الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم] )
(وَشَرطه) أَي البُخَارِيّ بِحَسب مَا تُتُبع فِي صَنِيعه (فِيهَا) أَي فِي الصِّحَّة (أقوى وَأَشد وأمّا رجحانه من حَيْثُ الِاتِّصَال) أَي اتِّصَال السَّنَد. (فلاشتراطه) أَي البُخَارِيّ. (أَن يكون الرَّاوِي قد ثَبت لَهُ لِقَاء مَن روى عَنهُ وَلَو مرّة) يَعْنِي وَإِذا ثَبت اللقِيّ، فَكل مَا رُوِيَ عَنهُ مَحْمُول على أَنه سمع مِنْهُ بِلَا وَاسِطَة، فَهَذَا كَمَال مَا يُمكن أَن يُقَال فِي الِاتِّصَال. (وَاكْتفى مُسلم بِمُطلق المعاصرة) أَي وَإِمْكَان اللقِيّ فحُسْنُ الظَّن حَمْلُ الرِّوَايَة على الِاتِّصَال، فَانْدفع بِهَذَا مَا ذكره محشٍ. فَإِن قلت: كَيفَ يَكْفِي ذَلِك مَعَ أَن [50 - ب] كِتَابه صَحِيح وَلَا بُد فِيهِ من الِاتِّصَال؟ قلت: لَعَلَّه جَاءَ هَذَا الحَدِيث فِي كِتَابه فِي مَوضِع آخر مُتَّصِلا لَو كَانَ اتِّصَاله بمَن روى عَنهُ مَشْهُورا، فَالْمُرَاد بمَن روى عَنهُ [من روى عَنهُ] ظَاهرا وَلَو كَانَ بالواسطة. انْتهى. وَفِيه أَنه لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ الِاخْتِلَاف لفظياً.
وَالصَّوَاب: كَون الْخلاف حَقِيقِيًّا وأنّ هَذَا تَفْصِيل لمجمل مَا سبق من قَوْله: فالصفات
…
الخ.
وَحَاصِله: أنّ البُخَارِيّ أَشد اتِّصَالًا من كتاب مُسلم لِأَن مُسلما كَانَ مذْهبه أنّ الْإِسْنَاد المعنعن لَهُ حكم الِاتِّصَال إِذا تعاصر المُعَنْعِن والمُعَنْعِن عَنهُ، وَأمكن
اجْتِمَاعهمَا، وَالْبُخَارِيّ لم يحملهُ على الِاتِّصَال حَتَّى يثبت اجْتِمَاعهمَا وَلَو مرّة وَاحِدَة. وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا الْمَذْهَب يرجِّح كتاب البُخَارِيّ.
(وألزم) أَي مُسلم (البخاريّ بِأَنَّهُ يحْتَاج) البُخَارِيّ (إِلَى أَن لَا يقبل العنعنة) وَهِي مصدر مَصْنُوع مَأْخُوذ من روى فلَان، عَن فلَان، / على طَريقَة الْبَسْمَلَة، والحمدلة، وَغَيرهمَا.
قَالَ الْعِرَاقِيّ: العنعنة مصدر عنعن الحَدِيث إِذا رَوَاهُ بِلَفْظ من غير بَيَان للتحديث، أَو الْإِخْبَار، أَو السماع.
(أصلا) أَي سَوَاء كَانَت عنعنة معاصر، أَو عنعنة مُلاقٍ، لِأَن الْمَقْصُود من اشْتِرَاط اللِّقَاء السماع. والعنعنة تحْتَمل عدم السماع. فَمَا باله يقبل عنعنة الملاقي؟ !
(وَمَا ألزمهُ) أَي مُسلم البخاريّ (بِهِ لَيْسَ بِلَازِم لِأَن الرَّاوِي إِذا ثَبت لَهُ اللِّقَاء مرّة، فَلَا يجْرِي فِي رِوَايَته احْتِمَال أَن لَا يكون قد سمع مِنْهُ) وَمرَاده أَن / 38 - أ / احْتِمَال عدم السماع بعيد جدا، فَوَقع النَّفْي على وَجه الْإِطْلَاق لإِرَادَة الْمُبَالغَة. وَيدل عَلَيْهِ تَعْلِيله بقوله:
(لِأَنَّهُ يلْزم من جَرَيَانه) أَي جَرَيَان الِاحْتِمَال على تَقْدِير وُقُوعه. (أَن يكون)
أَي الرَّاوِي. (مدلساً) بتَشْديد اللَّام الْمَكْسُورَة. وَهُوَ: مَن يروي الحَدِيث عَن معاصره وملاقيه، وَالْحَال: أَنه لَيْسَ لَهُ سَماع عَنهُ. (وَالْمَسْأَلَة) أَي الَّتِي نَحن فِيهَا (مَفْرُوضَة فِي غير المدلس) على مَا سَيَأْتِي أنّ عنعنة [51 - أ] المعاصر مَحْمُولَة على السماع، إِلَّا مِن المدلِّس.
وَبِمَا حررنا انْدفع قَول تِلْمِيذه اعتراضاً على المُصَنّف فِي قَوْله: فَلَا يجْرِي فِي رِوَايَته احْتِمَال، بِأَنَّهُ إِن أَرَادَ عقلا فَمَمْنُوع، وَإِن أَرَادَ اللَّازِم الْمَذْكُور، فِمثله عَن عنعنة المعاصر الَّذِي لم يثبت عدم لِقَائِه لَمن عاصره على مَا لَا يخفى عَن ذَوي النهى.
إِذْ حَاصِل كَلَام الشَّيْخ: أنّ العنعنة وَإِن كَانَت تحْتَمل عدَم السماع، إِلَّا أَنَّهَا لَا تحْتَمل هُنَا غير السماع، وَإِلَّا يلْزم أَن يكون الرَّاوِي مدلساً، وَالْمَسْأَلَة مَفْرُوضَة فِي غير المدلس لِأَن الْكَلَام فِي الصَّحِيح الَّذِي هُوَ من أَقسَام المقبول، والمدلس من أَقسَام الْمَرْدُود كَمَا سَيَجِيءُ
وَقَالَ محشٍ: قَوْله وألزم البُخَارِيّ: إِشَارَة إِلَى اعْتِرَاض مُسلم على البُخَارِيّ، وَهُوَ أَنه يلْزم من اشْتِرَاط اللِّقَاء أَن لَا يَقبل المُعَنْعَن، مَعَ أَنه كثير فِي كِتَابه، وَهُوَ الَّذِي يُقَال فِي سَنَده: فلَان، عَن فلَان، وَذَلِكَ لِأَن المُعَنْعَن إِمَّا مرسَل كَمَا هُوَ قَول الْجُمْهُور، وَهُوَ قَول التَّابِعِيّ: قَالَ رَسُول [صلى الله عليه وسلم] : كَذَا. أَو مُنْقَطع، وَهُوَ الَّذِي لم يتَّصل سَنَده، وَإِذا ثَبت لِقَاء الرَّاوِي والمروي عَنهُ، وَقَالَ الرَّاوِي: عَن فلَان، فالمتبادر أَنه سَمعه مِنْهُ، فَيكون تدليساً وَهُوَ مَذْمُوم. وَفِيه نظر من وَجْهَيْن:
الْوَجْه الأول: أَنه يلْزم مُسْلِماً أَيْضا أَن لَا يقبل المعنعن، وَقد كثُر فِي كِتَابه لِأَنَّهُ إِذا ثَبَت المعاصرة، وَقَالَ الرَّاوِي: عَن فلَان، عَن فلَان، فالمتبادر أَنه سَمعه.