الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنكم أمير، فيكون لكل قبيلة أمير، وتؤدي الزكاة إليه، وهذه بغاوة لا ارتداد. فالصواب أنه لم يرتدَّ منهم إلا بعضُ من لحق بمُسيلِمة، وإنما أجمل فيه الراوي، لأن محطَّ كلامِهِ، بيان ما جرى بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، لا بيان تفاصيلهم، فلفَّه في قوله:«كفر من كفر» .
ثم حاصل مناظرتهم على ما نصحَّحها القوم أن عمر رضي الله عنه حمل قوله صلى الله عليه وسلم «حتى يقولوا لا إله إلا الله على العموم، فلا يجوزُ قتال من قال ذلك كائنًا من كان، وفهمَ أبو بكر رضي الله عنه أن الامتناعَ عن أداءِ الزكاة أيضًا يُحلُّ القتلَ، لقياس جامعٍ بين الامتناع عن الزكاة، والامتناعِ عن الشهادة.
وملحظهما عندي أرفعُ من مصطلحات الفِقه، وقد مرّ منه شيء، والتفصيل في رسالتي «إكفار الملحدين في شيء من ضروريات الدين» . ثم إن تأخُّرَ عمر رضي الله عنه لم يكن لعدم تنقيحِ مناط التكفير عنده، كيف وقوله:«من فرق بين الصلاة والزكَاة» يدل صراحةً على أن تركَ الصلاة كان من مُوجبات القَتْل عندهما بالاتفاق، فإن إكفارَ مَنْ أنكر ضروريات الدين من ضروريات الدين، وليس معنى قول عمر رضي الله عنه:«حتى يقولوا: لا إله إلا الله» : إن السيف يرفعُ عنهم بعد تلك الكلمة، وإن أنكروا شيئًا من ضروريات الدِّين، وهل يقوله إلا مصاب، فكيف بعمر رضي الله عنه!
ولكنه كان لمَا أشرنا إليه من قبل، فتذكره:«لو منعوني عَنَاقًا» قيل: إنه لا يؤخذُ في باب الزكاة إلا الثَّنيّ، فما معنى قوله:«عناقًا» ؟ فإنه اسم لما أتى عليه أربعة أشهر، نعم يضم عند تكميل النصاب، فقيل في جوابه: إن «لو» ههنا للفرض. وقيل: إن الكبار إذا ماتت قبل حَوَلان الحول، وبقيت الصغار، ففيها ثلاث روايات عن إمامنا: الأولى: سقوط الزكاة عنها، والثانية: الأخذ بواحد منها، وحينئذٍ صح أخذ العَنَاق أيضًا، والثالثة: أنه يجب عليه الثَّنِيّ، ويؤديه بعد الشراء. ثم في بعض الألفاظ:«لو منعوني عقَالا» . بدل: «العَنَاق» . فقيل: هو على المبالغة. وقيل: كان من عاداتهم أنهم إذا أَعطُوا السِّنَّ الواجب أعطوا معه حَبَلَه أيضًا. فإِعطاء العِقَال، وإن لم يذكر في الفقه، إلا أن عُرْفَهم كان كذلك. وقيل: العِقَال: اسم لزكاة السَّنَة. وقيل: يُطلق العِقَالُ على العُرُوض أيضًا، فهو مقابل للنقد:
*أَتانا أبو الخَطَّابِ يضرِبُ طَبْلَه
…
وَرُدّ ولم يأخذ عِقَالا ولا نَقْدًا
2 - باب الْبَيْعَةِ عَلَى إِيتَاءِ الزَّكَاةِ
{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].
1401 -
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بَايَعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. أطرافه 57، 524، 2157، 2714، 2715، 7204 - تحفة
3226 - 132/ 2
3 -
باب إِثْمِ مَانِعِ الزَّكَاةِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [التوبة: 34 - 35].
واعلم أن الزكاة في الفقه: في السوائم، ومال التجارة، والنقديْن، فحسب. فاعتبروا النمو بنحويه: أعني حقيقة، أو تقديرًا. فالنقد هو النَّماء كله، بخلاف العُروض، فليس النماء فيه إلا بنية التجارة، وهو النماء الحكمي. ويُعلم من الأحاديث أنَّ في المال حقوقًا واجبةً أخرى، إلا أنها منتشرة، كما يدل عليه قوله:«ومن حقها أن تُحلبَ على الماء» ، وبوّب عليه الطحاوي أيضًا.
والعلماء بحثوا في وجوب حقِّ غير الزكاة، فأنكره الأكثرون، وهو عندي ثابت، إلا أنه غير متعيّن، فهو إما من ملحقات الزكاة، أو يجبُ عند الحوائج، ولو ادَّعيت أن إطلاقَ الزكاة إنما كان على مجموع ما عليهم من الزكاة، وتلك الحقوق، فلا بعد أيضًا.
ثم إنهم ماذا يقولون في الآيات التي نزلت في الزكاة بمكة، مع اتفاقهم على أن الزكاة فرضت بالمدينة؟ وهل المخرَجُ عنها إلا بأنها كانت منتشرةً بمكة، وأُطلق عليه لفظ الزكاة، ثم ماذا يقولون في الآيات التي وردت في ذم البخل؟، وهل البخلُ يقتصرُ على عدم أداء الزكاة، فإن كانت الزكاة واجبة بمكة، وأُطلقتْ على الحقوق المنتشرةِ أيضًا، وكان البخلُ على عرْفهم لا على منعِ الزكاة فقط، ثبت أنَّ في المالِ لحقوقًا سوى الزكاة أيضًا، أي الزكاة المصطلحة، وأن الامتناع عن تلك الحقوق أيضًا بخل، وجالبٌ للوعيد، وحيئذٍ يَخرُجُ غير واحدٍ من الآيات عن التأويل، ولم تبق حاجةٌ إلى حملها وقصْرِها على منعِ الزكاة فقط
(1)
.
1402 -
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «تَأْتِى الإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا، عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، إِذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَأْتِى الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، إِذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا، تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا» . وَقَالَ «وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ» . قَالَ «وَلَا يَأْتِى أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَاةٍ يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ لَهَا يُعَارٌ، فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ. فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ. وَلَا يَأْتِى بِبَعِيرٍ، يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاءٌ، فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ. فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ» . أطرافه 2378، 3073، 6958 - تحفة 13736، 13776
1402 قوله: (شاة يحملها على رقبته)، وهو السنة في السارق في بلدتنا، فإنه يُجاء به
(1)
يقول العبد الضعيف: وهكذا فعلوا في لفظ الإِنفاق، فقصروه على الزكاة فقط، مع أنَّ اللفظ عامٌ لجميع سُبُلِ الخير، وليس مدح المؤمنين في قوله:{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} على أداءِ الزكاة فقط. وهل كان فيهم من وجبتْ عليه الزكاة إلا قليل؟، بل على الإِنفاق في سُبُل الخير كلها. ويقابله الإِمساك، وهو المسمى بالبُخل، فالإِنفاق والإِمساك على طرفي نقيضٍ من الذمِ والمدح، لا اختصاص لهما بمنع الزكاة وأدائها.