الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1355 -
قوله: (لبيَّن) ليس معناه أنه بَيَّن بلسانه، بل غَرضُه أَن لو تَرَكْته لانكشف أَمْرُه.
1356 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَ غُلَامٌ يَهُودِىٌّ يَخْدُمُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ «أَسْلِمْ» . فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم. فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَقُولُ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ» . طرفه 5657 - تحفة 295
1356 -
قوله: (فقال: أَطِع أبا القَاسِم، فأَسْلَم) ولعلَّه لم يبلغ الحُلْم إذ ذاك. ولما أَسْلَم قبل أن يُغَرْغِر اعتُبر إسلامُه.
1357 -
حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - يَقُولُ كُنْتُ أَنَا وَأُمِّى مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ أَنَا مِنَ الْوِلْدَانِ، وَأُمِّى مِنَ النِّسَاءِ. أطرافه 4587، 4588، 4597 - تحفة 5864
1358 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفًّى وَإِنْ كَانَ لِغَيَّةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلَامِ، يَدَّعِى أَبَوَاهُ الإِسْلَامَ أَوْ أَبُوهُ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَلَى غَيْرِ الإِسْلَامِ، إِذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا صُلِّىَ عَلَيْهِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِقْطٌ، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - كَانَ يُحَدِّثُ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَاّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) الآيَةَ. أطرافه 1359، 1385، 4775، 6599 - تحفة 14601 أ، 19345 ب
1359 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَاّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ). أطرافه 1358، 1385، 4775، 6599 - تحفة 15317 - 119/ 2
حديث أبي هريرة في أن: «كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفِطْرِة»
واعلم أنَّ الحديثَ المذكورَ لم يَزْل معركةً من زمنِ الأئمة، حتى سُئل عنه عبدُ الله بنُ المبارك، ومحمدُ بن الحسن. ونَقل أبو عبيد
(1)
- وهو تلميذ محمد - كلماتٍ عن شيخه في شرح
(1)
قلت: وقد نَقَله الطحاوي في "مُشْكِله" بعد سرد عدة روايات في هذا الباب. فانا أُلخِّصُ لك أولًا من رواياته، ثُم =
هذا الحديث ينبغي أن يراعيها الباحِثُ أيضًا. وبحث عليها الحافِظُ ابن القيم رحمه الله تعالى في «شفاء العليل» على نحو ثماني وريقاتٍ، وجزم بأن المرادَ مِن الفطرة الإِسلامُ. وادَّعَى أنه
= أتيك بكلامه بدون زيادةٍ ولا نقصان. قال عن ابن شهاب: أَنَّ أبا سَلَمة بن عبد الرحمن أخبره أن أبا هريرة قال: "ما مِن مولودٍ يولَدُ على الفطرة"، ثم يقول: اقرؤوا {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30]. ثم أخرج عن الحسن قال: أنبأ الأسودُ بن سَريع قال: كنَّا في غزاة لنا، فأصَبنا وقَتَلنا من المشركين حتى بلغ بهم القَتل إلى أن قتلوا الذرِّيةَ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ألا لا يقتلن ذرية ألا لا يقتلن ذرية".
قيل: لم يا رسولَ الله؟ أليسوا أولادَ المشركين. قال: "أوليس خياركم أولاد المشركين"؟. ثم أَخرج عن الحسن عن الأسود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل نسمةٍ تُولَدُ على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهودانها وينصِّرانها".
قال أبو جعفر: فتأمَّلنا ما قيل في تأويل هذا الحديث فوجدنا عليَّ بن عبد العزيز قد أجاز لنا عن أبي عبيد القاسم بن سلَّام، قال: سألت محمدَ بن الحسن عن تَفسِيره يعني حديث أبي هريرة الذي ذكرناه في أول هذا الباب - فقالَ: كان ذلك في أوَّلَ الإِسلام قبل أن تَنزل الفرائض. وقبل أن يُؤمر المسلمون بالجهاد. قال أبو عبيد: كأنَّه يذهبُ إلى أنه لو كان يولَدُ على الفِطْرة، ثُم مات قبل أن يُهَوِّداه أَبواه وينصِّراه ما ورثاه، لأنَّه مسلمٌ وهما كافران. ولما جاز مع ذلك أن يسبي، فلما نزلت آيات الفرائضِ وجرت السنن بخلافِ ذلك، دل على أنَّه مولودٌ على دِينِهما.
قال أبو عبيد: وأما عبدُ الله بن المبارك فبلغني أنه سُئل عن تأويله. فقال: تأويله الحديثُ الآخَر: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِل عن أطفال المشركينَ، فقال:"الله أَعلم بما كانوا عاملين". يذهبُ إلى أنهم يولدون إلى ما يصيرون إليه من إِسلام أو كفر فَمن كان في عِلم الله عز وجل أنه يصير مسلمًا فإِنَّه يُولد على الفِطرة. ومَن كان عِلْمُه فيه أنه يصير كافرًا يموت كافرًا. قال أبو عبيد: فأحدُ التفسيرين قريبٌ من الآخَر.
قال أبو جعفر: فتأملنا ما ذكرناه عن محمد بن الحسن رحمه الله تعالى مما جنح إليه أبو عبيد، فوجدنا في حديث الأسود أنه كان في غزواتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي الجهاد. ثم لما اختلفوا في معنى هذا الحديث على قد ما ذكرنا، وقالوا في تأويله ما قد وصفنا بعد أَن جعلنا كله حديثًا واحدًا، وأثبتنا فيه قوله صلى الله عليه وسلم، فما يزال عليها حتى يُعرِب عنه لِسَانه، اعتبرنا ما جاء في ذِكر الفِطرة فِي كتاب الله عز وجل، فوجدنا اللهَ عز وجل قد قال في كتابه:{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 1]. أي خالق السموات والأرض. قال: وكذلك حدثنا ولاد النحوي عن المصادري، عن أبي عبيد وقال عز وجل: فيه {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس: 22] أي خلقني وقال عز وجل: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] أي ملة اللهِ التي خلق الناس عليها قال: وكذلك أيضًا: حدثنا ولاد النحوي عن المصادري، عن أبي عبيد في أشياء. من هذا المَعنى. وكانت الفِطْرَة فِطرَتَين: فطرة يرادُ بها الخِلقة التي لا تعبد معها التعبد المستحَق بِفِعله الثواب. والمستوجَبِ بِتَركِه العقابَ. فكان قوله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يُولد على الفِطْرة"، يريدُ الفِطرة المتعبد أهلها المثابون والمعاقبون. فكان أهلها الذين هم كذلك ما كانوا غير بالغين مما خُلِق للعبادة كما قال عز وجل:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]، وإن كانوا قبل بلوغهم مرفوعًا عنهم الثواب والعقاب، غير أنهم إذا عبرت عنهم ألسنتهم بشيء من إِيمان أو من كُفْر كانوا من أهله، وإِن كانوا غيرَ مثابين على محموده وغيرَ معاقبين على مذمومه، كما قال صلى الله عليه وسلم:"فما تزال عليها حتى يُعرِبَ عنها لسانُها" ولذلك قَبِل صلى الله عليه وسلم إسلامَ مَنْ لم يبلغ وأَدخله في جملة المسلمين. وفي ذلك ما يُوجب خروجَ مَن كان من المسلمين بالردَّة في تلك الحال من الإِسلام حتى يستحق بذلك المَنع من أبويه المسلمين. وقال صلى الله عليه وسلم: "فأَبواه يهودانِه، أو ينصِّرانِه، اْو يشركانه". أي بتهويدهما أو تنصيرهما، أو تشريكهما، فيكون سببًا إن كان أبواه حُرَّين، ومأخوذًا بعد بلوغه عاقلًا بالجزية إِن كان أبواه ذمِّيين. فهذا عندنا تأويل ما قد ذكرنا. والله سبحانه وتعالى نسأله التوفيق. اهـ.
هو عُرْف القرآنِ والحديث.
وحينئذٍ حاصل الحديث: أن كلَّ مولودٍ ولو كانت في بيت كافر فهو محكومٌ عليه بالإِسلام عنده حتى يتكلمَ، أو يبلغَ الحِنْث، كذا يُستفاد من حديث «مسلم». فإِن قلتَ: فما بال صِبيان المشركين الذين ماتوا في صِباهم لا يصلَّى عليهم، فإِنَّهم حينئذٍ مُسلمون.
قلتُ: لأنَّ هذا الحديث وَرَد في النجاة وعدمِها، فهو من باب الآخرة دون أحكام الدنيا، فلا يصلَّى عليهم في الدنيا، ويُحْكَم عليهم بالإسلام باعتبار الآخرة، وينجون من عذابِ الله. واستدل عليه بقوله تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] حيث جعل فيه الفطرة دينًا. قلتُ: ليس فيه ادَّعاه لقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] ذلك الدِّين القيِّم. فجعل فيه الأمْرَ التكويني وهو كونُ عِدّة الشهور إثنا عشرَ شهرًا دَيْنًا، وحكم بأن النسئة خلافُ الدَّين. فالصوابُ عندي أنَّ الفِطرة من مقدِّمات الإسلام لا عَيْنه. فهي جِبِلَّة متهيئةٌ لقبولِ الإسلام
(1)
وبعبارةٍ أُخْرى هي استعدادُ في الولد له بُعْد من الكفر وقُرْب من الإسلام. وبعبارةٍ أُخْرَى هي عبارةٌ عن خلوٍ بُنيتهِ عَمَّا يَحُثُّهُ على الكُفْر.
وحينئذٍ حاصلُ الحديث: أنَّ الوَلَد المولودَ مِنْ بطن كافرٍ ليس في بُنْيتِهِ جزءٌ من الكُفْر. ولولا القوادِحُ ولاموانِعُ لبقي أَقْرَبَ إلى الإيمان، وأَقْبَل له، وليس فيه حُكْم بالإسلام، وأي فائدة في الحُكْم بالإسلام، ثُمَّ الحُكْم باليهوديةِ والنَّصرانية بعد بُرْهة. وهذا الاستعدادُ القريبُ هو الذي سمَّاهُ اللَّهُ دِينًا في قوله:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} إلخ وفي الحديث
(2)
أيضًا ما يدلُّ على هذا المعنى، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ في سَفَر صوتَ راعٍ يقولُ: اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ فقال: على الفطرةِ، فإنَّها كلمةٌ يعتقِدُ بها العرب أيضًا. ولما شَهِد بالتوحيد والرسالةِ قال خرج من النار. فتبيَّن أنَّ الفِطْرةَ غيرُ الإيمان. فإنَّه لم يَحْكُم عليه بالنجاةِ اللازمة للإيمان ما لم يَسْمع منه الشهادتينِ مع حُكْمه عليه بكونِهِ على الفِطْرة. فالفطرةُ شيءٌ لا يوجِب النجاةَ، بخلافِ الشهادتين فهي مقدِّمةٌ للإيمان، كالأمانة فإنها ليست بإيمانٍ أيضًا، بل مقدمةٌ له وهي عبارةٌ عن عَدَم خداع أحدٍ، ومنه اشتقَّ الإيمانُ وهو معنى قوله:«لا إيمانَ لِمَنْ لا أمانةَ له» . وهو المرادُ بقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72]
…
إلخ وقد قررناه فيما سِبق.
فإن قلت: إن الفطرة إذا كانت عبارة عن الجبلة المذكورة وجب أن يكون أعداد المسلمين أزيد من أعداد الكفار مع أن الأمر بالعكس. قلت: أما سمعت منا فيه قيد انتفاء الموانع والقوادح فكثرة إعدادهم لكثرة الموانع فإذا كثرت الموانع تخلف عنه ترتب النتائج.
(1)
ففي "المُحَلَّى": أن المرادَ بالفِطْرَة الحالة والهيأة المهيأة لِمعرفةِ الخالق وقَبول الحقِّ واختيارِ دينِ الإِسلام، لما رُكِّب فيهم من العقول التي يتمكنون بها مِن الهُدَى لو نظروا إِليها نظرًا صحيحًا لاستمروا على لزومِها.
(2)
أخرج "مسلم" عن أنس في حديث أنه سمِع رجلًا يقول: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "على الفِطْرة"، ثُم قال: أشهد أن لا إِله إلا اللهُ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خَرَجْت من النار. فنظروا إليه فإذا هو راعِي مِعْزى". اهـ.
فسبب الإسلام وإن وجد إلا أن المسبب لم يوجد لأجل المانع لا أن الفطرة لم تكن سببا إلا ترى في الأدوية كيف يتخلف عنها فوائدها لأجل هذه الموانع، فإن قلت: إنَّ الفطْرةَ إذا لم تكن عينَ الإسلام لم يكن في الحديث مَدْحُ الإسلام، مع أنَّ المسوقَ له ذلك. قلت: كيف لا؟ مع دلالته على أنه ليس في فِطرةِ الإِنسان شيءٌ يخالِفُ الإِسلام، أو يَجُرُّه إلى الكُفْر: بل فيها ما يُبْقى به أَقْرَبَ إلى الإِسلام وأَقبلَ له، لولا العوائقُ فهو مَدْحٌ عَظِيم. وهو معنى قولهم: إنَّ الإِسلام دينٌ فِطْري، فإِنْ قلت: إنَّ الفِطْرة إذا كانت عبارةً عن الاستعداد فهو الطَّرفان فما بقي مَدْحُ الإِسلام.
قلت: بلى ولكنَّ استعدادَ الإِسلام قريبٌ، واستعدادَ الكُفْر بعيدٌ لكونِه من جهة الموانِع. فهو مَدْحٌ للإِسلام أي مدح، ولا سيما إذا اسُتدل عليه بِتَمْثيل البهيمة، فإِنْ قلت: فما معنى قولهه صلَّى صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الشقاوةَ والسعادةَ في بَطْن الأم» - بالمعنى، وقول الخَضِر عليه السلام:«طبع يوم طبع كافرًا» .
قلت: إن الشقاوةَ والسعادةَ أقربُ إلى التقدير، وهو نحوٌ من عِلْمه تعالى، فيُقَدِّر باعتبارِ ما يؤولُ إليه الحالُ من الكَفحر والإِيمان، والفِطرةُ أقربُ إلى الحسِّ على ما عرفت: أنها عبارةٌ عن خُلُوِّها عما يحضُّه على الكُفْر وعدم اشتمالِها على جُزءه من الكُفْر والإِيمان حِسًّا، فليس في بُنيتِه ومادتِه ما يوجِبُ الكُفْر، وبعبارةٍ أُخْرى أنَّ الْفهطرة تلبس بهيئةٍ لو استُبقي عليها لم يَعْدِل إلى الكُفْر فَخُلُوّه عن الكُفْر مُطْلقًا هو المسمَّى بالفِطْرة، وهو المقدمةُ للإِسلام، وهذا أَمْرُ غير التقدير، بخلاف الشقاوةِ والسعادةِ، فإنَّها عبارةٌ عمَّا عَلِمه اللهُ مما يأتيه بعد البلوغ من حسنة أو سيئة، فإِن أحسنَ إِسلامه يُقَدَّرُ له السعادةُ، وإن أساء تُقَدَّرُ له الشقاوةُ، فيهما يحتمعان مع الفِطْرةِ على حَدِّ قولهم: إنَّ في الهَيُولَى استعدادًا لجميع صُوَر النوعيةِ، مع أنها لا تتناوبُ عليه إلا صورةً بعد صورة، وتكونُ كلُّ منها معدةً للأُخْرى، ولا يمكنُ اجتماعُهَا لتضادها، فإنَّها جواهرُ عندهم. والجواهر عنده متضادةٌ فلا يمكن تواردها إلا بالتناوب، كالماء فإنه يتكون من هواء، فما دام اتصفَ بالصورةِ المائية لم يمكن أن يتصَفَ بالصورةِ الهوائية، إلا أن فيه استعدادً بعيدًا لتلك الصورةِ أيضًا. فإذا سخن الماءُ ازدادَ فيه استعدا الصورةِ الهوائية شيئًا فشيئًا، فإذا تمَّ استعدادُهَا الصورةَ الأُولى وتلبَّس بالأُخْرى.
ولي فيه نَظْم:
*ولادَ الوليد على فِطْرةٍ
…
كتكريرِ لَفْظٍ بلا فائدة
*فأبدوا قيودًا وأبديتُهُ
…
عرا عن الكُفْرِ أو زائدِهِ
يعني به أن الفطرةَ بمعنى الخِلْقة لغةً، فلا فائدة في ذِكْرِهَا بدون قَيْد، فإنَّه على وزان قولهم:«كلُّ مولودٍ يُخلق على الخِلْقة» ولا معنى له، فلذا أبديتُ فيه قَيْدًا ليكونَ مُفِيْدًا، وهو الخِلْقَةُ المتهيأةُ للإِسلام والخاليةُ عن الكُفْر.
*كجرةٍ تُكْسَرُ من صدمة
…
وإلا فتبقى مدى زاهده
فالفِطْرة كالقارورة إن حَفِظتها من التصادم تبقى في يدكِ سالمةً أبدَ الدهر، وإن تغافلت عنها تَتَكَسّر بأدنى صَدْمة تُصِيْبُهَا.
ثم ذكر الشيخُ الفَرْقَ بين الفطرةِ ولاشقاوة. فقال:
*فكان الشقيُّ على فِطْرةٍ
…
وأمَّا الشقاءُ ففي عائده
فالشَّقْيّ أيضًا كان على الفِطْرة في بدءِ أمره، لكنَّه لما لم يَحْفَظهَا وغيرها صار مآلُهُ إلى الشقاوةِ، فالفِطْرة لا تناقِضُ الشقاوةَ، ألا ترى أن الحديثَ بنفسه حَكَم على كلِّ مولودٍ بالفِطْرة، ثُمَّ ذَكَرَ شقاوتهم وهو اليهودية والنصارنية، فدل على أنَّ الشقاوةَ لا تصادِم كونَه على الفِطْرة فافهم. وقد نبهناك فيما مرَّ أن التعدية في العربية هل تثبتت على طريق الفارسية أيضًا أم لا؟ بأن تدل على تسخيرِ أحدٍ بذلك الفعلِ واستعمالِهِ به، كما إذا أَمَّن عند المالكيةِ (جب آمام آمين كهلواوى). قال أبو حَيّان: إنَّ تعديةَ الأفعالِ مطردٌ والتفعيل سماعي. وقال بعضهم: إنهما مُطردان. وقال آخرون: إنهما سماعيان، ولكن ينبغي أن يُنْظر في معنى التعدية ماذا أرادوا به والذي أرى أنَّ التعديةَ بهذا المعنى ليس عندهم إلا ما مرَّ في قوله:«لم يغسلهم» من التفعيل، وكذا في قوله:«يَهوَّدانه وينصَّرانِه» فلينظر فيه.
وحينئذٍ فحاصل الحديث: أنَّ كلَّ مولودٍ يولَدُ على الفطرة باعتبار الأَصْل. وأمَّا يهوديتُهُ ونصرانيتُهُ فباعتبار جَعْل الوالدَين وتغييرِهم خَلْقَ الله وَمَسْخهم فِطْرَتَه لا باعتبار الأصل، فإنْ قُدِّر ذلك حتى آلَ إليه الحالُ سُمِي بالشقاوةِ.
فإن قلت: إنَّ الفطرةَ إذا كانت مقدِّمة للإيمان دون الإيمان بعينه، لم يتناسب مقابلَتُهُ بالأديان كالهيوديةِ والنصرانيةِ، فدلَّ على أنها عينُ الإِسلام، لأنَّه أيضًا دِيْنٌ فَصَحَّ التقابل. قلت: بل التقابل صحيحٌ على ما قلت أيضًا، لأن المعنى أن الولد كان قريبًا من الإسلام، فَضَيَّع والداه فِطْرَته فأضاعوه، وأيّ شيءٍ أضاعوا. فإن قلت: إن الحديث يقتصر حينئذٍ على أحكام الدين عبدت فطرتهم. وأما من استمروا على فِطْرتهم كَذَرَاري المسلمين فلا يكونُ لهم فِيْهِ حُكْم.
قلتُ: بلى، ولكنَّ الحديثَ لم يُسق لهم، وإنما سِيق لِمَنْ صاروا إلى الكُفْر بعد التبديل كما ترى في المُشَبَّه به، ففيه أيضًا بيانُ المُغَيِّراتِ. وحينئذٍ تَبيَّن لك أنه لا ينبغي فيه ذِكْر الإسلام، فإنَّه ليس من المُغَيِّرات.
قوله: ({لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ})[الروم: 30] نهى في صورة الخَبَر. والمعنى أنَّ عَدَم التبديلِ كان الدِّيْنَ القَيِّم ولكن الناس يشاقونه ويخالفَونه، وإلا فالتبديل مُشَاهد. فإن قلت: يلزمُ على ما اخترتَ مِنْ تفسير الفطرةِ نحاةُ أولاد المشركين كافَّةً، فإنَّهم ماتوا على الفِطْرة قبل طُرُو التبديل.
قلتُ: النجاةِ تدورُ على الشقاوةِ والسعادةِ وهي في عِلْم الله لا على الفِطْرة فقط، وإن كانت الفطرةُ دخيلةً أيضًا إلا أنَّ المدار على الشقاوةِ والسعادة السابقتين على الفطرة لما قد علمت أنهما من التقدير، وهو نَحْوٌ من العِلْم السابق على الكل. ولذا ذكر في الحديث إنتاج