الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِنَا مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ لَا تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ أُرْسِلَ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ يَسْأَلُهُ. وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَاكَ، أَوْ أَرْسَلَ، فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَيُعْجِبُنِى أَنَّهَا أَمَةٌ، وَأَنَّهَا ذَبَحَتْ. تَابَعَهُ عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ. أطرافه 5501، 5502، 5504 - تحفة 11134
يعني إذا رأى الراعي شاةً تموت، ولم يكن المالك حَاضِرًا، ولا وَجَدَ فرصةً للإِجازة منه، هل له أن يَذْبَحَ؟ وفي «جامع الفصولين» ، وهو من معتبرات فقهنا: إن ذَبَحَ الشاة يَضْمَنُ، وفي قولٍ: لا يَضْمَنُ. قلتُ: بل يُقْسِمُ على الحالات، فإن تحقَّق أنه ذَبَحَها بعذرٍ صحيحٍ لم يَضْمَن، وإن ثَبَتَ أنه جعله حِيلَةً، وأراد اللحمَ فقط ضَمِنَ.
مسألة: في «البحر» : أن رجلا لو رَأَى أحدًا يَزْنِي بامرأته يَقْتُلُهُ، فإن بَلَغَ الأمرُ إلى القاضي، ولم يُثْبِتْ زِنَاه بالشهادة يَقْتَصُّ منه. ورأيتُ في «كنز العمال» حديثًا: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «كَفَى بالسيف شا
…
»، قال الراوي: واكتفى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالشا، ولم يتلفظ بتمام اللفظ - أي شاهدًا - وقال: لو قلت: شاهدًا لتظالم السكران، والغيران، فهذا أَمْرٌ يَعْرِضُ للأنبياء عليهم السلام، فإنه أَبَاحَ له قتلَ رجلٍ يَرَاه على امرأته، ثم لم يُفْصِحْ به، لئلا يَتَجَاوَزَ فيه الناس عن الحدِّ.
2304 -
قوله: (قال عُبَيْدُ الله: فَيُعْجِبُني أَنَّها أَمَةٌ، وأنها ذَبَحَتْ)، والراوي يتعجَّبُ منه، وفي
(1)
الفِقْهِ: أنه لا بأسَ بِذَبِيحَةِ المرأة.
5 - بابٌ وَكَالَةُ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ جَائِزَةٌ
وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إِلَى قَهْرَمَانِهِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ أَهْلِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ.
2305 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ «أَعْطُوهُ» . فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَاّ سِنًّا فَوْقَهَا. فَقَالَ «أَعْطُوهُ» . فَقَالَ أَوْفَيْتَنِى أَوْفَى اللَّهُ بِكَ. قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» . أطرافه 2306، 2390، 2392، 2393، 2401، 2606، 2609 - تحفة 14963
(1)
قال العينيُّ: وفيه دليلٌ على إجازة ذبيحة المرأة بغير ضرورة إذا أحْسَنَتِ الذبحَ، وكذا الصبيّ إذا أطَاقهُ، قاله ابن عبد البَرّ، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعيِّ، والثوريِّ، والليث، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثَوْر، والحسن بن حيِّ، ورُوِيَ عن ابن عبَّاس، وجابر، وعَطَاء، وطاوس، ومُجَاهد، والنَّخَعِيِّ. وفيه ما استدلَّ به فقهاء الأمصار -أبو حنيفة، ومالك، والشافعيُّ، والأوزاعيُّ، والثوريُّ- على جواز ما ذُبِحَ بغير إذن مَالِكِهِ. وفيه جوازُ أكل المذبوح الذي أشرَفَ على الموت إذا كانت فيه حياةٌ مستقرةٌ، وإلَّا فلا يَجُوزُ وفيه جواز الذبح بكل جَارح إلَّا السِّنِّ والظُّفُرِ، فإنهما مُسْتَثْنَيَانِ. اهـ. مختصرًا.
أي الوَكَالَةُ صحيحةٌ، سواء كان الوكيلُ شَاهِدًا أو غَائِبًا.
2305 -
قوله: (فَطَلَبُوا سِنَّهُ، فلم يَجِدُوا له إلا سِنًّا فَوْقَهَا، فقال: أَعْطُوه)
…
إلخ، واعلم أن استقراضَ الحيوانِ بالحيوانِ جائزٌ عند الشافعية. وأَنْكَرَهُ
(1)
الحنفيةُ، وقالوا: إن الاستقراضَ لا يَصِحُّ إلا في المِثْلِيَّات
(2)
، فلا تكون ثابتةً في الذمة، ويَجِبُ كونها مشارًا إليه عند العقد، فلا تَصْلُحُ لوجوبها في الذمة. وأَجَابُوا عن حديث الباب
(3)
: أنه لم يكن فيه استقراضٌ، بل كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم اشترى منه بثمنٍ مُؤَجَّلٍ، فلمَّا حَلَّ الأجلُ، وأراد أن يُؤَدِّيَ إليه ثمنه، اشترى له بعيرًا آخر من ثمنه، وردَّه إليه. فعادت صورتُه صورةَ استقراضِ الحيوانِ بالحيوانِ، فهو استقراضٌ صورةً، وبيعٌ مُؤَجَّلٌ معنىً. ولمَّا لم يَكُنْ في الحِسِّ إلا مُبَادلة البعير بالبعير، حَذَفَ الراوي البيعَ المتوسِّطَ، وعبَّر عنه بما كان عنده في الحِسِّ.
وذلك من ديدن الرواة، أنهم لا يُرَاعُون تخاريجَ الفقهاء، وأنظارَ العلماء، وإنما هم بصدد نقل القصة على ما وقعت في الخارج، ولا يكون لهم عن أبحاثهم غرضٌ. وهو مَلْحَظُهم في صلاة الكسوف: أنها كانت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أربعًا، وللقوم ركعتين ركعتين. وقد مرَّ جوابُهُ في العَرَايا.
وإنما حَمَلْنَاهُ على هذا التأويل، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع الحيوانِ بالحيوانِ نَسِيئَةً. وهذا وإن كان في البيع، لكن الاستقراضَ مثلُه لا تحاد العِلَّةِ. فإن في الاستقراض أيضًا وجوبًا
(1)
وفي "الاستذكار" وممن منع استقراضَ الحيوان، والسَّلَم فيه: عبْدُ الله بن مسعود، وحُذَيْفَةُ، وعبدُ الرحمن بن سَمُرَة، وأبو حنيفة وأصحابُه، والثوريُّ، والحسنُ بن صالح، وسائرُ الكوفيين. وحُجَّتُهم: أن الحيوانَ لا يوقف على حقيقة صفته. وادَّعُوا نسخَ حديث أبي هُرَيْرَة، وأبي رافعٍ بحديث ابن عمر:"أنه عليه الصلاة والسلام قَضَى فِيمَنْ أعْتَقَ نصف عبدٍ مُشْتَركٍ بقيمة نصف شريكه"، ولم يُوجِب عليه نصف عبدٍ. وعن يحيى بن سعيد:"قلتُ لربيعة: حدَّثني أهلُ أَنْطَابُلُس: أن خيرَ بن نُعَيم كان يقضي عندهم بأنه لا يَجُوز السَّلَفُ في الحيوان، وقد كان يُجَالِسُكَ، ولا أحْسَبُهُ قضى به إلَّا عن رأيك، فقال ربيعة: قد كان ابن مسعود يقول ذلك. اهـ. "الجوهر النقي".
(2)
ولا يَجُوزُ الاستقراضُ إلَّا مما له مِثْلٌ، كالمَكِيلَات، والمَوْزُونَات، والعَدَدِيَّات المتقاربة. فلا يَجُوزُ قرضُ ما لا مِثْلَ له من المَوْزُوعات -والصواب والمَزْرُوعَات- والعَدَدِيَّات المتفاوتة، لأنه لا سبيل إلى إيجاب ردِّ العين، ولا إلى إيجاب القيمة، لاختلاف تقويم المقوِّمين. فتعيَّن أن يكونَ الواجبُ فيه رَدَّ المِثْلِ، فيختصُّ جوازُه بما له مِثْلٌ.
وعن هذا قال أبو حنيفة، وأبو يوسف: لا يَجُوزُ القرضُ في الخبز لا وزنًا، ولا عددًا. وقال محمد: يَجُوزُ عَدَدًا. اهـ. عيني.
(3)
وقال الطحاويُّ بعد أن رواه: ثم نُسِخَ ذلك بآية الرِّبا. وبيانُ ذلك أن آيةَ الرِّبا تُحَرِّمُ كل فَضْلٍ خالٍ عن العِوَضِ.
ففي بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً يُوجَدُ المعنى الذي حَرُمَ به الرِّبا، فَنُسِخَ كما نسخ بآية الرِّبا استقراضُ الحيوان، لأن النصَّ المُوجِبَ للحظر يكون متأخِّرًا عن المُوجِبِ للإِباحة. ومثل هذا النسخ يكونُ بدلالة التاريخ. فَيَنْدَفِعُ بهذا قول النوويِّ، وأمثاله: إن النسخَ لا يكون إلا بمعرفة التاريخ. اهـ: عيني.
قلتُ: وهذا الجوابُ وإن كان مشهورًا فيما بين القوم، بَيْدَ أني اعْتَنَيْتُ بنقله لِمَا نبَّه عليه الشيخُ العيني في الجواب عن الشيخ النوويِّ، فإنه يُفِيدُ في مواضع إن شاء الله تعالى.
في الذِّمَّةِ، كما في البيع نسيئةً. وأقولُ من عند نفسي: إن الحيواناتِ، وإن لم تَثْبُتْ في الذِّمَّةِ في القضاء، لكنه يَصِحُّ الاستقراضُ به فيما بينهم عند عدم المُنَازَعَةِ، والمناقشة.
وهذا الذي قلتُ: إن الناسَ يتعاملون في أشياءَ تكون جائزةً فيما بينهم على طريق المروءة والإِغماض، فإذا رُفِعَتْ إلى القضاء يُحْكَمُ عليها بعدم الجواز. فالاستقراضُ المذكورُ عند عدم المُنَازَعَةِ جائزٌ عندي. وذلك لأن العقودَ على نحوين: نحوٍ يكونُ معصيةً في نفسه، وذا لا يَجُوزُ مطلقًا. ونحوٍ آخرَ لا يكون معصيةً، وإنما يُحْكَمُ عليه بعدم الجواز لإِفضائه إلى المُنَازَعَةِ، فإذا لم تَقَعْ فيه منازعةٌ جَازَ. واستقراضُ البعير من النحو الثاني، لأنه ليس بمعصيةٍ في نفسه. وإنما يُنْهَى عنه، لأن ذواتَ القيم لا تتعيَّنُ إلا بالتعيين، والتعيينُ فيها لا يَحْصُلُ إلا بالإبشارة، فلا تَصْلُحُ للوجوب في الذمة. فإذا لم تتعيَّن، أفضى إلى المنازعة عند القضاء لا مَحَالَةَ. فإذا كان النهيُ فيه لعِلَّةِ المنازعةِ، جاز عند انتفاء العِلَّة.
والحاصلُ أن كثيرًا من التصرُّفات لا تكونُ جائزةً في القضاء، وتَجُوزُ فيما بينهم. ثم هذا فيما لم يَرِدْ فيه نصٌّ من الشارع بالنهي عنه صراحةً، وكذا لم يَحْكُمْ به قياسٌ جَلِيٌّ، وإلا فلا سبيلَ فيه إلى الجواز بحالٍ. وقد تبيَّن مما قلنا: أن عِلَّةَ النهي فيما نحن فيه هي المُنَازَعَةُ، ولا نصَّ فيه عن الشارع، فإذا انتفت العِلَّةُ عاد إلى الجواز. ويُؤَيِّدُ ما قُلْنَا: إن الحنفيةَ صرَّحُوا في الإِجازةِ الفاسدةِ، والمُضَارَبَةِ الفاسدةِ: أن الأُجْرَةَ فيهما طيبةٌ مع فساد العقد، فَدَلَّ على أنه لا يَلْزَمَ من كون الشيءِ باطلا، أو فاسدًا كونه معصيةً أيضًا. فإِذا لم يكن معصيةً في نفسه، يُحْكَمُ عليه بالجواز. وإذن لا بأسَ لو حَكَمْنَا بالجواز في الصورةِ المذكورة. نعم لو وقعت فيه المُنَازَعَةُ ورُفِعَ الأمرُ إلى القاضي، فالحكمُ فيه كما في المتون، وهو عدمُ الجواز.
ومن ههنا تبيَّن أن من زَعَمَ بين كون الشيء باطلا، ومعصيةً تلازمًا، فقد حَادَ عن الصواب. وهناك مسألةٌ أخرى تُؤَيِّدُ ما قُلْنَا، ففي «الهداية»: إن بيعَ الخشب في السقف فاسدٌ، فإِن سلَّمه إلى المشتري عاد إلى الجواز. وكذا البيعُ إلى النَّيْرُوز والمِهْرَجَان لا يَجُوزُ، فإِن نقد الثمن جاز. وذلك لأن عِلَّةَ الفساد في الصورة الأولى: كون المبيعِ غيرَ مَقْدُورِ التسليمِ، وفي الثانية: جهالةُ الأجل. فإذا انتفت بالتسليم ونقد الثمن، انتفى الفساد لانتفاء عِلَّتِهِ لا مَحَالَةَ. فهذا أصلٌ عظيمٌ ينبغي أن تَحْفَظَه، يَنْفَعُكَ في مواضع.
ثم إذا بَطَلَ العقدُ في شيءٍ، وتَدَاوَلَتْهُ الأيدي، وترتَّب عليه الأخذُ والإِعطاءُ، ماذا يكون حاله؟ فاختلف فيه العلماء: فذهب عامتُهم إلى أن كلَّ ما ترتَّب عليه العقدُ الباطلُ، فهو باطلٌ لبطلان الأصل. وقال الحَلَوَانيُّ: إن الأولَ، وإن كان باطلا في نفسه، لكنه إذا تَدَاوَلَتْهُ الأيدي انقلب صحيحًا من جهة هذا التعاطي. فإِن الناسَ يَتَغَافَلُونَ ويُغْمِضُون فيه بعد التعاطي، ولا يُنَازِعُون فيه.
قلتُ: وهذا أيضًا من باب المروءة، والحَلَوَانيُّ، وإن كان متفرِّدًا فيه، لكني أُفْتِي بقوله أيضًا. فإنَّ الناس إن يعملوا بقول واحد خيرٌ لهم من أن لا يعملوا بقول أحد، فلذا أفتي بقول الحَلَوَانيِّ تصحيحًا لعملهم، وإخراجه عن عدم الجواز.