الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تولى القضاء ثم الفتيا بعد وفاة ابن هارون، وكان قوالًا للحق غير هياب لا تأخذه في الله لومة لائم (1).
وسبب وفاته أنه لما حاصر أبو عبد الله محمد الشيخ السعدي فاسًا، ولم يستطع فتحها، أشير عليه بأن يحصل على مبايعة ابن الونشريسي فأرسل إليه سرًّا ووعده ومنَّاه، فأبي الونشريسي، فأرسل إليه جمعًا من المتلصصة لإِحضاره مرغمًا، وبعد أن أنهى درسه لصحيح البخاري في جامع القرويين باغتته تلك الجماعة، فأبى أن يطاوعهم فقتلوه في أحد الأبواب بجامع القرويين (2). وقيل إن ابنه، قبل الدرس قال له: إني سمعت أن جماعة من اللصوص يتربصون بك الليلة فلا تذهب إلى الدرس، فقال له الشيخ عبد الواحد: أين وقفنا البارحة؟ قال على كتاب القدر. قال: فكيف نفر من القدر؟ إذهب بنا إلى المجلس (3).
عودة إلى الكلام عن أبي العباس:
نرجع الآن إلى الكلام عن حياة أبي العباس أحمد الونشريسي بعد أن كدنا نبتعد عنه.
ولا تحدثنا المصادر التي اطلعنا عليها عن شيء من طفولته ولا عن أوائل دراسته، بل ينتقلون من اسمه مباشرة إلى كبار مشائخه، ثم إلى الحديث عن الكائنة التي حدثت له من جهة السلطان وإلى فراره إلى فاس.
صفاته الخُلُقية والجسمية:
لذلك لا نكاد نجد من تعرض لصفات الونشريسي الجسمية إذا استثنينا ما أشار إليه صاحب الدوحة أثناء وصفه لطريقة تأليف الونشريسي لكتبه من أنه كان أصلع الرأس إذ كان يكشفه (4).
(1) ابن عسكر: دوحة الناشر 52، 53.
(2)
محمد بن عسكر: دوحة الناشر 54، 53.
(3)
عبد الرحمن الجيلاني: الشهيد عبد الواحد الونشريسي مجلة الأصالة عدد 83، 84، ملحق خاص ص 42، 43.
(4)
دوحة الناشر 47، 48.
أما بالنسبة لصفاته الخُلُقية فقد صرح بها مترجموه هنا وهناك، فوصف بأنه شديد الشكيمة في دين الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولذلك لم يكن له مع أمراء وقته كثير اتصال (1)، كما وصف بالورع والدين المتين (2).
وكان جم التواضع فهو "مع جلالة قدره لما قدم مدينة فاس يحضر مجلس القاضي المكناسي"(3). وكان رحمه الله متقشفًا يعيش عيشة الكفاف، فقد كان يحمل أوراقه عند الذهاب إلى عرصته (4) على حمار، فإِذا دخل العرصة جرد ثيابه وبقي في قشابة صوف يحزم عليها بمضمة من جلد (5).
ومما يؤكد لنا فقره أنه كان يسكن دارًا للحبس حتى وفاته، وقد سكنها ابنه من بعده إلى أن تحسنت أحواله (6)، فبنى بيتًا بالعقبة الزرقاء (7).
(1) المصدر السابق 47 وانظر سلوة الأنفاس نقلًا عن الدوحة 2/ 154.
(2)
شجرة النور 1/ 274 - 273.
(3)
جذوة الاقتباس: 1/ 156.
(4)
العرصة القطعة من الأرض ليس عليها بناء. المصباح.
(5)
دوحة الناشر: 47.
(6)
قلت: إلى أن تحسنت أحواله، لأن صاحب الدوحة بين لنا أن عبد الواحد هذا دعا ربه أن تحصل له ثلاثة أشياء، منها وفرة المال وقد حصلت له. وهذا بدل على أنه لم يرث عن أبيه مالًا ذا بال. انظر الدوحة: ص 54.
(7)
فهرس المنجور ص 50، وسلوة الأنفاس (نقلًا عن المنجور) 2/ 154.