الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التوكل والصبر
من الصحاح
4225 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا من غير حساب، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيّرون، وعلى ربهم يتوكلون".
قلت: رواه البخاري في الرقائق ومسلم في الإيمان من حديث ابن عباس. (1)
4226 -
قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال:"عُرِضت علي الأمم، فجعل يمر النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الرهط، والنبي وليس معه أحد فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فرجوت أن يكون أمتي، فقيل: هذا موسى في قومه، ثم قيل لي: انظر، فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فقيل هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفًا قدامهم، يدخلون الجنة بغير حساب: هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون"، فقام عكاشة بن محصن، فقال: أدع الله أن يجعلني منهم، فقال:"اللهم اجعله منهم، ثم قام رجل آخر، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: "سبقك بها عكاشة".
قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء والطب وفي الرقائق ومسلم في الإيمان والترمذي في الزهد والنسائي في الطب كلهم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس. (2)
(1) أخرجه البخاري (6472)، ومسلم (220).
(2)
أخرجه البخاري في الطب (5752)، وفي الرقائق (6541)، وفي الأنبياء (3410)، ومسلم (220)(374)، والترمذي (2446)، والنسائي في الكبرى (7604).
وقد جاء في بعض الأحاديث الأمر بالرقية والكي، وفي بعضهما النهي عن ذلك فمن الجواب: قوله صلى الله عليه وسلم استرقوا لها فإن بها النظرة، وأخذ بعض الصحابة على الرقية أجرًا وكوى صلى الله عليه وسلم سعدًا بيده.
ومن النهي: قوله صلى الله عليه وسلم: إن الرقى والتمائم والتولة شرك، وقد تقدم في باب الطب والرقى من ذلك ما يغني عن إعادته.
وهذا الحديث أيضًا يدل على الحث على ترك ذلك، فأجاب عن ذلك الخطابي وغيره: أن ترك ذلك والتوكل على الله من صفة الأولياء المعرضين عن أسباب الدنيا، لا يلتفتون إلى شيء من علائقها، وتلك درجة الخواص لا يبلغها غيرهم، وقد رخص الشرع لهم في التداوي والمعالجة، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله بالدعاء كان من جملة الخواص، ومن لم يصبر رخص له في الرقية والعلاج.
قوله صلى الله عليه وسلم: وعلى ربهم يتوكلون، اختلف علماء السلف والخلف في حقيقة التوكل فحكي عن عامة الفقهاء والمحققين من الصوفية وأصحاب القلوب أن حدّه: الثقة بالله تعالى والإيقان بأن قضاءه نافذ واتباع سنة نبيه في السعي فيما لا بد منه من السعي في المطعم والمشرب، والتحرز من العدو كما فعله الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، لكن لا يصح عند محققي الصوفية التوكل مع الالتفات والطمأنينة إلى الأسباب بل فعل الأسباب سنة الله وحكمته، والثقة بأنها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضرًّا، والكل من الله وحده، وذهب بعض الصوفية إلى أنه لا يستحق اسم التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف غير الله تعالى من سبع أو عدو، حتى يترك السعي في طلب الرزق ثقة بضمان الله تعالى له برزقه.
قوله: فقام عكاشة بن محصن، هو بضم العين وتشديد الكاف وتخفيفها، لغتان مشهورتان، ذكرهما الجوهري (1) وأما محصن فبكسر الميم وفتح الصاد المهملة.
(1) انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1012).
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: سبقك بها عكاشة، قيل: لأن الرجل الثاني لم يكن من أهل تلك المنزلة، وقيل: كان منافقًا فأجابه صلى الله عليه وسلم بكلام محتمل، وهذا من حسن العشرة في الخطاب، وقال الخطيب البغدادي في الأسماء المبهمة (1) أنه يقال: أن هذا الرجل هو سعد بن عبادة رضي الله عنه، فإن صح هذا أبطل قول من زعم أنه منافق (2).
4227 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".
قلت: رواه مسلم في الزهد من حديث ثابت عن صهيب يرفعه وانفرد به مسلم. (3)
4228 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي: خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان".
قلت: رواه مسلم في القدر والإمام أحمد كلاهما من حديث عبد الله بن ذكوان الأعرج عن أبي هريرة. (4)
قوله صلى الله عليه وسلم: احرص بكسر الراء وكذلك ولا تعجز بكسر الجيم.
قوله صلى الله عليه وسلم: فإن لو تفتح عمل الشيطان هو عدم الإيمان بالقدر، وعدم الرضا بصنع الله تعالى، فإن القدر إذا ظهر بما يكره العبد، قال العبد: لو فعلت كذا لم يكن هذا، وقد مر في علم الله تعالى أنه لا يفعل إلا الذي فعل ولا يكون إلا الذي كان.
(1) انظر: الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة للخطيب (ص: 106 وقم 58).
(2)
وذكره النووي في (3/ 110 - 111)، وانظر للتفصيل الفتح (11/ 412).
(3)
أخرجه مسلم (2999).
(4)
أخرجه مسلم (2664)، وأحمد (2/ 366).