الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تَمْهيد
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأصلي وأسلم على أفضل الخلق سيد ولد آدم، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، وسار على نهجه إلى يوم الدين.
وبعد، فإِن الخزائن العامة والخاصة في كافة أنحاء العالم تزخر بكمية ضخمة من تراثنا الخالد، الذي ألفه سلف الأمة فكونوا لها به حضارة أصبحت مضرب الأمثال، في الوقت الذي كان فيه غيرهم يغط في نومه.
ثم انعكس الأمر، فاستيقظ النائمون وسرقوا ثمرة هذا التراث، حين أهمله قومه، فأصبحوا مكان النائمين. وفي هذا القرن بدأت بشائر الصحوة تلوح، وبدأت الأنظار تتجه نحو التراث لتسترشد به، فانقسم مثقفو المسلمين تجاهه ثلاثة أقسام:
بعضهم كفر به ورأى أن مجرد الحديث عنه يعتبر تضييعًا للوقت، أما تحقيقه ونشره فهو عين الرجعية والتخلف. وفريق يذهب إلى إحياء هذا التراث غثه وسمينه، ولا هدف له سوى ذلك. وفريق ثالث، وهو أعدلهم في رأيي، يرى أنه يلزم تحقيق ما يفيدنا في ديننا ودنيانا بعد تمحيصه، على أن نجعله أساسًا نبني عليه حضارتنا الإِسلامية الجديدة.
وعلى كل حال بدأ التحرك حثيثًا نحو تحقيق هذا التراث الذي فقد منه، في شرق الأرض وغربها، الكثير، ومع ذلك فقد بقي منه ما فيه خير وبركة.
ومع أني لا أنكر أن بعض البلاد الإِسلامية قد بذلت جهدها -وما زالت تبذل-
في سبيل إحياء التراث الإِسلامي النافع، فإِن بعضها إما لا يعنيه الأمر، وإما متجه نحو تحقيق جزء من التراث لسنا بحاجة إلى تحقيقه؛ إذ ليست له أهمية أولية، إن كانت له أهمية أصلًا.
ويأخذك العجب إذا عرفت أن بعض فطاحل العلماء يضيع وقته الثمين ليخرج لنا مخطوطة في الموسيقا ويترك المخطوطات في التفسير والحديث والفقه تئن تحت الغبار وتصيح من الأرضة.
حسبت أن القلم كاد يجرني إلى الخروج عما أردت الحديث عنه في هذا التمهيد، لذا أعود فأقول: إن الشريعة الإِسلامية تتعرض لحملة من المشككين يصورون فيها للشباب المسلم أن الشريعة الإِسلامية لا تصلح لهذا الزمان، لأنها جاءت لعصر مضى وانقضى، مضت عليه السنون، تفتح أثناءها العقل الشري، وتقدم خلالها العلم، فلم يعد لهذه الشريعة لزوم. وفعلًا ورث الحكم في كثير من البلاد الإِسلامية أناس تشربت عقولهم ما قاله الأعداء، فأعرضوا عن ذكر الرحمن فقيض الله لهم شياطين فهم لهم قرناء، فزينوا لهم أعمالهم، فاستبدلوا بشرع الخالق شرع المخلوقين، وفضلوا الناقص على الكامل ويحسبون أنهم مهتدون.
ورغم أن الأيام بدأت تكشف زيف ما يردده أعداء الإسلام وتلاميذهم فإِنه من الواجب إخراج تلك الكتب التي تبين أن الشرع الإِسلامي أَحكامه متطابقة مع العقل السليم، وأن لها عللًا، وأنها مستقيمة مع الأقيسة الصحيحة، كيف لا، وقد أنزلها الذي يعلم السر وأخفى، وهو الذي خلق الإِنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، ألا له الخلق والأمر.
ولقد اخترت مخطوطة تعنى بالفروق بين المسائل الفقهية التي ظاهرها الاتفاق، وجاءت أحكامها مختلفة، فيظن من ليس له علم أن الشريعة الإِسلامية متناقضة وأنها مبنية على غير أساس.
وقد تصدى للتأليف في هذا الموضوع رجال سخرهم الله للدفاع عن شريعته الغراء، وهذه المخطوطة التي أقدم لها اليوم هي إحداها. وهي من تأليف الشيخ أحمد بن يحيى الونشريسي المتوفى سنة 914 هـ صاحب الموسوعة المعروفة بالمعيار المعرب.
وقد جمع الونشريسي في كتاب الفروق أكثر من ألف ومائة فرق في أبواب الفقه المختلفة، وسماه "عدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق"، حققت منه قسم العبادات، أي من أول الكتاب إلى كتاب الأيمان، في نطاق الماجستير من قسم الدراسات الإِسلامية بجامعة الفاتح بطرابلس، ثم أنهيت بقية الكتاب بحمد الله فيما بعد.
ولا يفوتني في نهاية هذا التقديم أن أقدم شكري لكل من ساعدني في تصوير النسخ، وفي الطباعة على الآلة الكاتبة أو في أي مساعدة أخرى وأخص بالشكر أستاذي الدكتور عبد السلام أبو ناجي الذي قام بمراجعة الكتاب كاملًا حيث أخذ من وقته جزءًا كبيرًا. كما أدعو الله أن يتغمد فقيدنا الأستاذ عبد الله الهوني برحمته الواسعة وأن يجزيه عما قدمه للعربية والدراسات الإِسلامية من خدمة خير الجزاء إنه سميع قريب.
ولابد لي أيضًا أن أشكر الأستاذ الحبيب اللمسي الذي قبل نشر هذا الكتاب، ولا عجب في قبوله فهو معروف بسبقه في مضمار إخراج التراث النافع أينما وجد.
وقد قسمت البحث إلى قسمين: قسم دراسي وقسم حققت فيه النص.
القسم الدراسي:
ويتكون من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.
المقدمة: تحدثت فيها عن الظاهرة السياسية والعلمية والاجتماعية في المغربين الأوسط والأقصى بعامة، وفي تلمسان وفاس بالخصوص.
الفصل الأول: في بيان نسب المؤلف ونشأته.
الفصل الثاني: في بيان شيوخه.
الفصل الثالث: في مكانته العلمية وتلاميذه.
الفصل الرابع: في آثاره.
الخاتمة: دراسة مختصرة لكتاب عدة البروق ووصف النسخ التي اعتمدتها في التحقيق وعملي فيه.
القِسْم الدِّراسي