المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فروق كتاب الصلاة - عدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق

[الونشريسي]

فهرس الكتاب

- ‌تَمْهيد

- ‌رموز استعملتها أثناء الدراسة والتحقيق:

- ‌المقَدِّمَة

- ‌الحالة السياسية في المغربين الأوسط والأقصى (الجزائر والمغرب):

- ‌رحلته إلى فاس وسببها:

- ‌الحالة السياسية بالمغرب الأقصى:

- ‌الحالة الاجتماعية والثقافية في تلمسان وفاس في عصر المؤلف وما قاربه:

- ‌أولًا- تلمسان:

- ‌ثانيًا- في فاس:

- ‌الفصْل الأوّلفي بيان نسبه ونشأته:

- ‌اسمه:

- ‌مولده:

- ‌نشأته وتعليمه:

- ‌عودة إلى الكلام عن أبي العباس:

- ‌صفاته الخُلُقية والجسمية:

- ‌الفصْل الثانيشيوخه:

- ‌الفصْل الثالثمكَانته العِلميّة وتلَاميذه:

- ‌تلاميذه

- ‌وفاته:

- ‌الفصْل الرابعآثاره:

- ‌ أشهر كتبه:

- ‌خَاتِمَة في الكلَام عَن كتاب عدة البروق

- ‌1 - نسبته للمؤلف:

- ‌2 - عنوانه:

- ‌3 - تاريخ تأليفه:

- ‌4 - الغرض من تأليفه:

- ‌5 - ملاحظات على الكتاب:

- ‌6 - قيمة الكتاب العلمية:

- ‌7 - مصادره:

- ‌8 - نسخ الكتاب:

- ‌9 - ملاحظات عامة على كتابة هذه النسخ الخطية كلها:

- ‌10 - عملي في التحقيق:

- ‌فروق كتاب الطهارة

- ‌فروق كتاب الصلاة

- ‌فروق كتاب الزكاة

- ‌فروق كتاب الصيام

- ‌فروق كتاب الاعتكاف

- ‌فروق كتاب الحج

- ‌فروق كتاب الصيد والذبائح والضحايا

- ‌فروق كتاب الأيمان

- ‌فروق كتاب النذور

- ‌فروق كتاب الجهاد

- ‌فروق كتاب النِّكَاح

- ‌فروق كتاب الخلع

- ‌فروق كتاب الطلاق

- ‌فروق كتاب التخيير والتمليك

- ‌فروق كتاب الرجعة

- ‌فروق كتاب الإِيلاء

- ‌فروق كتاب الظهار

- ‌فروق كتاب اللعان

- ‌فروق كتاب العدّة

- ‌فروق كتاب الرضاع والنفقات والحضانة

- ‌فروق كتاب العتق

- ‌فروق كتاب المدبر

- ‌فروق كتاب المكاتب

- ‌فروق كتاب الولاء

- ‌فروق كتاب أمهات الأولاد

- ‌فروق كتاب الصرف

- ‌فروق كتاب السلم

- ‌فروق كتاب البيوع

- ‌فروق كتاب بيع الخيار

- ‌فروق كتاب التدليس بالعيوب

- ‌فروق كتاب الصلح

- ‌فروق كتاب الأقضية

- ‌فروق كتاب الشهادات والدعاوي

- ‌فروق كتاب الوكالات

- ‌فروق كتاب الشركة

- ‌فروق كتاب الجعل والإِجارة

- ‌فروق كتاب الحجر والتفليس

- ‌فروق كتاب الحمالة

- ‌فروق كتاب الحوالة

- ‌فروق كتاب الرهون

- ‌فروق كتاب الغصب

- ‌فروق كتاب الاستحقاق

- ‌فروق كتاب الشفعة والقسمة

- ‌فروق كتاب الوصايا

- ‌فروق كتاب العطايا

- ‌فروق كتاب الوديعة

- ‌فروق كتاب اللقطة

- ‌فروق كتاب الحدود (في الزنى)

- ‌فروق كتاب القطع في السرقة

- ‌فروق كتاب القذف

- ‌فروق كتاب الجنايات

- ‌فروق كتاب الجراحات [والديات]

- ‌المصادر والمراجع

- ‌القرآن والتفسير

- ‌الحديث

- ‌الفقه وأصوله

- ‌التاريخ والتراجم والسير

- ‌اللغة

- ‌المجلات

- ‌مراجع بلغة أجنبية

الفصل: ‌فروق كتاب الصلاة

‌فروق كتاب الصلاة

40 -

وإنما قال (1) مالك في الغالط في القبلة يوم الغيم يعيد صلاته في الوقت (2)، والغالط في الوقت يعيدها أبدًا؛ لأن الغالط في القبلة لا يؤمن عليه من الغلط (3) في القضاء، كما لم يؤمن عليه [من الغلط](4) في الأداء، والغالط في الوقت إذا انكشف له بظهور الشمس أنه صلى المغرب قبل غروبها، فإِنه (5) إذا أداها بعد الغروب أمن (من)(6) الوقوع في الخطأ الذي وقع فيه [في](7) الأداء.

41 -

وإنما لم يجز (8) تقليد أحد المجتهدين للآخر في القبلة والأواني، وجاز ذلك في غيرها من المسائل الفروعية (9)؛ لأن الجماعة في الصلاة مطلوبة للشارع، صلوات الله وسلامه (6) عليه، فلو قلنا [بالامتناع](10) من الائتمام خلف من يخالف في المذهب لأدى إلى تعطيل الجماعات، إلا في حالة القلة، أو قلة

(1)(ح) قالوا.

(2)

المدونة 1/ 92.

(3)

(ح)، (ب) الخطأ.

(4)

الزيادة من (ب).

(5)

في (ب)، (ح) فإنها.

(6)

ساقطة من (ح).

(7)

الزيادة من (ح).

(8)

في (ب) لم تجز.

(9)

في (ب) الفرعية.

(10)

سقطت من الأصل.

ص: 105

الجماعات، وإذا منعنا من ذلك في القبلة ونحوها لم يخل ذلك بالجماعة لندرة وقوع هذه المسائل، وكثرة وقوع الخلاف في مسائل الفروع. قاله عز الدين بن عبد السلام (1) الشافعي رحمه الله (2).

تنبيه: سئل [الإِمام](3) الشافعي (4) رحمه الله عن هذه المسألة فقيل له: لم جاز أن يصلي الشافعي خلف المالكي والمالكي خلف الشافعي، وإن اختلفا في مسح الرأس وغيره من الفروع، ولم يجز لواحد من المجتهدين في الكعبة (5) والأواني أن يصلي خلف المجتهد الآخر؟ فسكت ولم يجب عن ذلك، وأجاب القرافي بما أثبته في كتابي الموسوم (6) بإِيضاح المسالك إلى قواعد الإِمام أبي عبد الله مالك فراجعه فيه (7).

42 -

[وإنما قالوا من اجتهد فأخطأ القبلة أعاد اتفاقًا](8)، وإنما اختلفوا (9) هل يعيد في الوقت أو أبدًا، أو الفرق بين أن يستدبر فأبدًا وبين (10) أن ينحرف ففي

(1) عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام الدمشقي السلمي، من أكابر فقهاء الشافعية، يلقب بسلطان العلماء. ولد في دمشق سنة 577 هـ، زار بغداد، ثم رجع إلى دمشق وغادرها إلى مصر، فاستقر بها إلى أن توفي سنة 660 هـ. من تآليفه قواعد الأحكام في مصالح الأنام والإِشارة إلى الإِيجاز. قرأ الفقه علي ابن عساكر، والأصول على الآدمي.

ممن ترجم له: ابن هداية الله الحسيني: طبقات الشافعية 222.

السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 8/ 209 - 255.

(2)

انظر كلامه في فروق القرافي في الفرق السادس والسبعين 2/ 100.

(3)

سقطت من بقية النسخ.

(4)

أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، أحد الأئمة الأربعة. ولد في غزة بفلسطين سنة 150 هـ وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين فنشأ بها. روى عن الإمام مالك ومسلم بن خالد وغيرهما. وروى عنه أحمد بن حنبل والحميدي ويونس بن عبد الأعلى وغيرهم. من تآليفه الرسالة والأم وغيرهما. أفردت ترجمته بالتأليف. توفي بمصر سنة 204 هـ.

ممن ترجم له: ابن هداية الله الحسيني: طبقات الشافعية 11 - 14، ابن النديم: الفهرست 294 - 296، ابن حجر: تهذيب التهذيب 9/ 25 - 31، ابن عبد البر: الانتقاء 65 وما بعدها.

(5)

في الأصل: القبلة والذي أثبتناه ما في سائر النسخ وإيضاح المسالك ص 155.

(6)

في سائر النسخ المرسوم والمثبت من (ح).

(7)

انظر إيضاح المسالك 160، 161 وفروق القرافي 2/ 101، 102.

(8)

من أول الفرق إلى هنا ساقط من (أ) و (ب).

(9)

(ح)، (أ) اختلف.

(10)

سائر النسخ أو بين، والمثبت من (ح).

ص: 106

الوقت، وقالوا فيمن ذهب لغسل دم الرعاف فظن فراغ الإِمام في غير الجمعة فأتم مكانه، ثم أخطأ ظنه أنه لا إعادة عليه، مع أنه قد تبين خطأ كل من الاجتهادين (1)؛ لأن الذي (2) تبين له الخطأ في القبلة إذا أعادها يعيدها على وجه أتم من الأول وأكمل، ولا كذلك من أخطأ ظنه في فراغ الإِمام؛ لأنه (3) لا يمكن أن يأتي بها على وجه أكمل من الأول لفراغ الإِمام.

43 -

وإنما فر الشيطان من الأذان، ولم يفر من الصلاة (4)، مع أن الصلاة (5) أعظم؛ لأن الأذان بمثابة دعاء الملك لخاصته لحضور ميزه (6)، وإذا دعا الداعي تميزت خاصة الملك من غيرهم. وأيضًا فراره من الأذان لئلا يشهد به للمؤذن؛ إذ لايسمعه شيء إلا شهد له يوم القيامة (7)، وكأنه من فرط حسده يروغ (8) عن الشهادة له، وإن علم أنه مستغن عنها، كما ترى الحسود يتلكأ (9) في الشهادة لمن حسده بفضيلة أوحق، وإن كان في غنى عن شهادته لقيام غيره بها. وأيضًا المؤذن داع إلى الخير والشيطان داع إلى الشر، فالضدان لا يجتمعان، وهو (10) مليح رشيق. وأما تخصيص الأذان بالشهادة له فيمكن أن يقال إن ذلك لأنه دعاء إلى الله تعالى وإقامة حجته على عباده، فاحتيج إلى الشهادة على التبليغ، كما احتيج إليها للفصل بين المتحاكمين، فهذه الشهادة

(1) في (ح) المجتهدين.

(2)

(ح) قد تبين.

(3)

في سائر النسخ: لم يكن، والمثبت من (ح).

(4)

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما واللفظ للبخاري "أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإِذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوب للصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: أذكر كذا أذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى "انظر فتح الباري 2/ 69 والنووي على مسلم 4/ 91.

(5)

(ح) شأن الصلاة.

(6)

(ح) عيده، والذي في المعيار 1/ 178 سره.

(7)

جاء في البخاري "فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة".

انظر فتح الباري 2/ 72، 73 والموطأ 76.

(8)

راغ يروغ يذهب يمنة ويسرة في سرعة خديعة، فهو لا يستقر في جهة. انظر المصباح مادة روغ.

(9)

تلكأ عليه: اعتل، وهو المراد هنا. انظر القاموس مادة لكأ.

(10)

في المعيار: وهذا.

ص: 107

كشهادة الأمة يوم القيامة بتبليغ الأنبياء إلى الأمم على ما جاء في الحديث (1).

وأيضًا طاعة الله تعالى بالجملة محاربة للشيطان وجهاد له، والعدو إنما يفر عند كشف الغطاء وبلوغ الغاية في المجاهدة (2) بالعداوة، وليس في العبادات (3) أبلغ في هذا المعنى من الأذان، ويؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم:"ساعتان تفتح لهما أبواب السماء وَقَلَّ داع ترد عليه دعوته: حضرة النداء للصلاة والصف في سبيل الله"(4)، يعني أنهما ساعتا جهاد (5).

44 -

وإنما قال ابن القاسم: يحكى الأذان في النافلة دون الفريضة (6)، مع أن كل منهما صلاة؛ لأن النافلة أخفض رتبة من الفريضة، فجاز فيها ما لم يجز في الفريضة.

تنبيه: هذا الفرق يقضي (7) بأن الشروع لا يصير غير الواجب واجبًا، وإن صير فتبقى رتبته دون رتبة الواجب الأصلي.

45 -

وإنما قال في المدونة: ومن سمع المؤذن فليقل كقوله، وإن كان في نافلة، وقال: لا يصلي المعتكف على جنازة، وإن انتهى إليه زحام المصلين (8)، مع أنه في كلا (9) المسألتين قد أدخل عملًا على عمل آخر هو (10) فيه؛ لأن صلاة

(1) روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدعى نوح يوم القيامة، فيقول لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم. فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون ما أتانا من نذير. فيقول من يشهد لك فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ .. " الحديث.

فتح الباري 2/ 130، 131.

(2)

كذا في جميع النسخ، والظاهر أنها تصحيف لمجاهرة.

(3)

(ح) العبادة.

(4)

هذا الحديث رواه مالك في الموطأ (ص 77) عن أبي حازم موقوفًا ولكن ابن عبد البر قال إنه روي مرفوعًا من حديث مالك وغيره. انظر الاستذكار 2/ 101، 102 والزرقاني على الموطأ 1/ 145، 146.

(5)

وقد صرح في المعيار 1/ 177 - 179 ببعض أصحاب هذه الفروق.

(6)

المدونة 1/ 63.

(7)

في الأصل: يقتضي بأن (ح) يقتضي أن.

(8)

انظر المدونة 1/ 198.

(9)

كذا في جميع النسخ والصواب كلتا.

(10)

في الأصل: وهو.

ص: 108

الجنازة إنما هي على الكفاية، يحملها (1) بعض الناس عن (2) بعض، وليس تختص (3) بكل إنسان وتلزمه بعينه، فلم ينبغ له أن يدخل على نفسه عملًا ليس يتوجه عليه في عينه، وحكاية المؤذن [تلزم كل أحد (4) في خاصته، لا ينوب في ذلك أحد عن أحد. قيل وهذا يحسن لو كانت حكاية الأذان](5) واجبة، وهي لا تجب على المشهور. وأيضًا حكاية المؤذن ذكر من الأذكار، ومن جنس ما هو فيه مما يفعله في أضعاف صلاته، وصلاة الجنائز ليس هي (6) من جنس ما هو فيه المعتكف. وأيضًا فإِن حكاية المؤذن أمر قريب يسير، وأمر الجنازة يطول الاشتغال (7) فيه. قاله عبد الحق في التهذيب (8).

46 -

وإنما جوزوا الأذان للصبح قبل وقتها (9) دون غيره (10)؛ لأن الصبح يدرك الناس نيامًا يحتاجون للتأهب لها وإدراك فضيلة الجماعة وفضيلة التغليس، وسائر الصلوات (11) تدرك الناس متصرفين [في أشغالهم فلا يحتاجون](12) أكثر من إعلامهم (13) بوجوبها (14) - قاله ابن يونس.

47 -

وإنما قال مالك: يرد المصلي السلام إشارة، ولا يرد المؤذن والملبي إشارة (15)، مع أن كلًّا منهما ممنوع من الرد نطقًا؛ لأن المصلي ممنوع من

(1)(ح) يحملنا.

(2)

(ح) على.

(3)

(ح) تخصيص.

(4)

(ح) واحد.

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

سائر النسخ هو، والمثبت من (ح).

(7)

(ب) الاستعمال.

(8)

كتاب تهذيب المدونة لعبد الحق الصقلي وهو كتاب نافع مفيد لا يزال مخطوطًا منه نسخ في خزانة القرويين.

(9)

سائر النسخ: الوقت.

(10)

ففي المدونة 1/ 64 "وقال مالك لا ينادى لشيء من الصلوات قبل وقتها إلا الصبح وحدها".

(11)

في (أ) الصلاة.

(12)

ساقطة من (أ).

(13)

في (أ) و (ب) أعمالهم، وهو سهو.

(14)

في (ب) موجوبها.

(15)

انظر المدونة: 1/ 62، 98.

ص: 109

الكلام في الصلاة، ومن تكلم عامدًا بطلت صلاته، فجعل رد السلام إشارة بدلًا عن النطق (1)، الذي (2) متى وجد أبطل الصلاة، والأذان والتلبية لا يفسدهما (3) الكلام، إذ (4) لو تكلم كلامًا خفيفًا لم يفسد أذانه ولا تلبيته، فلم يجعل (5) له بدل. وأيضًا لما كانت الصلاة شأنها يطول جعلت الإِشارة للمصلي عوضًا من الكلام. والأذان والتلبية لا يطولان، فيرد بعد الفراغ من ذلك (6) قال في النكت (7): وقد يعترض (8) هذا التفريق بمن كان في آخر الصلاة (9) أهـ. وأيضًا لما كان الأذان عبادة ليس لها في النفوس موقع كالصلاة، فلو أجزنا فيه الإِشارة لتطرق إلى الكلام، بخلاف الصلاة فإِن عظمها في النفوس يمنع التطرق فيها من الإِشارة إلى الكلام. وأيضًا لما كان الأذان لا يبطله الكلام، وإنما هو مكروه فيه، وكان رد السلام واجبًا، لم يجز له أن يرده [إلا](10) كلامًا، فصار المسلم قد أدخله بسلامه في الكراهة فنهى أن يسلم عليه لذلك حتى يفرغ مما هو فيه. فإذا عصى وسلم عليه عوقب بأن لا يرد عليه، كمنع القاتل الميراث لاستعجاله ذلك قبل وقته، وقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم (11)، للذي سلم (12) عليه وهو يبول "إذا رأيتني في هذا الحال فلا تسلم علي فإنك إن فعلت، لم أرد عليك"(13)، فهذا مثله. قاله ابن يونس.

(1) في (ب) النظر، وهو سهو.

(2)

(ح) التي.

(3)

(أ) مما.

(4)

(أ) إذا تكلم.

(5)

في جميع النسخ فلم يحصل، والتصويب من (ح).

(6)

هذا الفرق نقله عبد الحق واعترض عليه. انظر النكت ص 13.

(7)

النكت والفروق لما في المدونة والمختلطة لعبد الحق الصقلي منه نسخة مخطوطة في الخزانة الملكية رقم 261 بالرباط. وأخرى بمدريد رقم 78.

(8)

(ح) يعرض - (أ) يتعرض.

(9)

انظر النكت لعبد الحق ص 13.

(10)

ساقطة من (ح).

(11)

(أ) عليه الصلاة والسلام.

(12)

باقي النسخ يسلم.

(13)

عن جابر بن عبد الله أن رجلًا مر على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يبول، فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا =

ص: 110

تنبيه: قال عبد الحق وغيره: الأولى في التفريق بين ذلك أن يقال: الأصل في جميعهم أن لا يسلم عليهم ولا يردون للعمل الذي حصلوا فيه فخصت السنة (1) جواز ذلك في الصلاة خاصة بالأثر الذي ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، حين كان يسلم عليه، وبقي ما عداه (2) على الأصل، والله أعلم (3).

فائدة: قال في العارضة (4): سمعت بنازلة سنة تسع وثمانين (5) بدمشق (6)، وهي أن رجلًا جاء أبكمَ وهو (7) يصلي فكلمه بالإِشارة، فرد عليه الأبكم الجواب إشارة، فقال نصر بن إبراهيم (8): صلاته باطلة؛ لأن كلامه إشارة بمنزلة من تكلم، وقال الطاوسي (9)، وكان بها معتكفًا في الجامع، هي

= رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك" رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف، لكن ورد في صحيح مسلم عن ابن عمر قال: "مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يبول، فسلم عليه، فلم يرد عليه". انظر ابن ماجه 1/ 126 - 127 وجامع الأصول 7/ 393 وسنن البيهقي الكبرى 1/ 99.

(1)

يريد ما ورد في سنن الترمذي عن صهيب قال: "مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي فسلمت عليه فرد إلي إشارة، وقال: لا أعلم إلا أنه أشار بأصبعه". انظر عارضة الأحوذي 2/ 162 والموطأ ص 141، 142 وابن ماجه 1/ 325.

(2)

(ح)، (أ) من.

(3)

انظر النكت ص 13.

(4)

عارضة الأحوذي كتاب لابن العربي المعافري شرح به سنن الترمذي طبع وصور عدة مرات في ثلاثة عشر جزءًا. انظر هذه الفائدة في العارضة 1/ 163 وستأتي ترجمة ابن العربي.

(5)

أي أربعمائة وتسع وثمانين.

(6)

في (ح) و (ب): وهو.

(7)

في (أ) و (ب): جاء وهو أبكم يصلي، وهو سهو في التقديم والتأخير إذ لا يستقيم المعنى بذلك، والذي أثبته يعضده ما في العارضة.

(8)

أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود المقدسي، شيخ الشافعية في عصره في الشام. تفقه عند سليم الرازي والكازروني، وسمع العلم والحديث بدمشق وغيرها من جماعة. من مصنفاته الانتخاب الدمشقي، الحجة على تارك المحجة والتهذيب والمقصود وغيرها. تصدر للتدريس بدمشق وبها توفي سنة 490 هـ.

ممن ترجم له: السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 5/ 351 - 353 طبعة الحلبي القاهرة، ابن هداية الله الحسيني: طبقات الشافعية ص 181، ابن عساكر: تبيين كذب المفتري ص 286، الزركلي: الأعلام 8/ 20.

(9)

في جميع النسخ الطوسي وفي (ح) و (م) الطاوسي والذي في العارضة 2/ 163 وقال الطرطوشي وكان بها معتكفًا. إلخ ولعله الصواب. =

ص: 111

إشارة فلا تبطل صلاته، وهو الصحيح أهـ. قلت لقائل أن يقول الصحيح قول نصر بن إبراهيم، لأن إشارة الأخرس (1) لا يزاحمها إمكان ما هو أدل منها من غير نوعها بحال، فكانت (2) كصريح الكلام، بخلاف دلالة الإِشارة من القادر، فإِنه يزاحمها ما هو أدل منها من غير نوعها، وهو النطق، فلذا (3) لم تكن (4) في حقه كالصريح، ويؤيده أنهم جعلوا الإِشارة المفهمة للطلاق من الأخرس (5) كالصريح، ومن القادر كالكناية فتأمله.

48 -

وإنما ألزمت المرأة بالتلبية ولم تلزم بالإِقامة (6)؛ لأن التلبية إجابة والإِجابة لازمة لكل من لزمه فرض الحج [والمرأة منهم. وأيضًا لتلبية داخلة في إحرام الحج، كالسورة التي مع (7) أم القرآن في الصلاة](8)، والإِقامة خارجة عن الصلاة. قاله ابن يونس.

49 -

وإنما قال مالك: يؤذن على (9) غير وضوء ولا يقيم إلا على وضوء، مع أن الجميع أذان؛ لأن الإِقامة تعقبها الصلاة فاشترطت الطهارة لها لئلا يحتاج إلى خروج للطهارة (10) بعد الإِقامة، وذلك مما لا ينبغي، ثم مع ما في ذلك من

= وهو أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري المعروف بالطرطوشي وبابن رندقة. نشأ بالأندلس وصحب أبا الوليد الباجي، وسمع منه مسائل الخلاف. رحل إلى المشرق فحج ودخل بغداد والبصرة. وتفقه عند أبي بكر الشاشي وغيره من أئمة الشافعية، وسكن الشام مدة ودرس بها، وأخذ عنه الناس هناك علمًا كثيرًا. من تآليفه تعليق في مسائل الخلاف وكتاب في أصول الفقه وكتاب في البدع والمحدثات وكتاب في بر الوالدين وكتاب سراج الملوك. توفي بالإسكندرية سنة 520 هـ مولده سنة 455 هـ. ممن ترجم له: ابن فرحون: الديباج 276 - 278. ومحمد بن مخلوف: شجرة النور 1/ 124 - 125.

(1)

(ح) الأخرس.

(2)

(ب) فكأنه.

(3)

(ح) فلذلك.

(4)

سائر النسخ يكن، والمثبت من (ح).

(5)

(ح) و (ب) الأخرص.

(6)

في المدونة 1/ 63 وقال مالك: ليس على النساء أذان ولا إقامة وإن أقامت المرأة فحسن.

(7)

في الأصل هي، والتصويب من (ح).

(8)

ساقطة من (أ) و (ب).

(9)

في الأصل من، والتصويب من باقي النسخ.

(10)

في جميع النسخ الطهارة والتصويب من (ح).

ص: 112

إيقاع الصلاة منفصلة عن الإِقامة إن كان إمامًا أو فذًّا، وليس شرعيتها هكذا، بل متصلة إلّا لضرورة.

50 -

وإنما قال مالك يتنفل قاعدًا (1) ولا يتنفل مضطجعًا؛ لأن الجلوس أحد أركان الصلاة حال الاختيار، فجاز التنفل به، وليس كذلك الاضطجاع؛ لأنه ليس بركن من الصلاة حال القدرة.

تنبيه: قد يمكن أن يقال: ذلك رخصة، ولم ترد في الاضطجاع فتقصر على [حسب](2) ما وردت.

51 -

وإنما قال ابن عبد الحكم (3): لا يتنفل في السفينة إلا إلى (4) القبلة، ويتنفل على الدابة إلى القبلة وغيرها؛ لأن الاستقبال في السفينة متيسر وعلى الدابة متعذر أو متعسر.

تنبيه: قيد ابن التبان (5) مذهب المدونة وابن عبد الحكم بمن يصلي في السفينة إيماء (6)، وأما من يركع ويسجد فهو (7) كالدابة، وخالفه (8) الشيخ

(1) في المدونة 1/ 80 قال مالك ولا بأس أن يصلي النافلة محتبيًا وأن يصلي النافلة على دابته في السفر حيثما توجهت به. وقال مالك 1/ 17 ويدورون إلى القبلة كلما دارت السفينة عن القبلة إن قدروا.

(2)

ساقطة من الأصل وفي بقية النسخ على حساب، والتصويب من (ح).

(3)

أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن الليث مولى عثمان بن عفان. ولد بمصر سنة 150 هـ، وقيل سنة 155 هـ. واليه أوصى ابن القاسم وأشهب وابن وهب، وسمع من مالك الموطأ. وروى عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب كثيرًا من رأي مالك الذي سمعوه عنه. صنف كتاب المختصر الكبير، اختصر فيه تلك الأسمعة، ثم اختصره في كتاب صغير معروف بالمختصر الصغير، وعليها يعول البغداديون من المالكية. نوفي سنة 210 هـ أو 214 هـ. له ترجمة في: ابن عبد البر: الانتقاء 52/ 53، 113، ابن النديم: الفهرست 281، ابن فرحون الديباج: 134، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 3/ 136، محمد بن مخلوف: شجرة النور 1/ 59، ابن حجر: تهذيب التهذيب 5/ 289 - 290.

(4)

في (ب): أن.

(5)

أبو محمد عبد الله بن إسحاق المعروف بابن التبان، كان من العلماء الراسخين، والفقهاء المبرزين، من أئمة المالكية، ضربت إليه أكباد الإبل. أخذ عن ابن اللباد وغيره، وعنه أبو القاسم المنستيري ومحمد بن إدريس بن الناظور وأبو عبد الله الخراط وغيرهم. ألف كتابًا في النوازل. توفي سنة 371 هـ، وكان مولده سنة 311 هـ. له ترجمة في: ابن فرحون: الديباج 138، محمد بن مخلوف: شجرة النور 1/ 95 / 96.

(6)

(ح) بالإمام في السفينة.

(7)

(ح) و (ب): فهي.

(8)

(ح) وخالف.

ص: 113

أبو محمد (1).

52 -

وأنما يكبر (2) حين (3) الشروع في الخفض والرفع إلا في قيام الجلوس الأول، فإِنه لا يكبر حتى يستوي قائمًا؛ لأن التكبير الذي في الخفض والرفع في مبتدأ (4) تلك الحال التي (5) يؤتى (6) به فيه، وقد كبر الذي قعد في اثنتين حين رفع رأسه من السجود، وهي تكبيرة الرفع من السجود إلى الجلوس، والنهوض من الجلسة ليس هو من الركعة الثالثة، [بل هو بقية [الرفع](7) من السجدة (8)، [وسبب](7) يؤدي إلى أول الركعة] (9) الثالثة، وأولها القيام، فإِنما يكبر في أول القيام للركعة الثالثة. قاله القابسي (10)، واستحسنه عبد الحق. وأيضًا إذا كبر قبل أن يستقل قائمًا، فكأنه كبر تكبيرتين في رفع واحد؛ لأنه كبر حين رفع رأسه من السجود، والرفع من السجود بعض الرفع إلى القيام، وكون الجلوس قد تخلله، لا يخرجه عن ذلك. وأيضًا لقيام إلى الثالثة بمثابة صلاة

(1) أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن القيرواني النفزاوي، أشهر فقهاء المالكية في المائة الرابعة واسع العلم كثير الحفظ والرواية. تفقه بفقهاء بلده، وسمع من شيوخها، وعول على أبي بكر بن اللباد وأبي الفضل القيسي. وأخذ عن محمد، وسمع منه خلق كثير. تفقه به جلة، منهم أبو بكر بن عبد الرحمن والبرادعي وابنا الأجدابي وغيرهم، له تآليف مشهورة كثيرة منها: الرسالة والنوادر وتهذيب العتبة والتنبيه وغيرها. توفي سنة 386 هـ. له ترجمة في: ابن فرحون: الديباج 136/ 138، ابن النديم: الفهرست 283/ 284، محمد بن مخلوف: شجرة النور 1/ 96، بروكلمان: تاريخ الأدبي العربي 3/ 286 / 290، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 2/ 154 - 160.

(2)

في (أ) يكره، وهو سهو.

(3)

(ب) حال.

(4)

في الأصل: مبدا.

(5)

(ب) الذي.

(6)

(ح) يؤمر.

(7)

بياض في (ب).

(8)

(ح): السجود.

(9)

ساقطة من (أ).

(10)

أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري المعروف بأبي الحسن القابسي سمع من كثيرين منهم

أبو العباس الأبياني وابن الدباغ وحمزة بن محمد الكناني وأبو زيد المروزي. كان واسع الرواية، عالمًا بالحديث، من أشهر أئمة المالكية، وكان أعمى لكن كتبه كانت صحيحة ضبطًا وتقييدًا. عليه تفقه أبو عمران الفاسي واللبيدي وغيرهما. من تآليفه الممهد في الفقه، والمنقذ من شبه التأويل، والمنبه =

ص: 114

ثانية، وهذه التكبيرة بمثابة تكبيرة الإِحرام لما جاء (أن الصلاة فرضت مثنى مثنى). الحديث (1)

53 -

وإنما بطلت الصلاة بعمد (2) الكلام دون سهوه، وبطلت بالحدث مطلقًا؛ لأن الكلام غير مناف للصلاة كما هو (3) الحدث مناف لها.

54 -

وإنما لم يصح إيقاع السلام قائمًا، وصح إيقاع التكبير للإِحرام وهو منحن عند من حمل المدونة على ذلك، لأن في (4) السلام أوقعه في حالة لا يصدق عليه أنه جالس (5)، وفي الركوع يطلق عليه القيام، لصحة وصفه بكونه قائمًا غير مستقيم القيام وانظر الفرق بين كونه (6) لو شرك (7) بين تكبيرة الإِحرام والركوع صح، ولو شرك (7) بين سلام الفرض والسنة لم يصح.

55 -

وإنما قال: ابن القاسم: إذا أحرم معه أجزأه، وإذا سلم معه لم يجزه؛ لأن المساواة في الإِحرام إنما تنشأ عن رغبة واعتناء بالدخول، فلا يجعل ذلك [سببًا](8) للبطلان، والمساواة في السلام [مشعرة بنقيض ذلك، فلا يلزم من اغتفار المساواة في الإِحرام اغتفارها في السلام](9). قاله زين الدين (10).

= للغطي، وكتاب المعلمين والمتعلمين وغيرها. توفي بالقيروان سنة 403 هـ وكان مولده سنة 324 هـ.

ممن ترجم له: ابن فرحون: الديباج 199 - 201، محمد بن مخلوف: شجرة النور 1/ 97، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 2/ 162 - 163.

(1)

أخرج الشيخان عن عائشة أم المؤمنين قالت: "فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر" انظر فتح الباري 1/ 398 والنووي على مسلم 5/ 194. وأما الحديث باللفظ الذي ذكره المؤلف فلم أجده، والمعنى واحد. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى" انظر فتح الباري 2/ 397، 398. وهو غير ما استدل به المصنف.

(2)

(ب) بعد.

(3)

الأوْلى: كما أن الحدث مناف لها، وما أثبته هو كذلك في جميع النسخ.

(4)

كذا في جميع النسخ، وكلمة "في" لا معنى لها فلعلها زيادة من النساخ.

(5)

في الأصل جلس.

(6)

(ح): قوله.

(7)

في الأصل: شرط.

(8)

ساقطة من (ح).

(9)

ساقطة من (ح) و (ب).

(10)

في (ح) عز الدين.

ص: 115

تنبيه: قال بعض الشيوخ: ما أبداه من الحكمة فرقًا ينتج لو تأمله العكس، فإِن الرغبة والاعتناء في طرف الدخول يكون حاملًا على السبقية، وهي قادحة، وعدم وفور الرغبة في طرف السلام يكون حاملًا على التأخر (1)، وهو مصحح.

56 -

وإنما قالوا في من صلى النافلة مأمومًا يرد على الإِمام وعلى من على يساره فساووا بين النافلة والفريضة وفي الجنازة يسلم واحدة (2)؛ لأن النافلة لما كان فيها (من العمل)(3) ما في الفرض من ركوع وسجود وغير ذلك، كان سلامها كسلام الفرض؛ إذ أعمالها مستوفاة كأعمال الفرض، وأما صلاة الجنازة فليست مستوفاة الأعمال كأعمال الفرض، إذ ليس فيها ركوع ولا سجود، فكان السلام منها أخفض وأنقص من الفرض والنفل. [قاله عبد الحق في التهذيب.

تنبيه]: (4) قيل: وهذا الفرق ظاهر، ويستدل به بأن سجود التلاوة لما كان ناقصًا (5) عن الصلاة أكثر من نقصان عمل صلاة الجنازة سقط السلام منها بالكلية لسقوط الإِحرام، وهو جل المقصود، فشرع لكل عبادة من هذه العبادات ما يليق بها، وكلما كثر عملها قوي السلام فيها.

57 -

وإنما (6) أجمعت الأمة على أن الإِمام إذا أحدث في الصلاة غلبة أو ذكر

= وزين الدين هو أبو الحسن علي بن محمد بن منصور الشهير بابن المنير زين الدين الجذامي شارح البخاري وأخو ناصر الدين صاحب الحاشية على تفسير الكشاف.

تولى القضاء بعد أخيه الناصر، وعنه أخذ وعن ابن الحاجب. وعنه أخذ جماعة منهم ابن أخيه عبد الواحد والعبدري.

من تآليفه: حواشي على شرح ابن بطال، وضياء المتلألئ في تعقب إحياء الغزالي، زيادة على شرحه للبخاري. قال صاحب الديباج: إنه لم يقف على سنة وفاته، وقال أحمد بابا إنه توفي 695 هـ.

له ترجمة في: ابن فرحون: الديباج 214، أحمد بابا: نبل الابتهاج 303، الحجوي: الفكر السامي 2/ 235، محمد بن مخلوف: شجرة النور 1/ 188.

(1)

(ح) التأخير.

(2)

المدونة: 1/ 170.

(3)

ساقطة من (ح).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

(ح): من.

(6)

في هامش (ح) وفي نظم ابن عاشر: وبطلت لمقتد بمبطل * على الإمام غير فرع ينجل من ذكر الحدث أو به غلب

ص: 116

الحدث أن صلاة المأموم لا تفسد، وإذا ذكر صلاة [في صلاة](1) فإِنه يقطع، ويسري (2) البطلان والفساد إلى صلاة المأموم في رواية ابن القاسم عن (3) مالك، وإليها رجع مالك، والجامع أنه ذكر لما هو شرط في صحة الصلاة، أو لما هو من سنة الصلاة؛ لأن الإِمام إنما قطع (4) إذا ذكر صلاة لخلل في نفس الصلاة؛ لأن ترتيبها يرجع لعينها وصفتها، فالإِمام إذا قطع لخلل يرجع إلى نفس الصلاة قطع معه المأموم كما في خلل الإِحرام والقراءة، ولا كذلك ذكر الحدث، لأن الطهارة ليست من نفس الصلاة، وإنما هي شرط خارج عن ماهيتها، ولا تختص بصلاة معينة فتكون جزءًا منها. قاله ابن راشد. وأيضًا الوقت سبب، والطهارة شرط، والسبب أقوى من الشرط، فناسب أن يسري البطلان إلى المأموم إذا ذكر الإِمام صلاة منسية؛ لأن الوقت قد استحقته (5)، والوقت سبب، ولم يناسب إذا ذكر الحدث؛ لأن الطهارة شرط، والسبب أقوى من الشرط، وإذا صح الفرق بين المحلين لم يصح الإِلحاق. قاله الإِمام التونسي (6) الكبير بالإِسكندرية.

58 -

وإنما أوجبوا قضاء ما فات حال السكر من الصلوات، ولم يوجبوا قضاء ما فات حال الإغماء من الصلوات؛ لأن السكران لما كان عاصيًا بشرب ما أسكره غلظ عليه حَتى ألحق بالصاحي، بخلاف المغمى عليه.

59 -

وإنما اتفقوا على قتل من امتنع من أداء الصلاة الوقتيه، واختلفوا في قتله بامتناعه من قضاء ما فات منها؛ لأن الفائتة مختلف في وجوب قضائها (7).

(1) في (ب) ساقطة.

(2)

(ب): ويسر في.

(3)

المدونة 1/ 125 وقال في إمام ذكر صلاة نسيها قال ابن القاسم قال مالك أرى أن يقطع ويعلمهم ويقطعوا، ولم يره مثل الحدث.

(4)

في (ح): يقطع.

(5)

في الأصل استحقه.

(6)

في (ح) و (م) التنسي، وفي (ب) التنيسي.

ولم أستطع معرفة من هو التونسي أو التنسي الكبير، فلعله الكمال ابن التنسي الذي أخذ عنه ابن راشد القفصي. انظر ابن راشد: لباب اللباب 315، أحمد بابا: نيل الابتهاج 235، محمد مخلوف شجرة النور 1/ 207 (722).

(7)

في هامش (ح) وممن قال بعدم وجوب قضاء الفائتة ابن حزم الظاهري، ورد عليه ابن العربي في =

ص: 117

وأيضًا فقد أجاز مالك تأخيره لشغل، وليس (1) كذلك الأداء. قاله المازري (2).

60 -

وإنما يحمل الإِمام الفاتحة عن (3) المأموم، ولا يحمل عنه تكبيرة الإِحرام، مع أن الجميع ركن قولي (4)؛ لأن الإِمام إنما يحمل عن (5) مأمومه (6)، وقبل تكبيرة الإِحرام ليس بمأموم، وفيه بحث، إذ قد يعترض بالسلام.

61 -

وإنما يسجد بعد السلام إذا قدم القراءة على التكبير في صلاة العيد، فرجع وكبر وقرأ (7)، وإذا قدم السورة على أم القرآن، فرجع فقرأ أم القرآن، ثم قرأ السورة أنه لا يسجد؛ لأن الذي قدم السورة إنما قدم قرآنًا على قرآن، فقدم شيئًا على جنسه، وفي مسألة العيد إنما قدم قرآنًا على تكبير فقدم شيئًا من غير جنس ما خوطب به.

تنبيه: قال عبد الحق (8) وهذا الفرق ليس بشيء؛ لأن العلة في مسألة العيدين طول القيام كما قال سحنون، [وهي](9) موجودة فيمن قدم السورة على

= القواصم والعواصم، وهذا الخلاف من باب: وليس كل خلاف جاء معتبر: إلا خلاف له حظ من النظر. مصححة.

(1)

في بقية النسخ: ولا كذلك.

(2)

انظر شرح التلقين للمازري جـ 1، ورقة 24 (و).

أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري الإمام المالكي المعروف، وصل رتبة الاجتهاد. كان يفزع إليه في الفتوى كما يفزع إليه في الطب، وكان رغم وصوله هذه المرتبة لا يفتي بغير المشهور. أخذ عن اللخمي وعبد الحميد الصائغ وغيرهما. وأخذ عنه من لا يعد كثرة، منهم عبد السلام البرجيني وابن الفرس وابن تومرت وغيرهم. واستجازه القاضي عياض وغيره. من تآليفه المعلم بشرح مسلم وشرح التلقين وشرح البرهان وكتاب الرد على الإحياء للغزالي وغيرها. توفي بالمهدية ودفن بالمنستير سنة 536 هـ.

ممن ترجم له: ابن فرحون: الديباج 279 - 281، ابن قنفد: شرح الطالب 62، محمد بن محمد مخلوف: شجرة النور 1/ 127 - 128 الحجوي: الفكر الإسلامي 2/ 221.

(3)

في (ح): علي.

(4)

في (ح) وتقوى، وفي (ب) عقلي.

(5)

في (ب) و (أ): علي.

(6)

في (ح)، و (أ): مأموميه.

(7)

المدونة 1/ 156.

(8)

انظر النكت والفروق ص 13.

(9)

ساقطة من (أ).

ص: 118

أم القرآن، ورد ابن رشد الفرق بأن المزيد واحد، وهو قرآن، ورد ابن عرفة، رد ابن رشد بأن معنى الفرق المذكور أن الشيء في غير محل نوعه أشد مباينة منه في محل نوعه، وبأنها في العيد أكثر [من](1) أم القرآن وسورة، ولذا قال ابن يونس عن سحنون فيها يسجد لطول القيام لا للقراءة.

62 -

وإنما كان من ذكر صلاة نسيها وهو في فريضة، وقد صلى منها ركعة، لا يقطع (2)، وإذا ذكرها في نافلة، وقد صلى منها ركعة أنه يقطع (3)؛ لأن التمادي على النافلة إكمال لها، فيصير ذكره للفائتة لا تأثير له إذا بقي على ما دخل عليه وأتم ما كان فيه، ولا كذلك الفريضة، فإِنه وإن أتى بركعة أخرى ليجعل ما هو فيه نفلًا، فهو قاطع لما دخل فيه؛ لأنه لم يكمل أربعًا كما دخل عليه، فصارت الفائتة التي ذكرها قد أثرت هذا التأثير، وأزالته عما عقده وابتدأ عليه (4).

63 -

وإنما يتم النافلة من أقيمت عليه صلاة الجماعة عقد ركعة أم لا، ما لم يخش فوات ركعة مع الإِمام (5)، وإذا أحرم بنافلة وذكر أن عليه فريضة فإِنه يقطع إن لم يعقد ركعة، وإن عقد فقولان؛ لأن من أقيمت عليه صلاة الجماعة، ولم يخش فوات ركعة إذا أتم النافلة، أدرك الفريضة وفعلها على وجه التمام مع الإمام، ولم يكن في ذمته ما يمنعه التمادي، بخلاف من ذكر فريضة، فإِن الوقت قد استحقته (6)، وهي متخلدة في الذمة.

تنبيه: لم يرتضِ ابن عبد السلام، رحمه الله، هذا الفرق، فقال: الظاهر

(1) ساقطة من (أ).

(2)

وإنما يضيف إليها أخرى ويسلم. المدونة 1/ 122.

(3)

انظر هذا مع قول المدونة 1/ 123 "قلت أرأيت من نسي صلاة مكتوبة فذكرها، وهو في نافلة، يصليها؟ قال: إذا لم يكن صلى منها شيئًا قطعها، وإن كان قد صلى ركعة أضاف إليها أخرى ثم يسلم. قال وقد كان مالك يقول أيضًا يقطع، وأحب إلي أن يضيف إليها أخرى" فقد جرى المؤلف في هذه المسألة على قول مالك المرجوع عنه. وعلى، مشهور المذهب لا فرق. وانظر الزرقاني على خليل 1/ 229.

(4)

هذا الفرق لعبد الحق انظر النكت ص 19.

(5)

انظر المدونة 1/ 97.

(6)

في الحجرية استحقه.

ص: 119

أنه يقطع في النفل في الموضع الذي يقطع فيه [في](1) الفرض، بل أحرى، وما يقوله أهل المذهب والاعتذار عن هذا معلوم ولست أرضاه.

64 -

وإنما قالوا فيمن صلى بنجاسة أنه يعيد ما لم تصفر الشمس، وفيمن نسي الصبح حتى صلى الظهر فإنه يصليها ويعيد الظهر إلى الغروب، مع أن كلًّا من النجاسة (2) والترتيب واجب مع الذكر؛ لأن القول بوجوب الترتيب شرطًا أقوى من القول بوجوب إزالة النجاسة شرطًا، فروعي القول الأقوى بأن جعل زمان الإعادة فيه أوسع منه في مسألة النجاسة. قال [معناه](3) الشيخ الفقيه أبو يحيى (4)[أبو بكر](5) بن القاسم بن جماعة (6).

تنبيه: قال ابن عبد السلام: وهذا الفرق ضعيف كما تراه، لأنا لا نسلم القوة المذكورة، لا نقلًا ولا دليلًا؛ لأن القائل بوجوب إزالة النجاسة شرطًا [هو](7) ابن وهب، والقائل بوجوب الترتيب شرطًا هو ابن الماجشون (8).

فلا ترجيح، بل الشافعي وغيره يوجب (9) إزالة النجاسة كما قال

(1) ساقطة من الأصل.

(2)

يعني إزالة النجاسة.

(3)

بياض في (ح).

(4)

في (أ)، (ب) ابن يحيى.

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

أبو يحيى أبو بكر بن القاسم بن جماعة الهواري، فقيه مالكي. أخذ عن أئمة المشرق والمغرب، منهم ابن دقيق العيد وابن واجد. وأخذ عنه ابن عبد السلام. ألف في البيوع تأليفًا قيمًا، وتوفي سنة 712 هـ، ممن ترجم له: محمد بن محمد مخلوف: شجرة النور 1/ 205، 206، الونشريسي: الوفيات: 101.

(7)

الزيادة من (ح).

(8)

أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون. كان فقيهًا فصيحًا، دارت عليه الفتوى وعلى أبيه من قبل، فبيته بيت علم وحديث بالمدينة. تفقه بأبيه وبمالك وغيرهما. أثنى عليه العلماء كثيرًا. وبه تفقه أئمة كابن حبيب وسحنون وابن المعذل. توفي سنة 212 هـ / وذكره ابن قنفذ في وفيات سنة 213 هـ.

ممن ترجم له: ابن فرحون: الديباج 153 - 154، محمد بن محمد مخلوف: شجرة النور 1/ 56، ابن قنفذ: شرف الطالب 40، ابن عبد البر: الانتقاء 57، 58.

(9)

في (ح) يوجبان.

ص: 120

[ابن وهب](1)، ولا يكاد يوجد موافق لابن الماجشون في هذه المسألة، وأما النظر فأدلة القول بوجوب إزالة النجاسة كثيرة قوية في محلها، ولا أعلم لقول ابن الماجشون دليلًا بينًا. ويمكن الفرق على المشهور جريًا على أصله من غير نظر إلى مراعاة قول أحد بأن الطلب في الترتيب آكد منه في إزالة النجاسة، فوجب أن تكون الإِعادة كذلك. ألا ترى أنه عند ضيق الوقت يقدم الفائتة، وعند ضيق الوقت عن غسل النجاسة يصلي بها، فكان رعي الترتيب آكد من إزالة النجاسة، فوجب أن يكون زمان الإعادة في الترتيب أوسع منه في الإِعادة بالطاهر (2). واعترض ابن عرفة قوله لم يقل بوجوب الترتيب غير ابن الماجشون بأنه قال به مالك وابن القاسم ومطرف (3) وابن حبيب، واعترض تفريقه (4) بما ذكر أيضًا بأنه نفس ما أنكر (5) على شيخه ابن جماعة، قصاراه (6) أنه بين سببه، ثم قال: وقد يفرق بأن ترتيب الصلاة راجع لزمنها، وهو لازم وجودها لذاته، والطهارة راجعة لها بواسطة فاعلها (7)؛ لأنها صفة له، واللازم لا بوسط (8) آكد منه بوسط، وبأن الشارع لم يرخص في تنكيسها بحال، ورخص في النجاسة اضطرارًا، وبأن مفسدة التنكيس أشد للزوم تعلقه بصلاتين والنجاسة بصلاة واحدة.

65 -

وإنما نتبع الإِمام في سجود السهو إذا كان يرى خلاف ما نرى نحن، ولا نتبعه إذا كبر على الجنازة خمسًا؛ لأن السجود لما كان فعلًا [يرى](9) ويشاهد لم

(1) سقطت من (ح).

(2)

(ح) في الظاهر.

(3)

أبو مصعب مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ومطرف هذا هو ابن أخت مالك بن أنس وكان أصم. روي عن مالك وغيره، وعنه أبو زرعة وأبو حاتم والبخاري، وخرج له في صحيحه. قال أبو حاتم توفي مطرف سنة 220 هـ، وقال غيره سنة 214 هـ بالمدينة.

ممن ترجم له: ابن عبد البر الانتقاء 58، ابن فرحون الديباج 345، 346، محمد بن محمد مخلوف: شجرة النور 1/ 57.

(4)

(ح) تفرقة.

(5)

(ح) أنكره.

(6)

في جميع النسخ قصارى، والتصويب من (ح)، وفي هامشها: أي غايته.

(7)

الأصل (ب). لأنه والتصويب من (أ)، (ح).

(8)

في (ب) لا بواسطة.

(9)

ساقطة من (أ).

ص: 121

ينبغ أن يخالف فيه الإمام، والتكبير خمسًا إذا لم يصنع مع الإِمام هو شيء يخفى، ولا يدخل (1) في ذلك ما اتقاه مالك في قوله اتبعوه فإِن الخلاف شر، وكره (2) مخالفة الإِمام في السجود لهذا. وأيضًا لسجود وإن كان يرى فيه خلاف ما نرى فنحن نتفق على أنه لا بد من سجود (3)، إما قبل (4) السلام وإما بعده والمكبر خمسًا هذا، قد زاد عندنا تكبيرة لا نرى نحن بها أصلًا (5). وأيضًا الخلاف في التكبير خمسًا ضعيف، وليس بقوي (6) قوة الخلاف في السجود (7)، بل صارت الزيادة شعار أهل البدع. قال في البيان (8): وانعقد الإِجماع على ذلك في زمن عمر رضي الله عنه.

66 -

وإنما يعمل الظان على ظنه في الصلاة على المشهور، ولا يعمل على ظنه في استباحة الصيد إذا ظن أن المعلم القاتل على المشهور؛ لأن الظن في الصلاة تعلق بعين الحكم الشرعي وفي الصيد تعلق بسببه لا بعينه، والظن في الأحكام (9) الشرعية كالقطع وفي أسبابها لا.

67 -

وإنما اتفقوا على أن الركعة الأولى إذا بطلت على المأموم لا تصير الثانية عوضًا منها، بل تبقى ثانية على حالها واختلفوا في الفذ والإِمام (لأن صلاة المأموم] (10) مبنية على صلاة الإمام، وركعات الإِمام باقية على رتبتها، فوجب مثل ذلك في ركعات المَأموم، بخلاف الفذ والإِمام. قاله ابن عبد [السلام](10).

(1) في الأصل: تحت في ذلك وهي مقحمة، وفي (ح): لا يدخل بدون واو.

(2)

في الحجرية فكره.

(3)

في الأصل لا يؤمر بسجود وكذلك (أ) و (ب) والتصويب من (ح).

(4)

في الأصل أما ما قبل السلام.

(5)

سائر النسخ لأنا لا نراها ممن أصلًا والمثبت من (ح).

(6)

(أ) يقوي.

(7)

هاذان التفريقان الأخيران لعبد الحق انظر النكت والفروق ص 24.

(8)

في الأصل: التبيان، وهو تصحيف وهذا الكتاب هو البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل شرح به ابن رشد العتبية وهو موسوعة فقهية. وانظر ما نقله المؤلف عن البيان في جـ 2/ 215.

(9)

في (أ) أحكام تحريف.

(10)

ساقطة من (ب).

ص: 122

68 -

وإنما قالوا إذا أخل بسجود الركعة الأولى وبركوع الثانية لم تجبر الأولى بسجود الثانية، وعلله في المدونة بأنه نوى بالسجود الركعة الثانية (1)، وقالوا في الركعة الأولى إذا بطلت على الإِمام والفذ تقوم التي تليها مقامها مع أنه لم ينو بها الأولى؛ لأن ما ثبت للكل لا يلزم للجزء. وأيضًا سجود الثانية تابع لركوعها فيبطل ببطلان متبوعه. قاله ابن عرفة.

69 -

وإنما اتفقوا على السجود لسهو (2) جهر السر، واختلفوا في السجود لسهو ترك الجهر، مع أن كلًّا منهما سنة؛ لأن فعل ما تركه سنة هو أشد من ترك ما فعله سنة، لحديث "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(3).

70 -

وإنما تكره إمامة الأشل والأقطع دون الأعمى (4)؛ لأن ما نقص من الأعمى لا أثر له في أفعال الصلاة، بخلاف الأشل والأقطع لنقصه بعض أعضاء السجود.

71 -

وإنما تكره إمامة الخصي، ولا تكره إمامة العنين، مع أن بفرج كل واحد منهما نقصًا، لأن العنة (5) مما تخفى، فلا يدخل بإمامته على الناس شيئًا بخلاف غيره.

72 -

وإنما قالوا إذا صلى خلف من يظنه مسلمًا أو ذكرًا فأخلف (6) ظنه، وكذلك الخنثى المشكل فإِنه تلزمه الإِعادة، ولو صلى خلف من يظنه طاهرًا من الأحداث فأخلف (6) ظنه، أنه لا تلزمه الإِعادة؛ لأن الكفر والأنوثة لا يخفيان غالبًا، وكذلك الخنوثة، من جهة أن الخنوثة أعجوبة خارقة للعادة، والدواعي متوفرة على إشاعة الخوارق والأعاجيب، ولذلك لا يوجد خنثى مشكل في بلد من البلدان إلا كان مشهورًا عند الناس.

(1) في (ح): بأنه السجود الركعة الثانية، وهو تحريف.

(2)

(أ) بالسهو.

(3)

هذا جزء من حديث طويل أخرجه مسلم والنسائي من حديث أبي هريرة وبقيته "وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" انظر النووي على مسلم جـ 9/ 100، 101.

(4)

في المدونة قال مالك "أكره أن يؤم الخصي بالناس فيكون إمامًا راتبًا، وقال: لا بأس أن يتخذ الأعمى إمامًا راتبًا" 1/ 85.

(5)

في الأصل العنية.

(6)

في الأصل فاختلف، وهو تحريف.

ص: 123

73 -

وإنما أوجب أشهب (1) الإِعادة أبدًا على من صلى خلف من لا يرى الوضوء من القبلة ولم يوجبها على من صلى خلف من لا [يرى](2) الوضوء من مس الذكر، لأن الدليل الدال على نقض الوضوء بالمس غير قطعي، ولا كذلك القبلة عنده، فإِن الدليل الدال على نقض الوضوء بها قطعي. قاله المازري (3).

تنبيه: ولما لم يقو هذا الفرق في نظر الشيخ أبي الحسن اللخمي، خرج الخلاف في ائتمام الشافعي بالمالكي وعكسه من قول أشهب. وما قاله صحيح، ومن أين لأشهب دليل قطعي على وجوب الوضوء من القبلة؟ وقد قال الإِمام فخر الدين (4) في محصوله (5): الدلائل السمعية لا تفيد اليقين إلا بنفي تسع (6) احتمالات، وما أظن ذلك بموجود. نعم إن مراتب الظنون تختلف (7) بالقوة والضعف أهـ.

(1) أبو عمر أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم القيسي العامري، ويقال اسمه مسكين وأشهب لقب له. ولد سنة 140 هـ على ما لابن عبد البر، وقال صاحب الديباج سنة 150 هـ من أصحاب مالك، روى عنه، وروى عن الليث والفضيل بن عياض وجماعة، روى عنه بنو عبد الكريم وسحنون وجماعة. ألف كتابًا في الفقه، رواه عنه سعيد بن حسان، توفي بمصر سنة 204 هـ بعد الشافعي بثمانية عشر يومًا.

ممن ترجم له: ابن عبد البر: الانتقاء 51، 52، 112، 113، ابن فرحون: الديباج 98، 99، محمد بن محمد مخلوف: شجرة النور 1/ 59.

(2)

ساقطة من الأصل.

(3)

قد مضت ترجمته ص 78.

(4)

أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التميمي البكري، الإمام فخر الدبن الرازي ابن خطيب الري اشتغل بالعلم على والده. وكان من تلاميذ البغوي، ولازم الكمال السمعاني ومجد الدين الجبلي وغيرهما. اشتهر بالعلم الغزير، فرحل إليه الناس من الأقطار صنف كتبًا كثيرة في مختلف العلوم، منها مفاتيح الغيب والمحصول والمطالب العالية ونهاية العقول والبرهان وعيون المسائل وإرشاد النظار. توفي بهراة يوم عيد الفطر سنة 606 هـ.

ممن ترجم له: ابن السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 7/ 81 - 96، ابن هداية الله: طبقات الشافعية 216 - 218، ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 248 - 252، الصفدي: الوافي 4/ 248.

(5)

المحصول كتاب للإمام فخر الدين الرازي في أصول الفقه، حقق وطبع في المملكة السعودية في ثمانية أجزاء.

(6)

كذا في جميع النسخ والصواب تسعة.

(7)

في الأصل: مختلف.

ص: 124

74 -

وإنما منعوا من المساواة في الإِحرام، ولم يمنعوا منها في سائر الأركان كالركوع والسجود؛ لأن الائتمام لما حصل له أولًا بإِحرامه بعده جازت له المساواة في الأركان، وهذا لم يحصل له الائتمام قط فافترقا.

تنبيه. لا يقال: قول ابن القاسم بجواز المساواة في الإِحرام أصح، قياسًا على سائر الأركان كما زعم بعضهم؛ لأنا نقول يمكن أن يقال بجواز أن يتأخر المشروط عن شرطه وأن يقعا معًا، فلذلك أجاز ابن القاسم المساواة لا لما ذكرتموه من القياس.

75 -

وإنما قال مالك فيمن أحرم قبل إمامه يكبر بعده ولا يسلم (1)، ولو أحرم بالظهر قبل الزوال أو (2) كان قد صلاها ثم أحرم بها فذكر وهو في الصلاة فإِنها تنعقد نافلة فيهما، وكان ينبغي أن تنعقد صلاة هذا (3) نافلة، وإذا انعقدت فلا ينبغي أن يتحلل منها إلا بسلام؛ لأن هذا أحرم بها على أنه مأموم، ومتى لم يصح له ذلك لم تنعقد في حقه نافلة، ولا كذلك المحرم قبل الوقت، والمحرم بصلاة قد كان صلاها ونسي، وإنما هذا (4) بمنزلة من أحرم بالظهر خلف من يصلي على جنازة.

76 -

وإنما قال سحنون فيمن أحرم قبل إمامه يسلم ثم يحرم بعده، وإذا أحرم رجل خلف آخر ظنًّا منه أنه في الصلاة فكشف الغيب أن الإِمام قد سلم فإنه يتمادى، وكل منهما نوى الائتمام؛ لأن هذا لم يحرم قبل الإمام، والإمام هناك يراعي، وإنما أحرم بصلاة يظنها صلاة إمام فكشف الغَيب أن ظنه فاسد بخلاف مسألتنا.

77 -

وإنما قال أشهب إذا أدرك المسبوق الإِمام راكعًا فقد أدرك تلك الركعة، والقياس المطرد على أصله أن وضع اليدين على الركبتين عقد للركعة ألا (5)

(1) المدونة 1/ 67 "فقلت لمالك: أرأيت هذا الذي كبر قبل الإمام للافتتاح، ثم علم أن الإمام قد كبر بعده أيسلم ثم يكبر بعد الإمام؟ قال: لا، بل يكبر بعد الإمام ولا يسلم.

(2)

في جميع النسخ: وكان، سهو، والتصويب من (ح).

(3)

أي الذي أحرم قبل إمامه.

(4)

في (ح): هذه.

(5)

في (ح): إلا أن.

ص: 125

يكون مدركًا إذا أمكن يديه من ركبتيه، كرفع رأسه على قول ابن القاسم؛ لأن المدرك إذا رفع إمامه فاته الركوع معه، بخلاف إذا أدركه راكعًا، فقد أدرك معه الركوع، فيكون مدركًا للركعة على [كل](1) قول، لا سيما والمسألة مسألة إجماع فيما حكى القاضيان أبو بكر بن العربي (2) وأبو الدعائم سند بن عنان المصري (3).

78 -

وإنما يجب على الإمام نية الإِمامة في الجمعة والخوف والاستخلاف، ولا تجب في غيرها (4)؛ لأن صلاة الجمعة من شرطها الجماعة، ولا تصح إلا بها، فلما كانت الجماعة من شرط الصحة افتقر إلى القصد إلى ما هو شرط في الصحة، ووجبت النية فيه، وأما صلاة الخوف فإنما أوجبوا ذلك فيها؛ لأن الإمام يقسم الصلاة [فيها](1) بين الطائفتين وينتظر الطائفة الثانية، وهذا لا يكون

(1) ساقطة من (ح).

(2)

أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن العربي المعافري الإشبيلي. كان أبوه من فقهاء إشبيلية، سافر مع ابنه القاضي إلى الشرق حيث سمع الأخير من علماء في مصر والشام وبغداد، منهم أبو بكر الطرطوشي وأبو حامد الغزالي وغيرهما. له تصانيف كثيرة منها: أنوار الفجر وأحكام القرآن والعواصم من القواصم والقبس وعارضة الأحوذي وقانون التأويل والناسخ والمنسوخ وغيرها كثير. سمع منه خلق كثير منهم القاضي عياض.

توفي بالقرب من فاس في منصرفه من مراكش سنة 543 هـ وكان مولده سنة 468 هـ. ممن ترجم له: ابن فرحون: الديباج 281 - 284، المحقري: أزهار الرياض 3/ 62 وما بعدها، محمد بن محمد بن، مخلوف: شجرة النور 1/ 136 - 138. النباهي: المرقبة العليا، ص 105.

(3)

أبو علي سند بن عنان بن إبراهيم الأسدي المصري، سمع من أبي بكر الطرطوشي. روى عن أبي طاهر السلفي وغيره. وعنه أخذ جماعة، منهم أبو الطاهر إسماعيل بن عوف. ألف كتاب الطراز في شرح المدونة. ينقل عنه كثير من أئمة المالكية من بعده. توفي بالاسكندرية سنة 541 هـ.

ممن ترجم له: ابن فرحون: الديباج 126 - 127، محمد بن محمد مخلوف: شجرة النور 1/ 125.

(4)

لم يذكر المؤلف صلاة الجمع وهي من الصلوات التي تجب فيها نية الإمامة كما هو معروف. وفي هامش (ح): وزاد في عمدة البيان الجمع والجنائز قائلًا وضابط ذلك ثلاث جيمات وخاءان أهـ وراجع شرح ابن عاشر تقف على نفس الذخائر ولكاتبه في تلفيق هذا:

ونية تجب للإمامة

في الجمع والجمعة والجنازة

والخوف واستخلاف لا في

دونكها منظومة يا قاري

مصححه محمد عبد المالك الرسموكي وفقه الله.

ص: 126

إلا مع القصد والعلم، وأما الاستخلاف فإِن الإِمام إذا أحدث فاستخلف افتقر إلى قبول المستخلف للاستخلاف وقبوله ذلك يتضمنه (1).

79 -

وإنما يعيد (2) المنفرد مع الإِمام الراتب اتفاقًا، ولا يعيد مع واحد غيره على أصح القولين؛ لأن الإمام الراتب قصد أن يصلي في جماعة فيكون له أجر صلاة الجماعة إذا فاتته وصلى وحده، وإذا ترتب على صلاته أجر الجماعة ثبت أن صلاته وحده كالجماعة، فتعاد معه الصلاة ولا يعيدها، ولا كذلك غيره. قاله ابن راشد (3).

تنبيه: لا يقال يلزمكم أن يكون من قصد الجماعة وفاتته وصلى وحده أن تعاد معه ولا يعيدها هو في جماعة، لأنا نقول الفرق بينهما أن هذا ملازم للمسجد لأجل الجماعة، والملازمة لها تأثير فافترقا [والله أعلم](4).

80 -

وإنما يقطع المغرب من أقيمت عليه [وإن عقد منها ركعة، ولا يقطع غيرها إذا أقيمت عليه](5) وعقد منها ركعة (6)، وليشفعها؛ لأن المغرب لو لم يقطعها لأدى تماديه إلى التنفل قبلها والتنفل قبلها مكروه أو ممنوع. قاله بعضهم.

وأيضًا إنما دخل بنية الوتر، فلو سلم من ركعتين للزم عليه أن تنوب نية الوتر عن نية الشفع، وهو أصل مختلف فيه. قاله الباجي (7).

81 -

وإنما لا يعيد المغرب من صلاها منفردًا (8) ويعيد غيرها: لأن المغرب وتر

(1)(ح): لذلك يتضمن.

(2)

(ح) و (ب): وإنما قال.

(3)

في (أ) ابن رشد.

(4)

ساقطة من الأصل.

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

المدونة 1/ 87 (قلت: فإِن دخل المسجد فافتتح صلاة المغرب فأقيمت الصلاة؟ قال: يقطع ويدخل مع الإِمام. قلت: فإن كان قد صلى ركعة؟ قال: يقطع ويدخل مع الإِمام) وفيها: (قلت أرأيت لو أن رجلًا دخل المسجد فافتتح الظهر فلما صلى من الظهر ركعة أقيمت عليه الظهر؟ قال: يضيف إليها ركعة ثم يسلم ويدخل مع الإمام.

(7)

انظر المنتقى 1/ 234.

(8)

في (ح): وإنما لا يعيد من صلاة المغرب منفردًا. تحريف.

ص: 127

صلاة النهار. وأيضًا لو أعادها لزم أن تكون إحدى (1) الصلاتين نافلة ولا يتنفل بثلاث.

82 -

وإنما قال مالك: إذا أقيمت عليه الصلاة التي هو فيها، فإِن عقد ركعة شفعها، وإن لم يعقد قطعها (2)، وإن أقيم عليه غيرها تمادي ما لم يخف فوات ركعة، لأن المصلي إذا قطع في الأولى فإِنه يأتي بها على (3) صفة أكمل من التي كان فيها، فلا يضره القطع، وإذا كان في غيرها وقطعها فقد أبطلها (4) وصار متلبسًا بصلاة يعرف أنه يعيدها بعد إعادة التي كان فيها، فكان التمادي عليها أولى إلا أن يخاف فوات ركعة الإِمام فيتعين القطع لدخوله في النهي.

83 -

وإنما قال مالك في الموازية يعيد من ائتم بشارب الخمر أبدًا (5)، لأن الخمر في جوفه، ولم (6) يوجب عليه هو إعادة صلاته، مع أن التعليل بوجود الخمر في جوفه حاصل فيهما؛ لأن الشارب لما حضرته (7) الصلاة وهو في حال لا يمكنه [فيها](8) رفع تلك النجاسة وجب عليه فعلها، فصار بمثابة من حضرته الصلاة فتضمخ (9) بالنجاسة وليس معه ماء، فلا يترك الصلاة لذلك، بل يفعلها ويكون مأثومًا، وكذلك من حضرته الصلاة وهو على غير وضوء ومعه ماء فأراقه فإِنه يتيمم ويصلي، لكنه يكون مأثومًا، ولا كذلك غيره، فإِنه مستغن عن الائتمام به.

84 -

وإنما يستخلف إذا ذكر الحدث ولا يستخلف إذا ذكر صلاة نسيها، بل يقطع ويقطعون؛ لأن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة إمامه، فوجب إذا بطلت على

(1) في الأصل: أحد.

(2)

في (ح): قطع وكذلك في (أ) و (ب).

(3)

في الأصل: في صفه.

(4)

في (ح): بطلها، وهو تحريف.

(5)

وفي المدونة 1/ 84 "وقال مالك: لا يؤم السكران ومن صلى خلفه أعاد".

(6)

في (أ): لم يوجب، بدون واو، وهو سهو.

(7)

في (ح): أحضرته، وهي تحريف.

(8)

ساقطة من (ح). وفي (أ) و (ب) فيه.

(9)

أي تلطخ: انظر المصباح وفي الأصل و (أ) فتصبح، وهو تحريف.

ص: 128

الإِمام [الصلاة](1) أن تبطل على من خلفه، هذا هو الأصل، فخرج من هذه الجملة الاستخلاف بالأحداث (2) بالسنة (3)، وبقي ما ذكر على الأصل في وجوب قطعه وقطع من ائتم به.

85 -

وإنما قالوا إذا ذكر الإِمام بعد فراغه أنه لم يقرأ في جميع صلاته يعيد الصلاة هو ومن خلفه أبدًا (4)، وإذا ذكر أنه [كان](5) جنبًا أو غير متوضئ فصلاة (6) من خلفه تامة؛ لأن القراءة من نفس الصلاة والوضوء والغسل ليسا من نفس الصلاة. وأيضًا القراءة يحملها الإِمام عن المأمومين، وإذا تركها أفسد عليهم، والوضوء (7) لا يحمله عنهم. وأيضًا الأصل كان إذا فسدت صلاة الإِمام فسدت صلاة من خلفه، فخرج بالسنة من ذكر أنه كان محدثًا وبقي (8) ما سواه على أصله. قاله الأبهري (9).

(1) في (ب) ساقطة.

(2)

في (أ) و (ب): في الأحداث.

(3)

فقد أخرج مالك في الموطأ ص 57 أن عمر بن الخطاب صلى بالناس الصبح ثم غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلامًا فقال: لما أصبنا الودك لانت العروق، فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه وعاد لصلاته. ومعناه أعاد صلاته. وقد فسرت بهذا في آثار أخرى أخرجها مالك في الموطأ ص 57، 58 وانظر التمهيد 1/ 173 - 178.

(4)

المدونة 1/ 68.

(5)

ساقطة من (أ).

(6)

في جميع النسخ صلاة والتصويب من (ح).

(7)

في (ب) الوضوء وهو سهو.

(8)

في (أ) و (ب): من سواه.

(9)

أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح الأبهري، مولده بأبهر سنة 287 هـ. أحد أئمة المالكية سكن بغداد، وحدث بها عن جماعة منهم أبو عروبة الحرالي، وابن أبي داوود، وأبو بكر بن الجهم وأبي زيد المروزي، وحدث عنه جماعة منهم: إبراهيم بن مخلد وابنه إسحاق والقاضي التنوخي والدارقطني والباقلاني والقاضي عبد الوهاب، وخرج عنه جماعة لا تحصى. ألف كتبًا كثيرة منها شرح المختصر الكبير والصغير لابن عبد الحكم وكتاب الأصول وكتاب إجماع أهل المدينة وغيرها. توفي سنة 375 هـ وقال صاحب الديباج إنه توفي سنة 395 هـ.

ممن ترجم له: ابن النديم: الفهرست 283، ابن فرحون: الديباج 255 - 258، ابن قنفد: شرف الطالب 65، الحجوي: الفكر السامي 2/ 118، محمد بن محمد مخلوف: شجرة النور 1/ 91، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 2/ 152 - 153.

ص: 129

86 -

وإنما قال ابن حبيب في المستخلف بعد العذر إن بني علي صلاة الإمام في الثالثة (1) بطلت، وإذا صلى الإِمام بكل طائفة من الرباعية ركعة وأتمت ما بقي لنفسها أنها تصح للطائفة الثانية والرابعة؛ لأن الطائفة الثانية والرابعة كالمسبوقين، بخلاف المستخلف الباني على صلاة الإِمام في الركعة الثالثة لترك السورة والجهر إن كانت الصلاة جهرية.

87 -

وإنما يستخلف المسافرون مسَلِّمًا منهم إذا أتم (2) بهم مقيم لتعذر المسافر (3) أو (4) جهل الإِمام المستخلف (5)، ولا يستخلف المقيمون من يسلم بهم إذا صلوا خلف المسافر؛ لأن المسافرين دخلوا على إكمال صلاتهم خلف الإِمام، والمقيمون إذا ائتموا بالمسافر دخلوا على أن الإِمام تنقضي صلاته قبل صلاتهم، فليس لهم استخلاف بعد كمال صلاته.

88 -

وإنما يمنع المسبوق غير المستخلف منِ تأخير السجود القبلي إلى آخر صلاته، ولم (6) يمنع منه إن كان مستخلفًا؛ لأن المسبوق غير المستخلف ممنوع من مخالفة الإِمام، والإمام في مسألة المستخلف المسبوق مقصود فافترقا، وفيه مع هذا بحث؛ لأَن الإِمام [إن](7) لم يكن موجودًا حسًا، فهو موجود حكمًا بوجود نائبه. ألا ترى أن المستخلف إنما يتم صلاة الأول، حتى كأنه موجود، في قراءته وجلوسه، فكذلك ينبغي أن يراعى حكمه في سجود (8) السهو.

(1) في (أ) و (ب): الثانية، وهو تصحيف.

(2)

(ح)، (ب) إذا ائتم وهو تحريف وفي (م) بياض.

(3)

في (ب) المسافرين.

(4)

في (ح) وجهل.

(5)

هذا الفرق بناء على قول ابن كنانة وهو ضعيف، والمعتمد في المذهب أنهم ينتظرونه حتى يسلم فيسلمون بسلامه وهو قول ابن القاسم وسحنون والمصريين قاطبة وهذا القول المعتمد هو الذي ذكره في الفرق التاسع والثمانين. انظر الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 356، 357 وانظر البناني علي الزرقاني 2/ 36.

(6)

في سائر النسخ: ولا.

(7)

ساقطة من الأصل ومن (أ).

(8)

في الأصل وجود والتصويب من بقية النسخ.

ص: 130

89 -

وإنما ينتظر المأمومون (1) المستخلف المسبوق حتى يسلم فيسلمون بسلامه، ولا ينتظر المسافرون المستخلف المقيم بل يسلمون لأنفسهم، ولا يستخلفون مسلمًا منهم؛ لأن المسبوق لم يقم لشيء لم يدخل عليه إمامه فناسب أن ينتظروه؛ لأن (2) السلام من بقية الصلاة، بخلاف المستخلف المقيم، فإِنه قام لما لم يدخل المسافر عليه؛ لأن المسافر لما دخل على السلام من ركعتين ناسب أن يسلم ولا ينتظره (3).

90 -

وإنما قيل بوجوب (4) قصر الصلاة في السفر الطويل ولم يقل بوجوب الفطر فيه، والجميع رخصة (5) سببها السفر الطويل؛ لأن تخيير (6) المسافر بين الصوم والفطر وتفويض ذلك إلى مشيئته لا إسقاط فيه، والعبادة ثابتة، وإنما خير المكلف بين تعجيل يستفيد (7) منه طيب نفسه لمساواة (8) المسلمين في الصوم، وتأخير يستفيد منه تخفيف مؤونة السفر، بخلاف رخصة قصر الصلاة في السفر، فإنها إسقاط عدد، وحقيقة الإِسقاط من العدد تنافي إكمال (9)

(1) في الأصل و (أ) المأموم وفي (ح) المأمون والتصويب من (ب).

(2)

(ح) ولأن.

(3)

(ح) ينتظروه.

(4)

مشهور المذهب أن القصر سنة مؤكدة، وذكر ابن الجهم أن أشهب روى عن مالك الوجوب وذهب إليه إسماعيل بن إسحاق، وهذا هو الذي عبر عنه المؤلف بقيل. وقد رد ابن رشد نقل ابن الجهم رواية أشهب بأن الموجود في روايته إنما هو (فرض المسافر ركعتان) وهذا غير كونه فرضًا. انظر شرح الأبي على صحيح مسلم: 2/ 345، ومقدمات ابن رشد: 1/ 139.

(5)

الرخصة في اللغة اليسر واللين والمسامحة، واصطلاحًا الحكم المتغير من حيث تعلقه بالمكلف من صعوبة إلى سهولة لعذر مع قيام سبب الحكم الأصلي، كما إذا تغير من حرمة الفعل أو الترك إلى الحل، وغير الرخصة عزيمة وهو ما لم يتغير أصلًا أو تغير إلى سهولة لا لعذر، أو لعذر لا مع قيام السبب للحكم الأصلي، ولغة القصد المصمم قال عبد الله العلوي في مراقي السعود:

والرخصة حكم غيرا

إلى سهولة لعذر قررا

مع قيام علة الأصلي

وغيرها عزيمة النبي

انظر نشر البنود على مراقي السعود 1/ 55، 56.

(6)

في (ح) تخير، وهو تحريف.

(7)

في (أ) يستفاد.

(8)

(ح) طيب نفسه بمساواة، وهو أقرب.

(9)

في الأصل: كمال.

ص: 131

المعدود، فكان ظاهر إسقاط الشرع لبعض العدد وجوب الاقتصار على الباقي منه؛ لأن العدول عن إيجاب الاقتصار لا يمكن إلَّا برد (1) الإسقاط وإسقاط الشرع لا سبيل إلى رده.

تنبيه: المفوض إلى رأي العبيد إنما هو الأسباب من سفر أو إقامة، وأما الأحكام فلا يصح أن تفوض إلى رأيهم (2) ومشيئتهم؛ لأنها تكون كنصب شريعة من قبل العبد (3)، والتفويض إلى مشيئته تمليك، والعبد لا يملك إقامة الشرع.

91 -

وإنما تقصر الرباعية دون الثلاثية والثنائية؛ لأن التنصيف إنما يكون في عدد الزوج وأما عدد الفرد فإِنه لا يتنصف إلا بتبعض الواحد، ولم يقم دليل على [جواز](4) تبعيض الركعة الواحدة فتنصف. كيف وقد أشعر الشرع بأنها في حكم الجزء الواحد وإن كانت ذوات أفعال مختلفة، والجزء الواحد لا يصح تنصيفه. وقد جاء الشرع بكون العبد على النصف (5) من الحر في أحكام شتى، ولما نصف طلاق العبد جعل طلقتين (6) لما لم يمكن تنصيف الطلقة الواحدة (7)، وكذلك عدة الأمة قرءان لما لم يمكن أن تنصف، ولوجعلت المغرب ركعتين (8) وأكمل الواحد المنكسر لزادت على الشطر (9) بالحقيقة وخرجت عن حد التخفيف المراد. وبالجملة فإِن هذا مما لايلزم تعليله، والاتفاق عليه يغني عن إطناب القول فيه. وأما الثنائية فإِن ردها إلى ركعة ولو لم يكن مستحيلًا (10) عقلًا فإِنها خففت (11) عن صلاة الرباعية، والسفر جاء

(1) هذا الفرق بناه على أن الصلاة فرضت أربع ركعات فأقرت في الحضر ونقصت في السفر والمسألة خلافية والذي تؤيده السنة العكس. انظر الفرق رقم 52 والتعليق عليه في الهامش.

(2)

في (ب): إلى آرائهم.

(3)

سائر النسخ العبيد والتصويب من (ح).

(4)

زيادة من (ح).

(5)

في (ح) الضعف، مصوبة في الهامش.

(6)

في سائر النسخ طلقتان، وهو تحريف، والتصويب من (ح).

(7)

في (ح) الواحد. تحريفه.

(8)

في كل النسخ ركعتان. تحريف، والتصويب من (ح).

(9)

في (ح) الشرط، وهو تحريف.

(10)

في كل النسخ مستخلفًا، والتصويب من (ح).

(11)

في (أ): حفيفة، وهو تحريف.

ص: 132

بالتخفيف والحذف من العدد، والتخفيف والحذف إذا دخلا (1) الأصل روعي أعلى مبالغة، وأعلى مبالغ (2) الصلاة الرباعية، فإِذا شطرت كانت كالثنائية الأصلية من الفروض (3)، وصار التخفيف في العدد متناسبًا، وإن كان في الصبح (4) أصليًّا، وفي الرباعية طارئًا. وأيضًا تقرر الإِجماع على أن الصلاة في حال الأمن لا يقتصر فيها على ركعة واحدة (5).

92 -

وإنما يقصر المكي وغيره في خروجه لعرفة ورجوعه وإن (6) لم يكن طويلًا، بخلاف غيره؛ لأن عمل الحاج لا ينقضي إلا في أكثر منِ يوم وليلة مع الانتقال اللازم فيه، فجرى ذلك مجرى مشي الأربعة برد. وأيضًا الخارج من مكة إلى عرفة ومنى لا بد له من الرجوع إلى مكة بحكم الشرع، فصار في مجموع السير والرجوع مقدار ما تقصر فيه الصلاة (7).

تنبيه: لا يلزم (8) على هذا من خرج إلى خمسة وعشرين ميلًا قاصدًا إن بلغ أن يرجع إلى حيث خرج منه؛ لأن رجوعه هناك ليس (9) بلازم وفي الحج الرجوع لازم فكان السير والرجوع يقدران تقدير سير واحد في وجهة (10) واحدة.

(1) في (ح): دخل.

(2)

في الأصل و (أ): مبلغ و (ب) مبالغة.

(3)

في الأصل المفروض.

(4)

في (ب) الصحيح.

(5)

قال ابن حزم في مراتب الإجماع 24/ 25 "واتفقوا على أن صلاة الصبح للخائف والآمن ركعتان في السفر والحضر. ولم يتفقوا في أقل صلاة الخوف على شيء يمكن ضبطه؛ لأن جماعة من التابعين يرون الفرض في صلاة الخوف يجزئ بتكبيرة واحد فقط".

(6)

في الأصل: إن لم.

(7)

المعروف إن المسافة بين مكة وعرفات اثنان وعشرون كيلوا مترًا ذهابًا ومعنى هذا أن المسافة ذهابًا وإيابًا أربعة وأربعون كيلو مترًا ومسافة القصر ثمانية وأربعون ميلًا أي أربعة وثمانون كيلو مترًا تقريبًا ذهابًا فقط فكيف يسوغ تشبيهه بالمسافة بين عرفة ومكة حتى ذهابًا وإيابًا، اللهم إلا إذا كان المصنف يرى أن الميل ألفا ذراع، والصحيح عند المالكية أنه ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع.

انظر الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل 1/ 358.

(8)

في (ب): ما يلزم.

(9)

"ح": هنا.

(10)

في الأصل: جهة.

ص: 133

93 -

وإنما يتم من ردته الريح إلى المكان الذي خرج منه، إن كان وطنه اتفاقًا، وإن لم يكن وطنه فكذلك على المشهور، خلافًا لسحنون، ولورده غاصب لكان على القصر في رجوعه وإقامته في غير وطنه اتفاقًا إلا أن ينوي الإِقامة؛ لأن المردود بالريح لما كان على شك في أول سفره في رد الريح، كان حكمه الإِتمام لما لم يصح منه الفرض (1) بالشك، والفرض (1) إذا لم يصح بقي على الأصل وهو الإِتمام، وصار كمن تقدم أصحابه لا يسير إلا بسيرهم.

تنبيه: يؤيد صحة هذا الفرق قول المالكية في الجيش ببلد الحرب أنه (2) يقصر ولو عزم على مقام أربعة أيام (3)؛ لأنه لا يملك المقام هنالك وليس على ثقة منه، فجعلوا عدم الثقة ها هنا يرفع الحكم. ولما كانت الريح مشكوكًا في أمرها لم يتحقق السفر مع الشك فيها، بخلاف المكره (4) فإِنه لا حكم لفعله.

94 -

وإنما يعيد مريض جمع خوف ذهاب عقله فسلم، ولم يعد من جمع للمطر ولم ينصرف إلى الشفق، مع ظهور فوت علة الجمع فيهما؛ لأن المريض صلى فذًّا فيتلافى ما فات من فضل الوقت، [والآخر صلى جماعة فناب فضل الجماعة مناب فضل الوقت](5)، فصار كمسافر أتم فذًّا يعيد، وخلف مقيم لا يعيد. قاله ابن رشد رحمه الله (6).

95 -

وإنما يبطل الجمع في السفر عند تقديم الثانية إلى الأولى إذا نوى الإِقامة في أثناء إحداهما ولا يبطل إذا ارتفع المطر بعد الشروع، لأن المطر لا تؤمن عودته، بخلاف السفر، فإِنه تؤمن عودته.

96 -

وإنما تجب الجمعة على العبد إذا أذن له السيد [في أحد القولين عندنا،

(1) سائر النسخ الرفض، والتصويب من "ح".

(2)

في الأصل: إذ يقصر.

(3)

ففي المدونة 1/ 116 قال مالك: لو أن عسكرًا دخل دار الحرب فأقام في موضع واحد شهرًا أو شهرين أو أكثر من ذلك فإنهم يقصرون.

(4)

في (ح) المكروه، وهو تحريف.

(5)

الزيادة من (ح).

(6)

انظر البيان والتحصيل 1/ 423.

ص: 134

وتجزيه عن الظهر، ولا يجب عليه الحج إذا أذن له السيد] (1) ولا يجزيه عن حجة الإِسلام إذا عتق (2) يومًا ما؛ لأن الجمعة بدل من الظهر وليست بأصل في الوجوب (3)، بخلاف الحج فإِنه لا بدل له.

97 -

وإنما اشترط (4) إذن السلطان في إقامة الجمعة على قول الحسن (5) والأوزاعي (6) وأبي حنيفة ويحيى بن عمر (7) منا، ولا يشترط إذنه في سائر

(1) ساقطة من (ب).

(2)

(ح)، (ب) أعتق. عتق العبد بفتح العين والتاء في الماضي يعتق وبكسر التاء في المضارع صار عتيقًا، فعل لازم ولا يبنى للمفعول مصدره عتقًا بكسر العين وفتحها، أو بفتحها المصدر وبالكسر الاسم، وعتاقة وعتاقًا بفتح العين فيهما. انظر القاموس والمصباح مادة عتق، وانظر الحطاب في شرحه على خليل في كتاب العتق 6/ 324 فقد أطال النفس في الكلام عن هذا الفعل ومشتقاته.

(3)

هذا صحيح، فكون الجمعة بدلًا من الظهر في الوجوب مسألة إتفاقية، لكن الفرق مبني في نظري على كون الجمعة بدلًا عن الظهر في الفعل لا فرض يومها، وهي مسألة خلافية في المذهب، والصحيح أنها فرض يومها، إذ هو قول ابن القاسم وأشهب وعبد الملك، وقال ابن نافع إنها بدل عن الظهر في الفعل، وقد فرعوا على الخلاف فروعًا. انظر حاشية الدسوقي على مختصر خليل 1/ 383. وقد صرح القاضي عياض في الإعلام ص 19 بأنها بدل عن الظهر.

(4)

في الأصل: اشترطوا والتصويب من بقية النسخ.

(5)

الحسن بن أبي الحسن بن يسار البصري، ولد سنة 21 هـ / بالمدينة، ثم رحل إلى البصرة. روى عن كثير من الصحابة، كان فقيهًا متكلمًا، وكان شجاعًا لا يخاف في الله لومة لائم. توفي في البصرة سنة 110 هـ. له ترجمة في ابن حجر: تهذيب التهذيب 2/ 263 - 271، أبو نعيم: حلية الأولياء 2/ 131 - 161، الرازي: الجرح والتعديل 3/ 40 - 42.

(6)

أبو عمرو عبد الرحمن بن عمر الأوزاعي. ولد سنة 88 هـ صاحب مذهب في الفقه، كان منتشرًا في الشام، وله أنصار في بقاع أخرى من الأرض إلى أن احتل المذهبان الشافعي والمالكي مكانه فانقرض.

روى عن عطاء وقتادة والزهري وغيرهم. وروى عنه خلق كثير، منهم مالك وشعبة والثوري وابن المبارك. قال ابن النديم إن له كتاب السنن في الفقه وكتاب المسائل في الفقه أيضًا توفي ببيروت سنة 157 هـ.

ممن ترجم له: ابن النديم: الفهرست 318، ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 184 - 219، أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء 6/ 135 - 149، ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب 6/ 238 - 242، بروكلمان: تاريخ الأدب العربي 3/ 307 - 308، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 2/ 220 - 222.

(7)

أبو زكرياء يحيى بن عمر بن يوسف بن عامر الكناني أندلسي من أهل جيان، سكن القيروان واستوطن سوسة. سمع ابن حبيب وسحنون والحارث بن مسكين وابن بكير والبرقي وغيرهم، وتفقه عليه خلق =

ص: 135

الصلوات؛ لأن الجمعة من الأمور العامة، وما يتعلق بعموم الناس يكون السلطان فيه شرطًا، لكون (1) الولاية إليه دون غيره، كالحد (2) الذي يرجع صلاحه إلى عموم الناس، وأخذ [الزكاة](3) التي [هي](4) لعامة الفقراء، وكذلك سائر الأمور العامة، لأن العامة إذا اجتمعت وكثرت لم تصلح إلا بسايس، وليس إلا السلطان الذي له القهر بالسيف، والحجة لا تقهر العامة.

98 -

وإنما أحلوا ظهر الجامع محل (5) غيره، فلا تجزي عليه الجمعة (6)، وأحلوا ظهر البيت محل داخله (7) في الأيمان والسرقة؛ لأن الحنث في الأيمان يكون بالأقل، بخلاف الصلاة، فإِن مبناها على الاحتياط فهي تشبه البر، فلو حلف ليدخلن بيتًا لم يبر بقيامه على ظهره (8) فلم يجعل ظهره (8) في البر كبطنه (9).

99 -

وإنما قيل بصحة صلاة الصبي الفرض بالبالغين في غير صلاة الجمعة، ولا تصح في الجمعة؛ لأن الإمام في الجمعة شرط في صحتها، وغيرها من الصلوات ليس الإِمام شرطًا في صحتها.

= كثير منهم أخوه محمد وابن اللباء وأحمد بن خالد وغيرهم. له مؤلفات كثيرة منها مختصر المستخرجة سماه المنتخبة وكتاب الميزان وكتاب فضل الوضوء والصلاة وغيرها. مولده بالأندلس سنة 213 هـ ووفاته بسوسة سنة 289 هـ. ممن ترجم له: ابن فرحون: الديباج ص 351 - 353، محمد بن محمد مخلوف: شجرة النور 1/ 73، القاضي عياض: ترتيب المدارك 4/ 357 - 364.

(1)

في (أ) و (ب) وتكون (ح) ولكون.

(2)

في جميع النسخ كالحر والتصويب من (ح).

(3)

ساقطة من (أ).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ح) في غيره.

(6)

عدم الأجزاء على سطح المسجد هو قول ابن القاسم، وهو الذي شهره ابن شاس، ومقابله قول بالصحة، وإنما يكره ابتداء، وهو لمالك وأشهب وابن الماجشون: انظر حاشية الدسوقي على خليل 1/ 376 وفي هامش (ح) يعني أن الجمعة لا تصح في سطح المسجد فسطح المسجد ليس كالمسجد هذا بالنسبة للجمعة، وهي كالمسجد في الأيمان والنذور.

(7)

سائر النسخ داخلها والمثبت من (ح). وفي هامشها: قوله: لأن الحنث. إلخ ولكاتبه في نظم هذه القاعدة:

ويحصل الحنث بنذر أبدا

والبر بالكثر كما قد عهدا

(8)

في جميع النسخ ظهرها، والتصويب من (ح).

(9)

في جميع النسخ كبطنها، والتصويب من (ح).

ص: 136

100 -

وإنما قال ابن حبيب تصلى الجمعة خلف الإِمام الجائر الفاسق بلغ فسقه وجوره مابلغ، ولا تصلى سائر الصلوات خلفه؛ لأن الجمعة متى لم تصل وراء الإِمام الجائر أدى إلى الخروج عليه وإثارة فتنة، فلهذا أباحه في الجمعة دون غيرها، وإن كان القياس أن يكون اعتبار العدالة في الجمعة آكد لاشتراط الإِمام فيها واشتراط صفات فيها لا تشترط في غير الجمعة [من الصلوات.

101 -

وإنما اعتبرت الجماعة (1) في صحة صلاة الجمعة] (2)، ولم تعتبر في غيرها؛ لأن الجمعة أقيمت على صفات قصد بتلك الصفات التي خصت بها المباهاة (3) وإظهار معالم الشرع، وإذا كان الأمر كذلك ظهر فائدة تخصيص الشرع هذه الصلاة باشتراط الجماعة (4)؛ إذ الواحد الفذ لا تحصل به المباهاة والإِظهار، فلو صح أن يقيمها الفذ في نفسه لبطل المعنى المقصود بها، ولهذا المعنى خصت بالجهر دون صلوات النهار، لأن الجهر آكد في الإِظهار والإِشاعة. والإِسرار ضرب من الإِخفاء، والإِخفاء ينافي الموضوع الذي قصد بها (5).

102 -

وإنما اختلفوا في الوالي يقدم على وال [آخر](6) في صلاة الجمعة أو بعد الخطبة وقبل الصلاة، هل يصلي الثاني بخطبة الأول أم لا؟ وبنوه على الخلاف في النسخ إذا ورد متى يتحقق حكمه هل ببلوغه للرسول صلى الله عليه وسلم، أو ببلوغه للمكلفين (7)، ولم يختلفوا في أنه لو قدم الثاني بعد أن فرغ الأول

(1) في (أ): الجمعة.

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (أ) و (ب) الماهية وهو تحريف.

(4)

في (ح): الجمعة، مصوبة في الهامش.

(5)

قد يعترض هذا الفرق بصلاة العيدين فإنها قصد بها المباهاة وإظهار معالم الشرع وجهر بالقراءة في صلاتها ومع ذلك لم تكن الجماعة فيها واجبة ويمكن دفع هذا الاعتراض بأمرين.

(أ) الأمر الأول أن المعاني المذكورة متمحضة في صلاة الجمعة دون صلاة العيدين.

(ب) الأمر الثاني أنها في صلاة الجمعة آكد وأقوى منها في صلاة العيدين، ولذلك تكررت فرضيتها في كل أسبوع.

(6)

ساقطة من (أ) و (ب).

(7)

اختلفوا هل يستقل الحكم في حق المكلفين بنفس وروده، أي تبليغ جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، إياه وقبل =

ص: 137

من الصلاة أن الصلاة ماضية (1) لا تعاد (2)، مع أن طرد هذا الأصل يقتضي جريان الخلاف ولو فرغ من الصلاة إذا كان الوقت باقيًا، كما [أشار](3) إليه عبد الحق (4) عن بعض شيوخه؛ لأن الفراغ من صلاة الجمعة يحل محل تقضي [الوقت](5)، وهو لو قدم بعد تقضي الوقت لم تفسد باتفاق، فكذلك هنا، وفيه نظر لقول أكثر الرواة فيمن لم يذكر فائتة حتى فرغ من صلاة الجمعة أنه يعيدها ظهرًا (6) فلا يكاد يستقل فرق محقق (7) في المسألة فانظره.

103 -

[وإنما](3) لا يسلم ولا يرد ولا يشمت المستمع للخطبة يوم الجمعة، ويتعوذ إذا ذكر الخطيب النار، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، إذا جرى ذكره أو الصلاة عليه، ويؤَمّن إذا دعا الإِمام [مع](3) أن الجميع كلام؛ لأن التعوذ وما ذكر معه كالمجاوبة للخطيب، ألا ترى [أن](5) الخطيب إذا كلم أحدًا فإنه يجيبه، ولا يعد لاغيًا، ولاسيما إذا وقف الخطيب في فقر (8) الخطبة كالمتطلب للتأمين، ولا كذلك [السلام](9) وما ذكر (10) معه. قاله ابن عبد السلام (11).

= بلوغه الأمة؟ والذي عليه الجمهور واختاره ابن الحاجب والسبكي أن الناسخ فبل تبليغه صلى الله عليه وسلم الأمة لا يثبت في حقهم، وانبنى على هذا الخلاف فروع كثيرة. قال الشيخ عبد الله العلوي الشنقيطي هل يستقل الحكم بالورود: أو ببلوغه إلى الموجود انظر نشر البنود على مراقي السعود 1/ 299 - 300 وإيضاح المسالك 268 - 269 ومختصر المنتهى 2/ 201 وحاشية البناني على جمع الجوامع 2/ 90.

(1)

(ح) تامة - (ب) إن ماضية.

(2)

في (ح) لا تعود، مصوبة في الهامش.

(3)

ساقطة من (أ).

(4)

انظر النكت والفروق ص 23.

(5)

ساقطة من (أ) و (ب).

(6)

في (أ) ظهور.

(7)

في سائر النسخ فرقًا محققًا والتصويب من (ح).

(8)

(ح): فقه.

(9)

بياض في (ح).

(10)

في (ب): ذكره.

(11)

انظر ابن عبد السلام على مختصر ابن الحاجب الفرعي جـ 1، ورقة 102 (و).

ص: 138