الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 - باب مَنْ لَبَّى بِالْحَجِّ وَسَمَّاهُ
1570 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَقُولُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ. فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً. أطرافه 1557، 1568، 1651، 1785، 2506، 4352، 7230، 7367 - تحفة 2575
وقد علمت فيما مر أن الواجبَ عندنا هو النية والتلبية، أما التسميةُ فهي جائزةٌ أيضًا. ثم القَدْرُ الواجبُ من التلبية هو قوله: لبيك بحجة، أو عمرة. أما التلبية المأثورة فهي سُنةٌ.
36 - باب التَّمَتُّعِ
1571 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنِى مُطَرِّفٌ عَنْ عِمْرَانَ - رضى الله عنه - قَالَ تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَ الْقُرْآنُ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. طرفه 4518 - تحفة 10850
1571 -
قوله: (فنزل القرآن) أي نزلَ القرآنُ بجوازِهِ. أو معناه لم يزلْ القرآن يتنزَّلُ بَعْدَه، ولم يتنزَّل فيه النهيُ عن التمتع.
37 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]
وغَلِطَ الكاتب ههنا - في النُّسخة المطبوعة بالهند - في الكتابة، فكتب:«قال» بالخط الخفي، «وحدثنا» بالجلي، مع أنَّ المناسبَ أن يكتبَ «قال» بالجلي، لأنه مبدأ السَندِ، دون «حدثنا» ، فتنَبَّه.
قال الحنفية: إن {ذَلِكَ} إشارةٌ إلى القِرَان، والتمتع، فلا قِرَان للمكي، ولا تمتُّع. فإنْ قَرَنَ: أو تمتع، اختُلِف فيه، فقيل: يبطلُ قِرَانه، وكذا تمتعه. وقال
(1)
ابن الهُمام: بل يُكره
(1)
قوله: [وليس لأهل مكة تمتع ولا قران]، قال الشيخ ابن الهُمَام رحمه الله تعالى: يَحتملُ نفيَ الوجود، أي لا يوجدُ لهم، حتى لو أحرمَ مكيٌّ بعمرة أو بهما، وطاف للعمرة في أشهر الحج، ثم حج من عامه لا يكونُ متمتعًا، ولا قارنًا. ويوافقه ما سيأتي في الكتاب من قوله: وإذا عادَ المتمتعُ إلى بلده بعد فَرَاغه من العمرة، ولم يكن ساق الهدْيَ بَطَلَ تمتعه، لأنه ألمَّ بأهله فيما بين النُّسُكين إلمامًا صحيحًا، وذلك يُبطل التمتع، فأفاد أن عدم الإِلمام شرطٌ لصحة التمتع، فينتفي لانتفائه. وعن ذلك أيضًا خصَّ القِرَان في قوله: بخلاف المكي إذا خَرَج إلى الكوفة، وقَرَن، حيث يصح، لأنَّ عمرتَه، وحجتَه مِيقاتيِّتان. قالوا: خصَّ القِرَان، لأنَّ التمتعَ منه لا يصح، لانه مُلمُّ بأهله بعد العمرة.
ويحتملُ نفي الحِل، كما يقال: ليس لك أن تصوم يوم النحر، ولا أن تتنفل بالصلاة عند الطلوع والغروب، حتى لو أن مكيًا اعتمر في أشهر الحج، وحج من عامه، أو جمع بينهما، كان متمتعًا أو قارنًا، آثمًا بفعله إياهما على وجه منهي عنه. وهذا هو المراد بحمل ما قدَّمناه من اشتراط عدم الإِلمام للصحة. على اشتراطه لوجود التمتع الذي لم يتعلق به نهيٌ شرعًا، المنتهض سببًا للشكر. =
تحريمًا. وقال الشامي: يُكره القِرَان، ويبطُلُ التمتع.
= ويوافقه ما في "غاية البيان": ليس لأهل مكة تمتعٌ ولا قران، ومن تمتع منهم أو قرن، كان عليه دمٌ، وهو دمُ جناية، لا يأكلُ منه. وصح عن عمر رضي الله عنه أنه قال:"ليس لأهل مكة تمتعٌ ولا قران". وقال في "التحفة": مع هذا لو تمتعوا جاز، وأساؤوا وعليهم دم الجبر، وسنذكر من كلام الحاكم صريحًا. اهـ.
ومن حكم هذا الدم أن لا يقومَ الصومُ مَقَامه حالة العُسرة، فإذا كان الحكم في الواقع لزومَ دم الجبر، لَزِمَ ثبوت الصحة، لأنه لا جبرَ إلا لما وُجد بوصف النقصان، لا لِمَا يوجد شرعًا. فإن قيل: يمكنُ كون الدم للاعتمار في أشهر الحج من المكي، لا للمتمتع منه. وهذا فاشٍ بين حنفية العصر، من أهل مكة، ونازعهم في ذلك بعض الآفاقيين من الحنفية، من قريب، وجرت بينهم شؤون ومعتمد أهل مكة ما وقع في "البدائع" من قوله: ولأن دخولَ المرة في أشهر الحج وقع رخصة لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] قيل في بعض وجوه التأويل: أي للحج أشهر معلومات، واللام للاختصاص، فاختصت هذه الأشهر بالحج، وذلك بأن لا يدخلَ فيها غيره، إلا أنَّ العمرةَ دخلت فيها رخصة للآفاقي، ضرورةَ تعذر إنشاء سفرٍ للعمرة، نظرًا له. وهذا المعنى لا يوجد في حق أهل مكة، ومن بمعناهم، فلم تكن العمرة مشروعة في أشهر الحج في حقهم، فبقيت العمرة في أشهر الحج في حقهم معصية. اهـ. وفيه بعض اختصار.
والذي ذكره غير واحدٍ خلافه. وقد صرحوا في جواب الشافعي لمَّا أجازَ التمتعَ للمكي، وقال في بعض الأوجه: نسخُ منع العمرة في أشهر الحج عامٌّ، فيتأول المكي كغيره. فقالوا: أما النسخ فثابتٌ عندنا في حق المكي أيضًا، حتى يعتمر في أشهر الحج، ولا يُكره له ذلك، ولكن لا يُدرك فضيلَة التمتع، إلى آخر ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
فإنكار أهل مكة على هذا اعتمار المكي في أشهر الحج إن كان لمجرد العمرة، فخطأ بلا شك، وإن كان لعلمهم بأنَّ هذا الذي اعتمر منهم ليس بحيث يتخلفُ عن الحج -إذا خرج الناس للحج- بل يحج من عامه، فصحيحٌ بناءً على أنه حينئذٍ إنكارٌ لمتعة المكي، لا لمجرد عمرته، فإذا ظهر لك صريح هذا الخلاف منه في إجازةِ العمرة من حيث هي مجردُ عمرة في أشهر الحج، ومنعها، وَجَبَ أَن يتفرع عليه ما لو كرر المكي العمرةَ في أشهر الحج، وحج من عامه، هل يتكررُ الدم عليه. فعلى مَن صرح بحلِّها له -وأن المنعَ ليس إلا لتمتعه- لا يتكرر عليه، لأن تكرُّرَه لا أثر له في ثبوت تكررِ تمتعه، فإِنما عليه دمٌ واحد، لأنه تمتعَ مرةً واحدةً. وعلى مَن منعَ نفس العمرة منه، وأثبت أن نسخَ حرمَتِها إنما هو للآفاقي فقط، ينبغي أن يتكررَ الدم بتكررها، والله أعلم.
وإنما النظر بعد ذلك في أَوْلَى القولين، ونظرُ هؤلاء إلى العمومات، مثل:"دخلت العمرة في الحج"، وصريحُ منعِ المكي شرعًا لم يثبت إلا بقوله تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وهو خاصٌّ بالجمع تمتعًا، فيبقى فيما وراءه على الإباحة. غير أنَّ للآخر أن يقول: دليلُ التخصيص مما يصح تعليله، ويخرج به معه، وتعليل منعِ الجمعِ المتبادر منه أنه يحصلُ الرفق، ورفعُ المشقة الآتية من قِبل تعدد السفر، أو إطالة الإِقامة، وذلك، فيبقى المنعُ السابقُ على ما كان، ويختص النسخ بالآفاقي، وللنظر بعد ذلك مجالٌ، والله سبحانه الموفق.
ثم ظهر لي بعد نحوِ ثلاثين عامًا من كتابة هذا الكتاب، أنَّ الوجه منعُ العمرةِ للمكي في أشهر الحج، سواءٌ حج من عامه أو لا، لأن النسخَ خاصٌّ لم يثبت، إذ المنقولُ من قولهم: العمرة في أشهر الحج من أفجرِ الفجور، ولا يُعرف إلا من كلام الجاهلية، دون أنه كان في شريعة إبراهيم، أو غيره. ولم يبق إلا النظرُ في النظرِ في الآية.
وحاصله عامٌّ مخصوص، فإن قولَه:{ذَلِكَ}
…
إلخ، تخصيصُ مَن تمتع بالعمرة إلى الحج، لأنه مستقل مقارِن. واتفقوا في تعليله، بأن تجويزه للآفاقي، لدفع الحرج، كما عُرف، ومنعه من المكي لعدمه. ولا شك أن عدمَ الحرج في عدم الجمع لا يصلُح علة لمنعِ الجمع، لأنه إذا لم يخرج بعدمِ الجمع لا يقتضي أن يتعيَّنَ عليه عدمه، بل إنما يصلُح عدم الحرج في عدم الجمعَ، أن يجوزَ له كل من عدم الجمع والجمع، لأنه كما لم يحرج في عدم =
قلتُ: وهو الأوجه، كأن الإِلمام يتحققُ في التمتع، فيبطل، بخلاف القِرَان، فلا يبطل. ثم اعلم أن الشيخ ابن الهُمَام قام دهرًا على أن المكيَّ لا عمرةَ له في أشهر الحج، سواءٌ أراد الحجَّ أو لا. واتفقَ له في ذلك مناظرةً مع علماء مكة، ثم تبيَّنَ له بعد ثلاثين سنة أن الصواب مع الجمهور، أنَّ الكراهةَ للمكي فيما إذا أراد الحج من عامه ذلك، وإلا فلا بأس في العمرة في أشهر الحج
(1)
، وكتبه على الهامش، ثم أدخله بعضُهم في الصُّلْب، ولعله من تلميذه العلامة قاسم. وعند الشافعي قوله: ذلك إشارة إلى الدم المذكور، واعترض عليه الحنفية أنَّ المناسبٍ حينئذٍ أنْ تكون «على» أي ذلك على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، وقد أجابوا عنه أيضًا. ثم قال الحنفية: إن المرادَ من الحاضرين هم الذين في داخلِ الميْقَات. وقيل: ساكني المسجد الحرام خاصة.
1572 -
وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَاّ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْىَ» . فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ وَقَالَ «مَنْ قَلَّدَ الْهَدْىَ فَإِنَّهُ لَا
= الجمع، لا يحرجُ في الجمع، فحين وجب عدمُ الجمع لم يكن إلا لأمرٍ زائدٍ، وليس هنا سوى كونه في الجمع موقعًا العمرة في أشهر الحج. ثم لا شك أن منعَ العمرة في أشهر الحج للمكيِّ متعينٌ على الاحتمال الأول، الذي أبديناه في قوله: وليس لأهل مكة تمتع ولا قِرَان
…
إلخ. وهو أنَّ العمرةَ لا تتحققُ منه أصلًا، لأنه إذا لم يتحقق منه حقيقةُ التمتع الشرعية، لا يكونُ منعُه من التمتعِ إلا للعمرة، فكان حاصلُ منعِ صورةِ التَّمتع إما لمنع العمرةِ، أو الحج، والحجُّ غير ممنوع منه، فتعينت العمرة.
غير أني رجحتُ أنها تتحقق، ويكون مستأنسًا بقول صاحب "التحفة"، لكن الأوجه خلافُه، لتصريح أهل المذهب من أبي حنيفة، وصاحبيه في الآفاقي الذي يعتمر، ثم يعود إلى أهله، ولم يكن سَاق الهَدْي، ثم حج من عامه بقولهم: بطل تمتعه. وتصريحهم بأن من شرطِ التمتعِ مطلقًا أن لا يُلمَّ بأهله بينهما إلمامًا صحيحًا، ولا وجودَ للمشروطِ قبل وجودِ شرطه. ولا شك أنهم قالوا بوجود القاصد مع الإِثم، ولم يقولوا بوجود الباطل شرعًا مع ارتكاب النهي، كبيع الحج ليس ببيع شرعي. ومقتضى كلام أئمة المذهب أولى بالاعتبار من كلام بعض المشايخ.
وإنما لم نسلك في منع العمرةِ في أشهرِ الحج مسلَكَ صاحب "البدائع"، لأنه بناه على أمرٍ لم يلزم ثبوتُه على الخصم، وهو قوله: جاء في بعض الأوجه أن المرادَ: للحج أشهر، واللام للاختصاص، وهذا مما للخصم منعه، ويقول: بل جازَ كونُ المرادِ أنَّ الحج في أشهر معلومات، فيفيدُ أنهُ يفعلُ فيها لا في غيرها، وهو لا يَستلزمُ أن لا يُفعل فيها غيره. والله أعلم.
(1)
هذا عكس ما في "فتح القدير" كما نقله فضيلة الجامع، فراجع ما في "الحاشية" قوله: حتى لو أنَّ مكيًا اعتمر
…
إلخ؛ وراجع أيضًا قوله: إن الوجهَ منعُ العمرة للمكي في أشهر الحج، سواء حج من عامه، أو لا
…
إلخ. فالذي رجع إليه ابن الهمام آخرًا، هو عدم جوازِ العمرة في أشهر الحج للمكي مطلقًا. نعم، استدل له بخلاف ما استدل به. فعلى هذا وقع الخطأ في ضبط كلام إمام العمر صاحب "فيض الباري" ولعله قاله على عكس ما هنا مطابقًا "للفتح" فتنَبَّه. (مصححه البِنَّوري).