الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَاّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَاّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» طرفاه 2176، 2178 - تحفة 4385
79 - باب بَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّينَارِ نَسْأً
2178، 2179 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ الزَّيَّاتَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - يَقُولُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ. فَقُلْتُ لَهُ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَقُولُهُ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ وَجَدْتَهُ فِى كِتَابِ اللَّهِ قَالَ كُلُّ ذَلِكَ لَا أَقُولُ، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّى، وَلَكِنَّنِى أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا رِبًا إِلَاّ فِى النَّسِيئَةِ» .طرفاه 2176، 2177 - تحفة 4030 - 98/ 3
واعلم أن رِبَا الفَضْل كان جائزًا عند ابن عباس، تمسُّكًا بقوله صلى الله عليه وسلم لا رِبَا إلا في النَّسِيئة»، فلما لَقِيَه أبو سعيد، وأخبره عن حُرْمتِهِ رَجَعَ عنه. وأمَّا شرحُ الحديث المرفوع: فأحدها ما ذكره الراوي، والثاني: أن نفيَه من غيره على معنى تنزيل
(1)
الناقص منزلة المعدوم. فإن رِبَا الفضل
(1)
قال الحافظ ابن القيم في "أعلام الموفقين": اعلم أن الرِّبا نوعان: جليٌّ، وخَفِيٌّ. فالجليُّ حَرُم لِمَا فيه من الضرر العظيم، والخفيُّ حَرُم لأنه ذريعةٌ إلى الجليِّ. فتحريمُ الأول قصدًا، وتحريمُ الثاني وسيلةٌ. فأمَّا الجليُّ فربا النسيئة، وهو الذي كانوا يَفْعَلُونه في الجاهلية، مثل أن يُؤَخِّرَ دينه، وَيزِيدَه في المال، وكلَّما أخَّره زاد في المال، حتى تَصِيرَ المائة عنده آلافًا مؤلَّفةً.
وفي الغالب لا يَفْعَل ذلك إلا مُعْدَمٌ محتاجٌ، فإذا رأى أن المستحق يُؤَخِّرُ مطالبته، ويَصِبرُ عليه بزيادة في بذلها، تكلف بذلها، ليفتدي من أسر المطالبة والحبس، ويدافع من وقتٍ إلى وقتٍ، فيشتدُّ ضرره، وتَعْظُم مصيبته، وَيعْلوه الدينُ حتى يَستَغْرِقَ جميع موجوده. فَيَرْبُو المال على المحتاج من غير نفع يَحْصُلُ، ويزيد مال المُرَابي من غير نفعٍ يَحْصُل منه لأخيه، فيأكلُ مال أخيه بالباطل، وَيحْصُل أخوه على غاية الضرر. فمن رحمة أرحم الراحمين، وحكمته، وإحسانه إلى خلقه، أن حرَّم الربا، ولعن آكلَه، ومُوكِلَه، وكَاتِبَه، وشَاهِدَه، وآذَنَ من لم يَدَعهُ بحربه وحرب رسوله. ولم يجىء مثل هذا الوعيد في كبيرةٍ غيره، ولهذا كان من أكبر الكبائر.
وسُئِل الإِمام أحمد عن الربا الذي لا شك فيه، فقال: هو أن يكونَ له دينٌ، فيقول له: أتقضي أم تُرْبي، فإن لم يَقضِهِ زاده في المال، وزاده هذا في الأجل. وقد جَعَلَ الله سبحانه وتعالى الربا ضد الصدقة، فالمُرَابي ضد المتصدِّق، قال الله تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]، وقال تعالى:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)} [الروم: 39].
فنهى الله سبحانه وتعالى عن الربا الذي هو ظلمٌ للناس، وأمر بالصدقة التي هي إحسانٌ إليهم. وفي "الصحيحين" من حديث ابن عباس، عن أسامة بن زيد: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما الرِّبا في النَّسِيئة".
وأما ربا الفضل، فتحريمُه من باب سدِّ الذرائع، كما صرَّح به في حديث أبي سعيد الخُدْرِي، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"لا تبيعوا الدِرْهَمَ بالدرهمين، فإني أخاف عليكم الرما"، والرما هو الربا. فمنعهم من ربا الفضل، لما يخافه عليهم من ربا النسيئة. وذلك أنهم إذا بَاعُوا دِرْهمًا بدرهمين -ولا يُفْعَلُ هذا إلَّا للتفاوت الذي بين النوعين، إما في الجَوْدَة، =
وإن كان ربًا وحرامًا، لكنه يَقْتَصِرُ على تلك المعاملة، ثم ينتهي، فمضرَّته أهون. بخلاف رِبَا النَّسِيئة، فإنه يجري، ثم يُضَاعف أضعافًا مضاعفةً، فمضرَّته أشدُّ وأَلْزَمُ، وهو الذي يَذَرُ البلاد بلاقع، فكأنه الفرد الكامل منه. والأليقُ بأن يسمَّى ربا، على أنا لم نَرَ أحدًا يَبِيعُ الفضة بالفضة، والذهب بالذهب بزيادةٍ، فلا يتحقَّق فيه ربا الفضل، وإنما يُعْرَفُ فيه من ربا النَّسِيئَة. نحو: أن لا يكونَ عند رجلٍ فضةٌ، وهو يحتاج إلى شراء الفضة والذهب، فيذهب ويشتريه نَسِيئَةً، فهذا هو الربا الذي يجري فيما بين الناس، ولذا خصَّه بالذكر. وهذا التوجيه أَوْلَى مما ذكره الراوي.
والحاصلُ: أن في قوله: «لا ربا إلا في النسيئة» ، وإن كان عمومًا، لكنه عموم غير مقصود، والمراد ما قلنا إن شاء الله تعالى.
واعلم أن الغزالي تكلَّم في حُرْمة النَّسِيئَة في النقدين، ولعلَّ في باب الحلال والحرام؛ وقال: إن الأثمانَ كانت كالمعاني الحرفية، لا تُرَادُ لذواتها، فهي آلةٌ للغير، وليست كالاسم، والفعل. وفي ذيله شرح قول النحاة في تعريفها «معنى في نفسه» و «معنى في غيره» . فليراجعه، فإنه أجاد فيه، وذكر ما لم يَذْكُرْ النحاة. وملخَّصُه: أن المرادَ من المعنى هو الغرضُ، والغرضُ يكون في نفس الاسم والفعل، بخلاف الحرف، فإنه آلةٌ فقط، ولا غرضَ منه غير الآلية. فالذي فيه الغرضُ هو الاسم والفعل، بخلاف الحرف، فإن الغرضَ منه أيضًا لا يَظْهَرُ إلا في الاسم. وهذا معنى قولهم: إن الحرف، يَدُلُّ على معنىً في غيره، بخلاف أَخَوَيْهِ، فإنهما يَدُلان على معنىً في أنفسهما، لا في غيرهما.
والحاصلُ: أن الأثمانَ كانت كالحروف، أعني الغرض منها يكون في الغير، وهو العروض، فإذا ربى فيها الناس، وأَرْبَى، فقد جعلوها عروضًا، مع كونها أثمانًا، فحرَّفوا طباعها
(1)
.
= وإَّما في السِّكَّة، وإما في الثقل والخِفَّة، وغير ذلك- تدرَّجوا بالربح المعجَّل فيها إلى الربح المؤخَّر، وهو عينُ ربا النسيئة، وهذه ذريعةٌ قريبةٌ جدًا فمن حكمة الشارع أن سَدَّ عليهم هذه الذريعة، ومنعهم من بيع دِرْهمٍ بدرهمين نقدًا ونسيئةٌ. انتهى مختصرًا.
وقال الشيخُ ولي الله في "حجة الله البالغة": اعلم أن الرِّبا على وجهين: حقيقيٌّ، ومحمولٌ عليه. أمَّا الحقيقيُّ: فهو في الديون. وقد ذكرنا أن فيه قلبًا لموضوع المعاملات، وأن الناسَ كانوا مُنْهَمِكِين فيه في الجاهلية أشد انهماك، وكان حَدَثَ لأجله مُحَارَبات مُستَطِيرَةٌ. وكان قليلُه يدعو إلى كثيره، فَوَجَبَ أن يُسَدَّ بابُه بالكلية، ولذلك نزَّل القرآن في شأنه ما أَنْزَل.
والثاني: ربا الفضل، والأصلُ فيه الحديث المستفيض:"الذهب بالذهب"
…
الحديث. وهو مسمَّى بربا تغليظًا وتشبيهًا له بالربا الحقيقيِّ، وبه يُفهَمُ معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"لا ربا إلَّا في النسيئة"، أي القرض والدين. ثم ذُكِرَ في الشرع استعمال الربا في هذا المعنى، حتى صار حقيقةً شرعيةً فيه أيضًا، والله تعالى أعلم. انتهى ما في "التعليق الصحيح" مختصرًا.
(1)
قلتُ: ولم يكن عندي من كلام الغزالي الإِيماء إليه، فبسطته على ما ظَهَرَ لي مراده. فليُرَاجع إلى الأصل، ليتبيَّن حقيقةُ الحال. ولم أجد فرصةً لمراجعة كلامه، لأنقله بتمامه، فعليكَ به.