الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 - باب أَجْرِ السَّمْسَرَةِ
وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا قَالَ بِعْهُ بِكَذَا فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهْوَ لَكَ، أَوْ بَيْنِى وَبَيْنَكَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .
2274 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ، وَلَا يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. قُلْتُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا قَوْلُهُ لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ قَالَ لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا. طرفاه 2158، 2163 - تحفة 5706
وأجرتُه حلالٌ عندنا، سواء كان من جهة البائع، أو المشتري.
قوله: (بِعْ هذا الثَّوْبَ، فَمَا زَادَ على كَذَا وكَذَا فَهُوَ لَكَ)
…
إلخ، وهذه الإِجارةُ فاسدةٌ عندنا لجهالة الأُجْرَةِ، فيستحقُّ أجرةَ المِثْلِ، على ما هو المسألة في الإِجارةِ الفاسدةِ.
قوله: (المُسْلِمُون عند شُرُوطِهِمْ)
…
إلخ، يعني يَلْزَمُهُم كلُّ شرطٍ تتحمَّله قواعدُ الشرع، فعليهم الإِيفاءُ بها.
15 - باب هَلْ يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ مِنْ مُشْرِكٍ فِى أَرْضِ الْحَرْبِ
2275 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ حَدَّثَنَا خَبَّابٌ قَالَ كُنْتُ رَجُلاً قَيْنًا فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ فَاجْتَمَعَ لِى عِنْدَهُ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ أَمَا وَاللَّهِ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ فَلَا. قَالَ وَإِنِّى لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِى ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ فَأَقْضِيكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)} [مريم: 77]. أطرافه 2091، 2425، 4732، 4733، 4734، 4735 - تحفة 3520 - 121/ 3
وقد مرَّ: أن المُؤاجَرَةَ شائعةٌ في الفحشاء، والزنا، ولعلَّ البخاريَّ غافلٌ عن هذا الاصطلاح، ولا يَبْعُدُ أن يكونَ العُرْفُ المذكورُ اشتهر بعد زمن البخاريِّ.
16 - باب مَا يُعْطَى فِى الرُّقْيَةِ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» . وَقَالَ الشَّعْبِىُّ لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَلِّمُ إِلَاّ أَنْ يُعْطَى شَيْئًا فَلْيَقْبَلْهُ وَقَالَ الْحَكَمُ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ. وَأَعْطَى الْحَسَنُ دَرَاهِمَ عَشَرَةً. وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ بِأَجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسًا. وَقَالَ كَانَ يُقَالُ السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِى الْحُكْمِ. وَكَانُوا يُعْطَوْنَ عَلَى الْخَرْصِ.
والرُّقْيَةُ: (افسون)، وفي الهندية:(منتر). ولا يُقَالُ: إلا لِمَا اشتملت على كلماتٍ غير مشروعةٍ. وحينئذٍ كان المُنَاسِبُ أن لا تُسَمَّى العُوذَة، والكلمات المشروعة بالرُّقْيَة، مع أنهم يَسْتَعْمِلُونَها في تلك أيضًا.
واعلم أن ههنا مسألتين: الأولى: أخذُ الأُجْرَةِ على تعليم القرآن
(1)
، والأذان، والإقامة. ولا يَجُوزُ فيها أخذُ الأُجْرَةِ على المذهب، وإن أَفْتَى المتأخِّرون بجوازها. وتعليلُ صاحب «الهداية» يُوجِبُ عدم الجواز مطلقًا، وحينئذٍ استثناء المتأخِّرين يصَادِمُ المذهبَ صراحةً. نم يُسْتَفَادُ من تعليل قاضيخان: أن استثناءَ الأشياءِ المذكورةِ يُتَحَمَّلُ على المذهب أيضًا، فقال: إن الوظائفَ في الزمان الماضي كانت على بيت المال. ولمَّا انْعَدَمَ، عادت الفريضة على رقاب الناس، وعليه الاعتمادُ عندي. لأن رتبةَ قاضيخان أعلى من «الهداية» ، كما صرَّح به العلامة القاسم بن قُطْلُوبُغَا.
والثانية: مسألةُ الأجرة على التعوُّذ، والرُّقْيَة، وهي حلالٌ لعدم كونها عبادةً.
قلتُ: ويتفرَّعُ على الأولى أن لا يَصِحَّ أخذُ الأُجْرَةِ على قراءة القرآن للميت، لأن الأجيرَ إذا لم يُحْرِزْ ثوابَ القراءة، فكيف يُعْطِيه للميت؟ نعم لو كان الخَتْمُ لمطالب دنيوية، طاب له الأُجْرَةُ، هكذا نَقَلَهُ الشاميُّ، وشيَّده بنقولٍ كثيرةٍ من أهل المذهب. وقد أَخْرَجْتُ الجواز من ثلاث كُتُبٍ للحنفية: منها «التفسير» للشاه عبد العزيز، فإنه ليَّنَ الكلامَ، وأجاز به.
ثم إن تلك الكُتُب، وإن كانت مرجوحةً من حيث الأصل، لكنه من دَأْبي القديم: أنه إذا ثَبَتَ التنوُّعُ في المسألة أُلَيِّنُ الكلامَ، وأَسْلُكُ مسلكَ الإِغماض، ولذا أُغْمِضُ عن تلك المسألة أيضًا. وما ظَنَّهُ بعضُ السفهاء من أن المنعَ فيما إذا أخذ الأُجْرَةَ أقل من أربعين دِرْهمًا، ونَسَبُوه إلى «المبسوط» فهو كذبٌ محضٌ، وافتراءٌ لا أصلَ له. ثم إذا عوَّذ كافرًا، ورأى أن عُوذَتَهُ تَشْتَمِلُ على كلماتٍ لا تَلِيقُ بشأن الكافر، ينبغي أن ينوي منها البركة فقط.
قوله: (أَحَقُّ ما أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ)، وتمسَّكَ به الشافعيُّ على جواز أخذ الأُجْرَةِ على تعليم القرآن، وغيره. وهو عندنا محمولٌ على الرُّقْيَةِ، ونحوها. ووِزَانُه وِزَانُ قوله:«ليس مِنَ البرِّ الصيامُ في السَّفَرِ» ، فجعل الصيامَ كأنه ليس فيه بِرٌّ. وعلى نَقِيضِه جعل أخذ الأُجْرَةِ ههنا، كأنه هو البرُّ كلُّه، فهذا نحو تعبيرٍ لا غير. لنا ما أخرجه أبو داود عن عُبَادَةَ بن الصَّامت:«أنه أهْدِيَ له قوسٌ ممَّن كان يُعَلِّمُهُ القرآن فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقال له: إن أَرَدْتَ أن تُطَوَّقَ طوقًا من نار، فاقبلها» . وراجع الهامش.
(1)
قال العينيُّ: والأصلُ الذي بُنِيَ عليه حرمة الاستئجار على هذه الأشياء: أن كلَّ طاعةِ يختصُّ بها المسلم لا يَجُوزُ الاستئجار عليها، لأن هذه الأشياء طاعةٌ، وقُرْبَتُهُ تَقَعُ عن العامل، فلا يَجُوزُ أخذُ الأُجْرَةِ من غيره، كالصوم، والصلاة، اهـ. وفيه قال الطحاويُّ: وَيجُوزُ الأجرُ على الرُّقَى، وإن كان يَدْخُلُ في بعضه القرآن، لأنه ليس على الناس أن يُرْقي بعضُهم بعضًا، وتعليمُ الناس بعضهم بعضًا القرآن واجبٌ. اهـ. وتعقَّب عليه صاحب "التوضيح" وأجاب عنه العينيُّ، فراجعه.
قوله: (وقال الشَّعْبِيُّ: لا يَشْتَرِطُ المُعَلِّمُ، إلا أَنْ يُعْطَى شيئًا فَلْيَقْبَلْهُ)، والحافظُ ابن تَيْمِيَة يَسْتَشِيطُ غيظًا في مثل هذه المواضع ممَّا فصَّلَهُ الحنفيةُ: أَنَّ الأُجْرَةَ إن كانت مشروطةً لم تَجُزْ، وإلا جَازَتْ. فقال: لم نَعْلَمْ لهذا القيد ثمرةً في الخارج بعدما أخذ الأُجْرَةَ، فإن الحديثَ قد نَهَى عنها، وهذا قد نَاقَضَهُ، وأَخَذَ الأجرةَ سواء اشْتَرَطَ، أو لم يَشْتَرِطُ. حتى أنه قد أَفْرَدَ لذلك جزءً مستقلاًّ في «فتاواه» ، وسمَّاه باسمٍ على حِدَةٍ، وأراد منه الرَّدَّ على محمد.
قلتُ: أمَّا غَيْظُهُ فَلْيَكْظِمْهُ، وشأنه في ذلك فَلْيَخْفِضْهُ. فإن لنا أيضًا حديثًا عند الترمذيِّ، عن ابن عمر وصحَّحه، «نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن عَسْبِ الفحل» ، اهـ. وأجرتُهُ حرامٌ عندنا أيضًا، كما في الحديث. ثم أخرج عن أنس، وفيه: و «نُكْرَمُ» ، فرخَّص له في الكرامة. فإذا ثَبَتَ أصلُه وجنسُه، فالنكيرُ على الحزئيات عَسِيرٌ غير يسيرٍ. وهذا إلى المجتهد، أدخل تحتها أيَّ الجزئيات أراد. وقد مرَّ منا مِرَارًا: أن الجزئياتِ تَصْدُقُ عليها ألوفٌ من الكلِّيات، والنظر في أنها بأيَ من الكليات أقرب من مَدَارِكِ الاجتهادِ، ولا دَخْلَ لنا فيه.
والحاصلُ: أنه وقعت في كُتُب الحنفية جزئياتٌ جرى بها التَّعَامُل، والتوارُث، ونقول بجوازها. ثم الناسُ يأخذون علينا، ويختارون خُطَّةَ عَسْفٍ وخَسْفٍ، ورَحِمَ اللهُ من أَنْصَفَ.
قوله: (القَسَّام)، كان بيتُ المال يَنْصِبُ رجلا للتقسيم، ويُقَالُ له: القَسَّام، ويُقَالُ له في بلادنا: الأمين. وفي الفِقْهِ: أن أُجْرَتَهُ تكون على بيت المال، وأن لا تُؤخَذَ منهم.
قوله: (الرِّشْوَةُ في الحُكْمِ)، ورَاجِعْ تفصيله
(1)
من كُتُبِ الفِقْهِ من كتاب القضاء.
(1)
قال القاضي أبو المحاسن في "المعتصر"، عن ثَوْبَان، قال:"لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرَّاشِي والمُرتَشِي والرَّائِشَ"، ورُوِيَ عنه: والرائشُ: الذي يمشي بينهما، أُخِذَ ذلك من الريش الذي تُتَّخَذُ للسهام التي لا تقوم إلَّا بها. وذلك في الحكم، يبيِّنُهُ حديثُ أمِّ سَلَمَةَ:"أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الراشي والمُرْتَشِي في الحكم"، ولا يَدْخُلُ في ذلك من رَشَا لِيَصِلَ إلى حقِّه الممنوع عنه. وأمَّا المُرْتَشِي منه لِيُوصِلَهُ إلى حقِّه، داخلٌ في اللعن. ومما يَدُلُّ عليه ما رُوِيَ عن جابر بن زيد:"ما وجدنا في أيام ابن زياد، وفي أيام زياد شيئًا هو أنفعُ من الرِّشا"، أي أنهم كانوا يَفْعَلُون ذلك استدفاعًا للشر عنهم. اهـ.
قال علي القاري: وأصلُه من الرِّشاء الذي يُتَوَصَّلُ به إلى الماء. قيل: الرِّشوَةُ: ما يُعطَى لإِبطال حقٍّ، أو لإِحقاق باطلٍ. أمَّا إذا أَعْطَى لِيَتَوَصَّلَ به إلى حق، أو لِيَدْفَعَ به عن نفسه ظُلْمًا، فلا بَأسَ به قال التُّورِبِشْتِي رحمه الله تعالى: ورُوِيَ أن ابن مسعود أُخِذَ في شيءٍ بأرض الحبشة، فأَعطَى دِينَارَيْنِ حتى خلَّى سبيله. اهـ. "التعليق الصبيح".
ثم اعلم أنهم قَسَّمُوا الرِّشوَةَ إلى أربعة أقسام: حرامٌ على الآخذ والمُعْطِي، وهو الرِّشوَةُ على تقليد القضاء والإِمارة.
الثاني: ارتشى لِيَحْكمَ، وهو كذلك حرامٌ على الجانبين. الثالث: أخذُ المال ليسوي أمره عند الحاكم دفعًا للضرر، وجلبًا للنفع، وهو حرامٌ على الآخذ لا الدافع. الرابع: ما يَدْفَعُ لدفع الخوف على نفسه أو ماله حلالٌ للدافع، حرامٌ على الآخذ. واختُلِفَ في قضايا القاضي إذا ارْتَشَى، فقيل: لا يَنْفُذُ قضاؤه فيما ارتَشَى، ويَنْفُذُ فيما لم يَرْتَشِ. وذكر الإِمام البَزدَوِي: أنه يَنْفُذُ فيما ارتشى أيضًا. وقال بعضُ مشايخنا: إن قضاياه فيما ارْتَشَى، وفيما لم يَرْتَشِ باطلةٌ.
وفي كتاب "آداب القاضي" لأبي محمد النيسافوري: إن أخذ القاضي الرِّشْوَةَ، وحَكَمَ للذي رَشَاهُ بحقِّ ليس فيه ظلمٌ، كان هذا الحكمُ باطلًا، لسقوط عدالة المرتشي. عيني، وفتح، كذا في "هامش الكنز".