الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيضًا لتبقى مراعاتُهُما بمرأى عينيه. ومَنْ لا يشتغلُ بالحديث فإنه لا يحصلُ له علم بكثيرٍ من المسائل التي تتعرض لها الأحاديث ولم يتعرض لها فقهاؤنا، وذلك لعدم كونها من موضوع فَنِّهِم. وقد مرَّ معنا التنبيه في الأوائل أن التقليدَ لا يحكم إلا بعد النظر إلى الأحاديث. وكذا الأحاديث لا يستقِرُّ مرادُهَا عندنا إلا بعد النَّطر إلى أقوال السَّلَفِ، فمن أراد أن يحصلَ له عِلْمُ السَّلَف فليَجْمَع بين الأَمْرَين.
1270 -
قوله: (جَاء نَعْيُ أبي سُفْيَانَ) وهو والدُ أُمِّ حبيبة.
قوله: (حينَ تُوفِي أَخُوها) قال الحافظ رحمه الله: إنَّ الذي مات بالحبشةِ مات على النصرانية فلا معنى للإِحداد عليه، والآخَرُ بقي بعدها حَيًّا، فعلى مَنْ كانت تحد. ثُم أجاب مِنْ عنده: أن الذي أرادَتْ عليه الإِحْدادِ هو الذي مات على النَّصْرَانية، ولا بأس به فإنَّه أَمْرٌ فِطْريّ. أقول: ولا تَعَرُّضَ إليه لعدم بناءِ مسألة عليها، نعم مَنْ أَراد أن يضعَ شَرْحًا على البخاري فعليه أن يدخلَ في تلك المباحث.
31 - باب زِيَارَةِ الْقُبُورِ
1283 -
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ مَرَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ تَبْكِى عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ «اتَّقِى اللَّهَ وَاصْبِرِى» . قَالَتْ إِلَيْكَ عَنِّى، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِى، وَلَمْ تَعْرِفْهُ. فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم. فَأَتَتْ بَابَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى» . أطرافه 1252، 1302، 7154 - تحفة 4
39 - 100/ 2
32 -
باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] وَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» . فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ، فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها - {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. وَهُوَ كَقَوْلِهِ {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} ذُنُوبًا {إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: 18] وَمَا يُرَخَّصُ مِنَ الْبُكَاءِ فِى غَيْرِ نَوْحٍ. وَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَاّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا» . وَذَلِكَ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ.
1284 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ وَمُحَمَّدٌ قَالَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - رضى الله عنهما - قَالَ أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِى قُبِضَ فَائْتِنَا. فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ وَيَقُولُ «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» . فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا،
فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّبِىُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ - قَالَ حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ - كَأَنَّهَا شَنٌّ. فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا فَقَالَ «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِى قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» . أطرافه 5655، 6602، 6655، 7377، 7448 - تحفة 98
1285 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ - قَالَ فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ قَالَ - فَقَالَ «هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ» . فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَنَا. قَالَ «فَانْزِلْ» . قَالَ فَنَزَلَ فِى قَبْرِهَا. طرفه 1342 - تحفة 1645 - 101/ 2
1286 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ تُوُفِّيَتِ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ - رضى الله عنه - بِمَكَّةَ وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهم - وَإِنِّى لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا - أَوْ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا. ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِى فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمَرَ - رضى الله عنهما - لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَلَا تَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» . تحفة 7276
1287 -
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَدْ كَانَ عُمَرُ - رضى الله عنه - يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ قَالَ صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ - رضى الله عنه - مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ، إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ فَقَالَ اذْهَبْ، فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ قَالَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا صُهَيْبٌ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ادْعُهُ لِى. فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ فَقُلْتُ ارْتَحِلْ فَالْحَقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِى يَقُولُ وَاأَخَاهُ، وَاصَاحِبَاهُ. فَقَالَ عُمَرُ - رضى الله عنه - يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِى عَلَىَّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» . طرفاه 1290، 1292 - تحفة 10505
1288 -
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ - رضى الله عنه - ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ - رضى الله عنها - فَقَالَتْ رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ. وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» . وَقَالَتْ حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عِنْدَ ذَلِكَ وَاللَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى. قَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رضى الله عنهما - شَيْئًا. طرفاه 1289، 3978 - تحفة 16227، 5803
1289 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى يَهُودِيَّةٍ يَبْكِى عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ «إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِى قَبْرِهَا» . طرفاه 1288، 3978 - تحفة 17948 - 102/ 2
1290 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ - وَهْوَ الشَّيْبَانِىُّ - عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ - رضى الله عنه - جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ وَاأَخَاهُ. فَقَالَ عُمَرُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَىِّ» . طرفاه 1287، 1292 - تحفة 10585، 9094 أ
واعلم أنَّ في مسألة البابِ خلافًا بين عائشةَ وابنِ عمر رضي الله عنهما. فقالت عائشةُ رضي الله عنها إنالكيت لا يعذب ببكاء الأهل، فإنه من فعلهم فلا تزره نفس الميت وابن عمر رضي الله عنه يثبته. وجات عائشة رضي الله عنها. عَمَّا رواه ابنُ عمرَ رضي الله عنه، بأنه سها فيه، فإنَّها كانت واقعة جزئيةً لا مرأة يهوديةٍ وكانت تُعذَّب، فجعلها ابنُ عمرَ رضي الله عنه ضابطةً كليةً للمسلمين وغيرهم. قال العلماء: إن تخطئتَها ليس بذاك، فإنَّه رواه غيرُهُ أيضًا لا يمكن الوَهْم كم كُلِّهم. وقد ذكر العلماءُ للحديث سبعةَ وجوه سَرَدَها الحافظ رحمه الله واختار منها البخاريُّ رحمه الله: أن العذابَ فيما كان النَّوْحُ من سُنَّتِه، وأَمَّا إذا لم يكن مِنْ سُنَّته فإنَّه لا يُعذَّبُ.
وحاصِلُهُ: أنه قسم على الحالات، فجعل بَعْضَه حرامًا، وبعضَه جائزًا، والذي هو حرامٌ هو أن يَرْضَى به الميتُ فيكون رضاؤه بالبكاءِ سببًا لعذَابِهِ. ولفظ «البَعْض» في الحديث أيضًا يَدُلُّ على أن بَعْضَه جائزٌ كما سيجيء، واستدل عليه بآيةٍ وحديث.
وحاصله: أنَّ الإنسانَ مأمورٌ بإصلاح نَفْسه ورعيته، فيُؤاخَذُ بتركِ إصلاح نَفْسِهِ ورعيتِهِ معًا. وأما إذا نهاهم عن البكاءِ ثُمَّ فعلوه بعد موته فله ضابطةٌ أُخْرَى، وهي كما ذكرت عائشةُ رضي الله عنها. وهذا الذي عُني بالتقسيم على الأحوالِ. وتفصيلُهُ أَنَّ الشَّرْعَ كما يُؤاخِذ المباشِرَ كذلك قد يؤاخذ المُسَبِّب أيضًا، وقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] لا يُخَالِف أَخْذَ المسبِّب فإنَّ التسبيبَ أيضًا مِنْ فِعْلِهِ كالمباشَرَة، فلم يكن مِنْ وِزْرِ الآخَر بل وِزْر نَفْسِهِ والمرءُ يُؤاخَذُ به لا محالة إلا أنَّ المُؤاخَذَةَ في المباشِر مطلقٌ، وفي مؤاخذة المسبِّب تفصيلٌ، وهو الذي رُوعي في قوله صلى الله عليه وسلم «لا تُقْتَلُ نَفْسٌ»
…
إلخ. ففيه المؤاخذةُ مِنْ المُسبِّب.
فإذا عَلِمت أَنَّ الشَرْع وَرَد بِأَخْذِ المباشِر والمُسَبِّب كِلَيْهِمَا فالطَّرْد على واحدٍ منها وتَرْك الآخَر حَمَقٌ قَطْعَا. ولكن يجري في مِثْله التَّقْسِيْم على الحالات. ولذا قلت فيما مَرَّ: إِنَّ الشَّرْعَ نَصَب القواعِدَ، وقد يَصْدُق على جزىءَ واحدٍ قواعدُ شَتَّى وحينئذٍ يتعسَّر إدخالُهُ في واحدٍ منها وَتَرْك التجاذب، فيحتاجُ إلى النَّظر في أَنَّ هذا الجزئي بأيِّ القواعِد أَقْرَب فيلحق بها، ويقسم بينها. وهذا التقسيمُ الصحيحُ هو وظيفةُ المُجْتَهِد، وهو على نحو ما قال الدَّوَّاني: إنَّ أُلوفًا من
الكلياتِ تَصْدُق في مَحَلَ فيصيرُ مجموعُهَا جزئيًا.
والجواب الثاني: أن التعذيب عبارةٌ عن تعبيرِهِ بما أَثْنُوا عليه بعدَهُ، كقول الملائكة لأبي موسى الأشعري عند الترمذي:«أهكذا كنت؟» حين غُشِي عليه وناحَت عليه زَوْجَتُهُ. وأَرْجَحُ الأجوبةِ عندي ما ذكره ابنُ حَزْم رحمه الله: إنَّ أهلَ الجاهليةِ كانوا يَذْكُرونَ في النياحةِ أفعالَ الميت التي تكونُ مِنْ أَعْظَمِ الكبائرِ وموجِبات النار، نحو قولهم: إنَّك قاتَلْتَ فُلانًا فلم تَتْرُك منهم أحدًا، وأَغَرْتَ على فلانٍ إلى غير ذلك من الشنائع. وكانوا يذكرونها افتخارًا وَمَدْحَا للمَيِّت على ظَنِّهم الفاسدِ. وكانت تلك الأشياءُ كُلُّها من أفعالِ الميت، فكان العذابُ من أَجْل أفعالِهَا لا من أجل البكاء. ويوضِّحُهُ ما عند المُصَنِّف رحمه الله في الصفحة الأخرى: إنَّ الميتَ يُعذَّب في قَبْره بما نِيح عليه، وما نِيح هو معاصِيه بِعَيْنَها التي اقترفها وليست مِنْ فِعْل غيره. وهذا أَعْجَب الشُّروح إليَّ.
1284 -
قوله: (فَلْتَصْبِر) وفي بعضِ الروايات: «فلتصبري» وفيه دليلٌ على أنَّ «اللام» قد تَدْخُل على الأَمْر الحاضِر أيضًا، كما قاله الكُوفيون خلافًا للبَصْريِّين.
قوله: (تُقْسِمُ عَلَيْهِ) وهو من باب إبرار المُقْسِم فلو كان من لفظها: أَنَّها تُقْسِم عليك أَنَّك لتأتِيَنَّهَا، لا يكونُ واحِدٌ منهما حالِفَا. وإنْ كان: أني أحلِفُ أَنَّك لتأتيني، ويصيرُ المتكلِّم به حالِفَا، ويُستحب إبراره للآخَر. وترجمته في الهندية تقسم عليه آي (واسطه ديتي هين) قال الحافظ رحمه الله تعالى: ثُمَّ بقي هذا الولد حيًّا إلى زمنٍ مع التصريح بدخولِهِ في النَّزْع.
قلتُ: وينبغي أن يُعدَّ هذا من مُعجزاتِهِ صلى الله عليه وسلم والعَجَب من السُّيوطي رحمه الله تعالى أنه تَمسَّك فيه بروايةٍ تكاد تكونُ موضوعةً، ولو أتى بهذه لكان أحسن، نعم ينبغي للطبيبِ أن يَبْحَث في أنه هل يمكنُ عَوْدُ الروحِ بعد الدخول في النَّزْع أم لا؟ فإن أُمكن فلا يخلو إما أن يَطَّرد ذلك أو لا. وعلى الثاني تكونُ معجزةً، وعلى الأول لا تكون معجزةً لدخوله تحتَ الضابطةِ الطبية. وأما إذا كان لا يمكنُ العَوْدُ أصلا فهو معجزةٌ مُطْلقًا. والذي يظهر من كُتب الطبِّ أن الطَّبْع إذا صار مغلوبًا في البحران يرجِعُ إلى القلبِ كليلا، فإذا رجع إليه قَوِي لكونِ القَلْب مَعْدَن الحياة فيكتسب منه قوةً وجعل يدافِعُ المرضَ حتى يدفَعَه. فهذا يدلُّ على أن العوْدَ بعد النَّزْع ممكنٌ وإن لم يكن مُطَّرِدًا فيكونُ معجزةً في هذه المادة. وقد قال لي بعضُ أقاربي: أني دخلت في النَّزْع مرةً، فرأيتُ أن شيئًا ينزع من قدمي، فإذا بلَغ إلى السُّرّةِ تَفَلَّت وبلغ إلى مَوْضِعه كالبرق، ولم أزل أُحُسُّ كذلك حتى بَقِيْتُ حيًّا.
1285 -
قوله: (لَمْ يُقَارِف) والمقارفة الإتيان بما لا ينبغي (ناشايان كام). قال الشارحون رحِمهم الله تعالى: إنَّ عثمانَ رضي الله عنه كان قد جامع بَعْضَ جوارِيه في تلك الليلة وله العُذْر أيضًا، فإنَّ مَرَضَها لما طال وتمادَى ولم يكن يخطر بِبَالِهِ أنها تُتوفَّى في هذه الليلة اشتغل بِمِثْلِهِ، ولكنَّه لما كان مُشْعِرًا بِغَفْلَتِهِ في عدم إقامته بحقِّ التمريض أظهر عنه المَلالَ. ونقل الحافظ رحمه الله تعالى في تفسيره عن الطحاوي: لم يُقاول الليلةَ ثُمَّ رَدَّ عليه.
قلتُ: ليس مَا ذَكَره الطحاوي روايتَه ولا بَدلا عن اللفظ، بل أراد الطحاويُّ رحمه الله
تعالى بيانِ المراد. وحاصله: أن تلك الواقعةَ لما لم تَثْبُت بالروايةِ فلا حاجةَ إلى التزامها. ويمكن أن يكونَ اشتغل بالتحديث والمقاولةِ مع كونه لا ينبغي له في مِثْل هذا الأوان، فَكَرِهَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم نعم لو ثَبت في رواية أنه كان جَامع لكان لالتزامِه وَجْه. أمَّا إذا لم يَثْبُت فلا حاجةَ لنا إلى تقديرِهَا مِنْ أجل لَفْظ المَقَارَفة هكذا يعلم بالمراجعة إلى مُشْكِلة
(1)
.
(1)
قلت: قال علي القاري في "شرح الشمائل" في "جامع الأصول": لم يقارف أي لم يُذْنب ذنبًا. ويجوز أن يراد الجِماع فكنَّى عنه. وقيل: هو المعني في الحديث. ويؤيدُه ما في "النهاية": قَارَف الذنب إذا داناه، وقارف امرأته إذا جامعها. ومنه الحديث في دَفْن أُم كُلثوم:"منْ كان مِنْكم لم يقارف أهلَه الليلةَ فليدخل قبرَها".
والحاصل: أن قوله: "لم يقارف" بالقاف والراء والفاء من المقارَفة على صيغة المَبْنِي للفاعل، وأن المفعول هنا محذوفٌ وهو الذنب، أو امرأته وأهله، وقد زاد ابنُ المبارك عن فُلَيح: أراه يعني الذنب. ذكره البخاريُّ تعليقًا.
ووصله الإِسماعيلي. وحُكي عن الطحاوي أنه قال: لم يقارِف تصحيفٌ، والصواب لم يقاول، أي لم ينازع غيرَه في الكلام لأنهم يكرهون الكلامَ بعد العشاء. كذا ذكره العسقلاني. انتهى ما ذكره القاري.
ثم في شَرْحها للمحدِّث عبد الرؤوف المُنَاوي:
وزَعْمُ الطحاوي: أن يقارف معناه لم ينازع غيرَه في الكلام لكراهة الكلام بعد العشاء بعيدٌ متكلف. وما تقرر مِنْ أن معنى يقارف يجامع هو ما في "النهاية"، وتبعوه، لكن في "جامع الأصول" أن معناه يُذْنب. وهو ما رواه البخاري عن ابن المبارك عن فلَيح تعليقًا، ووصله الإسماعيلي. ورواه أحمدُ عن شرَيح بن النعمان عن فُلَيح أيضًا. ويرجّح الأَول رواية البخاري أيضًا فى "تاريخه الأَوسط"، والحاكم:"لا يدخل القبرَ أحدٌ قارَف أهلَه البارحة". فتنحى عثمان، على أن دَعْوى أن معْناه لم يقارف ذنبًا فى غاية البعد إذ لا وَجْه لتخصيصه بالليلة، وقد قال ابن حَزم: معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند المصطفى بأنه لم يذنب، نعم ما عُزي لعثمان ظاهر إن صحَّ ذلك عنه، وإلَّا فَوَجْه المنع أن الحديث العهد بالجِماع قد يتذكر ذلك فيذهل عما يُطلب من الإِلحاد وأحكامه. انتهى. وفي "عمدة القاري": "حُكي عن الطحاوي أنه قال: لم يقارِف تصحيف، والصواب لم يقاول، أي لم ينازع غيرَه الكلام، لأنهم كانوا يكرهون الحديثَ بعد العشاء. اهـ.
قلت: وقد راجعت "مُشْكِل الآثار" للطحاوي فلم أجد فيه دَعْوى التصحيف كما يُحكى عنه. غير أني ما تفقهت كلامه فأنا آتيك أولًا بعبارته من مُشكِله لتفكر فيها، ثُم من عبارة "المعتصر" للقاضي أبي المحاسن يوسف بن موسى الحنفي لتستعين بها على فَهْم كلام الطحاوي، ثُم أذكر لك بعض ما فهمت من كلامه، قال الطحاوي فوجدنا المقارَفة قد تكون من المقاولة، وقد تكون من غيرها من الإِصابة، واستحال عندنا أن يكون أراد بذلك الإِصابة، لأنها مَنْ يصيبها مِنْ أهله غيرُ مذمومة. وقد تكون مِن المقاولة مذمومة، وكان الذين كان إليهم مرمة قَبْرها وإدخالها فيه من ذوي أرحامِها المحرمات، ولا نعلم كان منهم حينئذِ حاضرُ غير رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لأنه أبوها، وغير عمه العباس بن عبد المطلب، وغير مَنْ كان يمسها منه رحم محرم من قِبَل أمها وهو أخوها لأمها هند بن أبي هالة التميمي، ومَنْ عسى أن يكون بينهما وبينه حُرْمةٌ برضاع. فكان هؤلاء أولى الناسِ بإِدخالها قبرَها، واحتمل أن يكون فيهم سوى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ كان بينه وبين أهله مقارَفة لم يحمدها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فلم يحب لذلك أن يتولى من ابنته إلا مَنْ لم يكن ذلك منه إلخ. وفي "المعتصر" في إلحاد المرأة في باب الجنانز.
قال: والمقارَفة قد تكون من المقاولة المذمومة، وقد تكون من غيرها من الإصابة، واستحال الثاني لأن إصابة الرجل أهلَه غير مذمومة، فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم عَلِم ممن كان يصحُّ له دخول قبرها مِن ذوي محارِمها أنه جرى بينه وبين زوجته في تلك الليلة مقارفَة من القول مذمومة فكره أن يتولى إدخالَ ابنته في قبرها، وأما ما فيه مِن قول الراوي فلم يدخل زوجها. يعني قبرها، فإن ذلك حَمَله قومٌ على أنه يحتمل أنه كان بينه وبينها قبل وفاتها في تلك الليلة هذه المقارفة. وهم الذين يذهبون إلى أن للزوج غَسلَ زوجته بعد وفاتها وإِدخالها قبرها، ومذهبُنا أنه لا يغسلها =