الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
فروق كتاب الشهادات والدعاوي
"
757 -
وإنما قال مالك بقبول شهادة الابنين على أبيهما بطلاق أمهما إذا كانت منكرة للطلاق، ولا تقبل إذا كانت مدعية له؛ لأن الأم إذا كانت منكرة للطلاق فإنهما يتهمان (1) على أن يخرجاها بشهادتهما من سلطان أبيهما.
758 -
وإنما تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في [القتل](2) والجراح (3)، ولا تقبل في الأموال (4)؛ لأن الله عز وجل قال:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (5) ولما كان بنا حاجة إلى تعليم الصبيان وتطريتهم (6) على الحروب لم يكن بد من حفظ جراحهم ودمائهم التي تقع بينهم، ولم يكن حفظها إلَّا بشهادتهم، لأنهم يبعدون عن مواضع الرجال، ولا يكادون يختلطون بهم، فصار بنا ضرورة إلى حفظ ذلك عليهم، كما كان بنا ضرورة إلى حفظ الدماء والاحتياط عليها، فأجيزت القسامة فيها، ولم تجز في الأموال؛ لأن القاتل يطلب موضعًا لا يحضره الناس، وكذلك جازت شهادة النساء منفردات فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والاستهلال، وكذلك [جازت](7) شهادة
(1) كذا في جميع النسخ. ولعل صواب العبارة هكذا: "لأن الأم إذا كانت مدعية للطلاق فإنهما يتهمان"؛ لأن الإِتهام يصلح أن يكون تعليلًا لعدم قبول الشهادة وهذا يتأتى في حالة ادعاء الأم.
(2)
الزيادة من (ح).
(3)
انظر المدونة 4/ 84.
(4)
(ح): الأقوال، وهو تحريف.
(5)
الأنفال / 60.
(6)
كذا في جميع النسخ، وفي القاموس طرأه تطرية جعله طريًّا.
(7)
ساقطة في (ح).
الصبيان فيما لا يحضره الرجال.
تنبيه: فإن قيل فأجز (1) شهادة الفساق والشُّرَّاب إذا تجارجوا وتقاتلوا؛ لأن العدول لا يحضرون ذلك، قيل: ليس [بنا حاجة إلى حفظ دمائهم وجراحهم (2)، بل قد نهوا أن يجتمعوا ويفعلوا](3) مثل ذلك، فلم يجز أن يجروا مجرى الصبيان الذين قد أمرنا بتعليمهم وجمعهم لما ذكرناه.
759 -
وإنما قال أشهب (4) بقبولها في الجراح دون القتل؛ لأن القتل أعظم من الجراح، بدليل أن القسامة فيه دون الجراح، وشهادة الصبيان ضعيفة فوجب قصرها عنده على أضعف الأمرين.
760 -
وإنما لا تجوز شهادة النساء بعضهن على بعض في المواضع التي لا يحضرها الرجال مثل الحمام والعرس والمآتم (5)، وتجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض فيما لا يحضره الكبار؛ لأن قبول شهادة الصبيان فيما ذكر عل خلاف الأصل، فلا يصح القياس عليه في شهادة النساء.
761 -
وإنما اختصت الشهادة في الزنى بأربعة شهداء، وفي غيره مما ليس بمال ولا آئث إليه بشاهدين؛ لأن القاذف لا ضرورة به إلى القذف فغلظ عليه في ذلك بزيادة عدد الشهود ليتعذر عليه غالبًا فيحد (6) فيكون ردعًا له عن (7) معاودة القذف ودفعًا للمعرة عن (8) المقذوف وأيضًا الإِنسان مأمور بالستر على نفسه وعلى غيره، فلما لم يكن على الشهود بالزنى القيام بشهادتهم فقاموا بذلك من غير أن يجب عليهم وتركوا ما أمروا به من الستر غلظ عليهم في ذلك سترًا من الله على عباده. وأيضًا الزنى بمنزلة فعلين؛ لأن الزنا منه ومنها، منه الفعل
(1)(ب): فاجر.
(2)
في الأصل و (أ): وجوارحهم.
(3)
ساقطة في (ب).
(4)
انظر المدونة 4/ 84.
(5)
المثبت من (ح)، وفي سائر النسخ: المآثم.
(6)
في هامش (ح): فلا يحد، وهو سهو من المصحح رحمه الله.
(7)
المثبت من الأصل، وفي سائر النسخ: من.
(8)
(ح): على.
ومنها التمكين، فاحتاج كل فعل إلى شاهدين، وفي هذا نظر، لأنه يلزم مثله في كل ما يكون من اثنين. وأحسنها الثاني، والله أعلم.
762 -
وإنما قال ابن القاسم (1)؛ إذا لم يعرف الشهود بالحرية فهم عليها حتى يثبت الرق، وإذا لم يعرفوا بالعدالة فهم على غيرها حتى يزكوا؛ لأن أصل الناس الحرية من آدم وحواء، والغالب أيضًا الحرية وليس كذلك العدالة لكثرة ما أحدث الناس من الفساد.
763 -
وإنما قال [مالك](2) فيمن سمع شاهدين يخبران أن رجلًا بعينه أقر عندهما بحق لغيره، وأشهدهما على نفسه بذلك لا يجوز لهما أن يشهدا (3) على شهادة الشاهدين المخبرين إلَّا أن يكونا أشهداهما على شهادتهما، بخلاف الإِقرار بالحقوق فإنهما يشهدان بما سمعا من ذلك؛ لأن الشاهدين ولو سمعاهما (4) يذكران ذلك فيحتمل أن يكون ذلك الرجل قد قضى ما عليه، وأشهدهما أيضًا بالدفع، أو أشهد غيرهما أو قاصة بدين كان له عليه، فلما احتمل ذلك لم يشهدا إلَّا أن يشهداهما (5) على أنفسهما بأن يقولا لهما: أشهدا علينا أن فلانًا أقر عندنا لفلان بكذا، وأما الإقرار بالحقوق فإنهما إذا سمعا رجلًا يقر بحق من الحقوق (عليه) (6) واستوفيا الإِقرار (7) بكونه يقول: لفلان قبلي كذا، فقضيته منه (كذا)(8)، وبقي على (9) منه كذا، فشهادتهما تقبل (10) في ذلك، وفيها (11)(خلاف)(12). وأيضًا المقر بحق الغير لا يجوز له
(1) انظر المدونة 4/ 408.
(2)
ساقطة في (ح).
(3)
في الأصل: لا يجوز له أن يشهد.
(4)
(ب) سمعانهما، وهو تحريف.
(5)
في الأصل: يشهد لهما.
(6)
ساقطة من (ح).
(7)
(ب): لإقرار.
(8)
ساقطة من الأصل.
(9)
في الأصل و (أ): عليه.
(10)
(ب): بذلك.
(11)
(ح): وفيه.
(12)
ساقطة من الأصل و (أ).
الرجوع عنه، والشاهد يجوز له الرجوع عن شهادته، فلذلك (1) افترقا، (والله أعلم)(2).
764 -
وإنما لم يجز للشاهد أن ينقل عن الشاهد ويشهد على شهادته حتى يقول (3) له اشهد على شهادتي، وجاز له أن يشهد (4) على حكم الحاكم وإن لم يشهده إذا علم ذلك؛ لأن الحاكم لما كان لا يشهد على حكمه وجب أن يشهد بذلك غيره، والشاهد لما كان يشهد (بما يشهد به)(5) لم يشهد (6) غيره على تلك الشهادة؛ لأنها يقوم (بها)(7) من شهد بها (8).
765 -
وإنما قال عبد الملك بن الماجشون لا شيء على الشهود إذا غلطوا، وعليهم الغرم إذا كذبوا واعترفوا بالزور؛ (لأن الحكم إنما يناط بالمباشرة دون المتسبب فتعمد (9) الكذب كالمباشرة، بخلاف مدعي الغلط فإنما فعل ما يجوز له فعله، والإِنسان محل الغلط والنسيان، وغايته أنه غرر بالقول) (5) والغار (10)(بالقول)(5) لا يلزمه شيء.
766 -
وإنما قال ابن القاسم وابن الماجشون وابن حبيب أنه لا يقبل في حكم القاضي أنه حكم لفلان بكذا إلَّا بشاهدين، ولا يقبل شاهد ويمين، وإن كان الحق المحكوم فيه مالًا، وقال ابن القاسم إذا أقامت المرأة شاهدًا واحدًا على النكاح بعد الموت فإنها تحلف (معه)(5) وترث، والجامع بينهما أن كل واحد منهما شهادة (11) على ما ليس بمال وهو آئل (12) إلى المال؛ لأن (13) إثبات
(1) في الأصل: فافترقا لذلك.
(2)
زيادة من الأصل.
(3)
المثبت من (ح)، وفي سائر النسخ: يقولا.
(4)
(ب) يحكم.
(5)
ساقطة من الأصل.
(6)
مكررة في الأصل.
(7)
ساقطة من (أ).
(8)
في الأصل: لأنهما يقوم مقام من شهد بها.
(9)
(أ): بتعمد، وهو تصحيف.
(10)
(ب): والغرر.
(11)
(ب): شهادته.
(12)
(ح): أل.
(13)
في الأصل: إلا أن.
المال بنكول المطلوب من الممكن؟ إذ للمدعي استحلاف المطلوب على رد شهادة الشاهد بالحكم، فإن نكل لزمه الغرم بلا يمين، ولا كذلك النكاح فإن الضرورة فيه داعية إلى القبول. قاله في التوضيح.
767 -
وإنما ضمنوا الشاهد ما أتلف بشهادته، مع أنه متسبب، ولم يضمنوا القاضي، مع أنه مباشر، لأن المصلحة العامة اقتضت عدم تضمين الحكام ما أخطأوا فيه؛ لأن الضمان لو تطرق إليهم مع كثرة الحكومات وتردد الخصومات لزهد الأخيار (1) في الولايات واشتد امتناعهم فيفسد حال الناس بعدم الحاكم، فكان الشاهد بالضمان أولى (2)؛ لأنه مدخل للحاكم في الإلزام والتنفيذ، وكما (3) قيل: الحاكم أمير الشاهد.
768 -
وإنما قالوا إذا نسي شهود الأصل (أصل)(4) الشهادة بطلت شهادة الفرع، وقالوا (5) في المخبر إذا نسي الخبر أنه يروى عنه ما (نسي)(6)، لأن الراوي ليس بفرع للمروي عنه، فلم يفتقر في ذلك إلى ثبوته، وشهادة الفرع لا تثبت إلَّا بثبوت شهادة الأصل، لأنها فرع عنها. وأيضًا المخبر لما (7) جاز له أن يخبر بالخبر بمحضر المروى عنه جاز للناقل عنه أن يخبر بذلك، وإن كان قد نسيه المخبر، ولما لم يكن لشاهد الفرع أن يشهد مع حضور شاهد الأصل لم يجز له أن يشهد و (بما نقل عنه في حال نسيان الأصل فلذلك افترقنا.
769 -
وإنما قالوا إذا شهد شاهدان) (8) على رجل بعتق عبده فردت شهادتهما لا يجوز لواحد منهما أن يملك العبد، فإن ملكه عتق عليه، وإذا أعتق المفلس عبدًا له فرد الغرماء عتقه فإنه (9)(إن)(4) اشتراه بعد لم يلزمه فيه عتق، مع أن العتق في الجميع لم يمضِ؛ لأن عتق المفلس قد بطل ببيع
(1)(ب): الأحبار، وهو تحريف.
(2)
(ح): أولى له.
(3)
في الأصل: كما.
(4)
ساقطة في (ح).
(5)
المثبت من (ح)، وفي سائر النسخ وقال.
(6)
بياض في الأصل.
(7)
(ح): له.
(8)
ساقطة في (ب).
(9)
(ح): بأنه.
السلطان، وبعد حكمه لم يلزمه عتق (ما أعتق)(1) إن عاد إليه؛ لأن ذلك العتق قد بطل، بخلاف الشهود، فإن العتق المشهود به لم يبطل عندهم، لأنهم يعتقدون أن ذلك العبد صار حرًّا، وأن تملكه لا يجوز، ويعتقدون أن الحاكم تحامل عليهم في ذلك، وفي المسألة خلاف.
770 -
وإنما قالوا: إذا قال أحد الخصمين: رضيت بما يشهد به على فلان وفلان، فما شهدا به هو الحق، كان له أن يرجع عن ذلك بعد شهادتهما، ولا يلزمه ما شهدا به، وإذا قال: رضيت يمينك لم يكن له أن يرجع عن ذلك، وقد لزمه الحق متى (2) حلف خصمه، وفي كلا الموضعين فهو (3) رضي بما يكون من جهة الغير؛ لأن للأول أن يقول: إنما رضيت بشهادتهما؛ لأني ظنت أنهما لا يشهدان إلَّا بحق، وأما الباطل فلا أرضى به، فحجته بهذا صحيحة، وليس كذلك في اليمين؛ لأنه لا يدعي هذا المعنى فيها، ولأن اليمين إن كانت في جهة المدعي عليه، فقال للمدعي:(4): أحلف، فإن ذلك نكول منه عن اليمين، فلم يكن له الرجوع عن ذلك؛ لأن بنكوله ترتبت اليمين في جهة خصمه، وإن كانت اليمين في جهة المدعي فقال للمدعي عليه: أحلف، فقد نكل عن اليمين فيكون كما قلنا في الذي قبله، وليس رضاه بالشهادة بنكول منه عن شيء وجب عليه فافترقا.
771 -
وإنما قالوا: إذا قيل للرجل أترضى بشهادة فلان فرضي، فلما (5) شهد عليه سخط أن ذلك ينفعه رجوعه، وإن حكَّما رجلًا بحكم ثم سخط لم يقبل قوله؛ لأن الحكم اجتهاد قد يصل إلى القطع بخطئه (6)، بخلاف الذي رضي بشهادة رجل فيرجع عن رضاه بعد الشهادة، لأنه يدعي كذبه ويقطع [به](7)، بخلاف
(1) ساقطة من (ح).
(2)
المثبت من الأصل، وفي سائر النسخ: من.
(3)
(ح): هو.
(4)
المثبت من الأصل، وفي سائر النسخ: المدعي.
(5)
في الأصل: ثم لما.
(6)
(ح): بخطاله، وفي (ب): بخطا.
(7)
زيادة في الأصل.
ما شهد به، ولأنه يقول ظننت أنه يشهد بالحق، والآن شهد بغيره (1).
772 -
وإنما يقضي بأعدل البينتين في البيع، ولا يقضى به في النكاح؛ لأن زيادة العدالة تتنزل منزلة شاهد واحد، والشاهد الواحد لا يقضي به مع اليمين، في النكاح، بخلاف البيع.
773 -
وإنما قال في المدونة (2): إذا شهد شاهد على معاينة الغصب، وآخر على إقرار (3) الغاصب أنه غصبه تمت الشهادة، وإذا شهد شاهد على قتل خطأ، وشهد آخر على إقراره بقتل خطأ (4) لا تلفق الشهاد، مع أن الجميع مال؛ لأن المقر في الخطأ مقر بشاهد (5) على غيره، فلذلك لم تلفق فيه الشهادة، فكأن هذا الشاهد على الإقرار نقل بعض الشهادة، ولا كذلك في (6) الغصب، وفي معناه قتل العمد، فلذلك افترقا، (والله أعلم)(7).
774 -
وإنما اختلف القول في التحليف مع شاهدين شهدا على خط (8) المقر، ولم يقل أحد من فقهاء الأمصار سوى ابن أبي ليلى (9) بالتحليف مع شاهدين عدلين شهدا في الحقوق إلَّا في مسائل شذت (10)؛ لأن خط المقر أقيم مقام شاهد عليه؛ لأن الشاهدين على خطه لم يشهدا على لفظه، وإنما شهدا بما
(1) في الأصل: بغيره انتهى.
(2)
انظر جـ 4/ 179.
(3)
المثبت من (ح)، وفي سائر النسخ: إخراج.
(4)
(ح): الخطأ.
(5)
(ح) شاهد.
(6)
زيادة من (ح).
(7)
ساقطة في الأصل.
(8)
(ح) خطأ، وهو تحريف.
(9)
أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي، الفقيه، قاضي الكوفة. روي عن أخيه عيسى وابن أخيه عبد الله بن عيسى ونافع مولى ابن عمر وعطاء وغيرهم. كانوا يرونه سيء الحفظ مضطرب الحديث، ولذا روي عن أحمد أنه كان يقول فقه ابن أبي ليلى أحب إلينا من حديثه. وقال ابن خزيمة: ليس بالحافظ وإن كان فقيهًا عالمًا. توفي سنة 148 هـ، وكان مولده سنة 74 هـ، ممن ترجم له: - ابن النديم الفهرست 285 - 286، ابن حجر تهذيب التهذيب 9/ 301 - 303، الرازي الجرح والتعديل 7 (المجلد الثالث القسم الثاني) 322، 323.
(10)
في الأصل: ست.
يدل على لفظه، فصار خطه كشاهد قام عليه، فنقل عنه [هذه الشهادة شاهدان، فلا بد من اليمين لأجل المنقول عنه](1)، الذي هو كشاهد واحد، وهو خطه.
تنبيه: قال الإِمام أبو عبد الله المازري رحمه الله: ولأجل هذا التعليل ذكر ابن الجلاب (2) خلافًا في قبول شاهد واحد على هذا الخط؛ لأنا إذا جعلنا خط المقر على نفسه قائمًا (3) مقام شاهد شهد على لفظه فإنه لا يقبل [نقل](4) شاهد واحد عن (5) شاهد واحد، وإن قلنا إن خطه كلفظه فشاهد واحد مع اليمين معه يقضي به عليه.
775 -
وإنما قال مالك: إذا شهد بالملك واحد لم يقضي للمدعي بما شهد له به حتى يحلف مع سشهادته، ولا يقتصر في اليمين على شهادته بأنه (6) صدق [فيما شهد به](7) إلَّا أن يضيف إلى ذلك ما باع ولا وهب، وإذا انفرد الشاهد الواحد في الغصب فإنه يحلف المدعي بأنه صدق في شهادته، ولا يلزمه أن يضيف إلى هذا (8) أنه ما باع ولا وهب؛ لأن الشاهد إنما شهد بالحق، وكون الشيء المغصوب بيد المدعي فأخذه المدعى عليه من يده بغير اختياره، وهذا لا يتضمن الشهادة بالملك؛ لأن رؤية الشيء بيد من هو بيده زمنًا قليلًا لا يدل على أنه مالكه، وإنما يدل على أنه مالكه طول السنين الكثيرة، ولم يدع مدع في هذا الذي حازه الحائز، ولا نوزع في ذلك وشاهد تصرفه (9) فيه تصرف المالك، ويسمع دعواه أنه لنفسه وملك له، ولا أحد ينكر ذلك.
(1) ساقطة من الأصل.
(2)
انظر التفريع 2/ 247.
(3)
المثبت من (ح)، وفي سائر النسخ: قائم.
(4)
ساقطة في الأصل و (أ).
(5)
في الأصل: من.
(6)
في الأصل و (أ): فإنه.
(7)
ساقطة في (ح).
(8)
(ح) إلى ذلك.
(9)
(ب): يصرفه.
776 -
وإنما كان زيادة قوله في الاستحقاق: لا يعلمونه باع ولا وهب ولا فوت شيئًا شرط كمال في وثيقة [الحي، وشرط صحة في وثيقة الميت؛ لأن حلف الورثة على العلم في وثيقة](1) الميت، وحلف الحي على البت والقطع، فلذلك افترقا.
777 -
وإنما قالوا في الشاهد إذا عرف خطه (2) ولم يذكر الشهادة أنه إن كانت في كاغد لم يشهد، وإن كانت في رق شهد؛ لأن الرق مما (3) يعرف بعينه بعد الغيبة عليه، ولا كذلك الكاغد غالبًا.
778 -
وإنما قال ابن رشد (4) إذا كانت في بطن [الرق](5) يجوز له أن يشهد، وإن لم يذكر الموطن، وإن كانت في ظهره لم يجز؛ لأن البشر (6) في ظهر (7) الرق أخفى منه في بطنه.
779 -
وإنما قال سحنون: إذا كان هو الذي كتب الكتاب وكتب شهادته جاز، وإن كان كتب شهادته فقط، فلا يجوز له أن يشهد حتى يذكر؛ لأن (8) لكون الوثيقة بخطه من نفي الشكوك في كون شهادته بخطه ما ليس لمجرد كون الشهادة فقط بخطه؛ لأن محاكاة الكاتب (9) خط غيره في القليل تحصل، ولا تحصل له في الكثير. قال ابن عرفة، رحمه الله: والعلم بذلك كالضروري (10). وأيضًا إذا لم تكن الوثيقة كلها بخطه، فقد يتحيل بإلصاق محل شهادة الشاهد بمكتوب غير ما شهد به. قال ابن عرفة رحمه الله: وأخبرنا شيخنا أبو عبد الله بن [سلمة (11) رحمه الله في هذا المعنى عن بعض
(1) ساقطة في الأصل.
(2)
(ح) حكمه.
(3)
(ح) مما لا يعرف.
(4)
انظر البيان والتحصيل 9/ 441.
(5)
الزيادة من (ح).
(6)
في الأصل البشر، والبشر هو القشر. انظر القاموس.
(7)
(ح) بظهر.
(8)
في الأصل ذلك للكاتب لكون وفي (ب) كون.
(9)
(ح) الكتاب، وهو تحريف.
(10)
(ح): لا لضروري.
(11)
في الأصل مسلمة وهو أبو عبد الله محمد بن سلمة التونسي الأنصاري عالم زاهد، أخذ عن جماعة، =
مشاهير عدول تونس، وهو أبو عبد الله بن] (1) العواد، (2)، كانت له دراية (3) بفقه الوثيقة وكتبها، أتاه طالب بوثيقة بمال له بال على رجل (4) أنكره وأنكر الشهادة به عليه (5)، فطلب منه رفع شهادته في الوثيقة فنظرها فتحقق (6) أنها شهادته بخطه، وتذكر موطنها وأنه شهد على ذلك الرجل، وكان ممن لا يجهل، فلم يذكر ذلك وعرضت له حيرة (7) بتعارض (8) حالتي (9) تيقنه خطه، وتيقنه عدم تقدم شهادته على الرجل المذكور (10)؛ فكانت الوثيقة بيده، وهو يتأمل ويتذكر في بيته، فعرضت له حاجة أخرجته من بيته، وهي في يده، فاتفق أن نظرها، ويده بها مرفوعة أعلى وجهه، وهو في ضوء الشمس، فوقع بصره على شبهة في كاغد الوثيقة، فتأمله لضوء الشمس، فوجد محل شهادته في الكاغد ألصق إلصاقًا خفيًّا (11) بكاغد كتب فيه ذكر (12) الحق على المطلوب، فانكشف غمه (13)، وفطن دافع الوثيقة
= وعنه أخذ الإمام المقري. كان خليفة في الإمامة بجامع الزيتونة. توفي سنة 740 هـ. وورد في الشجرة والأزهار باسم محمد بن سلامة (بألف بعد اللام). ممن ترجم له: الونشريسي الوفيات ص 115، ابن القاضي لقط الفرائد 198، المقري: أزهار الرياض 5/ 71، أحمد بابا نيل الابتهاج ص 240 محمد بن مخلوف: شجرة النور 1/ 209، ملتقى الإمام ابن عرفة ص 53، طبقات المالكية لمؤلف مجهول ص 387.
(1)
ساقطة في (ب).
(2)
انظر في ترجمته شرح الرهوني لمختصر خليل 7/ 448، 449.
(3)
(أ) درية، وهو تحريف.
(4)
(ح) امرئ.
(5)
(ح) عليه به.
(6)
المثبت من (ح)، وفي سائر النسخ: فتحققها.
(7)
(أ) حيارة.
(8)
(ح) يتعارض.
(9)
(ح): حالة ثم بياض.
(10)
(ح) المذكور وفي الهامش إضافة بذلك.
(11)
في الأصل و (أ) خفيفًا.
(12)
(ح): بذا.
(13)
(ح): عنه.
[له](1) ففر (2)، انتهى. قلت: ونزلت مثلها حرفًا حرفًا سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة، وذلك أن بعض عدول تازا (3) قدم حاضرة فاس، واستصحب معه رسومًا بحقوق شتى، أكثرها بخطه، ثم أخذ شهادات شهود بلده وخطاب قاضيهم أبي يوسف يعقوب التسولي الشهير بابن المعلم (4)، رحمه الله، فاقتطعها (5) من رسوم (6) غيرها فألصقها إلصاقًا خفيًّا بتلك الرسوم المفتعلة، ونسخها بحضرة فاس المحروسة، وأراد تسجيلها على صاحبها قاضي الجماعة بفاس أبي عبد الله بن علال (7) أعزه الله، فلما شرع في مقابلتها مع بعض عدول (8) الحضرة الكريمة، بعد إعمال قاضي الجماعة (9) المذكور لما ثبت من أصول النسخ عند قاضي تازا (3) تفطنوا (10) لذلك اللصق (11) فطالعوا به قاضي الجماعة، فلما استشعر ذلك التازي المذكور، فر إلى
(1) زيادة من (ح).
(2)
(ب) فهرب.
(3)
في الأصل: تازه، وفي (ح) تازي.
(4)
في الأصل ابن المعالم. وهو القاضي أبو يوسف يعقوب التسولي ذكر في الاستقصاء 4/ 97، أنه تولي قضاء فاس بعد عزل القاضي ابن علال المصمودي، والذي في درة الحجال 1/ 220، إن الذي قدم بعد ابن علال على قضاء فاس هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله المكناسي، ولم أقف على ترجمته مستقلة.
(5)
في الأصل: فاقتطها.
(6)
المثبت من (ح)، وفي سائر النسخ: رسم.
(7)
أبو عبد الله محمد بن محمد بن عيسى بن علال المصمودي الكتامي نسبة إلى مصمود كتامة، من بلاد الهبط ولي قضاء فاس كان عدلًا خيرًا صالحًا. قرأ المدونة على الأنفاسي، وأخذ أيضًا عن ابن الشكاك وغيره. وعنه أخذ القاضي المكناسي وغيره. توفي سنة 885 هـ كما قال صاحب السلوة والونشريسي في وفياته. وقال أحمد بابا: إنه توفي قرب سنة 884 هـ.
ممن ترجم له: الونشريسي / الوفيات ص 151، ابن القاضي درة الحجال 2/ 137، 138، ابن القاضي: لفظ القرائد ص 267. أحمد بابا: نيل الابتهاج ص 323، الكتاني: سلوة الأنفاس 2/ 190، 191، الناصري: الاستقصاء 4/ 97.
(8)
المثبت من (ح)، وفي سائر النسخ: شهود.
(9)
(ب) قاضي الجماعة بفاس المذكور.
(10)
في الأصل: ففطنوا.
(11)
(ح) ألصق.
بلد دبدوا (1)، يستجير بصاحبها الشيخ أبي عبد الله بن حموا (2)، أسأل (3) الله العافية في الدين والدنيا والآخرة.
780 -
وإنما قال في كتاب ابن سحنون: لو رجعا عن شهادتهما في امرأة ورجل أنهما لفلان، وهما يجحدان ذلك، بعد القضاء بذلك، وأقرا (4) بالزور فلا ضمان في ذلك، وقالوا فيمن باع حرًّا (5) فعليه طلبه حتى يرده، فإن عجز عن رده غرم ديته (6)(لورثته)(7)، وفي كلا الموضعين قد أتلف حرًّا (8)، لأن تسبب (9) الشاهدين في رقه أضعف من تسبب البائع في رقه، لاستقلال (10) بائعه برقه وعدم استقلال الشاهدين برقه، لمشاركة مدعي رقه لهما في ذلك. قاله ابن عرفة رحمه الله (11).
781 -
وإنما قال ابن عبد الحكم: إن شهدا (12) على رجل أنه أقر لفلان وفلان بمائة دينار، ثم رجعا بعد القضاء، وقالا إنما شهدنا بها لأحدهما وعيناه، رجع المقضي عليه بالمئة بخمسين عليهما، ولا تقبل شهادتهما للآخر بكل المائة لجرحتهما (13) برجوعهما، ولا يغرمان (14) له [شيئًا](15)، وعذروهما (16) بالنسيان،
(1) كذا في جميع النسخ، والصواب دبدو بغير ألف بعد الواو، انظر الاستقصاء 4/ 124. 163.
(2)
كذا في جميع النسخ ما عدا (أ) ففيها حمراء، وهو تصحيف لحموا والصواب حمو بفتح الحاء ونشديد الميم المضمومة بعدها واو فقط.
(3)
في الأصل: نسأل.
(4)
المثبت من (ح)، وفي سائر النسخ وأقر.
(5)
(ح) فيمن باع أو غاب فعليه.
(6)
(ح): دينه.
(7)
الزيادة من (ج).
(8)
(ح) حق، وفي (ب) حر.
(9)
في الأصل و (أ): سبب.
(10)
في الأصل: لاستقال.
(11)
ساقطة في الأصل.
(12)
المثبت من (ح)، وفي الأصل و (أ) شهد، وفي (ب) شهدوا.
(13)
في الأصل: لرجحتهما.
(14)
(ب): ولا يقران.
(15)
ساقطة في (ح).
(16)
(ب): وعذروهما.
واختلفوا في ضمان المودع بالنسيان وضمنوا من أقر بثوب لزيد، ثم أقر به لعمرو، ولم يعذروه بالنسيان، لأن الشاهد قد يكثر تحمله (1) للشهادة، فلو ضمن بالنسيان كان عليه ضررًا عظيمًا (2)، ولو أقر بتعمد الزور لا نبغي أن يتفق على تضمينه قاله ابن عبد السلام.
تنبيه: تعقب ابن عرفة رحمه الله هذا الفرق فقال قوله: وعذروهما بالنسيان (يريد بأن النسيان)(3) في هذا الباب عند الفقهاء إنما هو عدم ذكر الإِنسان ما كان ذاكرًا، كمودع شيئين لرجلين، ثم لا يذكر (4) ما لإِحدهما منهما بعينه، لا فعل ما يعتقد جوازه أو قوله، وهو في الواقع غير جائز؛ لأن هذا إنما يعبر عنه بالخطأ الذي هو في أموال الناس كالعمد، ومن البين أن الصادر من الشاهدين في هذه المسألة إنما هو المعنى الثاني، لا الأول، وإنما أوجب (5) عدم تضمينهما ما قاله ابن عبد الحكم، وهو صواب، فتأمله. وقوله: فلو ضمن بالنسيان كان ضررًا عظيمًا مقابل بأن عدم تضمينه ضرر بالمشهود عليه، وهو غير مفرط، والشاهد هو المفرط، فكان أولى بالخسارة. وقوله [لو](6) أقر بتعمد الزور لا نبغي (7) أن يتفق على تضمينه فيه نظر؛ لأن مقتضي قول ابن عبد الحكم لا يغرمان (8) له شيئًا؛ لأنه إن كان له حق فقد بقي على من (9) هو عليه أن تعمدهما (10) الزور وعدمه سواء.
782 -
إنما رجّح أئمة المذهب إحدى البيّنتين عند التعارض بالأعدلية، ولم يرجحوا
(1)(أ) بحمله.
(2)
في الأصل: ضرر عظيم.
(3)
ساقطة في (ب).
(4)
(ح): يتذكر.
(5)
(ح) أوجب قوله.
(6)
ساقطة من (ح).
(7)
(ب): لا ينبغي.
(8)
في الأصل و (ب) ألا يغرمان.
(9)
(ح): ممن.
(10)
(ب) يتعمدهما.
بالأكثرية (1)، لأن المقصود من (2) القضاء قطع النزاع، ومزيد العدالة أشد في التعذر من مزيد [العدد، لأن كلا من الخصمين يمكنه زيادة العدد في الشهود ولا يمكنه مزيد](3) العدالة. قاله القرافي (4) رحمه الله (5). وأيضًا الشارع لما قيّد شهادة الزنى بأربعة والطلاق باثنين (6)، وقبل (7) في المال الواحد مع اليمين دل على أن لا تأثير للعدد. قاله المازري رحمه الله (5). وأيضًا ما به الترجيح في الأعدلية هو وصف حاصل فيما وجب الحكم به، (وهو الشاهدان اللذان يجب الإِعذار فيهما للمحكوم عليه، والكثرة وصف خارج عما وجب الحكم به)(5). قال ابن عرفة رحمه الله (3). وهو محصول قول الشرمساحي (8) في شرح المدوّنة: العدالة وصف داخل في نصاب الشهادة، والعدد، وصف خارج عن النصاب.
تنبيه: تعقّب ابن عبد السلام رحمه الله فرق القرافي بقوله زيادة العدد [إنما هي معتبرة بقيد العدالة، ولا نسلم أن زيادة العدد](9) بهذا القيد سهلة، وتقرر في علم الأصول أن الوصف مهما كان أدخل تحت الأنضباط (10) وأبعد
(1) انظر المدونة 4/ 97.
(2)
(ح): في.
(3)
ساقطة في (ب).
(4)
انظر الفروق جـ 4/ 65، آخر الفرق 228.
(5)
ساقطة في الأصل.
(6)
(ح): بأربع والطلاق باثنتين.
(7)
(ح): قال، وفي (أ)، (ب) قيل.
(8)
أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر الشارمساحي المولد الأسكندري المنشأ. كان فقيهًا في مذهب مالك. رحل إلى بغداد سنة 633 هـ، فولي التدريس بالمدرسة المستنصرية، وكان يحضر عنده جميع المدرسين. تآليفه كثيرة منها: نظم الدرر في اختصار المدونة، وشرحه بشرحين، وكتاب الفوائد في الفقه، وكتاب التعليق في الخلاف، وغيرها. توفي سنة 669 هـ. وكان مولده سنة 589 هـ. ممن ترجم له: ابن فرحون الديباج ص 142، محمد بن مخلوف: شجرة النور 1/ 187 رقم.
(9)
ساقطة في (ح).
(10)
أن يكون الوصف منضبطًا هو أحد شروط العلة التي هي أحد أركان القياس أي يجب أن يكون الوصف غير مضطرب، ومعناه أن الأشياء التي تتفاوت في نفسها كالمشقة فإِنها تضعف وتقوى إذا أناط الشرع الحكم بها، فلا بد من ضبطها، ومثاله السفر، فإِن الشرع رخّص للمسافر في القصر والإفطار لأجل المشقة، لكن المشقة المعتبرة في القصر غير منضبطة؛ لأنها تتفاوت بطول السفر =
عن النقض (1) والكسر (2) كان أرجح، وزيادة العدد منضبط محسوس (3)، لا يختلف، والعدالة مركّبة من قيود، فضبط الزيادة [فيها](4) متعذر أو متعسر، فلا ينبغي أن تعتبر في الترجيح، ورد عليه تلميذه ابن عرفة، رحمه الله، [قال] (4): رده (5) أولًا بقوله لا نسلم [أن](6) زيادة العدد بهذا القيد سهلة يردّ بأن القرافي لم يتمسك بأنها سهلة، بل بأنها ممكنة غير ممتنعة وكونها ليست سهلة لا يمنع إمكانها عادة، وقوله ضبط زيادة العدالة متعذر أو متعسر (7)، [فردّه](8) بمنع يذلك، فإنا (9) نعلم بالضرورة في شهود شيوخنا وأمثالنا من هو
= وقصره وكثرة الجهد وقلّته، فلا يحسن إناطة الحكم بها، فاعتبر الشرع ما يضبطها، وهو السفر أربعة برد، فلذلك لم يلتحق به غيره من الصنائع الكادة. انظر مفتاح الوصول لمحمد بن أحمد الشريف التلمساني ص 172، 173، وانظر أيضًا شرح العضد لمختصر بن الحاجب جـ 2/ 113، 214، والأحكام للآمدي جـ 3/ 290.
(1)
النقض: وجود العلة وعدم الحكم، ومعنى ذلك أن يدعي القائس ثبوت الحكم لثبوت علة من العلل، فتوجد العلة مع عدم الحكم فيكون نقضًا لها ومبطلًا لدعوى من ادعى أنها جالبة للحكم، مثال ذلك أن يستدل الحنفي على أن النجاسة تزول بغير الماء بأن الخل مزيل للعين والأثر، فوجب أن يطهّر المحل النجس، أصل ذلك الماء، فيقول المالكي: هذا ينتقض بالدهن، فإنه يزيل العين والأثر، ومع ذلك فلا يطهر عندكم المحل النجس، فمثل هذا من النقض يبطل القياس ويمنع الاستدلال به. انظر الحدود للباجي ص 76، 77 وراجع أيضًا نشر البنود على مراقي السعود للشنقيطي جـ 2/ 212، 213.
(2)
الكسر وجود معنى العلة مع عدم الحكم، وهو من قوادح العلة في القياس، ويفهم من تعريفه أنه نقض من جهة المعنى مع سلامة اللفظ من النقض، وذلك مثل أن يستدل الحنفي على المسلم يقتل بالذمي، بأن هذا محقون الدم لا على التأبيد، فجاز أن يستحق القتل على المسلم، كالمسلم، فيقول له المالكي: لا يمتنع أن يكون محقون الدم، ولا يستحق القصاص على المسلم، كالمستأمن فإنه محقون الدم، ولا يقتل به المسلم، ففي مثل هذا يلزم الحنفي أن يفرّق في هذا الحكم بين المحقون الدم على التأبيد والمستأمن، وإلا بطل قياسه. انظر الحدود للباجي ص 77، ونشر البنود 3/ 215.
(3)
في الأصل و (أ): محموم.
(4)
ساقطة من الأصل.
(5)
في الأصل فرده.
(6)
ساقطة من (ح).
(7)
(أ): متيسر.
(8)
ساقطة من (ح)، وفي (أ) و (ب): يرد.
(9)
(أ) و (ب): فإنما.
أعدل من غيره (1) منهم.
783 -
وإنما قال في كتاب محمد في الشاهدين يشهدان بدين لهما فيه شيء يسير تمضي شهادتهما في حقهما وحق (2) غيرهما كالوصية، وإذا شهد بعض العاقلة بفسق شهود القتل، فقالوا ترد شهادتهم مع أن الفقير لا يلزمه شيء، والمقدار الذي يلزم الغني أداؤه يسير جدًّا، فلا تهمة أو تضعف؛ لأن في الدين ضرورة ليست في التجريح (3)؛ لأن متعلق الشهادة في التجريح (3) وهي الجرحة باق، وهو (4) متيسير تحصيله ببينة أخرى، ومتعلق الشهادة بالدين، وهو عمارة الذمة، متعسر، لفوته (5) بفوت وقته. قاله ابن عرفة رحمه الله.
784 -
وإنما أجاز في المدونة (6) لشهود الزنى تعمد النظر إلى عورة الفاعلين لتحمل الشهادة ولم يجز في اختلاف الزوجين في عيوب الفرج نظر النساء إليه ليشهدن بما رأين من ذلك، وكذا إذا اختلف في الإِصابة (7)، وهي بكر، قال:(8) تصدق ولا ينظر النساء إليها؛ لأن طرق الحكم في الزنى هنا (9) منحصرة في الشهادة ولا تقبل إلَّا بصفتها الخاصة، وطرق الحكم في تلك الصور غير منحصرة في الشهادة، بل لها غير ذلك من الوجوه التي ذكرها الفقهاء في محلها، فلا ينبغي أن يرتكب محرم، وهو النظر إلى الفرج من غير ضرورة. قاله ابن عبد السلام.
تنبيه: تعقّب ابن عرفة، رحمه الله، فرق شيخه هذا بقوله يرد بأن صورة النقض إنما هي إذا لم يكن إثبات العيب إلَّا بالنظر، قال: وكان يجري لنا
(1)(ح): غيرهم.
(2)
المثبت من (ح) وفي بقية النسخ: أو حق.
(3)
(ب) الترجيح، وهو تحريف.
(4)
(ح) و (ب): فهو.
(5)
(ح): بفوته.
(6)
انظر جـ 4/ 408.
(7)
في الأصل: الإِجابة.
(8)
(ح): فقال.
(9)
في الأصل: هنا في الزنا.
الجواب بثلاثة أوجه: الأول: أن الحد حق لله (1)، وثبوت العيب حق لآدمي، وحق الله أقوى لقولها فيمن سرق وقطع يمين رجل عمدًا يقطع للسرقة ويسقط القصاص. الثاني: ما لأجله النظر، وهو الزنى، محقق الوجود أو واضحه، وثبوت (2) العيب محتمل [على] (3) السوية (4). الثالث: المنظور إليه في الزنا إنما هو مغيب الحشفة، ولا يستلزم ذلك من الإِحاطة بالنظر إلى الفرج ما يستلزمه النظر للعيب.
785 -
وإنما قال مالك يقضي بالشاهد واليمين في الجراح، ولا يقضي به في غيرها من الحقوق البدنية؛ لأن الجراح لو جعل القصاص فيها بخلاف الأموال وأن لا يحكم فيها بالشاهد واليمين [لأدى ذلك إلى الإِجتراء على الدماء، فإذا علم أنه يقتص منه بالشاهد واليمين](5) كان ذلك إنكفافًا وزجرًا.
تنبيه: نقل القرافي رحمه الله (5) أن مالكًا علل القضاء بالشاهد واليمين في القصاص (في)(6) جراح (7) العمد بأنه (8) يصالح عليها بالمال في بعض الأحوال (9)، واستشكله هو بأنه ألغي الأصل واعتبر الطوارئ البعيدة، وذلك (10) لازم له في النفس أيضًا، وهو خلاف الإِجماع، ويشكل (11) أيضًا من حيث أنه لم يقل بذلك (12) في الأحباس (13)، مع أنها منافع، ولا في الولاء
(1) في هامش (ح): زيادة "تعالى".
(2)
(ح) وثوب العبد، وهو تحريف.
(3)
ساقطة في الأصل (أ).
(4)
في الأصل و (أ) السرقة، وفي (ب) السرية، وهما تحريف.
(5)
ساقطة في الأصل.
(6)
ساقطة في (ب)، وفي (ح): توفي.
(7)
في الأصل و (أ) الجراح.
(8)
في الأصل و (أ): فإنه.
(9)
وقد علل سحنون ذلك بأنه لما يقتص في النفس بالشاهد مع القسامة فلذلك اقتص المجروح بشهادة رجل مع يمينه إذا كان عدلًا. انظر المدونة 4/ 86.
(10)
(أ) وذلك أنه.
(11)
(ح) واستشكل.
(12)
(ح) ذلك.
(13)
(ح) الأجناس.
ومآله إلى الإِرث وغير ذلك مما مآله إلى المال.
786 -
وإنما قال في المدونة (1): إن شهد على رجل شاهد أنه سرق متاع فلان أنه يحلف صاحب المتاع ويستحقه، ولا يعاقب الشاهد إن كان عدلًا، وقال فيمن شهد على رجل أنه شرب الخمر إن لم يأت بمن يشهد (2) معه ينكل، فجعل العدل في هذه ينكل، وفي تلك لا ينكل، لأن المشهود به في مسألة الشرب متحد؛ لأنها شهادة بحد لا غير، وفي مسألة السرقة المشهود به تعدد، لأنها شهادة بمال وبحد (3)، إذ قد يأتي من يستحق ذلك المال فانصرفت الشهادة إلى المال.
787 -
وإنما وجب الغرم في يمين التهمة بمجرد النكول عنها ولا يجب في يمين التحقيق إلا بعد يمين المدعي؛ لأن المتهم لغيره لا حقيقة عنده بباطن الأمر، والإِنسان ممنوع أن يحلف على ما لا (4) يعلم صدقه في يمينه.
788 -
وإنما قال في الموازية في الصغير الذي لم يعاين ما شهد (5) له به الشاهد ولا علمه ضرورة إن لم يعلم ذلك إلا من قول الشاهد وغلب على ظنه صدقه بخبره أو غير ذلك لا يباح له اليمين بذلك حتى يتقين، وأباحوا (6) له التصرف في مال شهد له به شاهدان بأنه لأبيه؛ لأن (7) التصرف في الأموال ورد من الشرع التعويل فيه على الظن للضرورة إلى ذلك، ولو وقف ذلك على اليقين لأدى إلى ضرر عظيم، وأما تعليق التكليف بتعظيم اسم الله (تعالى)(8) والقسم به بيمين الصدق، فلا يلحق به ضرر عام. قاله المازري (رحمه الله تعالى)(9).
(1) انظر جـ 4/ 86.
(2)
في الأصل شهد.
(3)
في الأصل و (ح) ويحد.
(4)
(ب) على ما لم.
(5)
(ح) يشهد.
(6)
(أ) بأحواله.
(7)
(ح): بأن.
(8)
زيادة في الأصل.
(9)
ساقطة في الأصل.
789 -
وإنما قال في الموازية في [المريض](1) إذا قال عند احتضاره لي على فلان مائة دينار، ثم مات أن المدعى عليه يحلف، ولا تراعي الخلطة في يمينه، ولا يحلف في غيرها إلا (2) بإِثبات الخلطة؛ لأن المريض يعتقد أنه منتقل إلى الآخرة فتبعد التهمة في أن يدعي محالًا، فتسقط مراعاة الخلطة، ولا يكون انتفاء هذه التهمة باعتبار توجه اليمين، فوجب (3) قبول دعواه كما قلنا في القسامة صيانة للدماء واحتياطًا لها، لكونها لا يمكن إحضار البينة فيها، ويمكن ذلك في المعاملات بالمال. قاله المازري في كتاب الحمالة.
تنبيه: هذه إحدى المسائل الخمس التي تتوجه فيها (اليمين)(4) على المدعي عليه من غير اعتبار خلطة، وثانيتها الصانع، وثالثتها المتهم بالسرقة، ورابعتها الغريب ينزل مدينة (5) فيدعي أنه استودع رجلًا مالًا، وخامستها الذي يمرض في الرفقة فيدعي أنه دفع ماله (6)(إلى رجل)(7) وإن كان المدعي عليه عدلًا غير متهم، هكذا نقلها عبد (8) الحق عن أصبغ، (وعلل)(9) يحيى بن عمر توجه اليمين على [الصانع](10) بأنهم نصبوا أنفسهم للناس، وألزمه (11) الباجي (12) مثله في تجار السوق. وقال اللخمي في الصانع: هذا أن ادعى المدعي ما يشبه أن يتجر به، أو [يكون](13) لباسه أو لباس أهله، وإلا لم يحلفه، ويراعي في الوديعة ثلاثة أوجه: أن يكون
(1) ساقطة من الأصل.
(2)
(ح) ولا.
(3)
(أ) و (ب) يوجب.
(4)
ساقطة في (أ) و (ب).
(5)
غير واضحة في (ح).
(6)
المثبت من (ح) وفي سائر النسخ برئي بماله.
(7)
الزيادة من (ح).
(8)
انظر النكت ص 208.
(9)
ساقطة في (ب) وفي الأصل و (أ) وعلله.
(10)
كذا في (ح) وهي ساقطة في سائر النسخ، ولعل الصواب الصناع.
(11)
المثبت من (ح) وفي سائر النسخ ألزمه بدون واو.
(12)
انظر المنتقى 5/ 224.
(13)
المثبت من هامش (ح) وهي ساقطة في جميع النسخ.
المدعي يملك مثل ذلك جنسًا وقدرًا، وثبوت ما يوجب الإِيداع، ليس الغالب (1) من المقيم ببلده أن يودع ماله إلا لسبب خوف أو طلب سلطان أو سفر، بخلاف الطارئ (2)، وأن يكون المدعي عليه ممن يودع مثله (3)[ذلك](4).
890 -
وإنما قال سحنون: من أقام بينة أن قناته تجري على جاره [مقدار](5) سنة فليس بحوز (6)، ولو جرت عليه أربع سنين كانت حيازة. وقال من لهما داران بينهما زقاق مسلوك، بأحدهما كوة يرى منها ما في دار الآخر فبنى جاره في داره غرفة وفتح كوة قبالتها فطلب صاحب القديمة سدها عليه فطلب الآخر سد القديمة، وهي منذ خمس (7) سنين حلف صاحب الحديثة ما تركها إلا على معنى (8) الجوار (9)، وتسد الكوّتان، وفي كلا الموضعين قد حصل فيه حيازة أربع سنين؛ لأن في ضرر (10) الاطلاع حقًّا لله [تعالى](11)، بخلاف القناة قاله ابن عرفة رحمه الله (12).
791 -
وإنما لم يقبل العبيد في الشهادة مع ظهور العدالة وقبلوا في الفتوى والرواية، مع أن الجميع إخبار؛ لأن الشهادة من المناصب السنية والرتب (13) العلية، والرق نقص بين (في)(14) الأهلية، وتعتبر هذه القضية برد شهادة النساء إلا في
(1) في الأصل: الغائب وهو تحريف.
(2)
في (ح) كلمة غير واضحة.
(3)
المثبت من الأصل وفي سائر النسخ مثل.
(4)
الزيادة من (ح).
(5)
ساقطة في (ح).
(6)
(ب) فليس يجوز وهو تصحيف.
(7)
المثبت من (ح) وفي سائر النسخ خمسين سنة.
(8)
(ح) لمعنى.
(9)
المثبت من (ح)، وفي سائر النسخ: الجواز، وهو تصحيف.
(10)
(ح) حوز، وهو تحريف.
(11)
ساقطة في (ح).
(12)
ساقطة في الأصل.
(13)
(ح): والمراتب.
(14)
ساقطة في (أ) و (ب).
مواضع الضرورة، وفي الأموال الكثيرة المعاملة، ففهم من هذا أن الشارع لاحظ [على](1) منصب الشاهد، ومن المناسب ألا يعطي الخسيسين (2) المنصب (النفيس)(3) مع إمكان (4) الاحتراز منه وحصول المقصود بغيره (5)، ولا كذلك [الرواية](6)؛ إذ قد لا يتفق أن يسمع الحديث غير النساء والعبيد، وليست الشهادة كذلك، إذ قد يمكن المشهود له (7) الاحتراز.
تنبيه: إن قيل فهلا (8) سلك بالعبيد (9) مسلك النساء في قبول الشهادة قلنا لم يسلك بهم ذلك (10) المسلك. أما في مواضع الضرورة فلا مشاركة وأما في شهادة الأموال فإِن العبد مستوعب لحقوق [السادات لا قدرة له على الأداء ولا غيره) (11)، على أن المعاملات في الأموال جمع (12) بين النسوان، (وبين النسوان)(13) والرجال، بحيث شق (14) إحضار الرجال والضرورة تدعو إلى القبول، وأما الموضع الذي يتيسر فيها (15) حضور العبيد فيتيسر فيه حضور الأحرار، فقد فات الاضطرار، وإذا ظهر فرق بين الأصل والفرع امتنع الإِلحاق (16)، (والله أعلم)(17).
(1) ساقطة من الأصل.
(2)
(ح) الخسيسون.
(3)
بياض في (ب).
(4)
المثبت من (ح)، وفي سائر النسخ مع أن الاحتراز عنه.
(5)
في الأصل تغيره، وهو تحريف.
(6)
ساقطة في (أ).
(7)
(ح) له من الاحتراز.
(8)
(ح) هلا.
(9)
المثبت من (ح)، وفي سائر النسخ بالعبد.
(10)
(ح) هذا.
(11)
المثبت من (ح) وفي بقية النسخ وردت العبارة محرفة هكذا: الشهادات له للآداء ولا لغيره.
(12)
المثبت من (ب)، وفي سائر النسخ بيع.
(13)
ساقطة من (ح).
(14)
المثبت من (ح)، وفي سائر النسخ: حق.
(15)
في الأصل وأما المواضع التي يتيسر فيها.
(16)
(ب) الإلحاق به.
(17)
الزيادة من الأصل.