الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِى صَوْمِ الْعَشْرِ لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ. وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ الإِطْعَامَ إِنَّمَا قَالَ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .
1950 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِى سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - تَقُولُ كَانَ يَكُونُ عَلَىَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِىَ إِلَاّ فِى شَعْبَانَ. قَالَ يَحْيَى الشُّغْلُ مِنَ النَّبِىِّ أَوْ بِالنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. تحفة 17777
41 - باب الْحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِى كَثِيرًا عَلَى خِلَافِ الرَّأْىِ، فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنِ اتِّبَاعِهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِى الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِى الصَّلَاةَ.
1951 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِى زَيْدٌ عَنْ عِيَاضٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ، وَلَمْ تَصُمْ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا» . أطرافه 304، 1462، 2658 - تحفة 4271
فإن أخَّر في الأداء حتى هَجَمَ عليه رمضانُ آخر، يَصُومُ ويَفْدِي عن كل يومٍ عند الشافعيِّ، وعندنا لا فِدْيةَ عليه، ويقضي فقط. نعم أَسَاءَ في التأخير، وبه قال المصنِّفُ. وفي «فتح الباري»: إن الطَّحَاوِيَّ أقرَّ في كتابه في اختلاف الفقهاء: أن بعضَ الصحابة كانوا يَفْدُون أيضًا. فدَلَّ على أنه جَنَحَ أيضًا إلى أداء الفِدْيَة، فلا بُدَّ أن يُقَالَ باستحبابها. والبخاريُّ وإن ذهب إلى عدم الاستحباب، كما هو المشهورُ من مذهبنا، لكنه أين يَقَعُ هذا من آثار الصحابة. وحديثُ الباب لا يَدُلُّ إلا على أدائه قبل دخول رمضان فقط
(1)
.
42 - باب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ.
ذَهَبَ أحمدُ إلى جواز النيابة في صيام النَّذْرِ، ولم يجوِّزها في رمضانَ. قال المحدِّثُون: ومذهبه أقربُ من الحديث، لما في «البخاري» وتصريحه بكونها صيامُ نذْرٍ. ولا نِيَابةَ عندنا مطلقًا، وهو القول الجديد للشافعي، وإن رجَّحَ النوويُّ القديمَ. وذلك لأنه من العبادة البدنيَّة،
(1)
قول المُصَنِّف: ولم يَذْكُر الله تعالى الإِطعامَ، إنما قال:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]. قال الحافظُ: هذا من كلام المصنِّف قاله تفقُّهًا، لكن إنما يَقْوَى ما احتجَّ به إذا لم يَصِحَّ في السُّنة دليلُ الإِطعام، إذ لا يَلْزَمُ من عدم ذكره في الكتاب أن لا يثْبُتَ بالسُّنة. ونقل الطحاويُّ عن يحيى بن أكْثَم، قال: وَجَدتُهُ عن ستةٍ من الصحابة لا أعلم لهم فيه مُخَالِفًا. اهـ. ومال الطحاويُّ إلى قول الجمهور في ذلك، انتهى ملخَّصًا.
قلتُ: لكن في "الجوهر النقي". وفي "الاستذكار" قال داود: من أَوْجَبَ الفِدْيَةَ على من أخَّر القضاء حتى دخل رمضان آخر ليس معه حُجَّةٌ من كتابٍ، ولا سنةٍ، ولا إجماع، اهـ.
والمقصودُ منها إتعابُ النفس، فلا تجري فيها النِّيَابة، ولنا قوله صلى الله عليه وسلم «لا يَصُومُ أحدٌ عن أحدٍ» ، أخرجه الزَّيْلَعيُّ، عن النَّسائي، وليس في «صغراه» ، فيكون في «كبراه» وكثيرًا ما يَقَعُ مثله في حَوَالة النَّسائي، وأتردَّد في رفعه ووقفه.
1952 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . تَابَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو. وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِى جَعْفَرٍ. تحفة 16382 - 46/ 3
1953 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا قَالَ «نَعَمْ - قَالَ - فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» . قَالَ سُلَيْمَانُ فَقَالَ الْحَكَمُ وَسَلَمَةُ، وَنَحْنُ جَمِيعًا جُلُوسٌ حِينَ حَدَّثَ مُسْلِمٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ - قَالَا - سَمِعْنَا مُجَاهِدًا يَذْكُرُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِى خَالِدٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْحَكَمِ وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أُخْتِى مَاتَتْ.
وَقَالَ يَحْيَى وَأَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مَاتَتْ أُمِّى وَعَلَيْهَا صَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. تحفة 5612، 6385، 6396
1952 -
قوله: (صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ)، وأوَّله الحنفيةُ بأن معناه: أَطْعَمَ عنه وَلِيُّهُ
(1)
. قلتُ: ومن أوَّله
(2)
بذلك، فله ما أخرجه الترمذيُّ في باب ما جاء في الكفَّارة، عن ابن عمر مرفوعًا، قال:
(1)
وقد تكلَّم عليه الطحاويُّ في "مشكله"، وأخرج عدَّة أحاديث عن ابن عبَّاس، وعائشةَ في الصوم عن الميت، ثم قال: إن الصوم عن الميت إنما رُوِي من جهتهما، ثم أَثْبَتَ الفتوى عنهما بخلاف ذلك، وسرده بأسانيده عنده.
وفي "الجوهر النقي" عن القاسم بن محمد، قال: لا يقضي ذلك أحدٌ عن أحدٍ لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، اهـ.
(2)
قال ابن العربي: إن كلَّ نفسٍ إنما تُجْزَى بما كَسَبَتْ، لا بما كَسَبَتْ غيرُها. ولو كانت عباداتُ البدن تُقضَى بعد الموت لقُضِيَتْ في الحياة، ولو قُبِلَتْ نيابةً في الممات لقُبِلَتْ في الحياة، كالحجِّ. ومراعاةُ القواعد أولى من مراعاة الألفاظ. والسائلُ لمَّا قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم:"إن ولييَّ مات، وعليه صومٌ، قال: أرأيت لو كان وليُّك مِدْيَانًا، أَكُنْتَ تُبَادرُ بالقضاء؟ قال: نعم، قال: الله أحقُّ أن يُقْضَى"، فندبه، ولم يُلْزِمْه، وأنبأه أن مراعاةَ حقِّ الله أَوْلَى.
ولو ازْدَحَمَ حقُّ الله وحَقُّ الآدميِّ، لَقُدِّمَ حق الآدمي، لفقره وحاجته، وتقدَّس الباري أن تَنَالُه آفةٌ، أو تجوز عليه حاجةٌ. =
«من ماتَ وعليه صيامُ شهرٍ، فَلْيُطْعِمْ عنه مكان كل يومٍ مسكينًا» . اهـ. إلا أن الترمذيَّ لم يُحَسِّنْهُ، وحسَّنه القرطبيُّ، كما نقله العيني.
قلتُ: والظاهرُ أن الحديثَ ليس قابلا للتحسين، لأن في إسناده محمدًا، وهو ابن أبي لَيْلَى، كما صرَّح به الترمذيُّ في «جامعه». ثم رأيتُ التصريحَ به في «السنن الكبرى» في مَوْضعَيْن. وابن أبي لَيْلَى اثنان: الأول: عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى، وهو ثقةٌ. والثاني محمد بن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى، ويُقَالُ له أيضًا: ابن أبي لَيْلَى، وهذا الذي اختلفوا فيه، وقد حَسَّنَ البخاريُّ حديثَهُ في أبواب السفر، كما عند الترمذيِّ. وفي «تذكرة الحفاظ»: أنه من رواة الحِسَان. قلتُ: وقد جَرَّبْتُ منه التغيير في المتون والأسانيد، فهو ضعيفٌ عندي، كما ذَهَبَ إليه الجمهورُ.
وبالجملة من حسَّن الحديثَ المذكورَ، ظنَّ أن محمدًا هو ابن سِيرِين. وإذن تحسينُ القرطبيِّ غير مقبولٍ عندي، إلا أن يكونَ عنده إسنادٌ غير هذا. أمَّا الجوابُ عندي، فلا أقولُ: إن المرادَ من الصَّوْمِ هو الإِطعام، وإنما عبَّر بالصوم مشاكلةً. بل أقولُ: إنه ينبغي أن يُصَامَ عنه إثابةً، ويُطْعَم مكان كل يومٍ مسكينًا أيضًا، قضاءً ممَّا عليه.
فالحاصل: أن الحديثَ محمولٌ على الإِثابة دون النِيَابة، والتعبيرُ المذكورُ يُصْلحُ لهما بدون تأويلٍ، لأنهما نِيَّتان. أي قد يكونُ الصومُ عن أحدٍ بنية الإِثابة، وقد يكون بنية النِيَابة، ولا يَتَلَفَّظُ بها أصلا، فَيُقَال في الإِثابة أيضًا: صَامَ عنه، كما يُقَال في النِيَابة بدون فرقٍ. أمَّا حديثُ:«لا يصومُ أحدٌ عن أحدٍ» ، فهو محمولٌ على النِيَابة، فلا تنافي بين الحديثين. وبعبارةٍ أخرى: إن الإِثابةَ والنِيَابةَ من أنظار الفقهاء، وليست مما يَدُلُّ عليه اللفظ بمدلوله اللُّغَوِيِّ، بل هي أمرٌ وراء الهيئة التركيبية تُفْهَمُ عنها، ولا تكون مدلولةً وضعًا. وإنما كرَّرْناه لئلا تظنُّه تأويلا، كيف ولا بحثَ للغويَ من أنظار الفقهاء، فلا يقولُ فيهما إلا أنه صَامَ عنه. ثم إنه انْعَقَدَ الإِجماعُ في باب
= وقد كان الآدميُّ يقضي عبادته من الصوم في حياته ببدنه إمساكًا، وكان أيضًا يقضيهما بماله في وقتٍ، وفي حالٍ تصدُّقًا وإطعامًا، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم للوليِّ: صُمْ عنه الصيامَ الذي تُمْكِن النيَابةُ فيه، وهو الصدقةُ عن التفريط في الصِّيَام. ويكون إطلاق الصَّومِ بأحد معنيين، إذ الأصل له. ومن أَشرَفَ من هذا المطلع بعين البصيرة، رأى أن غيرَه يسير في البنيان ولا حصرَ له. ويَعْضُدُ هذا ما روى أبو عيسى عن ابن عمر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"من مات وعليه صيامُ شهرٍ، فَليُطعِم عنه مكان كلِّ يوم مسكينًا"، قال أبو عيسى: والصحيح وَقْفُهُ على ابن عمر. ومن قوله. رَكِبْنَا نحن هذا التأويل. فاعجَبِ الآن لمن يقول: إذا كان نَذرًا صِيمَ عنه، وإن كان رمضان أَطعَمُوا عنه، فَيَجْعَل تحت اللفظ الواحد في النازلة الواحدة حُكْمَين مختلفين، بدليلين مُتَعَارِضَين. وحديثُ ابن عمر الذي ذكره أبو عيسى صحيحٌ، فينبغي أن يَقِفوا عنده. اهـ. "العارضة" بتغييرٍ يسييرٍ، ولعلَّ في العبارة سهوًا من الناسخ.
ثم قال في كتاب الحج: إن الصلاة لا خِلافَ فيها أنها لا يَنُوبُ فيها أحدٌ عن أحدٍ. وأمَّا الصدقةُ، فلا خِلَافَ في دخول النيابة فيها، والحجُّ كذلك على التفصيل فيهما. وأما الصيامُ، فاختلفوا فيه، ولمَّا دَخَلَ العِوَضُ في الصيام من الإِطعام، كان لنيابة العِوَض مَدْخَلٌ فيه من وجهٍ. اهـ. قلتُ: ومن ههنا ظَهَرَ وجهُ قوله صلى الله عليه وسلم: "صومي عنها" في معنى النيابة أيضًا. فاحفظه.