الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
25 - كتاب الحَجِّ
1 - باب وُجُوبِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ
وقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97].
ولنقدم قبل الخوضِ في المقصود جُمَلا:
الأولى: أن العلماءَ اختلفوا في السنة التي فرض فيها الحج على أقوال: فقيل: سنة خمسٍ، حكاه الوَاقِدي. وقيل: سنة ست. وقيل: ثمان. وقيل: سنة تسع، ولكل منهم مُسْكة تمسكوا بها، فليطالعها في مواضعها من شاء.
الثانية: اختَلف الناسُ في وجوب الحج، هل هو على الفور أو على التراخي؟ وكيف ما كان، التسارع إليه مطلوبٌ، وحينئذٍ يُشكل حجُ النبي صلى الله عليه وسلم في العاشرة مع فرضيته في الأعوام الماضية على اختلافها. فقيل في الجواب: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يترقَّبُ أن تعوَدَ الأيامُ على هيئتها، وقد كانت العربُ خلطتها لمكان النسيئة
(1)
عندهم، فلم تكن أشهر الحج في محلها، فإذا عادت ذو الحجة في موضعها عَزَمَ على الحج
(2)
، ونادى بين الناس.
(1)
قلت: قال الزمخشري في "تفسيره": النسيء: تأخيرُ حرمةِ الشهرِ إلى شهرٍ آخر، وذلك أنهم كانوا أصحابَ حروبٍ وغارات، فإذا جاء الشهر الحرام، وهم محارَبون شق عليهم تركُ المحاربة، فيُحلُّونه ويحرمون مكانه شهرًا آخر، حتى رفضوا تخصيصَ الأشهرِ الحرم بالتحريم، فكانوا يحرمون من شق شهور العام أربعة أشهر، وذلك قوله تعالى:{لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 37] أي ليوافقوا العِدَّة التي هي الأربعة، ولا يخالفوها، وقد خالفوا التخصيصَ الذي هو أحد الواجبين، وربما زادوا في عدد الشهور، فيجعلونَها ثلاثة عشرًا، وأربعة عشرًا، ليتسع لهم الوقت. ولذلك قال الله عز وجل:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} ، يعني من غير زيادة زادوها. اهـ. قلت: ولعل تحريفهم كان بالنوعين.
(2)
واعلم أن هذا التأويلَ قد ذكره غيرُ واحدٍ من العلماء، لكنهم استشكلوا أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالحج في السنة التاسعة، لأن النبيِّ صلى الله عليه وسلم لم يكن ليأمرَ بالحج في غير وقته، فوجب أن يقال: إن ذا الحجة كانت في تلك السنة على الحساب القويم، كما ذكره بعض العلماء، وحينئذٍ يعودُ الإِشكال في تأخير النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حجه. فأجاب عنه الحافظُ فضل الله التُّورِبِشْتي في "شرح المصابيح"، وهذا نصه: وأما وجه استينائه بالحج إلى السنة العاشرة -والله أعلم- أنه لم ير أن يحضرَ الموسم، وأهل الشرك حضورٌ هناك، لأنه لو تركهم على ما يتديَّنُون به من هديهم المخالفُ لدين الحق، لكان ذلك وهْنًا في الدين، ولو منعهم لأفضى ذلك إلى التشاغُلِ، إلى ما أرادُوه من النُّسُك بالقتال، ثم إلى استحلال حُرمةِ الحرم. وكان قد أخبر يوم الفتح أن حرمتها عادت إلى ما كانت عليه، وأنه لم =
قوله: (ومن كفر)
…
إلخ، أي لم يحج، وإنما عبَّرَ عنه بالكفر تهويلا، وعلى تعبير القرآن جاء حديث ابن ماجه:«فليس على الله أن يموتَ يهوديًا أو نصرانيًا» .
1513 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِى الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِى شَيْخًا كَبِيرًا، لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ «نَعَمْ» . وَذَلِكَ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ. أطرافه 1854، 1855، 4399، 6228 - تحفة 5670 - 163/ 2
1513 -
قوله: (فجعل الفضل ينظر إليها)، واعلم أن الحجابَ عندنا داخلُ الصلاة وخارِجُها سواءً فجاز كشفُ الوجه والكفين عند أجنبي، بشرط الأمن من الفتنة. واختُلف في الرِّجلين، والفتوى على الحجاب مطلقًا، وذلك لانقلابِ الزمان، وظهورِ الفتن. وإنَّما صرفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وجه الفضل احتياطًا، كما هو المذكور في الحديث.
قوله: (إن فريضة الله على عباده في الحج قد أدركت شيخًا كبيرًا)، واعلم أنهم اختلفوا في وجوب الحج على المعْضُوب. فقيل: يجبُ عليه إذا مَلك الزادَ والراحلَة، ومُؤنَة من يرفعُه ويضعُه ويقودُه إلى المناسك. وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة. وهو قول الشافعي. وقيل: لا يجبُ وهو المشهور عن إمامنا. فقيل
(1)
: معنى الحديث: أن الحج فرضٌ على الناس، فأدرك أبي أيضًا زَمَنَ افتراض الحج. وراجع التفصيل من «فتح القدير» .
= يحلَّ له إلا ساعة من النهار، فرأى أن يبعث الناسَ إلى الحج. وينادي في أهل الموسم أن لا يَحُجَّ بعد العام مشرك، ليكون حجُّه خاليًا عن العوارض التي ذكرناها. وقد ذكرنا لذلك وجوهًا غيرها في "كتاب المناسك"، واكتفينا ههنا بالقول الوجيز ايثارًا للاختصار "من باب قصة حجة الوداع".
قلت: لعل التخليطَ إذا بلغَ مبلغًا، لا يمكن رفعُه، وعمت به البلوى، فالمرجو من الله تعالى أن يعتبره أيضًا نحوًا من الواقع، فإنَّ فقهاءنا قد اعتبروا بالشهادة على الوقوف، قبل يوم عرفة. وأما إذا شهدوا بالوقوف بعد يوم عرفة فلم يعتبروها، وذلك لأن التلافي ممكن في الصورة الأولى، دون الثانية. ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم:"وجبت وجبت" في الجنازتين، مرتا عليه واحدة بعد أخرى، فكأن شهادةَ الصحابة اعتُبرت فيهما على أي وجه كان الميتان، وقد مر تقريره. وحينئذ لو التزمنا أن ذا الحجة لم تكن في التاسعة على محلها، ثم أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يَحُجَّ بالناس لم يلزم عليه محذورٌ، فإنَّ ذا الحجة من تلك السنة وإن كانت على زعمهم، فإنَّ الشرعَ فد أقام لهم الواقع -بحسب زعمهم- مُقَام الواقع في نفس الأمر. وإنما أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم لنفسه ما كان أحرى له، فانتظر إلى أن يُستدار الزمان إلى هيئته بالأمس، وعليه نبه في خُطبته. والله تعالى أعلم.
(1)
قال الخَطَّابي: وقد يتأول بعضهم قولها: إن فريضة الله أدركت أبي شيخًا، فقال: معناه أنه أسلم، وهو شيخ كبير
…
إلخ: ص 171 - ج 2.