَ / التلميذ: هَذِه زِيَادَة
على مَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي التَّقْرِيب والتيسير حَيْثُ قَالَ: إِنَّه مَتى مَا احْتِيجَ إِلَى مَا عِنْده جلس لَهُ أَي لإسماعه، وتأديته ونشره وجوبا إِن تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، واستحباباً إِن كَانَ ثَمَّ مثله فِي أَي سنّ كَانَ.
(وَهُوَ) أَي التأهل، (مُختلِف باخْتلَاف الْأَشْخَاص) أَي فَهْماً وحفظاً / 151 - أ / ونطقاً، فَرُبمَا يكون صَغِيرا وَفتح الله عَلَيْهِ بفضله علما كثيرا، وَرُبمَا يكون كَبِيرا وأُغْلِقَ عَلَيْهِ شَيْئا يَسِيرا.
(وَقَالَ ابْن خَلَاّد: إِذا بلغ الْخمسين) أَي تأهل لذَلِك وتصدى للْأَدَاء لِأَنَّهَا انْتِهَاء [الكهولة، ومجتمع الأشد.
(وَلَا يُنْكَرُ) أَي الْأَدَاء عَلَيْهِ، (عِنْد الْأَرْبَعين) لِأَنَّهَا حد الاسْتوَاء،] ومنتهى الْكَمَال، وَعِنْدهَا يَنْتَهِي عزم الْإِنْسَان، ويتوفر عقله، وَيجوز درايته، وفساده ظَاهر عِنْد أهل الْيَقِين.
(وتُعُقِّب) أَي وَاعْترض عَلَيْهِ فِي ذَلِك ونوقض [219 - أ](بَمن حَدَّثَ قبلهَا) قبل الْأَرْبَعين، (كمالك) إِمَام الْمُحدثين من الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين قَالَ المُصَنّف: وَأجِيب عَنهُ بِأَن مُرَاده إِذا لم يكن هُنَاكَ أَمر يَقْتَضِي التحديث، كَأَن لم يكن هُنَاكَ أمثل مِنْهُ، وَكَأن يكون قد صنف كتابا وَأُرِيد سَمَاعه مِنْهُ. قَالَ التلميذ: فَإِذا لم يكن هُنَاكَ مَا يُوجب التحديث مِمَّا ذُكِرَ فالسِّنُّ مُظِنَّةُ التأهل عِنْده، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.