الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا خُمُس فيه عندنا أيضًا، ونقلَ فيه المصنفُ آثارًا متعارضةً، لعدم الفصل عنده. ثم قيل: إن العنبرَ روثُ الثور البحري. وقيل: إن الشمع تأكله دابته، فلا ينهضم، ويخرج كما هو. وإنما أتى المصنفُ بقصة بني إسرائيل في هذا الباب، لذكر معاملة البحر فيه لا غير.
67 - بابٌ فِى الرِّكَازِ الْخُمُسُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ الرِّكَازُ دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ، فِى قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْخُمُسُ. وَلَيْسَ الْمَعْدِنُ بِرِكَازٍ، وَقَدْ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فِى الْمَعْدِنِ «جُبَارٌ، وَفِى الرِّكَازِ الْخُمُسُ» . وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ الْمَعَادِنِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً. وَقَالَ الْحَسَنُ مَا كَانَ مِنْ رِكَازٍ فِى أَرْضِ الْحَرْبِ فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ السِّلْمِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ وَجَدْتَ اللُّقَطَةَ فِى أَرْضِ الْعَدُوِّ فَعَرِّفْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْعَدُوِّ فَفِيهَا الْخُمُسُ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمَعْدِنُ رِكَازٌ مِثْلُ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ لأَنَّهُ يُقَالُ أَرْكَزَ الْمَعْدِنُ. إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَىْءٌ. قِيلَ لَهُ قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَىْءٌ، أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا، أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ أَرْكَزْتَ. ثُمَّ نَاقَضَ وَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ فَلَا يُؤَدِّىَ الْخُمُسَ.
1499 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِى الرِّكَازِ الْخُمُسُ» . أطرافه 2355، 6912، 6913 - تحفة 15246، 13236
والركاز عندنا يُطلق على الدَّفين، والمخلوق في الأرض سواء. نعم، المَعْدِن والكنز متقابلان، فالمَعْدِن ما خُلِق في الأرض، والكنز ما دُفن فيها. والخُمُس عندنا فيهما، إلا في دفائن أهل الإِسلام، فإنَّ حكمَها حكم اللقطة. وقال الشافعي: الركاز هو الدفين. ولا خُمُس عنده في المَعْدِن. واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم «المَعْدِنُ جُبَار، وفي الرِّكَاز الخمس» فإنَّه صريحٌ في كون المعدن غير الركاز، فهما شيئان.
والوجه عندنا أنَّه إذا حَكَمَ على المعدن بكونه جُبَارًا، تُوُهِّم منه كون المالِ الخارج منه أيضًا جُبَارًا، لا شيء فيه، فقال:«وفي الرِّكاز الخمس» ، ففي الأول بيانٌ لحكم المحلِّ، أي إن حَفَرَه أحدٌ فمات فيه لا شيء له. وفي الثاني بيانٌ للحالِّ، أي ما خرج منه. وإنَّما لم يكتف بالضمير تعميمًا للمسألة، فإن الركاز عامٌ، كما علمته. قلت: ولمّا كان مناط الخمس في دفائن الجاهلية، كونها في حكم الغنيمة
(1)
، وذلك متحقِّقٌ في المَعْدِن أيضًا. فإنَّ أراضي الكفار إذا
(1)
قال أبو عُبيد: وكذلك هو عندي في النظر أن يكون بالمغنم أشبهُ منه بالزرع، لأنه وإن كان يتكلَّفُ فيه الإِنفاق، والتغرير بالنفس، فكذلك مجاهدةُ العدو. بل الجهاد أشدُّ وأَعظمُ خطرًا. وقد جعل الله في الغنيمة منهم الخُمُس، فأدنى ما يجب في المَعْدِن أن يكون مثل ما ينال من العدو
…
إلخ، "كتاب الأموال" ص 341.
حَوَتْها أيدينا، وَوَجبَ فيها الخُمُس، لزمَ أن يجبَ الخُمُس فيما خلق فيها أيضًا، لأنها غنيمةٌ بما فيها، فالمناط مشتركٌ. هذا هو نظرُ الحنفية.
أما الشافعية فقرَّقُوا بينهما مع تسليم المناط، بأن الدَّفينَة تكونُ من جِهتهم، فيكونُ حكمُها حكم سائر أموالهم من وجوب الخُمُس فيها، بخلاف المَعْدِن، فإنَّه ليس من جهتهم، بل مخلوقٌ من الله تعالى، فكأن المناطَ لم يتحقق فيه عندهم. وعندنا تحقق في الموضعين، فوجب الخُمُس مطلقًا، فلا فرق في تحقيق المناط، بل في تحقُّقِه.
قوله: (وأخذ عمر بن عبد العزيز)
…
إلخ؛ وهذا مُوَافقٌ للشافعية، فإنَّه لم يأخذ منه الخُمُس.
قوله: (وقال الحسن)
…
إلخ، وهذا أقربُ إلى الحنفية، لأنه أوجبَ الخُمُس في الرِّكَاز مطلقًا، وما فرق به يوجب الخمسَ في مَعْدِن دار الإِسلام أيضًا. فإنَّ الأراضي لتقادُمِ العهد بالكفر كانت للكافرين، ثم تحولت إلى مِلك المسلمين، فحكمُها يكون كحكم الغنيمةِ، وإنْ وُجدَ فيها المَعْدِن في دار الإِسلام.
قوله: (فعرفها سنة)
…
إلخ، أي إن ظن أن مالكَه مؤمنٌ. والحاصل أن الحسنَ لم يفرِّق بين ما يوجد في ظاهر الأرض، وما يوجد في باطنه، كما هو المذهب عندنا.
قوله: (وقال بعض الناس)
…
إلخ، واعلم أن هذا أول موضع استعمل المصنف فيه هذا اللفظ، ولم يردْ به أبا حنيفة في جميع المواضع، كما زعم، وإن كان المراد ههنا هو الإِمام الهُمَام، بل المراد في بعضها: عيسى بن أبان، وفي بعضٍ آخر الشافعي نفسه، وفي آخر محمد. ثم لا يستعمله المصنف للرد دائمًا، بل رأيته قد يقول: بعض الناس، ثم يختاره، وقد يتردد فيه. وذكر المصنف في «كتابه» مالكًا باسمه، وكذا الشافعي، فإن المراد بابن إدريس ههنا هو الشافعي. ولم يسمّ أحمد إلا في موضعين، وابن مَعِين في موضع.
وحاصل إيراده أن أبا حنيفة استدل على مذهبه بالاستعمال اللغوي، فإنَّه يقال: أركَزَ المعدن فثبت منه إطلاق الرِّكَاز على المَعْدِن لغةً. وإذا ثبت كون المعدن ركازًا باللغة ثبت وجوبُ الخُمُس فيه بالنص، لقوله صلى الله عليه وسلم «وفي الركاز الخمس». قال البخاري: ولو سلمناه لزمَ أن يجبَ الخُمُس في المالِ الموهوب والثمار والربح أيضًا بعين هذا البيان، فإنَّ الرجلَ إذا وهب مالا أو ربح فيه أو كثرت ثماره، يقال له: أرْكَزت، فأُطلق فيه الرِّكَاز على المال المذكور أيضًا، ولم يذهب أحد إلى وجوب الخُمُس في المال المذكور.
وأما تقرير المناقضة، فبأنه قال هذا البعض أولا: إن الخُمُس واجبٌ في المَعْدِن، لأنه رِكاز، وفي الرِّكَاز الخُمُس، ثم قال: لا يؤدي الخُمُس من الرِّكَاز، ولا بأس بكتمانه. والرِّكَاز عنده متناوِلٌ للمعدن، فصار مآله، إلا أنه لا يؤدي الخمس من المعدن.
قلتُ: وقد أجاب عنه العيني، فراجعه
(1)
؛ وأجاب ابن بَطَّال عن المناقضة: إن الذي أجازه أبو حنيفة كتمانه فيما إذا كان محتاجًا إليه، وتأوَّل أنَّ له حقًا في بيت المال، ونصيبًا في الفيء، فأجاز له أن يأخذ الخُمُس لنفسه عِوضًا عن ذلك، لا أنه أسقط الخمس عن المعدن بعد ما أوجبه.
وقال الطحاوي
(2)
: إن الواحد إن زعم أنه من مُستحقِّي الخُمُس، وإن رَفَعَه إلى بيت المال لا يُعطى منه، وَسِعَ له أن يصرفه إلى نفسه، وكذا في فقه الحنفية: إن المال الذي يُرفع إلى بيت المال إذا تعين له المصرفُ، وقد علم أنه لا يُصرفُ إليه، وَسِع له كِتمانه، وصرفُه إليه بنفسه، فليس هذا مناقضة. بل نقل جزء من باب إلى باب آخر. وقد مر مني أنه يجوزُ للمجتهد، فإِن الجزءَ الواحدَ قد يندرجُ تحت أبوابٍ شتى، فيدرِجُه المجتهد تحتَ باب منها باجتهاده.
ولنا حديث أخرجه أبو يوسف في «كتاب الخَرَاج» إلا أن في سندِه عبد الله بن سعيد المقْبُري، وهو ينسب إلى الضَّعْف. وأيضًا أخرج محمد في «الموطأ» وفيه: فتلك المعادن إلى اليوم لا تؤخذ منها إلا الزكاة. قال محمد:
…
قال صلى الله عليه وسلم «وفي الركاز الخمس، قيل: يا رسول الله، وما الرِّكَاز؟ قال: المال الذي خلق الله يوم خلقها»
…
إلخ. ففسر فيه الركاز بالمعدن، «وفي الركاز الخمس» بالنص، فثبت الخمس في المعدن أيضًا. ولنا أيضًا ما عند أبي داود: كتاب اللقطة عن عبد الله بن عمرو بن العاص في حديث: «وما كان في الخَرَاب، يعني ففيها وفي الرِّكَاز الخُمُس» . انتهى. حيث أوجب فيه الخمس في ظاهرها وباطنها، والمسألة عندي من باب التفقُّه، والنص المذكور فيها ليس نصًا لأحد من الطرفين
(3)
.
(1)
ومُلخَّصُه أنه لم يستدل أبو حنيفة، ولا أحدٌ من أصحابه بالاستدلال المذكور، فهو إذن من باب بناءِ الفاسد على الفاسد، ولو سلمناه فلم نجد أحدًا من أصحاب اللغة قالوا: أركزت، في الصور المذكورة. ولكنهم قالوا: أَرْكَز الرجُلُ، أي صار ذا رِكاز من قِطع الذهب، ولا يقال إلا بهذا القيد، أعني من قطع الذهب، ولا يقال: أَرْكَز الرجلُ مطلقًا، كما نقله.
وبالجملة لم ينقل عنهم: أَرْكَز المَعْدِن، وإنما قالوا: أركز الرجل، ثم لم يريدوا منه إلا كونه صار له ركاز من قطع الذهب، وقطع الذهب يعم المعدن، فلا إيراد علينا. وراجع التفصيل من "العيني" ص 454 - ج 4.
(2)
ولفظه على ما نقله الحافظ عن ابن بَطَّال: وإنما أجاز له أبو حنيفة أن يكتُمَه إذا كان محتاجًا، بمعنى أن يتأول أن له حقًا في بيت المال، ونصيبًا في الفيء، فأجاز له أن يأخذَ الخُمُس لنفسه عِوضًا عن ذلك، لا أنه أسقط الخمس عن المَعْدِن. اهـ. وتعقب عليه الحافظ. وأراد الانتصار للبخاري. فراجعه من "فتح الباري" ص 234 - ج 3، وأجاب عنه "العيني" ص 454 - ج 4.
(3)
قلت: قال أبو عُبيد القاسم بن سلام في "كتاب الأموال" ص 340 بعد ما أطال الكلام في المسألة: إن قول الحنفية هو الأشبه بالصواب، وهذا نصه: وأما الآخرون فيرون المَعْدِن رِكَازًا ويجعلون فيه الخُمُس بمنزلة المغْنَم.
قال أبو عُبيد: وهذا القولُ أشبهُ عندي بتأويل الحديثِ المرفوعِ الذي ذكرناه عن عبد الله بن عمرو: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سئل عن المال الذي يُوجد في الخراب العادي. فقال: فيه وفي الركاز الخمس".
وقال أبو عبيد: فقد تبين لنا الآن أنَّ الرِّكاز سِوى المالِ المدفون، لقوله:"فيه وفي الرِّكَاز"، فجعل الرِكَازَ غير المال، فَعُلم بهذا أنه المَعدِن. وقد رُوي عن علي بن أبي طالب: أنه جَعَلَ المعدن رِكازًا في حديث يُروى =