الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (كالمَشُورَةِ يُشِيرُ بها)، وهذا يُفِيدُنا، فإنه يَدُلُّ على أن النهيَ عن بيع الثمار قبل البُدُوِّ للإِرشاد. وحمله الطحاويُّ على السَّلَم. ولا يَجُوزُ السَّلَم عندنا أيضًا إلا إذا سَلِمَ من العاهات، وهو بعد البُدُوِّ لا غير.
قوله: (حتى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا)، ومن عادة العرب أنهم إذا ذَكَرُوا طلوعَ نجمٍ، أرادوا به طلوعه المقارن للفجر، وطلوع الثُّرَيَّا يكون في الشهر المشهور في الهندية (أساره). ثم إن الحافظَ ذكر ههنا روايةً عن عطاء: «إذا طَلَعَ النجم - أي الثُّرَيَّا - رُفِعَتْ العاهةُ عن الثمار
…
» إلخ، وهي من «مسند أبي حنيفة» ، فَدَلَّ على اغذماده عليه، ولذا استعان به. فاحفظه، وراجع ما قاله المْحَشِّي بين السطور - أي في النسخة الهندية -.
2195 -
حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِى حَتَّى تَحْمَرَّ. أطرافه 1488، 2197، 2198، 2208 - تحفة 710
2196 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَا قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشَقِّحَ. فَقِيلَ مَا تُشَقِّحُ قَالَ تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ وَيُؤْكَلُ مِنْهَا. أطرافه 1487، 2189، 2381 - تحفة 2259
2195 -
قوله: (حتَّى تَحْمَرَّ)، وفي روايةٍ:«تَحْمَارّ» ؛ ومعنى الأول: أن تَظْهَرَ فيه الحُمْرَة. ومعنى الثاني: كادت أن تَحْمَرَّ. نبَّه أبو حَيَّان (سرخ كشته باشدو مائل بسرخى كشته باشد).
واعلم أن أرباب الصَّرْف لم يُحِيطُوا بخواصِّ الأبواب كلِّها، وإنما ذَكَرُوا شطرًا منه، وكان مهمًا. والكُتُبُ المصنَّفةُ فيها لم تُطْبَعْ. وأمَّا من أراد الآن أن يَتَتَبَّعَهَا، فطريقُه أن يُطَالِعَ «البحر المحيط» لأبي حَيَّان. ومن دَأْبه أنه إذا مرَّ على بابٍ من القرآن ذكر خواصَّه أيضًا، واستوعبها. فمن أراد ترتيب الخواصِّ، فهذه طريقته.
86 - باب بَيْعِ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا
(1)
2197 -
حَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا مُعَلًّى حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا
(1)
قال الشيخ ابن الهُمَام في "الفتح": لا خِلَاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تَظْهَرَ. ولا في عدم جوازه بعد الظهور، قبل بُدُوِّ الصلاح بشرط الترك. ولا في جوازه قبل بُدُوِّ الصلاح، بشرط القطع فيما يُنْتَفَعُ به. ولا في الجواز بعد بُدُوِّ الصلاح. لكن بُدُوَّ الصلاح عندنا: أن تُؤْمَنَ العاهة والفساد. وعند الشافعيِّ هو: ظهور النضج، وبُدُوُّ الحلاوة. والخلافُ إنما هو في بيعها قبل بُدُوِّ الصلاح على الخلاف في معناه، لا بشرط القطع، فعند مالك، والشافعيِّ، وأحمد رحمهم الله تعالى: لا يجوز. وعندنا -إن كان بحالٍ لا يُنْتَفَعُ به في الأكل، ولا في علف الدواب- خلافٌ بين المشايخ، قيل: لا يَجُوز، ونَسَبَهُ قاضيخان لعامة مشايخنا. والصحيحُ أنه يَجُوزُ، لأنه مالٌ مُنْتَفَعٌ به في ثاني الحال إن لم يكن مُنْتَفَعًا به في الحال. وقد أشار محمد في كتاب الزكاة إلى جوازه، فإنه قال: لو باع الثمار في أول ما تَطْلُع، وتركها بإذن البائع حتى أدرك، فالعُشْرُ على المشتري. فلو لم يكن جائزًا، =
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَعَنِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ. قِيلَ وَمَا يَزْهُو قَالَ يَحْمَارُّ أَوْ يَصْفَارُّ. أطرافه 1488، 2195، 2198، 2208 - تحفة 783
أي ثمار النخل.
قوله: (حدَّثنا مُعَلَّى) تلميذٌ لأبي يوسف.
واعلم أن بيعَ الثمار إمَّا أن يكونَ قبل البُدُوِّ أو بعده، وكلٌّ منهما إمَّا يكون بشرط القطع، أو بشرط الترك، أو بشرط الإِطلاق، تلك ستُّ صُوَرٍ. فذهب الشافعيُّ إلى جوازه بعد البُدُوِّ في الصُوَر الثلاث مطلقًا، كما هو مقتضى مَفْهُومِ الحديث. وإلى عدم جوازه قبل البُدُوِّ، كما هو مقتضى مَنْطُوقِهِ، إلا إذا كان بشرط القطع، فإنه بعد القطع لا يبقى محلا للنزاع، فهو مستثنى عقلا.
والحاصلُ: أنه عَمِلَ بمجموع المَفْهُومِ والمَنْطُوقِ، وخصَّص من المنطوق صورةً واحدةً بدلالة العقل.
وأمَّا مذهبُ الحنفية على ما فصَّله صاحب «الهداية» ، فهو: أن البيعَ بشرط القطع جائزٌ في الفصلين، كما أن البيعَ بشرط الترك فاسدٌ في الفصلين. أمَّا إذا كان بشرط الإِطلاق، فهو جائزٌ في الصورتين، إلا أن البائعَ إن أمر المشتري بقطع ثماره وَجَبَ عليه قطعه، وتفريغ مِلْكه على
= لم يُوجِب في العُشْر على المشتري. وصحة البيع على هذا التقدير، بناءٌ على التعويل على إذن البائع، على ما ذكرنا من قريب، وإلَّا فلا انتفاع به مطلقًا، فلا يَجُوزُ بيعه. والحِيلَةُ في جوازه باتفاق المشايخ: أن يَبِيعَ الكُمَّثْرى أول ما تَخْرُجُ مع أوراق الشجر، فيَجُوزُ فيها تَبَعًا للأوراق، كأنه وَرَقٌ كلُّه. وإن كان بحيث يُنْتَفَعُ به، ولو عَلَفا للدَّوَاب، فالبيعُ جائزٌ باتفاق أهل المذهب إذا باع بشرط القطع، أو مطلقًا، ويجِبُ قطعه على المشتري في الحال. فإن باعه بشرط الترك: فإن لم يكن تَنَاهى عِظَمُهُ، فالبيعُ فاسدٌ عند الكل، وإن كان قد تَنَاهى عِظمُهُ، فهو فاسدٌ عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، وهو القياس. ويجوز عند محمد استحسانًا، وهو قولُ الأئمة الثلاثة، واختاره الطَّحَاوِيُّ لعموم البلوى. وفي "المنتقى" ذكر أبو يوسف مع محمد. اهـ.
وقال الشيخُ النووي: إن باع الثمر قبل بُدُوِّ صلاحها -بشرط القطع- صحَّ بالإِجماع. قال أصحابُنا: ولو شرط القطعَ، ثم لم يَقْطَع فالبيع صحيحٌ، ويُلْزِمُه البائعُ بالقطع، فإن تَرَاضَيَا على بقائه جاز. وإن باعها -بشرط التبقية- فالبيعُ باطلٌ بالإجماع، لأنه ربَّما تَلَفتِ الثمرةُ قبل إدراكها، فيكون البائعُ قد أَكَلَ مالَ أخيه بالباطل، كما جاءت به الأحاديث. وأما إذا شرط القطعَ فقد انتفى هذا الضرر. وإن باعها مطلقًا بلا شرط، فمذهبنا، ومذهب جمهور العلماء: أن البيعَ باطلٌ لإِطلاق هذه الأحاديث. وإنما صحَّحناه بشرط القطع للإِجماع، فخصَّصنا الأحاديث بالإجماع فيما إذا شرط القطع. ولأن العادةَ في الثمار الإِبقاءُ، فصار كالمشروط.
وأما إذا بِيعَت الثمرةُ بعد بُدُوِّ الصلاح، فيجوز بيعها مطلقًا وبشرط القطع، وبشرط التبقية لمفهوم هذه الأحاديث، ولأن ما بعد الغاية يُخَالِفُ ما قبلها إذا لم يكن من جنسها، وأن الغالبَ فيها السلامة، بخلاف ما قبل الصلاح.
ثم إذا بِيعَت بشرط التبقية، أو مطلقًا يُلْزِمُ البائع تبقيتها إلى أوان الجُذَاذ، لأن ذلك هو العادةُ فيها. هذا مذهبُنا، وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة: يَجِبُ شرط القطع - بعده بياض في النسخ قلتُ: ونحوه ذكر الخطابيُّ في "معالم السنن".
الفور. وحينئذٍ يَلْغُو قيد قبل البُدُوِّ في النصِّ، ولا تَظْهَرُ له فائدةٌ. فإن الحكمَ عند وجوده، وعدمه سواء عندنا من غير فرقٍ. فَوَرَدَ علينا الحديثَ مفهومًا ومنطوقًا. وما أَجَابَ به بعضُهم: أن المفهومَ ليس بحُجَّةٍ عندنا، ليس بشيءٍ، لما مرَّ منا تحقيقُ الكلام في المفهوم، فإنه يَحْتَاجُ إلى بيان نُكْتَةٍ لا مَحَالة، وإن لم يكن مَدَارًا للمسألة.
وقد أجاب عنه الطَّحَاويُّ بنحوين: أما الأول، فحاصله: أن الحديثَ لم يَرِدْ في تلك التفاصيل، فإنه وَرَدَ في النهي عن البيع قبل البُدُوِّ شفقةً، وإن جاز شرعًا في بعض الصْوَرِ، لأنه قد يُفْضِي إلى تلف مال المشتري، فيقوم بلا مالٍ ولا مبيعٍ. كما أنه لو باعه قبل البُدُوِّ وأصابته عاهةٌ، فاجْتَاحَتْ الثمار، بقي المشترى ولا مالَ له ولا ثمارَ، فنهى عنه لذلك. فليس هذا الحديث مُتَعَرِّضًا إلى الصُوَر المذكورة، فَلْيَكِلْها إلى الاجتهاد أو غيره.
أما الثاني، فبيانه: أن الحديثَ ورد في السَّلَم، ذلك لأن أهلَ المدينة قبل مقدمه صلى الله عليه وسلم كانوا يُسْلِفُون في الثمار لسنةٍ أو سنتين، فنهى عن ذلك، إلا أن يُسْلِفُوا في كَيْلٍ معلومٍ، ووزنٍ معلومٍ، إلى أجل معلومٍ. ويُشْتَرَط في بيع السلم وِجْدَانُ المبيع من حين العقد إلى وقت التسليم عندنا أيضًا، فلا بُدَّ أن يكونَ بعد البُدُوِّ، والأمن عن العاهات. والحاصلُ: أن النهي عن البيع قبل البُدُوِّ ليس في البَيَاعَات العامة، بل في السَّلَم خاصةً. ولا نُنْكِرَ فيه بمَنْطُوقِ الحديث، ولا بمفهومه، فكأن الحديثَ من بابٍ، وحَمَلُوه على بابٍ، فَأَوْجَبَ فساد المعنى.
هذا، والذي ظَهَرَ لي في جوابه على ما قرَّره صاحب «الهداية» من المذهب: أن البيعَ بشرط القطع خارجٌ عن مدلول الحديث، فإن البائِعَيْن إذا رَضِيَا بأمرٍ لم يَدْخُل فيه الشارعُ، ولا تعرَّض إليه. فبقيت فيه أربع صُوَرٍ: بشرط الإِطلاق، وبشرط الترك قبله، أو بعده. أمَّا البيعُ بشرط الإِطلاق، فهو راجعٌ إلى القسم الأول، أي البيع بشرط القطع، لأنه إطلاقٌ في اللفظ فقط. ولا يكون في الخارج إلا القطع أو الترك، فإن أَمَرَهُ البائعُ وَج عليه القطعُ، على ما مرَّ، فَيَرْجِعُ إلى القسم الأول، وإلا يَنْدَرِجُ في الثاني.
أمَّا البيعُ بشرط الترك، فهو غير جائزٍ في الفصلين، وذلك لاشتماله على شرطٍ فيه نفعٌ لأحد المُتَعَاقِدَيْن، وكلُّ شرطٍ كذلك، فهو مُفْسِدٌ للبيع، فهذا أيضًا مُفْسِدٌ له، سواء كان قبل البُدُوِّ أو بعده. بقي قيد:«قبل البُدُوِّ» في الحديث، فنقول: إنه ليس بِمَنَاطٍ للحكم. ولكن المعروفَ عندهم في بيع الثمار كان قبل البُدُوِّ، فجاء تَبَعًا للواقع، لا لكونه مَدَارًا. وأما الجوابُ على ما ذهب إليه السَّرَخْسِيُّ، وغيره من الفصل في صورة الإِطلاق، فالجوابُ: أن البيعَ بشرط القطع، فهو مستثنىً عقلا، كما أقرَّ به الشافعيُّ أيضًا. وأمَّا البيعُ بشرط الترك، فغيرُ جائزٍ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيعٍ وشرطٍ» . بقي البيعُ بشرط الإِطلاق، فهو جائزٌ بعد البُدُوِّ لا قبله، وهو محمل الحديث، فقد علَمْنا بمَنْطوقِهِ ومفهومه أيضًا.
وحاصلهُ: أن الصورةَ الواحدةَ، وهي صورة القطع، مستثناةٌ عقلا بلا نزاع بين الفريقين. أمَّا صورةُ الترك، فادَّعَيْنَا استثناءها من أجل الحديث:«نهى عن بيعٍ وشرطٍ» ، فلم تَبْقَ تحته إلا صورةٌ واحدةٌ، واشتركنا فيها معهم في الحكم مَنْطُوقًا ومفهومًا. وهي التي تُنَاسِبُ أن تكونَ