الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
36 - كِتَابُ الشُّفعَة
1 - باب الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ
2257 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِى كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ. أطرافه 2213، 2214، 2495، 2496، 6976 - تحفة 3153
وفي الحديث إشارةٌ إلى نفي الشُّفْعَةِ في المنقولات. ثم الشُّفْعَةُ عندنا: للشريك في نفس المبيع، وفي حقوقه، وللجار أيضًا. وهي عند الشافعية: للشريك فقط، فاحتجُّوا به على نفي الشُّفْعَةِ للجوار. ولنا في ذلك أحاديث، وقد تأثَّر منها الشافعية أيضًا، حتى إنهم قالوا: إن القاضي الحنفي لو حكم بالشُّفْعَةِ للجوار، ليس للشافعيِّ أن يَفْسَخَهُ. وهذا وإن كان داخلا تحت قاعدة: أن القضاءَ إذا لاقَى فصلا مُجْتَهَدًا فيه، صار مُجْمَعًا عليه. إلا أن فيه دليلا على تأثرهم من تلك الأحاديث أيضًا. وهي كقوله صلى الله عليه وسلم عند الترمذيِّ:«جَارُ الدَّارِ أحقُّ بالدَّار» ، وكقوله:«الجارُ أحقُّ بِسَقَبِهِ» عند البخاريِّ.
وأوَّله الشافعية، فقالوا: إن المرادَ منه حقوقُ المجاورة
(1)
، دون حقوق الشُّفْعَةِ. قلتُ:
(1)
قال الخطَّابيُّ في حديث أبي رافع: "الجارُ أحقُّ بسَقَبِهِ": إنه قد يَحْتَجُّ بهذا من يرى الشُّفْعَةَ بالجوار، وإن كان مُقَاسِمًا. إلَّا أن هذا اللفظ مُبْهَمٌ يَحْتَاجُ إلى بيانٍ، وليس في الحديث ذكرُ الشُّفْعَةِ. فَيُحْتَمَلُ أن يكونَ أراد الشُّفْعَةَ، وقد يُحْتَمَلُ أن يكونَ أراد أنه أحقٌّ بالبر والمَعُونَةِ، وما في معناهما. وقد رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن رجلًا قال:"إن لي جَارَيْن، إلى أيِّهما أهْدِ؟ قال: إلى أقربهما منك دارًا، أو بابًا". ثم أخرج حديث الحسن، عن سَمُرَة مرفوعًا، قال:"جارُ الدَّارِ أحقُّ بدار الجار والأرض"، قال: وهذا أيضًا قد يَحْتَمِلُ أن يتأوَّل على الجار المُشَارِكِ، دون المُقَاسم، كما قُلْنَاه في الحديث الأول. وقد تكلَّموا في إسناده، قال يحيى بن مَعِين: لم يَسْمَع الحسنُ من سَمُرَة، وإنما هو صَحِيفةٌ وَقَعَتْ إليه، أو كما قال. وقال غيره: سَمِعَ الحسن من سَمُرَة حديث العقيقة حسب "معالم السنن".
وقد تكلَّم عليها المَارْدِيني، وأَزَاحَ جملةَ الشُّبُهَاتِ التي أتوا بها، وهذا نصُّه: قلتُ: هذا ممنوعٌ، بل سياقُها يَدُلُّ على أنه وَرَدَ في الشُّفْعَةِ. وكذا فَهِمَ منه البخاريُّ، وأبو داود، وغيرهما، وقد صرَّح بذلك في قوله:"أحقُّ بشُفْعَةِ أخيه"، والعرض مستحبٌّ. وظاهرُ قوله: أحق. وقوله: "ينتظر به": الوجوبُ. وأيضًا الأصلُ عدم تقرير العرض.
ثم حَكَى البيهقيُّ عن الشافعيِّ، أنه قال: ثَبَتَ أنه لا شُفْعَةَ فيما قُسِمَ، فدَلَّ على أن الشُّفْعَةَ للجار الذي لم يُقَاسِمْ دون المُقَاسِم.
قلتُ: قد ثَبَتَ أنه لا شُفْعَةَ فيما قُسِمَ، وصُرِّفَتْ فيه الطُّرُق، كما قدَّمنا. ومالُ أبي رافعٍ كان مُفْرَزًا بالقسمة، وإنما =
والحديثُ الأولُ يَرُدُّ هذا التأويل، فإنه يَدُلُّ على كون تلك الحقوق ما يتعلَّقُ بالدار، وهي حقوق الشُّفْعَةِ. وأجاب بعضُ الحنفية عن حديث الباب بجوابٍ غير صحيحٍ، فراجعه من الهامش. والجواب عندي: أنه لا ريب أن الحديثَ جعل للجارِ وللشريكِ حقوقًا، ولكنه سمَّى حقوقَ
= الطُّرُق كانت مُشتَرَكَةً، فصريحُ القصة يُخَالِفُ تأويل الشافعي هذا بمذهبه. وقد جاء ذلك مُصَرَّحًا في قوله: حديث جابر المذكور بعد: "الجار أحقُّ بشفعة أخيه"، إذا كان طريقهما واحدًا. وقد أَخَرَجَ النَّسائيُّ في "سننه" عن محمد بن عبد العزيز بن أبي رِزمَة، عن الفضل بن موسى، عن حرب بن أبي العالية، عن أبي الزُّبَيْر، عن جابر:"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قضى بالشُّفْعَةِ بالجوار"، وهذا سندٌ صحيحٌ.
وتأويلُ الشافعي "الجار": بالشريك، يَرُدُّه ما أخرجه ابن أبي شَيبَة، عن أبي أُسَامة، عن حسين المعلِّم، عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشَّريدِ، عن أبيه: قلتُ: يا رسول الله، أرضٌ ليس لأحدٍ فيها قَسَمٌ، ولا شريكَ إلا الجوار، قال: الجارُ أحقُّ بِصَقَبِهِ، ما كان". وأخْرَجَ الطحاويُّ هذا الحديث، ولفظه: "ليس فيها لأحدٍ شِرْبٌ، ولا قسمٌ إلَّا الجوار". فهذا تصريحٌ بوجوبها لجوارٍ لا شركةَ فيه، فَدلَّ على أن الجارَ المُلَازِقَ تَجِبُ له الشُّفْعَةُ، وإن لم يَكُنْ شريكًا.
وقال ابن جرير: رواه عمرو بن شُعَيب، عن سعيد بن المُسَيِّب، عن الشَّرِيد بن سُوَيد -من حَضرَمَوْت- أنه عليه السلام، قال:"الجارُ، والشريكُ أحقُّ بالشُّفْعَةِ ما كان يأخذها أو يَتْرُك"، فظاهرُ عطف الشريك على الجار يقتضي أن الجارَ غيرُ شريكٍ. وأخرج ابن حِبَّان في "صحيحه" حديث:"الجارُ أحقُّ بصَقَبِهِ" من حديث أبي رَافِع، وأنس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وأخرج أيضًا عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام قال:"جارُ الدَّارِ أحقُّ بالدار". وأخرجه النسائيُّ أيضًا.
وعن الحسن، عن سَمرَة بن جُنْدُب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: جارُ الدَّار أحقُّ بدار الجار"، أخرجه أبو داود، والنَّسائي، والترمذي، وقال: حسنٌ صحيحٌ.
وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الهبة: أن الحاكم ذكر في أثناء كتاب البيوع من "المستدرك" حديثًا من رواية الحسن، عن سَمُرَة، ثم قال: قد احتجَّ البخاريُّ بالحسن، عن سَمُرَة. وفي "مصنَّف ابن أبي شيبة"، في كتاب أقضيته عليه السلام: حدثنا جرير، عن منصور، عن الحَكَم، عن علي، وعبد الله، قالا:"قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشُّفْعَةِ للجوار". وفي "التهذيب" لابن جرير الطبريِّ: رَوَى موسى بن عُقْبَةَ، عن إسحاق بن يحيى، عن عُبَادة بن الصَّامِت": أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى: أن الجارَ أحقُّ بِصَقَبِ جاره".
وأخرج ابن جرير أيضًا بسنده عن عِكْرِمة، عن ابن عباس، قال:"قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد أحدُكم أن يَبِيعَ عَقَارَهُ، فَليَعْرِضْهُ على جاره". فظهر بمجموع هذه الأحاديث أن للشُّفْعَةِ ثلاثة أسبابٍ: الشركةُ في نفس المبيع، ثم في الطريق، ثم في الجوار. فظاهر قوله عليه الصلاة والسلام:"جارُ الدَّارِ أحقُّ بالدار"، من يأخذ الدارَ كلَّها، وليس ذلك إلَّا الجار. وأمَّا الشريكُ، فإنه يأخذ بعضَها. ولأن الشُّفْعَةَ إنما وَجَبَتْ لأجل التأذِّي الدائم، وذلك موجودٌ للجار أيضًا. ولو وَجَبَت لأجل الشركة، لوَجَبَتْ في سائر العروض. فلمَّا لم تَجِبْ إلَّا في العَقَار، عَلِمنَا أن سببَ الوجوبِ هو التأذِّي.
وحكى الطبريُّ: أن القولَ بِشُفْعَةِ الجوار هو قول الشعبيِّ، وشُرَيْح، وابن سِيرِين، والحَكَم، وحَمَّاد، والحسن، وطاوس، والثَّورِيِّ، وأبي حنيفة، وأصحابه. وفي "الاستذكار": رَوَى ابن عُيَيْنَة، عن عمر بن دِينَار، عن أبي بكر بن حَفْص بن عمر بن سعد بن أبي وَقَّاص:"أن عُمَرَ كَتَبَ إلى شُرَيح أن اقضِ أن الشُّفْعَةَ للجار، فكان يقضي بها".
وسُفْيَان، عن إبراهيم بن مَيسَرة، قال:"كتب إلينا عمر بن عبد العزيز: إذا حُدَّتِ الحدود، فلا شُفْعَةَ، قال إبراهيم: فَذَكَرْتُ ذلك لطاوس، فقال: لا، الجارُ أحقُّ". "الجوهر النقي" مختصرًا. وقد تكلَّم عليه العينيُّ أبسط منه، فراجعه. وأجاب عن إيرادات الخصوم مع ما تكلَّم في سماع الحسن، عن سَمُرَة، تركناه مخافةً للإِطناب.