الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم به. فالشأنُ يكفي له تحقُّقه في الجنس، ولا يَجِبُ تحقُّقه في هذا الموضع بخصوصه. فالفاتحةُ إنما اتَّصَفَتْ بهذه الصفة في مادة المُنْفَرِد، والإِمام. أمَّا في حقِّ المقتدي، فاتِّصَافُهَا على طريق اتِّصَاف الشيء بحاله في الجنس. ومن ههنا انْدَفَعَتْ شبهةٌ أخرى، وهي أن قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] بظاهره يُؤَيِّدُ المُرْجِئَةَ إن حَمَلْنَاهُ على الإِخبار، فإنه يَدُلُّ على أنه لا تَضُرُّ مع الإِيمان معصيةٌ، إذ الله سبحانه يَغْفِرُ الذنوبَ جميعًا. وقد ذَكَرُوا له أجوبةً، وأَضَافُوا عليه قيودًا.
وما ذَكَرَهُ ابنُ مسعودٍ في جوابه، وإن كان صادقًا في نفسه، ولكنه لا يكفي للخروج عن عُهْدَةِ البلاغة. فالجوابُ أنه بيانٌ لشأنه تعالى، لا أنه حَكَمَ به. فالمعنى: أن الله تعالى شأنه أن يَغْفِرَ الذنوب جميعًا إن شاء، ولا يَجِبُ عليه أن يَفْعَلَ ذلك أيضًا. أَلا تَرَى أنه يَصِحُّ قولك: فلانٌ سميعٌ، وإن لم يكن يَسْمَعُ شيئًا. وذلك لأنه ليس فيه ما يَدُلُّ على السماع بالفعل، بل فيه شأن السماع، وهذا لا يُوجب أن يكون سامعًا لشيء بالفعل. فهكذا مغفرة الذنوب جميعًا، ليس على طريق الحكم منه، بل هو شأنٌ له تعالى
(1)
.
2283 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَسْبِ الإِمَاءِ. طرفه 5348 - تحفة 13427
2283 -
قوله: (نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن كَسْبِ الإِمَاءِ) ليس فيه لفظ المَهْرِ، ولا لفظ البَغِيِّ. بل فيه لفظ الكسب بدل المهر، والإِماء بدل البَغِيِّ. وهذا شاهدٌ لِمَا نبَّهْتُكَ من قبل: أن المسألةَ في الإِماءِ دون الحرائر. وينبغي أن لا يُفْتَى اليومَ إلا بالحُرْمَةِ مطلقًا، سواء كان المعقودُ عليه تسليمَ النَّفْسِ، أو الزنا، سدًا للذرائع. فإن أئمة الفُسْقِ قد بَغَوْا وعَتَوْا في زماننا، ولا يَسْتَأْجِرُون البغايا إلا على تسليم النفس. فلو فصَّلنا في المسألة، يُفْتَحُ عليهم باب الزنا.
ولا أدري ممَّن وَقَعَ هذا القصور، فإن حُرْمَةَ أُجْرَةِ المغنِّية والنائحة موجودةٌ في المتون. ونقل في «البحر» إجماعَ الأمة على حرمة أجرة الزنا، ثم لا تَزَالُ تُنْقَلُ مسألة أجرة الزنا في الكُتُبِ أيضًا. فإن حَمَلْتَ الإِجماعَ المذكورَ على غير هذا الجزئي لكون المعقودُ عليه فيه تسليمَ النفس، لَزِمَ عليَّ فتح باب الزنا على الفُسَّاق، فإنهم لا يَزْنُونَ اليومَ إلا بطريق الأجير الخاصِّ. وإن قُلْتَ بالإِطلاق، فماذا أَصْنَعُ للمذهب. والأحكمُ أن يُحْكَمَ بالحرمة مطلقًا. وقد مرَّ تقريرُه في آخر باب السَّلَمِ.
[[21 - باب عَسْبِ الْفَحْلِ
2284 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِىِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ. تحفة 8
233 - 123/ 3]] (*)
22 -
باب إِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَيْسَ لأَهْلِهِ أَنْ يُخْرِجُوهُ إِلَى تَمَامِ الأَجَلِ. وَقَالَ الْحَكَمُ وَالْحَسَنُ وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ تُمْضَى الإِجَارَةُ إِلَى أَجَلِهَا. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَعْطَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ
(1)
يقولُ العبدُ الضعيفُ: وَيظْهَرُ شأنه ذلك في كثيرٍ من العاصين، فَيَغْفِرُ لهم بلا عملٍ عَمِلُوه، ولا خيرٍ قدَّمُوه. ومن ههنا ظَهَرَ وجهُ المغفرة بلا عملٍ.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين معكوفات مزدوجة سقط من المطبوع، ولم يُشرح
بِالشَّطْرِ، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِى بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ جَدَّدَا الإِجَارَةَ بَعْدَ مَا قُبِضَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم.
2285 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ الْمَزَارِعَ كَانَتْ تُكْرَى عَلَى شَىْءٍ سَمَّاهُ نَافِعٌ لَا أَحْفَظُهُ. أطرافه 2328، 2329، 2331، 2338، 2499، 2720، 3152، 4248 - تحفة 7624
2286 -
وَأَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ حَدَّثَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ. أطرافه 2327، 2332، 2344، 2722 - تحفة 3586
ولا يُسْتَأْصَلُ الزرعُ عندنا، بل يَمْكُثُ حتى يَخْرُجَ عن الخسارة. وقال الحسنُ خلافًا للحنفية: فإن الإِجارةَ تَنْفَسِخُ عندنا بموت أحد المُتَعَاقِدَيْنِ.
قوله: (ولم يُذْكَرْ أنَّ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ جَدَّدا الإِجارةَ)، والعَجَبُ من البخاريِّ أنه يَجْعَلُ معاملةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع أهل خَيْبَرَ إجارةً، ثم يَحْكُمُ بإمضائها بعد وفاة أحد المُتَعَاقِدَيْن، وهي عند الحنفية خَرَاجٌ مُقَاسَمَةً. قلتُ: كيف
(1)
يكون خَرَاجًا مقامسةً، مع أن الأرضَ فيه تكون للزراعين، وأرض خَيْبَرَ كانت للغانمين، كما في «الهداية» من السِّيَر: أن خَيْبَرَ فُتِحَتْ عَنْوةً، فتكون أراضيها لأهل الإِسلام، ولو كانت خَرَاجًا مقاسمةً لكانت لليهود.
وأجاب عنه مولانا شيخ الهند: أن الخَرَاجَ، وإن كان في الأصل كما قلتَ، لكن المرادَ منه ههنا هو مقاسمةُ الخارج فقط، سواء كانت الأرض للزراعين، أو لا.
قلتُ: وفيه إشكالٌ آخر، وهو أن عمر أَجْلاهُم من خَيْبَرَ، كما في البخاريِّ. فَلْيُمْعَنْ النظر في هذا الإِجلاء، فإنهم كانوا مالكين فما معنى الإِجلاء. إلا أن في الروايات: أن عمر كان أعطاهم بها شيئًا، فَلْيُحَرِّره.
فالحاصلُ: أنها مزارعةٌ عند البخاريِّ، وخَرَاجٌ مقاسمةً عند الحنفية. وحينئذٍ فَلْيَسْأَلِ البخاريُّ: أن المزارعةَ هل تبقى بعد موت أحد المتعاقدين أيضًا. أمَّا خَرَاج المقاسمة، فيبقى ما بَقِيَت السلطنة. والظنُّ أن البخاريَّ لم تتنقَّح عنده معاملتهم، فقد يَجْعَلُها إجارةً أخرى مزارعةً. وراجع لتحقيقه «مبسوط السَّرَخْسِيِّ» ، فقد حقَّقه بما لا مزيدَ عليه.
(1)
قال أبو بكر الرازي في "شرحه لمختصر الطحاويِّ": ومما يَدُلُّ على أن ما شُرِطَ من نصف الثمر والزرع كان على وجه الجِزْية: أنه لم يَرِدْ في شيءٍ من الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم أخذ منهم الجِزْيةَ إلى أن مات، ولا أبو بكر، ولا عمر رضي الله تعالى عنهما إلى أن أَجلَاهُمْ. والخَرَاج المُوَظَّف أن يجعلَ الإِمامُ في ذمتهم بمقابلة الأرض شيئًا، من كل جَرِيب، يَصْلُحُ للزراعة: صاعًا، ودِرْهَمًا، اهـ -عيني- مختصرًا قلتُ: ما ذكره الرازيُّ لطيفٌ جدًا، وقد تكلَّم على أراضي خَيْبَرَ، ومعاملتهم. أبو عُبَيْد في كتاب "الأموال" فليراجع.