الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقَدِّمَة
وسأتحدث فيها بإِيجاز غير مخل عن الظاهرة السياسية والعلمية والاجتماعية في العصر والمكان الذي عاش فيه الونشريسي، باعتبار أن الحديث عن ذلك حديث عن عامل من العوامل التي أثرت في تكوينه العلمي، فأقول وبالله التوفيق:
الحديث عن عصر الونشريسي يستدعي الحديث عن الحالة في الجزائر والحالة في المغرب في القرن التاسع وبداية العاشر الهجري؛ ذلك لأن صاحبنا قد عاش من عمره فترة في تلمسان إحدى مدن القطر الجزائري، والفترة الأخرى في مدينة فاس من مدن المغرب الأقصى.
ومن غريب الأقدار أن يمضي المؤلف نصف عمره الطويل في تلمسان، والنصف الآخر في فاس (1).
الحالة السياسية في المغربين الأوسط والأقصى (الجزائر والمغرب):
لا نريد أن نتوسع في الكلام على الحالة السياسية في الجزائر إذ محل ذلك كتب التاريخ، وإنما نحن ذاكرون إن شاء الله ما لا بد منه لمعرفة البيئة والتيارات التي كان لها الأثر -ولا شك- على تحصيله وسيرته ورحلته عن بلاده. وذلك أولًا لأن أصحاب تراجمه لم يتعرضوا لتأثير الجو السياسي عليه إلا لمامًا، رغم شهرته ومكانته، وثانيًا، لأن ما كتبه هؤلاء نقله بالكامل تقريبًا من تعرض لدراسة هذا
(1) عاش حوالي أربعين سنة (834 - 874) في الجزاثر (ونشريس وتلمسان) وأربعين أخرى في فاس (874 - 914 هـ).
الشيخ (1)، فليس لي أن أعيد إلا ما لا بد منه.
ولد أبو العباس الونشريسي في عهد الدولة الزيانية (بني عبد الواد)، وشاء الله أن يكون ميلاده في تاريخ استلام أبي العباس أحمد الزياني (المعتصم بالله) الملك سنة 834 - 866 هـ، وهو عهد فتن وحروب، إذ أن الجزائر (المغرب الأوسط) يحكمها سلاطين تبع للحفصيين، غير أنهم بين فترة وأخرى يحاولون الاستقلال فيؤدبون، هذا إلى جانب المحاولات المستمرة للسيطرة عليها من قبلِ ملوك بني مرين في المغرب الأقصى، والتي كان آخرها سنة 827 هـ. عندما تَخَلَّوْا عنها نهائيًّا.
لنرجع إلى السلطان أبي العباس أحمد الزياني (المعتصم بالله) الذي ارتقى السلطة باسم الحفصيين سنة 834 هـ. كما سبق لنا أن قلنا، لم يلبث هذا أن حاول الاستقلال عنهم، لكن أبا فارس الحفصي أسرع بجيشه قاصدًا تلمسان للقضاء على هذا الانفصال، غير أنه توفي في الطريق، فرجع الجيش (2). ومع ذلك لم يستقر الأمر لأبي العباس، فقد فاجأته الأقدار من جهة أخرى، هذه المرة فوجئ بعصيان أخيه أبي يحيى، تسانده بعض القبائل، فحاصر تلمسان، ولما صعبت عليه، ذهب إلى وهران فاحتلها سنة 840 هـ (3) بغير قتال. وحاول أخوه أبو العباس ردعه ففشل بادئ الأمر، خصوصًا عند انشغاله بإِخماد ثورة أخرى قام بها أبو زيان محمد (المستعين بالله) الذي ساعده الحفصيون، وكاد يحتل أغلبية البلاد لولا تدخل أبي يحيى صاحب وهران، فقضي على أبي زيان، فزاد خوف أبي العباس من أخيه، فقرر القضاء عليه، فدارت بينهما حروب انتصر في آخرها أبو العباس على أخيه، حيث خرج الأخير إلى تونس فبقي بها إلى وفاته (4).
ولم يستتب الأمر لأبي العباس طويلًا حتى ثار ضده حفيد أخيه (أبو ثابت)، فاحتل تلمسان، وعزل عم أبيه أبا العباس، الذي انتقل إلى ضاحية العباد، ثم أبعد
(1) انظر القسم الدراسي في كتاب إيضاح المسالك، تحقيق أحمد أبي طاهر الخطابي الرباط 1400 هـ- 1980 م من صفحة 7 على صفحة 41.
(2)
تاريخ الجزائر العام 2/ 197 دار الثقافة بيروت 1980 عبد الرحمن محمد الجيلاني.
(3)
نفس المصدر: 2/ 197.
(4)
نفس المصدر 2/ 197، 198.