الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[الطعْن وأسبابه] )
(ثمَّ الطعْن) أَي فِي رجال الْإِسْنَاد، (يكون بِعشْرَة أَشْيَاء) كَمَا سَيَجِيءُ مُجملا ومفصلاً (بَعْضهَا يكون أَشد فِي الْقدح) أَي فِي الطعْن وَالْجرْح (من بعضٍ: خمسةٌ مِنْهَا) أَي من الْعشْرَة، (تتَعَلَّق بِالْعَدَالَةِ) وَهِي الْكَذِب، والتهمة، وَالْفِسْق والجهالة، والبدعة. (وَخَمْسَة تتَعَلَّق بالضبط،) وَهِي الْخَمْسَة الْبَاقِيَة.
(وَلم يحصل الاعتناء) أَي الاهتمام (بتمييز أحد الْقسمَيْنِ من الآخر) أَي بِأَن يبين جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِالْعَدَالَةِ على حِدة، ثمَّ يبين جَمِيع مَا يتَعَلَّق بالضبط، بل بيّنها مختلطة، (لمصْلحَة اقْتَضَت ذَلِك) أَي عدم الْحُصُول الْمَذْكُور.
(وَهِي) أَي الْمصلحَة، (ترتيبها) أَي الْعشْرَة (على الأشد فالأشد فِي موجَب الرَّد) بِفَتْح الْجِيم فِي إِيجَاب الرَّد، (على سَبِيل التدلي) أَي التنزل من الْأَعْلَى فِي الشدَّة إِلَى الْأَدْنَى فِيهَا، عكس طَرِيق الترقي من الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، كَمَا فعل فِي تسميتهما لفاً ونشراً مُرَتبا.
قيل: وَهَذَا لَا يَخْلُو من اسْتِدْرَاك لانفهامه من الأشد فالأشد. وَفِيه أَن الْعبارَة مُحْتَملَة لِأَن يكون للترقي وللتدلي، بل الأول هُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن. يكون للترقّي وللتدلي، بل الأول هُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن.
وَحَاصِله: أَنه أَرَادَ تقرب أَحدهَا إِلَى الآخر فِي الأشدية [97 - ب] فَإِن بعض أَقسَام أحد الْقسمَيْنِ يَتَرَتَّب فِي الأشدية على بعض أَقسَام الآخر دون أَقسَام الآخر قيل: الأوضح فِي الْعبارَة: مَكَانهَا بِحَسب الشدَّة والضعف، إِذْ لَا أشدية للأخير ويُدفع بِأَن هَذِه عبارَة / مَشْهُورَة بَين البلغاء، وَقد ورد فِي الحَدِيث الشريف أَيْضا:" أَشد النَّاس بلَاء الْأَنْبِيَاء، ثمَّ الأمثلُ، فالأمثل ". رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره. ويوجَّه بِأَنَّهُ لَو كَانَ هُنَاكَ سَبَب آخر لِلطَّعْنِ كَانَ الْأَخير أَشد مِنْهُ، وَإِنَّمَا انحصر الطعْن فِي الْعشْرَة.
(لِأَن الطعْن إِمَّا أَن يكون لكَذِب الرَّاوِي) بِفَتْح الْكَاف، وَكسر الذَّال، أفْصح من كسر أَوله، وَسُكُون ثَانِيه. وَيرد على الْمَتْن أَن الْكَذِب فَرد من أَنْوَاع الْفسق، وَلِهَذَا فيده فِي الشَّرْح بقوله:(فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ، بِأَن يروي عَنهُ [صلى الله عليه وسلم] مَا لم يَقُلْهُ مُتَعَمدا لذَلِك) أَي بِخِلَاف مَا رَوَى سَاهِيا، فَالْمُرَاد بِالْكَذِبِ فِي الْمَتْن الْكَذِب على سَبِيل الْعمد. فَلَو قَالَ بدله: الافتراء وَهُوَ الْكَذِب عَن عمدٍ لَكَانَ أولى.
ثمَّ لما كَانَ هَذَا الْكَذِب الْخَاص / 70 - ب / أَشد أَنْوَاع الْفسق، وأقبح أَسبَاب الطعْن، حَتَّى قيل بِكفْر المفتري عَلَيْهِ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، أفرده وَجعله كَأَنَّهُ جنس آخر، وَقدمه على الْكل. وَأما قَول محشٍ: وَإِنَّمَا قدّم الأول لكَون
الطعْن بِهِ أَشد فِي هَذَا الْفَنّ، وَإِن كَانَ الْفسق بِالْفِعْلِ أَشد من الْكل، فمردود بِمَا ذكرنَا.
(أَو تهمته) أَي الرَّاوِي، (بذلك) أَي الْكَذِب الْمَذْكُور، (بِأَن لَا يروي ذَلِك الحَدِيث) أَي المطعون. وَالْأَظْهَر أَن يَقُول: بِأَن لَا يروي الحَدِيث (إِلَّا من جِهَته) أَي الرَّاوِي المُتَّهَم، (وَيكون) أَي ذَلِك الحَدِيث، (مُخَالفا للقواعد،) أَي قَوَاعِد الدّين (الْمَعْلُومَة) أَي من الشَّرِيعَة بِالضَّرُورَةِ. والعطف للتفسير وَالْبَيَان، [98 - أ] وَسَيَجِيءُ مَا يشْعر بِأَن هَذَا من الأول، حَيْثُ عدّ كَونه مناقضاً لنَصّ الْقُرْآن من قَرَائِن كَونه مَوْضُوعا.
(وَكَذَا مَن عُرف بِالْكَذِبِ فِي كَلَامه، وَإِن لم يظْهر مِنْهُ وُقُوع ذَلِك فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ) قلت: هَذَا دَاخل فِي الْفسق القولي، وجَعْلُه دَاخِلا فِي التُهمة غير مستبعد، (وَهَذَا دون الأول) .
قَالَ تِلْمِيذه: قَوْله: وَهَذَا دون الأول مُسْتَغْنى عَنهُ. انْتهى وَكَأَنَّهُ فهم أَن هَذَا إِشَارَة إِلَى التُّهْمَة، وَالْمرَاد بِالْأولِ الْحَقِيقِيّ. وَالصَّوَاب جعله إِشَارَة إِلَى قَوْله: وَكَذَا مَن عرف
…
الخ. وَجعل الأول إضافياً، وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: أَو تهمته بذلك، ثمَّ وَجْهُ تَقْدِيم الثَّانِي على مَا بعده من الْفسق وَغَيره، أَنَّ كَون كلٍ من الْعشْرَة مُوجِبة للرَّدّ، وَإِنَّمَا هُوَ من جِهَة إِيجَابهَا بِحَسب ظن الْكَذِب فِي الرِّوَايَة، وَهَذَا هُوَ وَجه تَقْدِيم النَّوْعَيْنِ اللَّذين يليانه على الْفسق.
(أَو فُحْش غلطه أَي كثرته) بِأَن يكون خَطؤُهُ أَكثر من صَوَابه، أَو يتساويان إِذْ لَا يَخْلُو الْإِنْسَان من الْغَلَط وَالنِّسْيَان.
(أَو غفلته) أَي ذُهُوله (عَن الإتقان) أَي الْحِفْظ والإيقان. وَالظَّاهِر: أَنه عطف على غلطه، لَا على الْفُحْش. وَالْمعْنَى: أَو فُحش غفلته، أَي كَثْرَة غفلته، لِأَن الظَّاهِر أَن مُجَرّد الْغَفْلَة لَيْسَ سَببا لِلطَّعْنِ لقلَّة من يعافيه الله مِنْهَا. وَيدل عَلَيْهِ قَوْله فِيمَا بعد: أَو كَثُرَت غفلته.
(أَو فسقه) قيل المُرَاد بِهِ ظُهُوره، لِأَن جعله مُوجبا لِلطَّعْنِ إِنَّمَا هُوَ بعد الْعلم بِهِ وظهوره، كَمَا سيصرح بِهِ. وَفِيه أَنه لَا تَخْصِيص لَهُ بذلك، بل الْجَمِيع كَذَلِك
(أَي بِالْفِعْلِ أَو القَوْل) وَالْمرَاد بِالْفِعْلِ أَعم من عمل الظَّاهِر وَالْبَاطِن (مِمَّا لم يبلغ الْكفْر) أَي من / فعله أَو قَوْله. وَأما الْكفْر، فَهُوَ خَارج عَن المبحث، لِأَن الْكَلَام فِي الرَّاوِي الْمُسلم، وَبِه يظْهر فَسَاد قَول شَارِح: فَإِن مَا يبلغ الْكفْر دَاخل فِي [98 - ب] الْفسق بالمُعْتَقَد، وَهِي الْبِدْعَة. انْتهى. مَعَ مَا فِيهِ أَن كل مَا يبلغ الْكفْر لَا يُسمى بِدعَة، بل من الْبدع مَا يبلغ الْكفْر، فَتَأمل / 71 - أ / حق التَّأَمُّل.
(وبَيْنَه) أَي الْفسق، (وَبَين الأول) أَي كذب الرَّاوِي، (عُمُوم) أَي وخصوص مُطلقًا، فَالْأول أخص، وَالثَّانِي أَعم، لِأَن الْفسق يصدق على كل مَا صدق عَلَيْهِ الْكَذِب، دون الْعَكْس، وَأما بَينه وَبَين الثَّانِي، فعموم من وَجه.
(وَإِنَّمَا أفرد الأول) مَعَ كَونه دَاخِلا فِي الْعَام، (لكَون الْقدح بِهِ أَشد فِي هَذَا الْفَنّ) وقدَّمنا مَا يزِيد بِهِ التَّحْقِيق.
(وَأما الْفسق بالمعتقد) أَي بالاعتقاد، أَو بِسَبَب مُعْتَقد السوء، (فَسَيَأْتِي بَيَانه) أَنه نوع خَاص يُسمى بالبدعة. (أَو وهمه: بِأَن يروي على سَبِيل التَّوَهُّم) أَي بِنَاء على الطّرف الْمَرْجُوح من الشَّك.
(أَو مُخَالفَته أَي للثقات) أَو لمن هُوَ أوثق مِنْهُ، وَفِي تأخيرهما عَن الْفسق نظر ظَاهر، فَإِنَّهُمَا أَكثر مُنَاسبَة للكذب من الْفسق بِالْفِعْلِ.
(أَو جَهالته) بِفَتْح الْجِيم، (بِأَن لَا يُعرَف فِيهِ تَعْدِيل وَلَا تجريح معَّين) ، إِشَارَة إِلَى أَنه لَو جُرِحَ فِيهِ جَرْحٌ مُجَرَّد، لَا يكون فِي هَذِه الْمرتبَة، إِذْ التجريح لَا يُقبل مَا لم يبين وَجهه، بِخِلَاف التَّعْدِيل، فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ أَن يَقُول: عدل أَو ثِقَة مثلا.
(أَو بدعته) . اعْلَم أَن الْبِدْعَة أَضْعَف من مُقَدّمَة ومؤخرة، لِأَن اعْتِقَاد خلاف الْمَعْرُوف إِنَّمَا هُوَ بِنَاء على دَلِيل لَاحَ عَلَيْهِ، فَلَا يُؤثر مثل مَا سِوَاهُ فِي عدم الِاعْتِمَاد؛ وَلذَا قد يُوجد فِي الصَّحِيح مَا يكون رَافِضِيًّا، أَو خارجياً، أَو معتزلياً. وَغَيرهم فِي رجال الْإِسْنَاد.
(وَهِي اعْتِقَاد مَا أُحدث) أَي جُدِّد واختُرع (على خلاف الْمَعْرُوف) مُتَعَلق ب: أُحْدِث، (عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم) مُتَعَلق [99 - أ] بِالْمَعْرُوفِ، وَكَذَا عَن أَصْحَابه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم لقَوْله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: " مَن أحدث
فِي أمرنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ ردّ "
(لَا بمعاندة) فَإِن مَا يكون بمعاندة كفر، (بل بِنَوْع شُبْهَة) أَي دَلِيل بَاطِل سُمِّي [بهَا] ، لِأَنَّهُ يشبه الثَّابِت وَلَيْسَ بِثَابِت، لِأَن أَدِلَّة المبتدعة كلهَا مَدْخُول فِيهَا، وَإِن كَانَ الْكل يستدلون بِالْقُرْآنِ، لكنْ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{يضل بِهِ كثيرا وَيهْدِي بِهِ كثيرا} .
(أَو سوء حفظه وَهِي:) أنّثَ بِاعْتِبَار الْخَبَر، وَهُوَ قَوْله:(عبارَة عَن أَن لَا يكون) بِصِيغَة النَّفْي هُوَ الصَّوَاب خلافًا لما فِي بعض النّسخ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيله فِي التَّفْصِيل. (غلطه أقل من إِصَابَته) سَوَاء كَانَ مُسَاوِيا، أَو أَكثر، وَأما إِذا كَانَ غلطه أقل من الْإِصَابَة، أَو قَلِيلا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا، فَهُوَ مَقْبُول.
ويَرِدُ على المُصَنّف أَنه لَا يظْهر الْفرق بَين الْغَفْلَة وَالوهم، وَكَذَا بَين فحش الْغَلَط، وَسُوء الْحِفْظ. وَإِن حمل فحش الْغَلَط على كثرته فِي نفس الْأَمر، وَسُوء الْحِفْظ على أَن لَا يكون الْغَلَط أقل من الْإِصَابَة / 71 - ب /، بِقَرِينَة الْمُقَابلَة، لم يكن لتأخر سوء الْحِفْظ - أَي مَا يكون الْغَلَط مُسَاوِيا للإصابة، أَو أَكثر مِنْهَا عَن