الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحالة الاجتماعية والثقافية في تلمسان وفاس في عصر المؤلف وما قاربه:
كانت الحالة في البلدين متشابهة إلى حدٍ ما إذ كثيرًا ما كانتا تحت حكم واحد، إما مباشر أو غير مباشر كما مر بنا في الحالة السياسية، ورغم أن هذا العصر كان عصر فتن واضطرابات وحروب بين الأقرباء وأحيانًا بين الإِخوة مما سبب ضعف الدولة وانحلالها، فأسرعت إسبانيا والبرتغال إلى ضرب السواحل الإِسلامية بل إلى احتلال بعضها كما عرفناه، رغم كل ذلك، فإِن الحركة الحضارية بما فيها العلمية كانت على أشدها في كلتا المدينتين، وذلك راجع إلى أمور كثيرة متشاكبة منها:
1) أن كلتا المدينتين كانت عاصمة سياسية يسكنها السلطان وحاشيته، وينفق الأموال الباهظة على حصونها وأسوارها، ويقيم المصانع والمزارع ليكتفي بها، ويشجع على العمران والتنافس فيه.
2) الهجرات المستمرة من الأندلس، إذ حمل القوم معهم حضارتهم.
3) استقرار كثير من العلماء في هاتين المدينتين، لأنهما تمثلان عواصم العلم بالمنطقة.
4) أراد المهاجرون من الأندلس أن يعوضوا الفردوس المفقود فبدأوا في تشييد العمارة المشابهة (1).
5) تشجيع كثير من السلاطين للعلم والعلماء حتى في أحلك الظروف (2) واتخاذهم العلماء كمستشارين، وسأتعرض بشيء من الإِيجاز لوصف الحالة الاجتماعية والثقافية في كلتا المدينتين.
أولًا- تلمسان:
انتشرت المدارس بتلمسان، فمن هذه المدارس مدرسة منشر الجلد، ومدرسة ولدي الإِمام، والمدرسة التاشفينية، والمدرسة اليعقوبية، ومدرسة أبي حمو الثاني وغيرها. وكانت الدراسة فيها مجانًا، وإلى هذه المدينة كانت تشد الرحال في
(1) انظر جامع القرويين د / عبد الهادي التازي 2/ 562 فقد تعرض لمقارنة التصميم بين الأندلس وفاس.
(2)
انظر الجوانب المجهولة في حياة الونشريسي للأستاذ المهدي البوعبدلي، مجلة الأصالة ع 83، 84.
طلب علوم الطب والفلسفة وغيرها (1).
واشتهر خلال القرن الثامن والتاسع والعاشر فطاحل من العلماء طبقت شهرتهم الآفاق وبلغ رتبة الاجتهاد منهم في مختلف العلوم (2):
ابنا الإِمام التلمساني (3) والشريف التلمساني (4) صاحب مفتاح الوصول، وقاسم العقباني (5)، وابن مرزوق الحفيد، وابن مرزوق الخطيب، وابن مرزوق الكفيف (6)، ومحمد بن يوسف السنوسي (7) وغيرهم. وأما الناحية العمرانية فإِن تلمسان، عاصمة المملكة الجزائرية كانت مملوءة بالقصور الشامخة والمدارس المؤنقة والمساجد القيمة والمنتزهات الجميلة والحصون الرفيعة وغير ذلك مما بقي بعضه إلى الآن (8).
ولنستمع الآن قليلًا إِلى ابن خلدون يحدثنا عن تلمسان، ومعلوم أن ابن خلدون توفي في أوائل القرن التاسع:
"ولم يزل عمران تلمسان يتزايد وخطتها تتسع، الصروح بها بالأجر والفهر تعلى وتشاد، إلى أن نزلها آل زيان واتخذوها دارًا لملكهم وكرسيًّا لسلطانهم فاختطوا بها القصور المؤنقة والمنازل الجميلة، واغترسوا الرياض والبساتين وأجروا خلالها المياه، فأصبحت أعظم أمصار الغرب، ورحل إِليها الناس من القاصية، ونفقت بها أسواق العلوم والصنائع، فنشأ بها العلماء واشتهر فيها الأعلام وضاهت أمصار الدول الإِسلامية والقواعد الخلافية"(9) اهـ.
(1) عبد الرحمن الجيلاني: تاريخ الجزائر العام 2/ 249.
(2)
المقري: أزهار الرياض 5/ 25.
(3)
هما أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله التلمساني توفي سنة 743 هـ، وأبو موسى عيسى بن محمد التلمساني توفي سنة 749 هـ. تعريف الخلف 2/ 209 - 221.
(4)
أبو عبد الله محمد بن أحمد الشريف التلمساني توفي سنة 771 هـ. تعريف الخلف 2/ 352.
(5)
قاسم بن سعيد العقباني التلمساني توفي سنة 854 هـ. تعريف الخلف 1/ 95 - 92.
(6)
انظر تراجمهم في تعريف الخلف 1/ 128 - 150.
(7)
دوحة الناشر ص 121.
(8)
عبد الرحمن الجيلاني: تاريخ الجزائر العام 2/ 251.
(9)
تاريخ ابن خلدون 7/ 78.