الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الرقاق
الرقاق: جمع رقيق، وهو نقيض الغليظ والمراد: الكلمات التي ترق بها القلوب إذا سمعت، وترغب عن الدنيا، وقيل: هو الفقر وهو فعال من الرقة؛ لأنه يتضمن رقة الحال.
من الصحاح
4134 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ".
قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما في الرقاق والترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد كلهم من حديث ابن عباس. (1)
والغبن: خروج الشيء عن اليد بغير عوض، أو بعوض لا يساويه، ومعناه: أنهما يذهبان عن كثير من الناس ولم يستفد في مقابلتهما شيئًا.
4135 -
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله ما الدنيا في الآخرة، إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع؟ ".
قلت: رواه مسلم في صفة الدنيا والآخرة، والترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد والنسائي في الرقائق كلهم من حديث المستورد بن شداد. (2)
(1) أخرجه البخاري (6412)، والترمذي (2304)، والنسائي في الكبرى (11800)، وابن ماجه (4170).
(2)
أخرجه مسلم (2858)، والترمذي (2333)، وابن ماجه (4108)، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (11255).
4136 -
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرّ بجدْي أسَكّ ميّت، فقال: "أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟ " فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، فقال: "فوالله، للدنيا أهون على الله من هذا عليكم".
قلت: رواه مسلم في آخر الكتاب وروى أبو داود معناه في الطهارة (1) قال: ثم صلى ولم يمس ماء، وزاد فيه رزين (2): فلو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء، كلاهما من حديث جابر.
وأسك: هو بالسين المهملة ثم الكاف، قال الجوهري (3): السكك صغر الأذن، والسكاء: التي لا أذن لها، يقال: سكّه يسكه إذا اصطلم أذنيه، يقال: كل سكاء تبيض، وكل شرفاء تلد (4).
وقال في النهاية: أي مقطوع الأذنين. (5)
4137 -
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر".
قلت: رواه مسلم في الرقائق والترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد وخرجه أيضًا أحمد كلهم من حديث أبي هريرة يرفعه. (6)
ومعناه: أن الإيمان يقيد المؤمن عن مواقعة المحظورات، فكأنه في سجن عنها، والكافر ليس له إيمان يقيده، فكأنه في جنة يتناول منها ما شاء، واختلف في الدنيا ما هي؟ فقيل: هي العالم كله، وقيل: الشهوات الملهية، عما الإنسان بصدده من الاستعداد لمعاده،
(1) أخرجه مسلم (295)، وأبو داود (186).
(2)
انظر زيادة رزين في: جامع الأصول (4/ 507).
(3)
انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1590).
(4)
ذكر ابن الأثير في جامع الأصول (4/ 508)"أصك" بدل "أسك" وقال: الصكك: اصطكاك الركبتين عند العَدْوِ. ثم أشار إلى رواية مسلم "أسك".
(5)
النهاية (2/ 384).
(6)
أخرجه مسلم (2956)، والترمذي (1324)، وابن ماجه (4113)، وأحمد (2/ 323).
والظاهر أن الدنيا تطلق على ما يقابل الآخرة، فهي المذكور أولًا وتطلق على معنى مذموم هو أخص من ذلك فهي المذكور ثانيًا.
4138 -
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر، فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنة يجزى بها".
قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث همام بن يحيى عن قتادة عن أنس يرفعه ولم يخرجه البخاري. (1)
ومعنى: لا يظلم، لا ينقص وهو متعد إلى مفعولين، أحدهما: مؤمنًا، والآخر: حسنة، ومعناه: أن المؤمن إذا اكتسب حسنة يكافئه الله عليها، بأن يوسع عليه رزقه أو يدفع عنه شيئًا من آفات الدنيا، ويثيبه في الآخرة، والكافر إذا اكتسب حسنة في الدنيا بفك أسير، أو عتق رقبة، يكافئه الله تعالى في الدنيا ولا يجزيه في الآخره.
4139 -
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حُجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره".
قلت: رواه البخاري في الرقائق ورواه مسلم في صفة الجنة في أواخر كتابه قبل كتاب الفتن والترمذي فيه كلهم من حديث أبي هريرة (2) ومن حديث أنس: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات"(3) والحجاب: الستر، والمعنى أن من اتبع الشهوات وارتكبها خرق حجاب النار، ووقع فيها، ومن صبر نفسه على ما يكرهه من فعل الطاعات، وترك المنكرات، فقد اخترق حجب الجنة ودخلها.
4140 -
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة إن أُعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك
(1) أخرجه مسلم (2808).
(2)
أخرجه البخاري (6487)، ومسلم (2822)، والترمذي (2559).
(3)
أخرجه أحمد (3/ 153، 255) ، ومسلم (2822)، وابن حبان (716).
فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفّع".
قلت: رواه البخاري في الجهاد وفي الرقائق وابن ماجه في الزهد من حديث أبي صالح عن أبي هريرة يرفعه. (1)
قوله: تعس أي انكبَّ وعثر، ومعناه: الدعاء عليه، أي أتعسه الله، ومنه قوله تعالى:{فَتَعْسًا لَهُمْ} أي: عثارًا وسقوطًا، قال الجوهري (2): التعس: الهلاك، وأصله الكب وهو ضد الانتعاش، وقد تَعَس بالفتح يتعس تَعسًا، وقال في النهاية (3): تعس يتعس إذا عثر وانكب لوجهه، وقد تفتح العين وهو دعاء بالهلاك.
قوله: عبد الخمصية: هي ثوب خز، أو صوف مُعْلَم، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء مُعْلَمة، وكانت من لباس الناس قديمًا، وجمعها الخمائص (4).
قوله: وانتكس يقال: نكست الشيء: إذا قلبته، والشيء منكوس.
قوله: شيك فلا انتقش، هو بكسر الشين المعجمة وسكون الياء.
قال في النهاية (5): أي إذا شاكته الشوكة فلا يقدر على انتقاشها، وهو إخراجها بالمنقاش، قال الزمخشري (6): شيك من قولهم شاكه الشوك، إذا دخل في رجله والانتقاش: استخراجه.
(1) أخرجه البخاري في الجهاد (2887)، وفي الرقاق (6435)، وابن ماجه (4135).
(2)
انظر: الصحاح للجوهري (3/ 910).
(3)
انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 190).
(4)
انظر: المصدر السابق (2/ 81).
(5)
النهاية (2/ 510).
(6)
انظر: الفائق للزمخشري (1/ 151).
قوله: إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة، هذا لبيان حال هذا العبد، وأنه ممتثل مطيع لأمر الإِمام المطاع، وأراد بالحراسة: حراسة العدو، وهو يكون في مقدمة الجيش، وبالساقة: ساقة الجيش، وإنما ذكرهما لكونهما أكثر آفة من غيرهما، الأول عند دخولهم في دار الحرب، والآخر عند خروجهم منها.
4141 -
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن مما أخاف عليكم من بعدي: ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها" فقال رجل: يا رسول الله أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت، حتى ظننا أنه ينزل عليه، قال: فمسح عنه الرُّحَضاء، وقال:"أين السائل؟ "، وكأنه حمده، فقال:"إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حَبَطا أو يلم، إلا آكِلة الخُضُر أكلت، حتى إذا امتدت خاصرتاها، استقبلت عين الشمس، فَثَلطت وبالت، ثم عادت فأكلت، وإن هذا المال خضرة حُلوة، فمن أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدًا عليهم يوم القيامة".
قلت: رواه البخاري في هذا الباب وفي الجهاد وفي الصلاة وفي الزكاة وفي بعض الروايات اختصار ومسلم في الزكاة كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري. (1)
الرحضاء: هو بضم الراء وفتح الحاء المهملتين، وبضاد معجمة ممدودة العرق من الشدة، وأكثر ما يسمى به عرق الحمى.
وحبطًا: بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة والطاء المهملة هو التخمة وهو نصب على التمييز.
قوله صلى الله عليه وسلم: أو يلم أي يقارب القتل.
قوله صلى الله عليه وسلم: إلا آكلة الخضر: هو بكسر الهمزة في "إلَّا" وتشديد اللام على الاستثناء، هذا هو المشهور، وقال عياض: ورواه بعضهم "ألا" بفتح الهمزة وتخفيف اللام على الاستفتاح. وآكلة ممدودة مهموزة.
(1) أخرجه البخاري (1465)، والصلاة (921)(6427)، ومسلم (1052).
والخضر: بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين عند الجمهور وضبطه بعضهم الخضر بضم الخاء وفتح الضاد.
قال في النهاية (1): وهو نوع من البقول ليس في أحرارها وجيّدها.
وثلطت: هو بفتح الثاء المثلثة أي ألقت الرجيع. الثلط وهو الرجيع الرقيق وفي شرح السنة نقلًا عن الأصمعي الحبط هو أن تأكل الدابة فتكثر حتى تنتفخ لذلك بطنها وتمرض، قال أبو عبيد: قوله: أو يلم بمعنى يقرب، من ذلك قال الأزهري (2): فيه مثلان: ضرب أحدهما للمفرط في جمع الدنيا، وضرب الآخر للمقتصر في أخذها والانتفاع بها.
فأما قوله: وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطًا فهو مثل للمفرط الذي يأخذها بغير حق، وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول فتستكثر الماشية منه لاستطابتها إياه، حتى تنتفخ بطونها، عند مجاوزتها حد الاحتمال، فتنشق أمعاؤها من ذلك فتهلك، أو تقارب الهلاك، وكذلك الذي يجمع الدنيا من غير حلها ويمنعها مستحقها، قد تعرّض للهلاك في الآخرة بدخول النار، وفي الدنيا بأذى الناس له وحسدهم إياه، وغير ذلك من أنواع الأذى.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: إلا آكلة الخضِر: فإنه مثل للمقتصد، وذلك أن الخضر ليس من أحرار البقول التي ترعاها الماشية بعد يبس البقول حيث لا تجد سواها، وتسميها العرب الجنبة فلا ترى الماشية تكثر من أكلها ولا تستَمْرِئها، فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلًا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها، فلا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها، فهو ينجو من وبالها، كما نجت آكلة الخضر، ألا تراه صلى الله عليه وسلم قال: آكلت حتى امتدت خاصرتاها، استقبلت عين الشمس، فثلطت وبالت، أراد صلى الله عليه وسلم أنها إذا شبعت منها برَكت مستقبلة
(1) النهاية (2/ 40).
(2)
انظر: تهذيب اللغة للأزهري (4/ 395 - 397)، وشرح الأزهري هذا الحديث، قال: وإنما تقصّيت رواية هذا الخبر؛ لأنه إذا بتر استغلق معناه، وانظر كذلك (7/ 100).
عين الشمس تستمرىء بذلك ما أكلت، وتثلط فإذا ثلَطت فقد زال عنها الحبط، وإنما تحبط الماشية لأنها تمتلىء بطونها ولا تثلط ولا تبول، فتنتفخ أجوافها، فيعرض لها المرض فتهلك وأراد صلى الله عليه وسلم بزهرة الدنيا حسنها وبهجتها.
قوله أو يلم معطوف على قوله يقتل أي ما يقتل أو يكاد أن يقتل (1).
قوله صلى الله عليه وسلم: إن هذا المال خضرة حلوة أي غض طري وأصله من خضرة الشجر.
وقد رواه الحميدي (2): خضر حلو على التذكير، وفي أكثر نسخ الصحيحين بالتأنيث والأول ظاهر، والثاني على إرادة الدنيا.
4142 -
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم".
قلت: رواه البخاري هنا وفي الجزية وفي المغازي ومسلم في آخر الكتاب والترمذي في الزهد والنسائي في الرقائق وابن ماجه في الفتن كلهم من حديث عمرو بن عوف يرفعه. (3)
4143 -
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعل رزق آل محمَّد قوتًا"، ويروى:"كفافًا".
قلت: رواه البخاري في الرقائق ومسلم في الزكاة وفي الزهد والترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد والنسائي في الرقائق كلهم من حديث أبي هريرة. (4)
(1) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 40 - 41)، والمنهاج للنووي (7/ 200 - 202).
(2)
انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (2/ 441) رقم (1756).
(3)
أخرجه البخاري (6425)، ومسلم (2961)، والترمذي (2462)، وابن ماجه (3997)، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (10784).
(4)
أخرجه البخاري (6460)، ومسلم (1055)، والترمذي (2361)، وابن ماجه (4139)، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (14898).
قال أهل اللغة: ومعنى قوتًا: ما يسد الرمق من الطعام، وقيل: كفايتهم من غير إسراف وهذا الظاهر.
4144 -
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أفلح من أسلم، ورزق كفافًا، وقنّعه الله بما آتاه".
قلت: رواه مسلم في الزكاة والترمذي في الزهد وابن ماجه وابن حبان (1) في صحيحه كلهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه، ولم يخرجه البخاري، وقال بعد قوله: كفافًا، فصبر عليه، وسئل سعيد بن عبد العزيز ما الكفاف من الرزق؟ قال: شبع يوم وجوع يوم.
4145 -
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول العبد: مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أُعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس".
قلت: رواه مسلم في الزهد من حديث أبي هريرة يرفعه ولم يخرجه البخاري. (2)
ومعنى اقتنى: ادخره لآخرته.
4146 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان، ويبقى معه واحد: يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله".
قلت: رواه البخاري والنسائي كلاهما في الرقائق ومسلم والترمذي كلاهما في الزهد كلهم من حديث أنس يرفعه. (3)
4147 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ "، قالوا: يا رسول الله ما منّا أحد إلا مالُه أحب إليه، قال:"فإن ماله ما قدّم، ومال وارثه ما أخّر".
(1) أخرجه مسلم (1054)، والترمذي (2348)، وابن ماجه (4318)، وابن حبان (670).
(2)
أخرجه مسلم (2959).
(3)
أخرجه البخاري (6514)، ومسلم (2960)، والترمذي (2379)، والنسائي (4/ 53).