الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَنَحْوه) مُبْتَدأ أَي نَحْو القَوْل بِالْوَقْفِ؛ (قَول ابْن الصّلاح فِيمَن جرح بِجرح غير مُفَسّر) أَي غير معِين ومبين، بِأَن لم يذكر سَببه، بل اقْتصر فِيهِ على مُجَرّد فلَان ضَعِيف، اَوْ نَحوه، وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا إِنَّمَا يكون فِيمَا يبْنى على الْيَقِين لَا على الظَّن الْغَالِب، وَهَذَا مِمَّا يبْنى على الظَّن كَمَا مر.
(
[الْبِدْعَة وَرِوَايَة المبتدعه] )
(ثمَّ الْبِدْعَة، وَهِي السَّبَب التَّاسِع من أَسبَاب الطعْن فِي الرَّاوِي وَهِي) أَي الْبِدْعَة، (إِمَّا أَن تكون بمكفر) ضبط بِالتَّشْدِيدِ أَي بِمَا ينْسب صَاحبه إِلَى الْفِكر، وَفِي / " تَحْقِيق الحسامي ": قَوْلهم: يكفر جاحده، بِإِسْكَان الْكَاف أَي ينْسب إِلَى الْكفْر، من أكفره إِذا دَعَاهُ كفرا، وَمِنْه " لَا تكفرُوا أهل قبلتكم "، وَأما بِالتَّشْدِيدِ، فَغير ثَابت رِوَايَة، وَإِن كَانَ جَائِزا لُغَة، قَالَ الْكُمَيْت يُخَاطب رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَأهل بَيته:
(وَطَائِفَة قد أكفروني بحبكم
…
وَطَائِفَة قَالُوا: مسئ ومذنب)
(وَمَالِي إِلَّا آل أَحْمد شيعَة
…
وَمَالِي إِلَّا مشعب الْحق مشعب)
كَذَا فِي " الْمغرب ". (كَأَن يعْتَقد مَا يسْتَلْزم الْكفْر) وَهُوَ بِظَاهِرِهِ أَعم مِمَّا اتّفق على التَّكْفِير بهَا كالقول بحلول الإلهية فِي عَليّ وَنَحْوه، أَو اخْتلف فِي التفكير بهَا [127 - أ] كالقول بِخلق الْقُرْآن، قَالَ التلميذ: فِي التَّكْفِير باللازم كَلَام لأهل الْعلم، وَقد قَالَ الشَّيْخ مُحي الدّين فِي " التَّقْرِيب والتيسير ": من كفر ببدعة، لم يحْتَج بِهِ بالِاتِّفَاقِ، وَمن لم يكفر قيل: لَا يحْتَج بِهِ مُطلقًا، وَقيل يحْتَج بِهِ إِن لم يكن مِمَّن يَسْتَحِيل الْكَذِب فِي نصْرَة مذْهبه، أَو لأهل مذْهبه، وَحكي هَذَا [عَن] الشَّافِعِي، وَقيل: يحْتَج بِهِ إِن لم يكن دَاعِيَة [إِلَى بدعته] ، وَلَا يحْتَج بِهِ إِن كَانَ دَاعِيَة، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر الأعدل، وَقَول الْكثير أَو الْأَكْثَر. وَضعف الأول باحتجاج صَاحِبي الصَّحِيحَيْنِ، وَغَيرهم بِكَثِير من المبتدعة غير الدعاة.
(أَو بمفسق) أَرَادَ بِالْفِسْقِ غير الْكفْر بِقَرِينَة الْمُقَابلَة، وَإِلَّا فالفسق أَعم، وَالْمعْنَى أَن بدعته تنسبه إِلَى الْفسق، وَهُوَ الْخُرُوج عَن الطَّاعَة بالاعتقاد الْفَاسِد.
(فَالْأول) وَهُوَ من تَقْتَضِي بدعته التَّكْفِير، (لَا يقبل صَاحبهَا الْجُمْهُور) قدم الْمَفْعُول اهتماما بِشَأْنِهِ، إِذْ الْمَقْصُود عدم مقبوليته من أَي شخص كَانَ.
(وَقيل: يقبل) بِصِيغَة الْمَفْعُول، (مُطلقًا) أَي سَوَاء اعْتقد حل الْكَذِب لنصرته [أَو لَا، وَكَانَ] الأولى تَأْخِير هَذَا القَوْل عَن قَوْله: (وَقيل: إِن كَانَ لَا يعْتَقد حل الْكَذِب لنصرة مقَالَته) / 90 - أ / أَي الاعتقادية فِي مذْهبه، (قبل) يَعْنِي وَإِن استحله كالخطابية لم يقبل، وهم قوم ينسون إِلَى أبي الْخطاب، وَهُوَ رجل كَانَ بِالْكُوفَةِ يعْتَقد أَن عليا الْإِلَه الْأَكْبَر، وجعفر الصَّادِق الْإِلَه الْأَصْغَر، تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا، وَأَخذه الله نكال الْآخِرَة وَالْأولَى، كَذَا فِي " مشكلات الْقَدُورِيّ ".
هَذَا، وَلم يحك ابْن الصّلاح فِيهِ خلافًا، وَصرح بِعَدَمِ الْخلاف النَّوَوِيّ وَغَيره، والخطيب يَحْكِي الْخلاف عَن جمَاعَة من أهل الْعقل، والمتكلمين. قَالَ الْجَزرِي: لَا تقبل رِوَايَة المبتدع ببدعة مكفرة بالِاتِّفَاقِ، وَأما المبتدع [127 - ب] بغَيْرهَا، فَفِيهِ ثَلَاثَة، أَقْوَال. انْتهى. وَهُوَ الصَّحِيح.
(وَالتَّحْقِيق أَنه لَا يرد كل مكفر ببدعة، لِأَن كل طَائِفَة تَدعِي أَن مخالفيها مبتدعة، وَقد تبالغ فتكفر مخالفيها، فَلَو أَخذ ذَلِك) أَي الرَّد، (على الْإِطْلَاق) بِأَن يُرَاد كل مَا يكفر، (لاستلزم تَكْفِير جَمِيع الطوائف) وَفِيه أَنه لَا يلْزم ذَلِك إِلَّا
فِي وَقت الْمُبَالغَة، فَهَذَا أَيْضا لَيْسَ على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ شَارِح: وَأَنت خَبِير بِأَن الْمُعْتَبر مَا هُوَ فِي نفس الْأَمر من الْبِدْعَة المكفرة، لَا عِنْد الْمُخَالف، فَلَا يلْزم تَكْفِير أهل الْحق، وَلَا رد روايتهم. انْتهى. والأصوب أَن / يَقُول: لَا يسْتَلْزم رد جَمِيع الطوائف، إِذْ هُوَ الْمُتَرَتب على أَخذ الرَّد على الْإِطْلَاق لَا مَا ذكره، وَأَيْضًا هُوَ الْمَقْصُود من سوق الْكَلَام وَحِينَئِذٍ، لَا يَتَرَتَّب مَحْذُور، وَلَا يَتَأَتَّى مَحْظُور، فَلَا يقبل قَول جَمِيع المبتدعة، كَمَا لَا يقبل خبر الفسقة، بل هم أولى بِعَدَمِ الْقبُول، لِأَن فسقهم أقبح، وتعصبهم أوضح.
(فَالْمُعْتَمَد) أَي فَالْقَوْل الْمُعْتَمد، (أَن الَّذِي ترد رِوَايَته، من أنكر) أَي الرَّد الْقطعِي الَّذِي مُوجبه الْبِدْعَة، لَيْسَ إِلَّا لمن أنكر (أمرا متواترا من الشَّرْع مَعْلُوما من الدّين بِالضَّرُورَةِ) أَي مِمَّا يعلم بطرِيق الْيَقِين، لاشتهاره بِكَوْنِهِ من الدّين، كالصلوات الْخمس، وَالْحج، لِأَنَّهُ يعلم ببديهة الْعقل، كَمَا تقرر فِي علم الْكَلَام.
وَإِنَّمَا قيدنَا الرَّد بالقيود الْمُتَقَدّمَة، لِأَنَّهُ الرَّد لَيْسَ بمنحصر فِيمَا ذكر، وَقَوْلنَا: الْقطعِي، إِشَارَة إِلَى أَن من لم يُنكر مَا تَوَاتر من الشَّرْع - إِذا لم يكن ضابطا ورعا - يرد أَيْضا، كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله الْآتِي: فَأَما من لم يكن
…
إِلَخ.
(وَكَذَا من اعْتقد عَكسه) أَي من لم يكتف بِمُجَرَّد الْإِنْكَار بل اعْتقد عَكسه،
فَإِنَّهُ أولى بِالرَّدِّ كَمَا لَا يخفى، وَأما قَول محش: فَإِن الْإِنْكَار الْمَذْكُور، والاعتقاد الْمَذْكُور، متلازمان لِأَن إِنْكَار أَمر [128 - أ] يسْتَلْزم اعْتِقَاد نقيضه، وَبِالْعَكْسِ، فَمَمْنُوع، إِذْ يحْتَمل التَّوَقُّف وَالتَّفْصِيل، والاعتقادُ الثَّالِث خَارج عَنْهُمَا.
(فَأَما من لم يكن بِهَذِهِ الصّفة) أَي الْمَذْكُورَة من الْبِدْعَة الَّتِي تَردُّ رِوَايَته لإنكاره الْمَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ.
(وانضم إِلَى ذَلِك) / 90 - ب / أَي مَا ذكر من عدم الرَّد، (ضبطُه لما يرويهِ مَعَ ورعه) الأولى ترك ذكر ورعه، فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِي الْقبُول، فَيحمل عِبَارَته على الْعَطف التفسيري.
(وتقواه، فَلَا مَانع من قبُوله) أَي مَعَ مُجَرّد كَونه من أهل الْبدع، وَفِيه أَنه فسر التَّقْوَى فِي بَيَان تَعْرِيف الصَّحِيح، بالاجتناب من الْأَعْمَال السَّيئَة من شرك أَو فسق أَو بِدعَة، فَلَا يجْتَمع التَّقْوَى مَعَ الْكفْر والبدعة. وَيُمكن أَن يكون المُرَاد بالتقوى الْمَعْنى، الْعرفِيّ مِنْهُ، أَي الاجتناب عَن الْأَفْعَال السَّيئَة الظَّاهِرَة، وَلَا مُنَافَاة بَينه وَبَين الْبِدْعَة فِي الِاعْتِقَاد، أَو يُقَال: المُرَاد بالتقوى مَا عدا الْبِدْعَة، بِقَرِينَة السِّيَاق، فَإِن الْكَلَام فِي الْبِدْعَة.
(وَالثَّانِي وَهُوَ) أَي صَاحبه، (من لَا تَقْتَضِي بدعته التَّكْفِير أصلا) أَي لَا اتِّفَاقًا وَلَا اخْتِلَافا، (وَقد اختُلَف أَيْضا فِي قبُوله ورده) أَي على ثَلَاثَة أقاويل.
(فَقيل: يُردُّ مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَ دَاعيا إِلَى بدعته أوْ لَا، وَسَوَاء كَانَ مُعْتَقدًا حل الْكَذِب لنصرة مقَالَته أم لَا. وَهَذَا القَوْل محكي عَن مَالك وَغَيره، لِأَنَّهُ فَاسق ببدعته. وَاتَّفَقُوا على رد الْفَاسِق بِغَيْر تَأْوِيل، فَيلْحق بِهِ المتأوِّل إِذْ لَا يَنْفَعهُ التَّأْوِيل.
(وَهُوَ بعيد) قَالَ ابْن الصّلاح: وَهُوَ بعيد مباعد للشائع عَن أَئِمَّة الحَدِيث، فَإِن كتبهمْ طافحة بالرواية عَن المبتدعة غير الدعاة. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ كثير من أَحَادِيثهم فِي الشواهد وَالْأُصُول. انْتهى. وَلَا يبعد عدم اطلَاع الْمُحدثين على بدعتهم وهم معذورون فِي ذَلِك لخفاء مَا فِي [128 - ب] الْبَاطِن من اعْتِقَاد السوء، وَالْحكم بِالظَّاهِرِ من مُلَازمَة التَّقْوَى. /
(وَأكْثر مَا عُلِّلَ بِهِ) أَي أَكثر مَا يُقَال فِي تَعْلِيله والاستدلالِ عَلَيْهِ، (أَن فِي الرِّوَايَة عَنهُ) أَي عَن المبتدع، (ترويجاً لأَمره وتنويهاً) أَي تفخيماً (بِذكرِهِ) أَي وَهُوَ وَاجِب الإهانة، واعتُرض عَلَيْهِ بِأَن هَذَا دليلٌ وَاحِد، فَمَا معنى كثرته فضلا عَن أكثريته؟ ! وَأجِيب بِأَن أكثريته بِاعْتِبَار كَثْرَة المستدلين، وَكَثْرَة استدلالاتهم وتلفظهم فِيمَا بَينهم، فَلَو قَالَ: - بدل قَوْله: أَكثر - أقوى، لَكَانَ أولى (وعَلى هَذَا) إِشَارَة إِلَى الِاعْتِرَاض على مَا علل.
(فَيَنْبَغِي أَن لَا يُروى عَن مُبْتَدع شَيْء يُشَارِكهُ فِيهِ غير مُبْتَدع) وَفِيه أَن هَذَا قد يجوز لأجل التقوية كَمَا فِي التوابع والشواهد، وَلَعَلَّ مَا وَقع فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من هَذَا الْقَبِيل، بِخِلَاف غَيره.
وَحَاصِله: أَن المُرَاد بالترويج والتنويه فِيمَا إِذا لم يُشَارِكهُ غير مُبْتَدع أَكثر وَأَشد مِمَّا إِذا شَاركهُ، وَهَذِه الْمرتبَة من الترويج والتنويه قَبِيح يَنْبَغِي أَن لَا يفعل، لَا مُطلق الترويج والتنويه قَبِيح، وَهِي المُرَاد فِي الدَّلِيل. / 91 - أ /
(وَقيل تقبل مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَ دَاعيا أم لَا، لَكِن بِشَرْط أَن يكون متقياً، لِأَن تدينه وَصدق لهجته الَّذِي عَلَيْهِ مدَار الرِّوَايَة يمنعهُ عَن الْكَذِب.
(إِلَّا أَن) وَفِي نُسْخَة: إِذا (اعْتقد حِلّ الْكَذِب كَمَا تقدم) أَي فَحِينَئِذٍ لَا يقبل، وَهُوَ ظَاهر، لِأَن حِلّ الْكَذِب يُنَافِي قبُول الرِّوَايَة، وَعَزاهُ بَعضهم إِلَى الإِمَام الشَّافِعِي لقَوْله: أقبل شَهَادَة [أهل] الْأَهْوَاء إِلَّا الخَطَّابِية، لأَنهم يَرَوْن الشَّهَادَة بالزور لموافقيهم، وَفِيه أَنه إِذا اعْتقد حل الْكَذِب صَار كَافِرًا، والمفروض [أَن] بدعته لَيْسَ مِمَّا يَقْتَضِي الْكفْر.
هَذَا، وَقَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ فِي " الدِّرَايَة شرح النقاية ": إِن المبتدع إنْ كُفِر [129 - أ] فَوَاضِح أَن لَا يقبل، إِن لم يُكْفر قُبِل، وَإِلَّا لَأَدَّى إِلَى رد كثير من أَحَادِيث الْأَحْكَام مِمَّا رَوَاهُ الشِّيعَة والقَدَرِيَّة وَغَيرهم، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من روايتهم مَا لَا يُحْصى، وَلِأَن بدعتهم مقرونةٌ بالتأويل مَعَ مَا هم عَلَيْهِ من الدّيانَة والصيانة، والتحرز عَن الْخِيَانَة، نعم، سابّ الشَّيْخَيْنِ والرافضةُ لَا يُقبَلون كَمَا جزم بِهِ الذَّهَبِيّ
فِي أول الْمِيزَان، قَالَ: مَعَ أَنه لَا يعرف مِنْهُم صَادِق بل الْكَذِب شعارهم، والتقية والنفاق دِثَارُهُم.
(وَقيل: يقبل مَن لم يكن دَاعِيَة) أَي دَاعيا (إِلَى بدعته) وَالتَّاء للنَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية، لِأَنَّهُ جُعِل فِيمَا بَينهم اسْما لمن يَدْعُو إِلَى بدعته، وتعديته ب:" إِلَى " بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ، وَقيل: يُمكن أَن تكون التَّاء للْمُبَالَغَة، وَالْمرَاد الْمَعْنى الوصفي وَحِينَئِذٍ لَا إِشْكَال فِي تعلق إِلَى، لَكِن يرد عَلَيْهِ أَن ذَلِك مَخْصُوص بِصِيغَة الْمُبَالغَة مثل علَاّمة.
وَيُمكن أَن يُقَال: إِن الداعية مصدر كالطاغية، وَإِن الْمُبَالغَة مستفادة من
الْحمل كَرجل عدل، مَعَ زِيَادَة [تَاء] الداعية إِلَى ذَلِك، وَإِنَّمَا قيد بالمبالغة لِأَن كل صَاحب بِدعَة يَدْعُو بِلِسَان الْحَال إِلَى بدعته. وَالْمرَاد هُنَا مَنْ يُظهِره بِلِسَان القال فَهُوَ مبالغ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره.
(لِأَن) هَذَا تَعْلِيل لما يتضمنه الْكَلَام الْمَذْكُور من أَنه لَا يقبل من كَانَ دَاعِيَة؛ / لِأَن (تَزْيِين بدعته) ورغبته فِي اتِّبَاع النَّاس لأهويته، (قد يحملهُ) أَي يَبْعَثهُ (على تَحْرِيف الرِّوَايَات) أَي فِي اللَّفْظ، (وتسويتها على مَا يَقْتَضِيهِ مذْهبه) أَي فِي الْمَعْنى، وَقد ورد:" حُبُّكَ الشَّيْء يُعمِي ويُصِمّ " وَفِيه: أَنه إِنَّمَا يُفِيد التَّعْلِيل الْمَذْكُور عدم قبُول من كَانَ دَاعِيَة إِذا روى مَا يُقَوي مذهَبه، وَالْمَقْصُود أَنه مَرْدُود مُطلقًا، وَإِلَّا، فَغير الداعية من المبتدعة إِذا [129 - ب] روى مَا يقوِّي مذْهبه يرد، كَمَا سَيذكرُهُ بعيد ذَلِك، وَلَو أُريد بِمَا يَقْتَضِي مذْهبه / 91 - ب / مَا لَا يُنَافِيهِ لَا يدْفع الشُّبْهَة.
(وَهَذَا) أَي القَوْل الْأَخير فِي الشَّرْح، وَهُوَ الْمَذْكُور فِي الْمَتْن لَا غير (فِي الْأَصَح) . قَالَ ابْن الصّلاح: وَهَذَا الْمَذْهَب أعدل الْمذَاهب وأولاها، وَهُوَ قَول الْأَكْثَر من الْعلمَاء. وَقَالَ الجرزي: قيل إِن كَانَ دَاعِيَة لمذهبه لم يقبل [وَإِلَّا قبل] ، وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر وَهُوَ الْمُخْتَار، وَنقل ابْن حِبَّان اتِّفَاقهم عَلَيْهِ.
(وَأغْرب ابْن حبَّان) أَي أَتَى بقول غَرِيب، (فادّعى الِاتِّفَاق على قبُول غير الداعية) . قَالَ محشِ: وَهَذَا الْكَلَام مُتَعَلق بِمَا قبله وَمَا بعده، فإنّ معنى قَوْله:(من غير تَفْصِيل) بَين أَن يكون دَاعيا أم لَا، وَبَين أَن يكون رَاوِيا لما يُقَوي مذْهبه أوْلا. انْتهى. وَهُوَ غير صَحِيح لما تقدم عَنهُ من نقل الجرزي، فَالصَّوَاب أَن معنى قَوْله: من غير تَفْصِيل: بَين مَا يقوى بدعته، وَمَا لَا يُقَوي.
(نعم، الْأَكْثَر على قبُول غير الدَّاعِي) أَي مُطلقًا فَيحمل اتفاقُهم فِي قَوْله، على اتِّفَاق الْأَكْثَر.
(إِلَّا إِن رَوَى) أَي من لم يكن دَاعِيَة، نظرا إِلَى الْمَتْن، أَو غير الدَّاعِي، نظرا إِلَى الشَّرْح ومآلهما وَاحِد، (مَا يُقَوي) بِالتَّشْدِيدِ أَي يُؤَيّد (بدعته، فَيُرَدُّ) أَي حِينَئِذٍ (على الْمَذْهَب الْمُخْتَار) .
قَالَ ابْن حبَان فِي تَرْجَمَة جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضُّبَعي من ثقاته: لَيْسَ بَين
أهل الحَدِيث من أَئِمَّتنَا خلافٌ أَن الصدوق المتقن إِذا كَانَ فِيهِ بِدعَة، وَلم يكن يَدْعُو إِلَيْهَا أَن الِاحْتِجَاج بأخباره جَائِز، فَإِذا دَعَى إِلَيْهِ سقط الِاحْتِجَاج بأخباره. وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الِاتِّفَاق لَا مُطلقًا، وَلَا بِخُصُوص الشَّافِعِيَّة، وَلَكِن الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ ابْن الصّلاح فِي العزوِ لَهُ الشق الثَّانِي، فَقَالَ: قَالَ ابْن حبَان: الداعية إِلَى الْبدع، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ عِنْد أَئِمَّتنَا قاطبة، لَا أعلم بَينهم فِيهِ اخْتِلَافا، على أَنه مُحْتَمل أَيْضا لإِرَادَة الشَّافِعِيَّة على [130 - أ] مَا ذكره السخاوي
(وَبِه) أَي بِهَذَا الْمَذْهَب الْمُخْتَار، (صرح الْحَافِظ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الجُوزَجَاني) بِضَم جِيم، وَسُكُون وَاو، وَفتح زَاي، (شيخ أبي دَاوُد والنسَائي) وَالْأولَى إِلْحَاق أبي دَاوُد فِي الشَّرْح بعد تَمام الْمَتْن، وَلَعَلَّه قُدِّم لتقدم رتبته (فِي كِتَابه) أَي الجُوزَجاني، وَفِي نُسْخَة فِي كتاب (" معرفَة الرِّجَال ") قَالَ محشٍ اسْم كتاب. انْتهى. وَهُوَ أَنه يحْتَمل الْجَرّ على الْبَدَلِيَّة، وَالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَالنّصب، بِتَقْدِير أَعنِي، أَو يَعْنِي، وَهُوَ يُؤَيّد نُسْخَة فِي كِتَابه بِالْإِضَافَة إِلَى / الضَّمِير.
(فَقَالَ فِي وصف الروَاة: فَمنهمْ) أَي الروَاة غير الْكَفَرَة والداعية (زائغ) أَي مُبْتَدع مائل (عَن الْحق - أَي عَن السّنة -) أَي عَن الْحق الْمَفْهُوم من السّنة، وَإِنَّمَا
قَيده بهَا لِأَن أَكثر زيغهم لأجل عدولهم عَن السّنة المبينة لما فِي الْكتاب. (صَادِق اللهجة) أَي اللِّسَان أَو الْكَلَام، وَالْمرَاد بهَا / 92 - أ /. قَالَ السخاوي: قد جرى فِي النَّاس حَدِيثه لكنه مخذول فِي بدعته، مَأْمُون فِي رِوَايَته.
(فَلَيْسَ فِيهِ) أَي فِي حَقه وَفِي شَأْن رِوَايَته إِذا كَانَ عدلا، (حِيلَة) أَو لَيْسَ فِي دَفعه علاج، (إِلَّا أَن يُؤْخَذ من حَدِيثه مَا لَا يكون مُنْكرا) وَقد تقدم تَعْرِيفه، (إِذا لم يقو) أَي لم يُؤَيّد (بِهِ) أَي بنقله (بدعته) وَأما إِذا كَانَ يقويها بِهِ فَلَا، لأَنا لَا نَأْمَن عَلَيْهِ من غَلَبَة الْهوى. (انْتهى) . قَالَ التلميذ: ظَاهر هَذَا قبُول رِوَايَة المبتدع إِذا كَانَ ورعا فِيمَا عدا الْبِدْعَة، ضابطا صَادِقا سَوَاء كَانَ دَاعِيَة أَو غير دَاعِيَة، إِلَّا فِيمَا يتَعَلَّق ببدعته.
(وَمَا قَالَه) أَي الْجوزجَاني، (مُتَّجه) بتَشْديد الْفَوْقِيَّة، أَي حسن مُتَوَجّه مَقْبُول، (لِأَن الْعلَّة الَّتِي بهَا يرد حَدِيث الداعية) وَهِي أَن تَزْيِين بدعته يحملهُ على تَحْرِيف الرِّوَايَات، وتسويتها على مَا يَقْتَضِي مذْهبه، (وَارِدَة فِيمَا إِذا كَانَ ظَاهر الْمَرْوِيّ [130 - ب] يُوَافق مَذْهَب المبتدع، وَلَو لم يكن دَاعِيَة، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم) .