الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي «الكنز» أن السؤالَ حرامٌ على مَنْ كان عنده قوتُ يومٍ وليلة. وراجع أقسامَ الغني من «البحر» . وقد اختلفت الروايات فيه عند الطحاوي. والفصلُ عندي أنه يختلِفُ باختلافِ الأحوال والأشخاص، وليست فيه ضابطةٌ كُليةُ، وبهذا يحصلُ الجمع في جملة الروايات في ذلك.
قوله: (يحسبُهم الجاهلُ أغنياءَ من التَّعفُّف) والتفعُّلُ للتكلف، وليس على معنى أنَّهم يتكلفونَ فيه، فإنه مذمومٌ، بل على معنى أنهم ليسوا بأغنياء في الحقيقة، ولكنهم يتكلّفُون ويَظهرُون كأنهم أغنياء تَعفُّفًا عن السؤال.
1478 -
قوله: (والله إني لأراه مؤمنًا)
…
إلخ، وهو على حدِّ قولِ عائشة لولدٍ ماتَ من الأنصارَ:«عصفورٌ من عصافير الجنة» ، وقد قررناه في مواضع.
55 - باب خَرْصِ التَّمْرِ
1481 -
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِىِّ عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ تَبُوكَ فَلَمَّا جَاءَ وَادِىَ الْقُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِى حَدِيقَةٍ لَهَا فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ «اخْرُصُوا» . وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ لَهَا «أَحْصِى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا» . فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ «أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُومَنَّ أَحَدٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ» . فَعَقَلْنَاهَا وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّئٍ - وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ - فَلَمَّا أَتَى وَادِىَ الْقُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ «كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ» . قَالَتْ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «إِنِّى مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِى فَلْيَتَعَجَّلْ» . فَلَمَّا - قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كَلِمَةً مَعْنَاهَا - أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ «هَذِهِ طَابَةُ» . فَلَمَّا رَأَى أُحُدًا قَالَ «هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ» . قَالُوا بَلَى. قَالَ «دُورُ بَنِى النَّجَّارِ، ثُمَّ دُورُ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دُورُ بَنِى سَاعِدَةَ، أَوْ دُورُ بَنِى الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَفِى كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ - يَعْنِى - خَيْرًا» . أطرافه 1872، 3161، 3791، 4422 - تحفة 11891 - 155/ 2
1482 -
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِى عَمْرٌو «ثُمَّ دَارُ بَنِى الْحَارِثِ، ثُمَّ بَنِى سَاعِدَةَ» . وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كُلُّ بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَهْوَ حَدِيقَةٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ لَمْ يَقُلْ حَدِيقَةٌ. تحفة 4795، 11891
واعلم أن السَّلاطين كانوا يَبعثُون أمينًا لهم - يُسمَّى الخَارِصُ - إلى أصحابِ النخيلِ، لِيَحْزِرَ ثمارهم، ثم يُخلِّي بينهم وبين ثمارهم، فإذا بلغ وقت الجُذَاذ، يستوفي منه بحساب ما خَرَصَ. والنفعُ فيه أن لا يخونَ فيها أصحابَ المال، فيتضرَّر منه بيت المال، وأن يبقى المالكون في فُسحة من الإِنفاق كيف شاؤوا، فكان ذلك أيسرُ لبيت المال والمالكين جميعًا. واعتبره
الحنفية أيضًا
(1)
، إلا أنهم لم يجعلوه حجةً ملزمةً، وإليه ذهب مالك. فإنْ وقع الاختلافُ بين الخارِصِ والمالك لا يُقضى عليه بقولِ الخارصِ فقط.
فإن قلت: فأيُّ فائدةٍ في الخَرْص؟ قلتُ: الفائدةُ ما قد علمتَه آنفًا من اليُسر للجانبين. ومن سوءِ بعض عباراتِ أصحابِنا، نُسبَ إلينا عدمُ اعتباره مطلقًا، وليس بصواب، فإن الأحاديثَ قد وردت به صراحةً. وجعل الشافعيُّ قولَ الخارص حجةً إن ظهرَ خلافُه بعد الكيل. ولهم في التَّضمِين قولان: التضمين، وعدمه، والأظهرُ هو الأول. قلتُ: وعلى الثاني لم يبق بينَنَا وبينهم كثيرُ فرقٍ.
والحاصل: أن الخَرْصَ ليس أمرًا فاصلا عندنا. والنفعُ فيه أن يبقى للمالكين تذكارًا للخرص، فلا يرزأوا حق الفقراء. والذي يدل على أن الخرصَ تخمينٌ فقط، قوله صلى الله عليه وسلم للخارصين:«دعوا الثُّلُثَ، فإن لم تدعوا الثلث، فدعوا الربع» ، فدل على أنه أمرٌ تقريبيُّ فقط. وليس من اللازم أن يكون ما خَرَصه صحيحًا، فإن الإِنسانَ قد يغلطَ في الحزْرِ، فأمرهم أن ينقِصُوا منه الثلث أو الربع، لئلا يتضرَّرَ به المالكون. ولو كان أمرًا فاصلا لما ردد بالثلث أو الربع، فإن الثلث قد يزيد على الربع بمقدارٍ كثير، فالاستثناء بالترديد مع التفاوتِ الفاحش بين الثلث والربع، يدلُّ على أنه أمر تخمينيٌّ لا غير. وقد اختلف الناسُ في شرح الجملة المذكورة على أقوال، وجرَّها كلٌّ منهم إلى مذهبه. وقد ذكرناها ما لها وما عليها في أمالي «جامع الترمذي» .
1481 -
قوله: (فألقته بجبل طيء)، وفي الشروح: إنه لم يمت، ولقي النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد ما رجع.
قوله: (إني مُتعجل إلى المدينة)، لا يريد به السرعة في السير، بل الذهابَ من أقرب الطريقين.
قوله: (هذا جبل يحبنا)
…
إلخ، فيه دليلٌ على أنَّ في الجمادات أيضًا شعورًا. ثم إن أُحدًا من الجنة، وأن عَيْرًا من جهنم. وظني أنه إذنْ لا يكونُ يسبِّحُ، وقد رأيت في رواية أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على الجندان - جبل بناحية مكة - فقال:«سبق المفردون» وكنت أتفكَّرُ في معناه، وأنه لم قال هذا عند هذا الجبل؟ حتى رأيت في «الوفا» للسَّمْهُودي، أنه كان يشير إلى قولِ شاعر:
(1)
قال الخَطَّابي: رُوي عن الشَّعبي أنه قال: الخَرُصُ بدعةٌ. وأنكرَ أصحابُ الرأي الخَرْصَ ص 44 - ج 2. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: اتفق أبو حنيفة وأصحابه على أن الخرصَ بدعةٌ، وأُعجِبُوا لمساعدة الثوري لهم على ذلك، مع معرفته بالسنن، وتمكُّنِهِ في بحبوحةِ الأخبار.
قلت: ولم أر كونِه بدعةً مرويًا عن أبي حنيفة في كُتُبِ أصحابِنا. نعم، في العيني: أنه مكروهٌ عند أئمتنا، وكذا في بعض الكتب أنه باطلٌ، ومنشأه عبارةُ الطحاوي. ولله درُّ الشيخ حيث نقَّح مذهب أبي حنيفة على طور لم يبق فيه مخالفةٌ للأحاديث، ولا لكلامِ نَقَلَةِ المذهب. وإنما تعرِفُ قدرَه بعدما ترجعُ إلى كتب أصحابنا فترى فيها اختلافًا، مع مخالفتِها لظاهر الأحاديث، وحينئذ فتشكُرَه شكرًا جزيلًا.