الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنفسه، أو أَطْعَمَ غيره أيضًا سواء. فالوعيد على نفس هذا الفعل، وما ذكره الشارحون في شرحه، فهو خِلافُ الواقع عندي.
وحاصلهُ: أنه يُلْعَنُ في ربًا واحدٍ عشرةُ نفرٍ، حسب أوزارهم خِفَةً وشدَّةً.
قوله: {كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}
…
إلخ، واستدلَّ منه ابن حَزْم على أن الشياطين لا تَسْرِي في أجساد الإِنسان، وإنما لهم لَمَمٌ به. واختار الغزاليُّ: أن لها سِرَايةً أيضًا. أقولُ: وهما عندي وجهان: وأمَّا وجه الخبط فإن أكل الربا يَمْسَخُ الفطرة السليمة، ويُؤَثِّرُ فيها حتى يكاد يُعْمِيها، فإذا عَمِيَتْ تَخْبِطُ خَبْطَ العَشْوَاء لا مَحَالة. ثم إن الأرواحَ الخبيثةَ أيضًا قد تُؤْذِي الإِنسان، وفي ذلك حكاياتٌ.
25 - باب مُوكِلِ الرِّبَا
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} إلى قوله: {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)} [البقرة: 278 - 281]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم.
2086 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ رَأَيْتُ أَبِى اشْتَرَى عَبْدًا حَجَّامًا، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَثَمَنِ الدَّمِ، وَنَهَى عَنِ الْوَاشِمَةِ وَالْمَوْشُومَةِ، وَآكِلِ الرِّبَا، وَمُوكِلِهِ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ. أطرافه 2238، 5347، 5945، 5962 - تحفة 11811 - 78/ 3
2086 -
قوله: (فأَمَرَ بِمَحَاجِمِهِ فَكُسِرَتْ). واعلم أن اللهَ تعالى بثَّ في العالم أعمالا خسيسةً ونفيسةً، وخَلَقَ على مثلها أرواحًا، فالطيبةُ منها تَمِيلُ إلى النفيسة. والخبيثةُ تَرْغَبُ في الخسيسة، وهذا من باب نظام العالم. أمَّا الشرعُ فإنه لا يُرَغِّبُ إلا فيما فيه فَضْلٌ، وهذا كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم «إن العُرَفَاء في النار» ، مع أنه لا بدَّ من العِرَافةِ أيضًا، فإن نظامَ العالم لا يستوي بدونها.
والحاصلُ: أن طبائعَ الناس تَتَفَاوَتُ على حسب تَفَاوُت الأعمال، خِسَّةً ودناءةً، كَرمًا وفضلا، فَيَرْغَبُ إليها كلٌّ منهم حسب فطرته، مع أن الشرعَ لا يحثُّهم إلا على الخير. ومن ههنا عَلِمْتَ أن الشرعَ ليس في نقاضة النظام، فالنظامُ يبقى على طريقه، كما أن الشرعَ يأْمُرُ وينهى على طريقه. ألا ترى أن اللهَ يدعو إلى دار السلام، مع عِلْمِهِ أن كثيرًا منهم لا يُلْقُون لدعوته بالا، فَيُلْقَوْن في جهنَّم على وجوههم. فاللهُ سبحانه لا يَزَالُ يدعو على ما يَليقُ بشأنه، مع أنه سَبَقَ القول منه:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119]، فهذا بنظامٍ، وذلك تشريعٌ.
وبالجملة إن الأطراف تتجاذب في نحو هذه المواضيع، كما في الحِجَامة فإِنه نهى عنها، ومع ذلك قد أعْطى أجرتها بنفسه النفيسة أيضًا. فالدَأْبُ فيه: أن لا يزالَ النطقُ بالهجو، ويَخْرُجُ الجواز من الأطراف، كفعله تارةً وتارةً. وهذا هو طريقُ القرآن مُطَّردًا، فإِنه إذا كَرِهَ شيئًا اطَّرد
بهجوه ولو كان جائزًا في الجملة. كما رأيت في باب الهجرة، فإنه إذا أحبَّ الهجرة وكرهَ إقامة المسلم بين أَظْهُر الكفَّار، استمرَّ على النهي، ومع ذلك خَرَجَ الجوازُ من الأطراف. أمَّا الأحاديثُ، فقلَّما تَسْلُكُ هذا المسلك.
2086 -
قوله: (نهي النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ثَمَنِ الكَلْبِ) واختلف أصحابُنا في بيع الكلب. ففي «المبسوط» : أنه يجوز بيع المعلَّم خاصةً. وفي «الهداية» : جوازه مطلقًا، نظرًا إلى أن الكلبَ صالحٌ للتعليم، فجاز بيعه كبيع المعلَّم بالفعل. فنظر السَّرَخْسِي إلى التعليم حالا، وصاحب «الهداية» إلى التعليم، ولو مآلا. والأول أوفق بالحديث، لِمَا ثبت عند النَّسائي استثناء المعلَّم. وقال النَّسائي: إنه مُنْكَرٌ. وراجع ما في هامشه من «عقود الجواهر» . ومن اختار جواز البيع مطلقًا، حَمَل النهي على التنزيه. وحمله الطحاويُّ
(1)
على زمان حَرُمَ فيه اقتناؤها، فإذا رُخِّص فيه جاز البيع والشراء أيضًا. فراجع كلامه من «معاني الآثار» .
وقال الخطَّابيُّ في «معالم السنن»
(2)
في معنى النهي عن بيع الهرَّة: إنه كونها شيئًا خسيسًا، فليتركها على الإِباحة الأصلية من أَخَذَهَا، فهو أحقُّ بها. ولا يُنَاسِبُ أن تجري فيها البيوع، فإنها تُنَاسِبُ بكرائم الأموال، وشأنها أدون من أن تُقْصَدَ بالبيوع. وهكذا هو العملُ في بلادنا، فإنهم يَتَدَاولونها مجَّانًا، ولا يأخذون ثمنها. فهذا تعليمٌ للأخلاق الفاضلة، وما ينبغي أن يُعَامَلَ مع هذه الحيوانات. لا أنه نهى عن بيعه حقيقةً، فلو باعها صَحَّ لا مَحَالَةَ، ولك أن تَقِيسَ عليها الكلب أيضًا.
قوله: (ولَعَنَ المُصَوِّر)، وراجع «فتح القدير» لمسائل التصاوير. أمَّا إن الملائكة، هل تَدْخُلُ بيتًا فيه تصاوير، رَخَّصَ بها الشرعُ؟ فالظاهر أن لا، فأنت تفعل ما في عالمك، وهم يفعلون ما في عالمهم، ولطباعهم تَنَافُرٌ من الأَنْجَاس، والأَرْجَاسِ، والتصاوير، وأمثال ذلك. فما عليهم أن لا يَدْخُلُوا بيتًا تكون فيه تلك، وإن رَخَّصَ لك فيها بتفاصيل، ذُكِرَت في المبسوطات.
(1)
وفي "المعتصر" يحتمل أن يكون تحريمه لأجل الدناءة، واحتمل أن يكون النهي عن ثمن الكلب إذا كان الأمر فيه بقتل الكلاب، وقد اختلف أهل العلم فيه، فطائفة ذهبت إلى تحريم أثمان الكلاب كلها، وممن ذهب إلى ذلك مالك، والشافعي، وطائفة ذهبت إلى تحريم أثمان ما لا يحل الانتفاع به منها، وإباحة أثمان غيرها، وهو مذهب أبي حنيفة، وأصحابه، وهو أولى القولين بالقياس، لأن الكلب المأذون في الانتفاع به، كالحمار الأهلي في جواز الانتفاع به، وتحريم أكل لحمه، فوجب أن يكون مثله في جواز بيعه: ص 239 - ج 1، ملخصًا.
(2)
قال الشيخ: النهي عن بيع السنور متأول، على أنه إنما كره من أجل معنين، إما لأنه كالوحشي الذي لا يملك قياده، ولا يصح التسليم فيه الخ، والمعنى الآخر: أن يكون إنما نهى عن بيعه لئلا يتمانع الناس فيه، وليتعاوروا ما يكون منه في دورهم، فيرتفقوا به ما أقام عندهم، ولا يتنازعوه إذا انتقل عنهم إلى غيرهم تنازع الملاك في النفيس من الأغلاق، وقيل: إنما نهى عن بيع الوحشي دون الإنسي، وقد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث، وزعم أنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وممن أجاز بيع السنور ابن عباس، وإليه ذهب الحسن البصري، وابن سيرين، والحكم، وحماد، وبه قال مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأصحاب الرأي، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وكره بيعه أبو هريرة، وجابر، وطاوس، ومجاهد، اهـ: ص 130 - ج 3 "معالم السنن".