الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
55 - باب صُفُوفِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَالِ عَلَى الْجَنَائِزِ
1321 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِىُّ عَنْ عَامِرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَبْرٍ قَدْ دُفِنَ لَيْلًا فَقَالَ «مَتَى دُفِنَ هَذَا» . قَالُوا الْبَارِحَةَ. قَالَ «أَفَلَا آذَنْتُمُونِى» . قَالُوا دَفَنَّاهُ فِى ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ. فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَا فِيهِمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ. أطرافه 857، 1247، 1319، 1322، 1326، 1336، 1340 - تحفة 5766
قالوا في المكتوبة: إنَّ الصبيَّ إن كان واحدًا يَقُومُ معهم ويجوزُ في الجنازةِ مُطْلقًا، لأنَّ الترتيبَ فيها غيرُ مُرَاعَى.
1321 -
قوله: (أَفَلا آذَنْتُمُونِي، قالوا: دَفَنَّاه في ظُلْمةِ اللَّيل)
…
الخ، قال أحمدُ رَحِمه الله تعالى: ثَبَت سنةُ أحاديثَ في الصلاةِ على القَبْر
(1)
. ثم هل هي وقائعٌ متعددةٌ أم واقعة واحدة؟ فلينظر فيه، ومذهبُه الصلاةَ على القبرِ تجوزُ إلى شَهْرٍ لِمَنْ كان له يُصلِّي عليه من أَهْلها وإن كان صلَّى عليه مرةً، وهو مذهبُ الشافعي، وقال أبو حنيفَة ومالكٌ رحمهما الله تعالى: لا يُصَلَّى على القَبْر إنْ صلَّى عليه مرةً، وإلا يُصَلَّى عليه ما لم يَتَفَسَّخ.
أما الصلاةُ على الغائبِ فلم تَثْبُت إلا واقعةٌ النَّجاشي. أما واقعة ابن معاوية الليثي فاختلفوا فيها، والظاهر أنه مُنْكر. فإذا لم تَثْبُت تلك الصلاةُ في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع أنَّ كثيرًا مِنْ المسلمينَ ماتوا في دراِ غربةٍ في عهدِه صلى الله عليه وسلم نَاسَبَ أن تُخْتَمَ بِعَهْدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا سيما إذا لم يَجْرِ عليها توارثُ الأُمة أيضًا. بخلافِ الصلاةِ على القَبْر فإن بعضَهم عَمِلوا بها فيما بعد أيضًا. فلو شئت أدعيت الخُصوصية وتمسَّكْت بما عند مسلم
(2)
(ص 309). «أنَّ هذه القبورَ مملوءةٌ ظُلْمَةً على أَهْلِهَا، وإنَّ اللَّهَ يُنوِّرُهَا لهم بِصَلاتِي عليهم» - بالمعنى. وهذه الخاصِّية لم تكن إلا لصلاتِهِ صلى الله عليه وسلم فلا تَقاس عليها صلواتُ الآخَرِين مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهاهم أن يدفنوه بدونه فإذا دفنوه ولم يؤذنوه صلى عليه ثانيًا. وهذا معقولٌ فإنَّه لم يكن أن يصلُّوا عليه مع كونِ النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ولا سيما إذا كان نهاهم أيضًا. وقد شَهِدَ التوارثُ إلى يومنا هذا أنه لا يُصلِّي على الجنازةِ إلا الإمامُ وفي «الوفاء» للسُّمْهُودي: أن الأئمة كانوا يُنَصَبون بأَمْر النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأَظُنُّ أنه صلى الله عليه وسلم لم
(1)
وهاك روايةً إثر رواية تفيدُك المَذهب. ففي "العارضة": وزاد النسائي: "لا يموتُن فيكم ميتٌ - ما دمتُ بين أظهُرِكُم إلا أذَنْتُموني به". وفي حديث جابر عند النسائي: نهى أن يُقْبرَ أحدٌ ليلًا.
(2)
ومرَّ الحافظ رحمه الله تعالى على حديث مُسلم في موضع، ونَقل عن أحمدَ رحمه الله تعالى أن هذه القطعةَ مُدْرجةٌ من الرَّاوي. وطريق الإِدراج أنها قطعةُ حديثِ ثابت عن أنس رضي الله عنه، لا في حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه فأخذ الراوي قطعةَ حديث أنس رضي الله عنه وأدْرجها في حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه. أقول: رأيتُ في حديثِ أبي هريرةَ بغير هذا الطريق أيضًا. والزيادة التي عند "مسلم" في "مُشكِل الآثار" فتكون القطعةُ في حديث أبي هريرة أيضًا. ومنها ما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى في خصائصه عليه الصلاة والسلام في أنموذج اللَّبيب أن الحنفيةَ يقولون إن جنازَة ما لا تتأدَّى في المدينة ما لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليها.
أقول: لو كانت النسبةُ إلينا صحيحة فالوجه يساعِدُه. انتهى ما في "العَرف الشذي" بتصرف.
يكن يَخْرج عن المدينةِ إلا بعد ما يَنْصِبُ لهم إمامًا يصلِّي بهم وفي «الطبقات» لابن سعد: «أنه نَصَبَ ابنَ أُمِّ مكتوم أمامَ المدينةِ مرةً. فكان يؤذِّنُ ويؤمُّ بهم» . ولا أرى أذانَه بالليلِ إلا في تلك الأيامِ. وقد مرَّ البحثُ في أذانه: أنه كان دائمًا أوفي زمنٍ معيَّنٍ؟ والظاهر هو الثاني. فإن بيتَه كان بعيدًا، وقد كان استَرْخَص النبيَّ صلى الله عليه وسلم أيضًا في عدم حضورِ الجماعة. فقال له: هل تسمع التأذين؟ قال: نعم. فلمْ يُرَخِّص له. فَدلَّ على أَنَّ المؤذِّنَ كان غيرَه.
وبالجملةِ قد يَسْبِقُ إلى الذِّهْنِ أنا لو سلَّمنا أنَّ أذانَه كان بالمجسد النبويِّ، وكان قَبْل الفَجْر فلعلَّه كان في زمنِ إمامَتِه بالمدينةِ. فإذا دريتَ أن نَصْبَ الأئمةِ كان داخلا في ولايةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عَلِمْت أنه لم يكن لأَحَدٍ أن يُصلِّي بها إلا بعد نَصْبه من جهةٍ، فإذا صلَّوا عليها فقد غَلِطُوا. ولذا أعادها النبيُّ صلى الله عليه وسلم على قَبْرِهَا، لأنه كان وَليًّا. وفي عامة كُتُب الحنفيةِ: أنَّ الصلاة على القبر إنَّما تَصِحُ للوَلِيِّ فقط إذا لم يكن صلّى عليه وفي «المبسوط» جوازُ الإعادةِ مطلقًا لغير الولي أيضًا إذا أعادها الولي.
قلتُ: وهذا أَيْسَرُ في الأحاديثِ. فظهر منه أنَّ إعادةَ صلاتِهِ صلى الله عليه وسلم كانت من باب الولايةِ، لا مِنْ بابِ الصلاةِ على القبر ثُمَّ. أَمْعِن النظرَ في قوله:«ولا يَجْلِسِ الرَّجُلُ على تَكْرِمَتِهِ في بيته، ولا يَؤُمَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ إلا بإِذْنِه» . يفيدك أنَّ هؤلاءِ الذين صلُّوا عليه بدونِ إذنهم من النبيِّ صلى الله عليه وسلم قد جاؤا بأَمْرٍ عظيم. فإنَّ الجلوسَ على التَّكْرِمة في البيتِ والصلاة بدون الإذن في ولايته من باب واحدةٍ على أنهم لم يُوْقِظُوه صلى الله عليه وسلم لِخِفَّةِ أمره في أذهانِهم. فقويَتْ داعيةُ الصلاةِ لذلك أيضًا
(1)
. فإنَّه رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَر لو أَقْسَمَ على الله لأبرَّه. فإذا احتفت هذه الصلاةُ بِمثل هذهِ القرائن قَصَرْنَاهَا على مَوْردها، ولم نجعلها سخنةً قائمةً وشريعةً مستمِرَّةً
(2)
.
أما الصلاةُ على الغائب ففيه على ما مرَّ أنه لم يكن بالحبشةِ أحدٌ يُصلِّي عليه
(3)
فصلى عليه لذلك. مع ما عند ابنِ حِبان في «صحيحه» عن عِمران بن حُصَين أن الصحابةَ رضي اللَّهُ تعالى عنه كانوا لا يَظُنُّون إلا أَنَّ جنازَتَه بين يديه، فقد كانت جنازتُهُ كُشِفت له صلى الله عليه وسلم وحينئذٍ لم تبق من باب الصلاةِ على الغائب، وبالجملةِ لا تُترك سنةٌ فاشيةٌ مستمرةٌ لأَجْل الوقائعِ الجزئيةِ
(1)
ويؤيده السياق عند مالك في "موطئه": أن مسكينة مَرضت فاُخبر رسولُ اللهِ بمرضها. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودُ المساكين ويسأل عنهم. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ماتت فأذنوني بها فخرج بجنازتها ليلًا فكرِهوا أن يُوقظوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. فلما أصبحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أُخبر بالذي كان من شأنها. فقال: ألم آمُرُكم أن تؤذنوني بها" إلخ.
(2)
قال الشيخ بدر الدين العيني: ووقع في كلام ابن بَطَّال تَخْصِيصٌ، ذلك بالنجاشي فقال: بدليل إطباقِ الأمة على تَرْك العمل بهذا الحديث. قال: ولم أجد لأحدٍ من العلماء إجازةَ الصلاةِ على الغائب إلا ما ذكره ابنُ زيد عن عبد العزيز بن أبي سَلَمة فإنه قال: إذا استؤذن أنه غرق أو قتل أو أكله السباع ولم يوجد منه شيء صلى عليه كما فعل بالنجاشي. وبه قال ابن حبيب. وقال ابن عبد البر: أكثر أهْل العلم يقولون إن ذلك مخصوصٌ به. وأجازه بعضهم إذا كان في يوم الموت أو قريب منه. وفي "المصنف" عن الحسن: إنما دعا له ولم يُصل عليه.
(3)
قال ابن العربي: قال أَبو داود، وإنما صَلى عليه النبي لأنه كان مُسلمًا وليه أَهْل الشرْك في بلدٍ آخر فلم يكن لهم مَنْ يقوم بسنة فقام النبي صلى الله عليه وسلم بها اهـ "العارضة".