الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحب في الله
من الصحاح
4025 -
قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".
قلت: رواه مسلم في أواخر كتاب، الأدب من حديث أبي هريرة وأخرجه البخاري من حديث عائشة تعليقًا (1) ولم يصل سنده كذا قاله: عبد الحق.
قال ابن الأثير (2): ومعنى مجندة: مجتمعه، كما يقال: ألوف مؤلفة، وقناطير مقنطرة، ومعناه الإخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدّمها الأجساد: أي أنها خلقت أول خَلْقها على قسمين: من ائتلاف واختلاف، كالجنود المجموعة إذا تقابلت وتواجهت.
ومعنى تقابل الأرواح: ما جعلها الله عليه من السعادة، والشقاوة، والاختلاف في مبدأ الخلق، يقول: إن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا، فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه، ولهذا ترى الخيّر يحب الأخيار ويميل إليهم، والشرير يحب الأشرار ويميل إليهم.
قال في شرح السنة (3): وفي هذا الحديث دليل على أن الأرواح ليست بأعراض، وعلى أنها كانت موجودة قبل الأجساد، وعلى أنها تبقى بعد فناء الأجساد إلى ما بين النفختين. كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهداء أن أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في الجنة. (4)
(1) أخرجه مسلم (2638) وعلقه البخاري عن عائشة (3336).
(2)
النهاية (1/ 305).
(3)
شرح السنة (13/ 57).
(4)
أخرجه مسلم (1887).
4026 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل عليه السلام، فقال: إني أحب فلانًا، فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثمَّ ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثمَّ يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانًا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثمَّ ينادى في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه -قال: فيبغضونه- ثمَّ توضع له البغضاء في الأرض".
قلت: رواه الشيخان: البخاري في بدء الخلق ومسلم في الأدب إلا أن البخاري لم يذكر قوله صلى الله عليه وسلم: في البغضاء، وكذلك رواه مالك في الموطأ إلا أنَّه قال: ولا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك، ورواه الترمذي مثل مسلم وزاد في حديثه في ذكر المحبة فذلك قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} . ورواه النسائيُّ في الملائكة كلهم من حديث أبي هريرة. (1)
ومحبة الله لعبده هي: إرادة الخير له وهدايته وإنعامه عليه ورحمته، وبغضه: إرادة عقابه أو شقاوته وحب جبريل والملائكة: يحتمل وجهين، أحدهما: استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم، والثاني: أن محبتهم على ظاهرها المعروف من محبة المخلوقين وهو ميل القلب إليه واشتياقهم إلى لقائه.
قوله: يوضع له القبول في الأرض، القبول: بفتح القاف المحبة والرضى وميل النفس.
4027 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أُظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي".
قلت: رواه مسلم في الأدب ومالك في الموطأ من حديث أبي هريرة يرفعه (2) ولم يخرجه البخاري.
(1) أخرجه البخاري (3209)، ومسلم (2637)، والترمذي (3161)، ومالك (3/ 128)، والنسائيُّ انظر (تحفة الأشراف 9/ 415، 416).
(2)
أخرجه مسلم (2566)، ومالك في الموطأ (2/ 952).
والباء في بجلالي: قال بعضهم: يجوز أن يتعلق بالمحابين أي الذين يتحابون بجلالي، ويجوز أن يكون با القسم فيكون المعنى بحق جلالي أفعل بهم كذا.
4028 -
عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن رجلًا زار أخًا له، في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تَرُبّها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله، قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه".
قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري أيضًا. (1)
والمدرجّه: بفتح الميم قال الجوهري (2): المذهب والمسلك.
قال ابن الأثير (3): هي مفرد الدارج وهي المواضع التي يدرج فيها: أي يُمْشي، وفي خطبة الحجاج: ليس هذا بعُشِّك فادرجى أي: اذهبي، وهو مثل يُضرب لمن يتعرض إلى شيء ليس منه.
قوله: تربها، قال في النهاية (4) أي تَحْفَظُها وتُراعيها وتربيها كما يُرَبِّي الرجل ولده يقال: رب فُلان ولده يَرُبُّهُ رَبًّا وربَّبه ورَبَّاه كله بمعنى واحد.
4029 -
قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف تقول في رجل أحب قومًا، ولم يلحق بهم؟ قال:"المرء مع من أحب".
قلت: رواه الشيخان كلاهما في الأدب من حديث ابن مسعود ولفظه: ولما يلحق بهم، وكذا رواه المصنف في شرح السنة (5).
(1) أخرجه مسلم (2567).
(2)
انظر: الصحاح للجوهري (1/ 314).
(3)
انظر: النهاية (2/ 111).
(4)
انظر: النهاية (2/ 180).
(5)
أخرجه البخاري (6169)، ومسلم (2640)، والبغويُّ في شرح السنة (13/ 63)، و (1/ 3) رواية ابن مسعود.
ومعنى لما يلحق بهم لم يعمل بعملهم أو لم يصاحبهم قال أهل العربية: لما نفي للماضي المستمر، فيدل على نفيه في الماضي وفي الحال، بخلاف لم، فإنها تدل على الماضي فقط (1).
4030 -
أن رجلًا قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: "ويلك! وما أعددت لها؟ " قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا عمل، إلا أني أحب الله ورسوله، قال:"أنت مع من أحببت".
قلت: رواه الشيخان في الأدب من حديث أنس (2) وفي الحديث: قال أنس فما فرحنا بعد الإِسلام فرحًا أشد من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإنك مع من أحببت" قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بأعمالهم.
قال البخاري: وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم.
قلت: وأرجو مع عظيم خطيئاتي أن أكون معهم بحبي إياهم، أماتنا الله على ذلك وعلى محبة جميع الصحابة والتابعين وغفر لنا أجمعين.
قوله: ما أعددت لها كثير صلاةٍ، قال النوويّ (3): ضبطوه بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة وهما صحيحان، معناه: ما أعددت لها كثير نافلة من صلاة ولا صيام ولا صدقة.
قوله: أنت مع من أحببت، في جواب سؤال السائل متى الساعة.
قال الخطابي (4): كان سؤال الناس عن وقت قيام الساعة على وجهين: أحدهما: على معنى التعنت له والتكذيب بها، والآخر على سبيل التصديق بها، والإشفاق
(1) انظر: المنهاج للنووي (16/ 285).
(2)
أخرجه البخاري (6167)، ومسلم (2639) لم أجد قول البخاري هذا في كتاب الأدب.
(3)
انظر: المنهاج للنووي (16/ 286).
(4)
انظر: أعلام الحديث (3/ 2206 - 2207).