المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الفتن ‌ ‌من الصحاح 4280 - قال: "قام فينا رسول الله صلى - كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح - جـ ٤

[الصدر المناوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب اللباس

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الخاتم

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب النعال

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الترجل

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب التصاوير

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌كتاب الطب والرقى

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الفأل والطيرة

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الكهانة

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌كتاب الرؤيا

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌كتاب الأدب

- ‌باب السلام

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الاستئذان

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب المصافحة والمعانقة

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب القيام

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الجلوس والنوم والمشي

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب العطاس والتثاؤب

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الضحك

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الأسامي

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب البيان والشعر

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب حفظ اللسان والغيبة والشتم

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الوعد

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب المزاح

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب المفاخرة والعصبية

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب البر والصلة

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الشفقة والرحمة على الخلق

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الحب في الله

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب ما يُنهى عن التهاجُر والتقاطُع واتباع العورات

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الحذر والتأني في الأمور

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الغضب والكبر

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الظلم

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الأمر بالمعروف

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌كتاب الرقاق

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب فضل الفقراء، وما كان من عيش النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الأمل والحرص

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب استحباب المال والعمر للطاعة

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب التوكل والصبر

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الرياء والسمعة

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب البكاء والخوف

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب تغير الناس

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب فيه ذكر الإنذار والتعذير

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌كتاب الفتن

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الملاحم

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب أشراط الساعة

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب قصة ابن صياد

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب نزول عيسي عليه السلام

- ‌من الصحاح

- ‌باب قرب الساعة، وأن من مات، فقد قامت قيامته

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب لا تقوم الساعة إلا على الأشرار

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

الفصل: ‌ ‌كتاب الفتن ‌ ‌من الصحاح 4280 - قال: "قام فينا رسول الله صلى

‌كتاب الفتن

‌من الصحاح

4280 -

قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا، ما ترك شيئًا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة، إلا حدّث به: حفظه مَنْ حفظه، ونسيه مَنْ نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنّه ليكون منه الشيء قد نسيته، فأراه، فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه".

قلت: رواه الشيخان وأبو داود ثلاثتهم في الفتن ولم يقل البخاري: "قد علمه أصحابي هؤلاء" وفي أبي داود: قد علمه أصحابه هؤلاء. (1)

4281 -

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تعرض الفتن على القلوب، كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها، نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُربادًا، كالكوز مجخيًّا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه".

قلت: رواه مسلم في الإيمان بهذا اللفظ (2)، قال الإِمام عبد الحق: لم يخرج البخاري هذا اللفظ انتهى، وقد أخرج البخاري ومسلم أيضًا ما يقرب من هذا المعنى من حديث حذيفة أيضًا، ولذلك ذكر الحديث الذي يقرب من هذا المعنى الحميدي (3) في المتفق عليه ثم ذكر هذا الحديث، ثم قال: ما قدمناه عن حذيفة من الحديث المتفق عليه جاء بألفاظ أخر لا تتفق مع هذا، إلا في يسير فلذلك أفردنا هذا عن مسلم خاصة.

(1) أخرجه البخاري (6604)، ومسلم (2891)، وأبو داود (4240).

(2)

أخرجه مسلم (144).

(3)

انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 289 رقم 416)، أما المتفق عليه فبرقم (389).

ص: 444

قلت: وبعض الحفاظ يجعل الحديثين في المتفق عليه، قال ابن الأثير (1): وهو أولى والأمر في ذلك قريب إن شاء الله.

قال مسلم: قال أبو خالد: قلت: يا أبا مالك -هو سعيد بن طارق- ما أسود مربادًا؟ قال: شدة البياض في سواد، قلت: فما الكوز مجخيًّا؟ قال: منكوسًا (2).

قوله صلى الله عليه وسلم: تعرض الفتن على القلوب عودًا عودًا، قال النووي (3): هذان الحرفان مما اختلف في ضبطهما على ثلاثة أوجه: أظهرها وأشهرها عودًا عودًا بضم العين وبالدال المهملة، والثاني: بفتح العين وبالدال المهملة أيضًا، والثالث: بفتح العين وبالذال المعجمة، واختار القاضي عياض الوجه الأول، وذكر عن شيوخه أنهم اختاروا الوجه الثاني.

وقال في النهاية: الرواية بالفتح أي بفتح العين والدال أي مرة بعد مرة، قال: وروي: بالضم وهو واحد العيدان يعني ما ينسج به الحصير وروي: بالفتح مع الذال المعجمة كأنّه استعاذ من الفتن انتهى (4)، وأما عود بالرفع فهو على أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي كالحصير نسجها عود عود.

قال القاضي (5): ومعنى تعرض: أنها تلصق بجانب القلوب، أي جانبها، كما يلصق الحصير بجنب النائم ويؤثر فيه شدة التصاقها به، قال: ومعنى عودًا عودًا: أي يعاد ويكرر شيئًا بعد شيء، ومن رواه بالذال المعجمة فمعناه: سؤال الاستعاذة منها، وقال

(1) انظر: جامع الأصول (10/ 22) وذكر ابن الأثير كلام الحميدي هذا.

(2)

أخرجه مسلم برقم (144).

(3)

انظر: المنهاج للنووي (2/ 226).

(4)

النهاية (3/ 318).

(5)

انظر: إكمال المعلم للقاضي (1/ 452).

ص: 445

بعضهم: معنى تعرض الفتنة على القلوب: تُظْهر على القلوب أي تظهر لها فتنة بعد أخرى.

وقوله: كالحصير، أي كما ينسج الحصير عودًا عودًا، قال القاضي: وعلى هذا تترجح رواية ضم العين، وذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودًا أخذ آخر، ونسجه، فشبه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدًا بعد واحد.

قال القاضي (1): وهذا معنى الحديث عندي وهو الذي يدل عليه سياق لفظه وصحة تشبيهه.

قوله صلى الله عليه وسلم: فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، معنى أشربها دخلت فيه دخولًا تامًّا، وألزمها وحلت منه محل الشراب، ومنه قوله تعالى:{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أي: حب العجل، ومعنى نكت فيه نكتة: نقط فيه نقطة وهو بالتاء المثناة في آخره. ومعنى أنكرها: ردها.

وقوله صلى الله عليه وسلم: حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض والآخر أسود مربادًا.

قال عياض: ليس تشبيهه بالصفا بيانًا لبياضه لكن بصفة أخرى وهي شدته على عقد الإيمان وسلامته من الخلل، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه كالصفا وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء.

وأما مربادًا: فكذا هو في الأصول، وهو منصوب على الحال، وذكر عياض (2) خلافًا في ضبطه، وأن منهم من ضبطه كذلك، ومنهم من رواه مربدّ مثل مسود ومحمر وكذا ذكره أبو عبيد والهروي (3) والدال مشددة على القولين، وقد فسره في الحديث.

(1) انظر: المصدر السابق (1/ 453).

(2)

انظر: المصدر السابق (1/ 454).

(3)

انظر: الغريبين للهروي (2/ 380 - 381).

ص: 446

وأما قوله: مجخيًّا، فهو بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم خاء معجمة مكسورة ومعناه مائلًا كذا قاله أهل اللغة وفسره الراوي في الكتاب بقوله: منكوسًا، وهو قريب من معنى المائل، قال القاضي عياض (1) عن شيخه: إن قوله صلى الله عليه وسلم: كالكوز مجخيًّا، ليس تشبيهًا لما تقدم من سواده بل هو وصف آخر من أوصافه بأنه قُلب ونُكس حتى لا يَعلق به خير ولا حكمة.

قوله: قلت: لسعد ما أسود مربادًا قال: شدة البياض في سواد قال عياض (2) كان بعض شيوخنا يقول إنه تصحيف وإن صوابه شبه البياض في سواد لا شدة البياض.

قال في المشارق (3): الربدة لون بين السواد والبياض والغبرة مثل لون الرماد، قال: وفي بعض روايات مسلم مربئد بالهمزة، وقال: والهمزة لغة في هذا الباب ارباد واحمار (4).

4282 -

قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر: حدثنا: "أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة" وحدثنا عن رفعها قال: "ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت ثم ينام النومة، فتقبض، فيبقى أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرًا وليس فيه شيء، ويصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدّي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبَّة من خردل من إيمان".

(1) انظر: إكمال المعلم (1/ 454).

(2)

انظر: إكمال المعلم (1/ 454).

(3)

انظر: مشارق الأنوار (1/ 279)، والمنهاج (2/ 228).

(4)

انظر: المنهاج (2/ 173).

ص: 447

قلت: رواه البخاري في مواضع منها في الفتن بهذا اللفظ ومسلم في الإيمان والترمذي وابن ماجه في الفتن كلهم من حديث حذيفة. (1)

قال البخاري: الجذر: الأصل من كل شيء، والوكت: أثر الشيء اليسير منه.

قوله: حدثنا حديثين، معناه حدثنا في الأمانة، وإلا فروايات حذيفة كثيرة.

والجذر: بفتح الجيم وكسرها لغتان، وبالذال المعجمة فيهما، وهو الأصل.

وأما الأمانة: فالظاهر أن المراد بها التكاليف الشرعية، والعهد الذي أخذه الله على العباد.

والوكت: بفتح الواو وإسكان الكاف وبالتاء المثناة من فوق الأثر اليسير.

والمجل: بفتح الميم وإسكان الجيم وفتحها لغتان، والمشهور الإسكان، قال أهل اللغة: هو التنفط الذي يصير في اليد من العمل بفأس أو نحوها، ويصير كالقبة فيه ماء قليل، ونفط: بفتح النون وكسر الفاء، ومنتبرًا: أي مرتفعًا، وأصل هذه اللفظة الارتفاع، ومنه المنبر، لارتفاع الخطيب عليه، وقال: نفي ولم يقل: نفطت مع أن الرجل مؤنثة، إتباعًا للفظ الرجل، أو لمعنى الرجل لأنها العضو، ومعنى الحديث: أن الأمانة تزول عن القلوب شيئًا فشيئًا، فإذا زال أول جزء منها زال نورها، وخلفته ظلمة كالوكت، وهو اعتراض نور مخالف النور الذي قبله، فإذا زال شيء آخر صار كالمجل، وهو أثر محكم، وهذه الظلمة فوق التي قبلها، ثم شبه زوال ذلك النور بعد استقراره في القلب، واعتقاب الظلمة إياه بجمر دحرجته على رجلك، حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى التنفط، قاله النووي (2).

4283 -

قال: قلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال:"نعم"، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن"، قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير

(1) أخرجه البخاري (6497)(7586)، ومسلم (143)، والترمذي (2179) ، وابن ماجه (4053).

(2)

انظر: المنهاج للنووي (2/ 222 - 223).

ص: 448

هديي، تعرف منهم وتنكر"، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها"، قلت: يا رسول الله! صفهم لنا، قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".

قلت: رواه البخاري في علامات النبوة وفي الفتن ومسلم فيه كلاهما من حديث (1) أبي إدريس الخولاني عن حذيفة، كذا قاله المزي في الأطراف (2) ولم أره في مسلم في الفتن وإنما ذكره مسلم في أثناء كتاب الجهاد في باب الطاعة للأمير من حديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة، وكذا ذكره الإِمام عبد الحق في "الجمع بين الصحيحين" وهو على ترتيب مسلم فما قاله الحافظ المزي رضي الله عنه وهم، ولفظ المصابيح ثابت في الصحيحين إلا قوله:"يستنون بغير سنتي"، فإنني لم أرها في البخاري لا في باب علامات النبوة ولا في الفتن، وإنما هي في مسلم، والدخن: بفتح الدال المهملة والخاء المعجمة أصله أن تكون في لون الدابة كدورة تضرب إلى سواد، قالوا: والمراد هنا، أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض، ولا يزول خبثها (3)، قال القاضي عياض (4): قيل المراد بالخير بعد الشر أيام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، والهدي: الطريقة، والهداية والسيرة.

(1) أخرجه البخاري (3606)(7084)، ومسلم (1847).

(2)

انظر: تحفة الأشراف (3/ 44 - 45) رقم (3362).

(3)

انظر: المنهاج للنووي (12/ 328).

(4)

انظر: إكمال المعلم (6/ 255).

ص: 449

قوله صلى الله عليه وسلم: تعرف منهم وتنكر، المراد: الأمراء بعد عمر بن عبد العزيز، ويجوز أن يكون معناه تبصر منهم المعروف والمنكر أي لا يكون جميع أفعالهم معروفًا ولا جميعها منكرًا، قوله صلى الله عليه وسلم: دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلالة كالخوارج وغيرهم، والله أعلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، أي من أنفسنا وعشيرتنا، وقيل: من أهل ملتنا ويتكلمون بما قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي قلوبهم شيء من الخير (1).

4284 -

وفي رواية: "تكون بعدي أئمة، لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس"، قال حذيفة، قلت: كيف أصنع يا رسول الله! إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع الأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك".

قلت: رواها مسلم (2) على أثر الحديث الذي قبلها من حديث أبي سلام عن حذيفة، وذكر الدارقطني (3) أن أبا سلام لم يسمع من حذيفة فهو منقطع، وقد قال فيه: قال حذيفة، قال الذهبي (4): لم يخرج البخاري لأبي سلام في صحيحه شيئًا لأنه فيما قيل رواياته مرسلة، قال النووي (5): وما قاله الدراقطني صحيح، ولكن المتن صحيح متصل بالطريق الأول، وإنما أتى مسلم بها متابعة فإن المرسل إذا روي من طريق آخر متصلًا تبينا به صحة المرسل، وجاز الاحتجاج به، ويصير في المسألة حديثان صحيحان انتهى. وأبو سلام اسمه ممطور الأسود الحبشي.

(1) انظر: المنهاج للنووي (12/ 329 - 330).

(2)

أخرجه مسلم (1847).

(3)

انظر: الإلزامات والتتبع للدارقطني (ص 257).

(4)

انظر: الكاشف (2/ 293) رقم (5623).

(5)

المنهاج (12/ 236 - 237).

ص: 450

4285 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا".

قلت: رواه مسلم في الإيمان والترمذي في الفتن من حديث أبي هريرة (1).

4286 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتن، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأً أو معاذًا فليعُذْ به".

قلت: رواه الشيخان البخاري في علامات النبوة وفي الفتن ومسلم في الفتن من حديث أبي هريرة (2).

قوله صلى الله عليه وسلم: من تشرف لها تستشرفه، قال النووي (3): روي تشرف على وجهين، أحدهما: فتح التاء المثناة من فوق والشين والراء والثاني بضم الياء المثناة من تحت وإسكان الشين وكسر الراء، وهو من الإشراف للشيء وهو التطلع إليه، والتعرض له، ومعنى تستشرفه تقلبه وتصرعه، والملجأ: العاصم، والموضع الذي يلتجأ فليعذ به أي فليعتزل فيه.

4287 -

وفي رواية: "النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان خير من النائم".

قلت: هذه الرواية في مسلم في الفتن ولم يذكر البخاري: النائم (4).

4288 -

وفي رواية: "فإذا وقعت، فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه"، فقال له رجل: يا رسول الله أرأيت من لم تكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: "يعمد إلى سيفه،

(1) أخرجه مسلم (118)، والترمذي (2195).

(2)

أخرجه البخاري (3601)(7081)(7082)، ومسلم (2886).

(3)

المنهاج (18/ 12).

(4)

أخرجه مسلم (2886).

ص: 451

فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت؟ "، ثلاثًا، فقال رجل: يا رسول الله أرأيت إن أكرهت، حتى يُنطلق بي إلى إحد الصفين، فضربني رجل بسيفه، أو يجيء سهم فيقتلني؟ فقال: "يبوء بإثمك وإثمه، فيكون من إصحاب النار".

قلت: رواها مسلم في الفتن من حديث أبي بكرة (1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها ستكون فتن الإثم، تكون فق الإثم، تكون فتن: القاعد فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا وقعت فمن كان له إبل

" وساقه إلى آخره، ولم يخرجه البخاري من حديث أبي بكرة بهذا اللفظ.

قوله صلى الله عليه وسلم: يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر، قيل: المراد كسر السيف حقيقة على ظاهر الحديث، وقيل: مجاز، والمراد: ترك القتال، وهذا الحديث وما أشبهه قد تمسك به من رأي ترك القتال في الفتنة بكل حال، وقد اختلف العلماء في ذلك، فقالت طائفة: لا يقاتل فيه المسلمين وإن دخلوا عليه في بيته وطلبوا قتله، ولا يجوز له المدافعة لأن الطالب متأول، وهذا قول أبي بكرة وغيره، وقيل: لا يجوز الدخول فيها لكن إذا دخلوا عليه دفع عن نفسه، وقال معظم علماء الإِسلام: يجب نصرة الحق، والقيام مع أهله ومقاتلة الباغي قال الله تعالى:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} ، وتأولوا الحديث على ما إذا لم يظهر الحق، أو على طائفتين ظالمتين.

قوله صلى الله عليه وسلم: يبوء بإثمه وإثمك، أي يلزمه ويرجع عليه، ويحمله أي يبوء الذي أكرهك بإثمه في إكراهك وفي دخوله في الفتنة، وبإثمك في قتلك وغيره، ويكون من أصحاب النار أي مستحقًا لها، وفي هذا الحديث رفع الإثم عن المكره على الحضور هناك، وأما القتل فلا يباح بالإكراه بل يأثم المكره عليه المأمور به بالإجماع، وقد نقل بعضهم فيه

(1) أخرجه مسلم (2886)(2887).

ص: 452

الإجماع، قال أصحابنا: وكذا الإكراه على الزنا لا يرفع الإثم فيه: ولكن لو ربطت امرأة ولم يمكنها المدافعة فلا إثم (1).

4289 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يكون خير مال المسلم: غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن".

قلت: رواه البخاري في الإيمان وفي الجزية وفي الفتن وفي علامات النبوة وفي الرقائق وأبو داود وابن ماجه كلاهما في الفتن والنسائي كلهم من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبي سعيد به ولم يخرجه مسلم. (2)

قوله صلى الله عليه وسلم: شعف الجبال، هو بالشين المعجمة وبالعين المهملة المفتوحتين وبالفاء وهو جمع شعفة بالتحريك وهي رأس الجبل.

4290 -

قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أُطُم من آطام المدينة، فقال:"هل ترون ما أرى؟ "، قالوا: لا، قال:"فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع المطر".

قلت: رواه البخاري في الحج وفي علامات النبوة وفي الفتن ومسلم في الفتن (3).

والأطم: بضم الهمزة والطاء وهو القصر والحصن وجمعه آطام ومعنى أشرف: علا والتشبيه بمواقع القطر في الكثرة والعموم أي كثيرة عامة لا تخص طائفة، وهذا إشارة إلى مقتل عثمان والجمل وصفين وغير ذلك، وفيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم (4).

4291 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش".

قلت: رواه البخاري في علامات النبوة وفي الفتن من حديث أبي هريرة. (5)

(1) انظر: المنهاج للنووي (18/ 15 - 16).

(2)

أخرجه البخاري في الإيمان (19)، والفتن (7088)، ومن علامات النبوة (6495)، وفي بدأ الخلق (3300)، وأبو داود (4267)، وابن ماجه (3980)، والنسائي (8/ 123).

(3)

أخرجه البخاري (7060)(1878)(3597)، ومسلم (2885).

(4)

انظر: المنهاج للنووي (18/ 11 - 12).

(5)

أخرجه البخاري في علامات النبوة (2605)، وفي الفتن (7058).

ص: 453

وغلمة: بكسر الغين المعجمة وفتح الميم وهو جمع غلام، فجمعوه على غلمة وغلمان، والمراد والله أعلم بذلك: ما وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وما فعله الحجاج وأطلق صلى الله عليه وسلم الأمة على الصحابة لأنهم أعظم الأمة.

4292 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتقارب الزمان، ويُقبض العلم وتظهر الفتن، ويلقى الشُحّ، ويكثر الهرج"، قالوا: وما الهرج؟ قال: "القتل".

قلت: رواه البخاري في الأدب وفي الفتن ومسلم في القدر وأبو داود في الفتن كلهم من حديث أبي هريرة (1). ومعنى يتقارب الزمان: أي يقرب من القيامة.

ويلقى الشح: هو بإسكان اللام وتخفيف القاف أي يوضع في القلوب، ورواه بعضهم بفتح اللام وتشديد القاف أي يعطى.

والشح: هو البخل بأداء الحقوق والحرص على ما ليس له وقد تقدم تفسيره.

4293 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم، لا يدري القاتل فيم قتل؟ ولا المقتول فيم قتل؟ فقيل كيف ذلك؟ قال:"القاتل والمقتول في النار".

قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (2)

4294 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العبادة في الهرج كهجرة إليّ".

قلت: رواه مسلم والترمذي وابن ماجه كلهم في الفتن من حديث معقل بن يسار ولم يخرجه البخاري. (3)

4295 -

قال: أتينا أنس بن مالك، فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان، إلا الذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.

(1) أخرجه البخاري في الفتن (7061)، وفي الأدب (6037)، ومسلم (157)، وأبو داود (4255).

(2)

أخرجه مسلم (2908).

(3)

أخرجه مسلم (2948)، والترمذي (2201)، وابن ماجه (3985).

ص: 454