الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4364 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى تكلم الرجلَ عذبة سوطه، وشراك نعله، وتخبره فَخِذه بما أحدث أهله بعده".
قلت: رواه الترمذي في الفتن من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد وقال فيه: حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث، وثقه يحيى وابن مهدي انتهى كلامه. ورواه الحاكم في المستدرك وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي. (1)
وعذبة السوط: بالذال المعجمة طرفه، والعذبة طرف الشيء.
باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال
من الصحاح
4365 -
قال: "اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذكرون؟ " قالوا: فذكر الساعة، قال: "إنها لن تقوم، حتى تروا قبلها عشر آيات"، فذكر: "الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بحزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم".
ويروى: "نار تخرج من قعر عدن، تسوق الناس إلى المحشر".
وفي رواية: في العاشرة: "وريح تلقي الناس في البحر".
قلت: رواه مسلم والترمذي وابن ماجه كلهم في الفتن وأبو داود في الملاحم والنسائي في التفسير (2) كلهم من حديث حذيفة بن أسيد.
(1) أخرجه الترمذي (2181)، والحاكم (4/ 467) وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه مسلم (2901)، والترمذي (2183)، وابن ماجه (4041)، وأبو داود (4311)، والنسائي في الكبرى (11482).
وفي لفظ لمسلم: موضع نزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم ريح تلقي الناس في البحر، وأخرجه أبو داود من كلام حذيفة موقوفًا، لا يذكر النبي- صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ الترمذي: والعاشرة: "إما ريح تطرحهم في البحر وإما نزول عيسى ابن مريم"، ولفظ النسائي: يخرج من قعر عدن، ولفظ ابن ماجه: ونار تخرج من قعر عدن، ولم يخرج البخاري هذا الحديث، إلا حشر الناس فإنه ذكره هو ومسلم من حديث أبي هريرة، ولم يخرج البخاري عن حذيفة بن أسيد في كتابه شيئًا.
وأسيد: بفتح الهمزة وكسر السين وقد قدم المصنف في الباب قبله ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى.
قال عياض (1): وهذه النار التي في حديث حذيفة التي تحشر الناس هي التي في حديث أبي هريرة التي تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، قال: ولعلهما ناران تجتمعان لحشر الناس، قال: ويكون ابتداء خروجها من اليمن ويكون ظهورها وقوتها بأرض الحجاز انتهى كلام القاضي.
قال النووي (2): وليس في الحديث أن نار الحجاز متعلقة بالحشر، بل هي آية مستقلة من أشراط الساعة، وقد خرجت في زماننا في المدينة سنة نيف وخمسين وستمائة وكانت نارًا عظيمة، خرجت من جنب المدينة الشرقي، وراء الحرة، وتواتر العلم بها عند جميع الشام، وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة.
قال النووي (3): وهذا الحديث يؤيد قول من قال: إن الدخان دخان يأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام، وإنه لم يأت بعد، وإنما يكون قريبًا من الساعة، وقد أنكر ابن مسعود هذا، وقال: هو ما نال قريشًا من القحط، فكانوا يرون
(1) انظر: إكمال المعلم (8/ 442).
(2)
المنهاج (18/ 38).
(3)
المصدر السابق (18/ 37).
بينهم وبين السماء كهيئة الدخان، وقال بالقول الآخر: حذيفة وابن عمر، ورواه حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: وأنه تمكث في الأرض أربعين يومًا، ويحتمل: أنها دخان للجمع بين هذه الآثار، وأما الدابة المذكورة هنا: فهي المذكورة في قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ} .
قال المفسرون: هي دابة عظيمة تخرج من صدع من الصفا.
وعن ابن عمرو بن العاص: أنها الجساسة المذكورة في حديث الدجال.
وقعر عدن: أقصى أرضها، وقعر الشيء نهاية أسفله، وعدن: مدينة من مدن اليمن المشهورة، وهي عدن أبين على وزن أبيض بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة ونون هذا هو المشهور في تفسيرها وذكرها سيبويه بكسر الهمزة وجوز فيها الفتح وسميت برجل من حمير عدن بها أي أقام.
4366 -
قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال ستًّا: الدخان والدجال، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصة أحدكم"، (يعني الموت).
قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي هريرة وأنس ولم يخرجه البخاري. (1)
قوله صلى الله عليه وسلم: وأمر العامة يريد به صلى الله عليه وسلم القيامة الكبرى لأنها تعم الخلق.
وخويصة: تصغير خاصة، والصاد مشددة، وصغرت لاستصغارها في جنب سائر الحوادث العظام من البعث والحساب وغيرها ويجوز أن تكون صغرت للتعظيم، قوله: يعني الموت، هو من قول هشام الدستوائي.
4367 -
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الآيات خروجًا: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيّهما ما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على أثرها قريبًا".
(1) أخرجه مسلم (2947).
قلت: رواه مسلم في الفتن وكذلك أبو داود وابن ماجه كلهم من حديث عبد الله بن عمرو ولم يخرجه البخاري. (1)
4368 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث إذا خرجن: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض".
قلت: رواه مسلم في الإيمان (2) من حديث أبي هريرة ولم يذكر البخاري هذا اللفظ إلا: في طلوع الشمس من مغربها، ذكره في تفسير سورة الأنعام، وذكر الدجال، وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى ولم يذكر في كتابه: الدابة.
4369 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة، حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، وذلك حين {لا ينفع نفسًا إيمانها} " ثم قرأ الآية.
قلت: رواه الشيخان وفي بعض طرق البخاري: "حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها"، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم من حديث أبي هريرة. (3)
4370 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غربت الشمس: "أتدري أين تذهب هذه؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال:"فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، وذلك قوله: {والشمس تجري لمستقر لها} قال: مستقرها تحت العرش".
(1) أخرجه مسلم (2941)، وأبو داود (4310)، وابن ماجه (4069).
(2)
أخرجه مسلم (158).
(3)
أخرجه البخاري (4636)، ومسلم (157)، وأبو داود (4312)، والنسائي في الكبرى (11177)، وابن ماجه (4068).
قلت: رواه الشيخان البخاري في التفسير وفي التوحيد وفي غيرهما واللفظ له ومسلم في الإيمان وأبو داود في الحروف مختصرًا والترمذي في الفتن والتفسير والنسائي في التفسير كلهم من حديث أبي ذر. (1)
قال الخطابي (2): أهل التفسير وأصحاب المعاني قالوا: في المستقر قولان، أحدهما: معناه أجل مدتها يعني مدة بقاء العالم، الثاني: مستقرها، غاية ما تنتهي إليه في صعودها، وارتفاعها لأطول يوم في الصيف، ثم تأخذ في النزول حتى تنتهي إلى أقصى مشارق الشتاء الأقصى يوم في السنة.
قوله صلى الله عليه وسلم: مستقرها تحت العرش، من الغيب الذي يؤمن به، ويحتمل: أن يريد أن علم ما سألت عنه مستقرها تحت العرش في كتاب هو اللوح المحفوظ، كتب فيه مبادئ أمور العالم ونهاياتها، والوقت الذى ينتهي إليه مدتها، فينقطع دوران الشمس وتستقر عند ذلك، ولا يقال لها استقرار تحت العرش على هذا التأويل كذا قاله بعضهم (3)، والذي نعتقده الإيمان بما جاء على ظاهره واجب، ونترك هذه التأويلات ونفوض اليقين إلى من يدبر الأمر من السماء إلى الأرض فهو قادر على ذلك سبحانه لأنه لا رب غيره ولا مدبر سواه.
4371 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال".
قلت: رواه مسلم في الفتن عن هشام بن عامر الأنصاري، وليس هو عن هشام بن حكيم، ولم يخرجه البخاري ولا أخرج في كتابه عن هشام بن عامر الأنصاري شيئًا ولم
(1) أخرجه البخاري في التفسير (4803)، وفي التوحيد (7433)، ومسلم (159)(251)، والترمذي (2186)، والنسائي في الكبرى (11430)، وأبو داود (4002) وروايته مختصرة جدًّا.
(2)
انظر: أعلام الحديث للخطابي (3/ 1892)، وتفسير الطبري (23/ 5 - 6).
(3)
انظر: أعلام الحديث للخطابي (3/ 1892 - 1893).
يخرج له مسلم في صحيحه غير هذا الحديث وقد وقع في بعض نسخ المصابيح نسبة الحديث إلى هشام بن حكيم وهو وهم. (1)
4372 -
قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال:"إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكن أقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور".
قلت: رواه البخاري ومسلم في الفتن من حديث ابن عمر. (2)
4373 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور، وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية".
قلت: رواه الشيخان في الفتن من حديث عبد الله بن مسعود. (3)
قوله صلى الله عليه وسلم: طافية، قال النووي (4): رويت بالهمزه وتركه، وكلاهما صحيح، فالمهموز هي التي ذهب نورها، وغير المهموز نتأت وطفت مرتفعة وفيها ضوء وقد جاء في هذه الرواية: أعور العين اليمنى وفي رواية: اليسرى، وكلاهما صحيح.
والعور في اللغة: العيب، وعيناه معيبتان عورًا، وإن إحداهما طافئة بالهمزة، لا ضوء فيها، والأخرى طافية بلا همزة ظاهرة ناتئة.
4374 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا قد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا أنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه: ك ف ر".
(1) أخرجه مسلم (2946).
(2)
أخرجه البخاري (7127)، ومسلم (2930).
(3)
أخرجه البخاري (3439)، ومسلم (2932). قلت: وهو من رواية عبد الله بن عمر في الفتن وليس ابن مسعود.
(4)
المنهاج (2/ 235) و (18/ 80 - 81).
قلت: رواه الشيخان كلاهما في الفتن وأبو داود في الملاحم والترمذي في الفتن من حديث أنس (1) وسيأتي في ثالث هذا الحديث التنبيه على أن هذه الكتابة حقيقية أم مجازية؟.
4375 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أحدثكم حديثًا عن الدجال، ما حدث به نبي قومه؟، إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثل الجنة والنار، فالتي يقول: إنها الجنة، هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه".
قلت: رواه الشيخان: البخاري في خلق آدم، ومسلم في الفتن كلاهما من حديث أبي هريرة. (2)
4376 -
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الدجال يخرج، وإن معه ماء ونارًا، فأما الذي يراه الناس ماء: فنار تُحرق، وأما الذي يراه الناس نارًا، فإنه ماء عذب، فمن أدرك ذلك منكم، فليقع في الذي يراه الناس نارًا، فإنه ماء عذب طيب، وإن الدجال ممسوح العين، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن، كاتب وغير كاتب". (3)
قلت: رواه الشيخان كلاهما في الفتن مفرقًا في حديثين بزيادة اختصرها المصنف وروى أبو داود معناه في الملاحم كلهم من حديث حذيفة.
قوله صلى الله عليه وسلم: يراه هو بفتح الياء وضمها، قوله صلى الله عليه وسلم: ممسوح العين هذه الممسوحة هي الطافئة بالهمزة التي لا ضوء فيها.
قوله صلى الله عليه وسلم: مكتوب بين عينيه كافر، الصحيح أن هذه الكتابة على ظاهرها وأنها كتابة حقيقية جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعات بكفره وكذبه، وتظهر لكل مؤمن كاتب وغير كاتب، ويخفيها عن من أراد شقاوته وكفره، وقيل: هي مجاز وإشارة
(1) أخرجه البخاري (7131)، ومسلم (2933)، وأبو داود (4316)، والترمذي (2245).
(2)
أخرجه البخاري (3338)، ومسلم (2936).
(3)
أخرجه البخاري (7130)، ومسلم (2934).
إلى إثبات الحدوب عليه، واحتج بقوله: يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، وهذا ضعيف.
والظفرة: بفتح الظاء المعجمة والفاء، وهي جلدة تغشى البصر وقال الأصمعي: لحمة تنبت عند المآقي (1).
4377 -
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدجال أعور العين اليسرى، جُفال الشعر، معه جنته وناره، فناره جنة، وجنته نار".
قلت: رواه مسلم في الفتن ولم يخرجه البخاري. (2)
قوله صلى الله عليه وسلم: جفال الشعر هو بضم الجيم وتخفيف الفاء أي كثيره.
4378 -
قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال، فقال:"إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط، عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف".
قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث طويل، هذه قطعة منه، وتتمته في الرواتين بعده، وقد قدمت أن البخاري لم يخرج في صحيحه شيئًا عن النواس بن سمعان. (3)
وسمعان: بفتح السين وكسرها، وإنما خرج له مسلم ثلاث أحاديث هذا أحدها وهو أطولها، والثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع الناس عليه"(4)، والثالث: في فضل سورة البقرة وآل عمران (5).
(1) انظر: المنهاج للنووي (18/ 81 - 83).
(2)
أخرجه مسلم (2934).
(3)
أخرجه مسلم (2937).
(4)
أخرجه مسلم (2553).
(5)
أخرجه مسلم (805).
قوله صلى الله عليه وسلم: شاب قطط، هو بفتح القاف والطاء أي شديد جعودة الشعر مباعد للجعودة المحبوبة، وعبد العزى بن قطن هو رجل من خزاعة مات في الجاهلية.
- وفي رواية: "فليقرأ عليه بفواتح سورة الكهف، فإنها جوازكم من فتنته، إنه خارج من خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينًا، وعاث شمالًا، يا عباد الله! فاثبتوا، قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يومًا: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم"، قلنا: يا رسول الله! فذاك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا، اقدروا له قدوه" قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: "كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى، وأسبغه ضروعًا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النخل، ثم يدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيُقبل، ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك، إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء، شرقي دمشق بين مهروذتين واضعًا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدّر منه مثل جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لُدّ، فيقتله، ثم يأتى عيسى بن مريم إلى قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك، إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادًا لي، لا يدان لأحد بقتالهم، فحرّز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج {وهم من كل حدب ينسلون} ، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقول: لقد كان بهذه مرة ماء، ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس، فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء،
فيرمون بنشّابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دمًا، ويحصر نبي الله وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله عليهم طيرًا كأعناق البخت فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله".
قلت: رواه مسلم في الفتن وهي بعض حديث النواس. (1)
قوله صلى الله عليه وسلم: أنه خارج خلة بين الشام والعراق، قال النووي (2): هو في نسخ بلادنا بفتح الخاء المعجمة واللام وتنوين الهاء، وقال عياض (3): المشهور فيه حلة بالحاء المهملة وبنصب التاء يعني بغير تنوين، قيل: معناه سمت ذلك وقبالته، وفي كتاب العين: الحلة موضع حزن وصخور، قال: ورواه بعضهم بضم اللام وبهاء الضمير أي حلوله ونزوله، قال: ذكره الحميدي (4) في "الجمع بين الصحيحين" قال: وذكره الهروي خلة بالخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحتين، وفسره بأنه ما بين البلدين انتهى كلام القاضي.
قال النووي (5): وهذه الذي ذكره عن الهروي هو الموجود في نسخ بلادنا وفي الجمع بين الصحيحين أيضًا ببلادنا، وهو الذي رجحه صاحب نهاية الغريب (6) وفسره بالطريق.
(1) أخرجه مسلم (2937).
(2)
المنهاج (18/ 87).
(3)
انظر: إكمال المعلم (8/ 483).
(4)
انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 524 رقم 3082).
(5)
انظر: المنهاج للنووي (18/ 88).
(6)
انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 73 - 74).
قوله صلى الله عليه وسلم: فعاث يمينًا وعاث شمالًا، هو بعين مهملة وثاء مثلثة مفتوحة وهو فعل، والعيث: الفساد أو أشد الفساد والإسراع فيه، وحكى عياض (1) أنه رواه بعضهم فعاث: بكسر الثاء منونة اسم فاعل وهو بمعنى الأول.
قوله: يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، قال العلماء: هذا الحديث على ظاهره وهذه الأيام الثلاثة طويلة.
قوله صلى الله عليه وسلم: اقدروا له: هو حكم لخصوص ذلك اليوم، شرعه لنا صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم، قال العلماء: ولولا هذا الحديث ووكلنا إلى اجتهادنا لاقتصرنا فيه عن الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام.
ومعنى: اقدروا له قدره، أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم، فصلوا الظهر وهكذا في العصر وسائر الصلوات، وقد وقع فيه صلوات سنة كلها فرائض مؤداة في وقتها، واليوم الثاني الذي كشهر والثالث الذي كجمعة قياس على اليوم الأول.
قوله صلى الله عليه وسلم: فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعًا وأمده خواصر، أما تروح فمعناه: ترجع آخر النهار، والسارحة: هي الماشية التى تسرح أي تذهب أول النهار إلى المرعى.
وأما الذرى: فبضم الذال المعجمة وهي الأعالي، والأسنمة: هي جمع ذروة بضم الذال وكسرها.
قوله: وأسبغه، بالسين المهملة والعين المعجمة أي أطوله لكثرة اللبن، وكذا أمده خواصر: لكثرة امتلائها من الشبع.
(1) انظر: إكمال المعلم (8/ 483).
قوله صلى الله عليه وسلم: كيعاسيب النحل، هي ذكور النحل كذا فسره ابن قتيبة وآخرون، وقال عياض (1): المراد جماعة النحل لا ذكورها خاصة، لكنه كنى عن الجماعة باليعسوب، وهو أميرها، لأنه متى طار تبعته جماعته انتهى.
وهذا يقتضي أن يكون كيعاسيب النحل من صفة الكنوز التي كاليعاسيب أو حالًا من الكنوز أي كائنة كاليعاسيب وهو كأنه من شرعه بإتباعها له، وقال بعضهم: أن يكون كيعاسيب النحل من صفة الدجال أي يتبع الدجال كنوز الأرض كما يتبع اليعسوب النحل وهو بعيد.
قوله صلى الله عليه وسلم: فيقطعه جزلتين رمية الغرض.
قال النووي (2): هو بفتح الجيم على المشهور وحكى ابن دريد كسرها أي قطعتين، ومعنى رمية الغرض: أي يجعل بين القطعتين مقدار رمية، قال القاضي (3): وعندي فيه تقديم وتأخير، تقديره: فيصيبه إصابة رمية الغرض فيقطعه جزلتين.
قوله صلى الله عليه وسلم: فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، المنارة: بفتح الميم، قال النووي: وهذه المنارة موجودة اليوم شرقي دمشق.
ودمشق: بكسر الدال وفتح الميم على المشهور، وحكي كسر الميم، وعند المشهور فيها كسر العين، وفيها الفتح والضم، والمهروذتين: بالذال المعجمة، والمهملة، وهو الأكثر، ومعناه: لابس مهروذتين أي ثوبين مصبوغين بورس ثم زعفران، وقيل: هما شقتان والشقة نصف الملاءة.
والجمان: بضم الجيم وتخفيف الميم، وهي: حبات من الفضة تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار، والمراد: ينحدر منه الماء على هيئة اللؤلؤ في صفائه فسمي الماء جمانًا لشبهه به في الصفاء والحسن.
(1) انظر: إكمال المعلم (8/ 484).
(2)
انظر: المنهاج للنووي (18/ 89 - 90).
(3)
انظر: إكمال المعلم (8/ 484).
ولد: بضم اللام وتشديد الدال معروف وهي بلدة قريبة من بيت المقدس.
وفيمسح عن وجوههم: قال القاضي (1): يحتمل أن هذا المسح حقيقة على ظاهره فيمسح وجوههم تبركا وبرًّا، ويحتمل أنه أشار إلى كشف ما يكونوا فيه من الشدة.
ويدان: بكسر النون تثنية يد أي لا قدرة ولا طاقة.
وحرز عبادي إلى الطور: أي ضمهم إليه، واجعله لهم حرزًا، وهو بالحاء والراء المهملتين ثم بالزاي المعجمة، وقد وقع في بعض نسخ مسلم "حزب" بالزاي والباء أي اجمعهم، وروي حوز بالواو والزاي المعجمة، ومعناه نحهم وأزلهم عن طريقهم إلى الطور.
قوله تعالى: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} قال ابن الأثير (2): الحدب: بالتحريك ما ارتفع وغلظ من الظهر، وقد يكون في الصدر، وجمعه حداب، والنسل: الإسراع، يريد يظهرون من غليظ الأرض ومرتفعها.
وجبل الخمر: بخاء معجمة وميم مفتوحتين الشجر الملتف، وفسر في الحديث أنه جبل بيت المقدس لكثرة شجره.
قوله صلى الله عليه وسلم: حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار، الظاهر أن هذا إشارة إلى شدة حال عيسى عليه السلام وأصحابه واحتياجهم يومئذ إلى المأكول، والنغف: بنون وغين معجمة مفتوحتين ثم فاء، هو دود يكون في أنوف الإبل، والغنم، الواحدة: نغفة، وفرسَىْ: بالفاء المفتوحة وبالسين المهملة والقصر أي قتلى، وزهمهم: هو بفتح الهاء أي دسمهم (3).
(1) انظر: المصدر السابق (8/ 486).
(2)
انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 349).
(3)
انظر شرح هذا الحديث في: المعلم بفوائد مسلم (3/ 213 - 214)، وإكمال المعلم (8/ 482 - 488)، والمنهاج للنووي (18/ 86 - 95).
- ويروى: "فتطرحهم بالنهبل ويستوقد المسلمون من قسيهم، ونشّابهم وجعابهم سبع سنين، ثم يرسل الله مطرًا، لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض، حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، ورُدّي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمّانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل، حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي القيام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك، إذ بعث الله ريحًا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة".
قلت: رواه مسلم في الفتن وهي بقية حديث النواس. (1)
والنهبل: بفتح النون وسكون الهاء وفتح الباء الموحدة، اسم موضع من أرض بيت المقدس، والمدر: بفتح الميم والدال وهو الطين الصلب.
وحتى يتركها كالزلفة: قال النووي (2): روي بفتح الزاي واللام وبالفاء، وروي: الزلفة بضم الزاي وإسكان اللام والفاء، وروي: الزلفة: بفتح الزاء واللام والفاء وبفتح اللام وإسكانها وكلها صحيحة.
قال في المشارق (3): والزاي مفتوحة، واختلفوا في معناه: فقال ابن عباس: كالمرآة في صفائها ونظافتها، وقيل معناه: كمصانع الماء أي أن الماء يستنقع فيها حتى تصير الأرض كالمصنع، وقيل: كالصحفة، وقيل: كالروضة، والعصابة: الجماعة، وقحفها بالقاف والحاء المهملة.
(1) أخرجه مسلم (2937).
(2)
انظر: المنهاج للنووي (18/ 92)، وإكمال المعلم (8/ 487).
(3)
انظر: مشارق الأنوار (1/ 310 - 311).
قال في النهاية (1): هو قشرها تشبيهًا بقحف الرأس، وهو الذي فوق الدماغ.
والرسل: بكسر الراء وإسكان السين المهملتين هو اللبن، واللقحة: بكسر اللام وفتحها لغتان مشهورتان والكسر أشهر، وهي القريبة العهد بالولادة، وجمعها: لقح بكسر اللام وفتح القاف، والفئام: بكسر الفاء وبعدها همزة ممدودة وهي الجماعة الكثيرة قال النووي (2) هذا هو المشهور المعروف، قال القاضي (3): ومنهم من لا يجيز الهمز بل يقوله بالياء وقال في المشارق (4): بفتح الفاء، والفخذ: الجماعة من الأقارب، وهم دون البطن والبطن دون القبيلة، قال القاضي (5): قال ابن فارس الفخذ هنا بإسكان الحاء ولا غير، لا يقال إلا بإسكانها بخلاف الفخذ الذي هو العضو فإنها تكسر وتسكن، ويتهارجون تهارج الحمر: أي يجامع الرجال النساء علانية بحضرة الناس كما يفعل الحمير، والهرج: بإسكان الراء الجماع، يقال: هرج زوجته أي جامعها يهرجها مثلث الراء، يقال: نشرت الخشبة، وعلى الأول أشرتها، ومفرق الرأس: بكسر الراء وسطها.
والترقوة: بفتح التاء وضم القاف وهو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق (6).
4379 -
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليفرّن الناس من الدجال، حتى يلحقوا بالجبال"، قالت أم شريك: قلت: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: "هم قليل".
(1) انظر: النهاية (4/ 17).
(2)
المنهاج (18/ 93).
(3)
انظر: إكمال المعلم (8/ 488).
(4)
انظر: مشارق الأنوار (2/ 144).
(5)
انظر: إكمال المعلم (8/ 489).
(6)
انظر: المنهاج للنووي (18/ 90 - 98).
قلت: رواه مسلم في الفتن والترمذي في المناقب من حديث أم شريك وقال: حسن صحيح انتهى ولم يخرجه البخاري. (1)
4380 -
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفًا، عليهم الطيالسة".
قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أنس ولم يخرجه البخاري. (2)
4381 -
قال صلى الله عليه وسلم: "يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينزل عند بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه رجل وهو خير الناس أو من خيار الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكُّون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله، ثم يحييه، فيقول: "والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله، فلا يسلّط عليه".
قلت: رواه الشيخان كلاهما في الفتن والنسائي في الحج من حديث عبد الله ابن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري. (3)
ونقاب المدينة: بكسر النون أي طرقها وفجاجها، وهو جمع نقب وهو الطريق بين الجبلين.
فيقتله ثم يحييه: قال المازري: إن قيل: إظهار المعجزة على يد الكذاب ليس بممكن، فكيف ظهرت هذه الخوارق للعادة على يده؟
فالجواب: أنه إنما يدعي الربوبية وأدلة الحدوث تحيل ما ادعاه وتكذّبه، وأما النبي فإنما يدعي النبوة وليست بمستحيلة في البشر، فإذا أتى بدليل لم يعارضه شيء صدق (4).
(1) أخرجه مسلم (2945)، والترمذي (3930).
(2)
أخرجه مسلم (2944).
(3)
أخرجه البخاري (7132)، ومسلم (2938)، والنسائي في الكبرى (4275).
(4)
انظر: المعلم بفوائد مسلم للمازري (3/ 214).
4382 -
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي المسيح من قبل المشرق، وهمته المدينة، حتى ينزل دبر أحد، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام، وهنالك يهلك".
قلت: رواه مسلم في الحج (1) من حديث أبي هريرة ولم يخرج البخاري هذا الحديث، إلا ما فيه من المعنى: أن الدجال لا يدخل المدينة ولا الطاعون.
4383 -
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب، على كل باب مَلَكان".
قلت: رواه البخاري في الحج (2) من حديث أبي بكرة وفي الفتن ولم يخرج مسلم عن أبي بكرة في ذكر المدينة ولا الدجال شيئًا.
4384 -
قالت: سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك، فقال:"ليلزم كل إنسان مصلاه" ثم قال: "هل تدرون لم جمعتكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميمًا الداري كان رجلًا نصرانيًّا، فجاء، وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم به عن المسيح الدجال، حدثني: أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلًا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرًا في البحر، فأرفؤوا إلى جزيرة حين تغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره، من كثرة الشعر، قالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة انطلقوا إلى هذا الرجل في الدَّيْر فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمّت لنا رجلًا، فرِقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعًا، حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان ما رأيناه قط خلقًا، وأشده وثاقًا، مجموعة يده إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟
(1) أخرجه مسلم (1380).
(2)
أخرجه البخاري (7126).
قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية، فلعب بنا البحر شهرًا، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب، فقالت: أنا الجساسة، اعمدوا إلى هذا الدير، فأقبلنا إليك سراعًا، فقال: أخبروني عن نخل بيسان هل تثمر؟ قلنا: نعم، قال: أما إنها يوشك أن لا تثمر، قال: أخبروني عن بحيرة طبرية: هل فيها ماء؟ قلنا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زُغر: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين: ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة، ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني: أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، هما محرمتان عليّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتًا، يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمِخْصرته في المنبر: "هذه طيبة، هذه طيبة، يعني: المدينة، ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ " فقال الناس: نعم، فقال:"ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو؟ " وأومأ بيده إلى المشرق.
قلت: رواه مسلم فيما تفرد به عن البخاري في الفتن وأبو داود في الملاحم بمعناه والترمذي وابن ماجه في الفتن وقال الترمذي: حسن صحيح. (1)
قوله: الصلاة جامعة، هو بنصب الصلاة، وجامعة الأولى على الإغراء، والثاني على الحال.
قوله صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري: أنه جاء وأسلم، وحدثني أنه ركب سفينة: هذا معدود من مناقب تميم لأن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه هذه القصة، وفيه رواية الفاضل عن المفضول، ورواية المتبوع عن التابع، وفيه قبول خبر الواحد.
(1) أخرجه مسلم (2942)، وأبو داود (4326)، والترمذي (2253)، وابن ماجه (4074).
قوله: سفينة بحرية أي كبيرة لا زورقًا نهريًّا، ولخم وجذام: هما قبيلتان من العرب والأول: بالخاء المعجمة، والثاني: بالجيم والذال المعجمة، قوله: فلعب بهم الموج شهرًا أي اضطربت أمواجه، وسمى اضطرابه لعبًا لما لم يسر بهم على الوجه الذي أرادوه، يقال لكل من عمل عملًا لا ينفع إنما أنت لاعب.
قوله: ثم أرفؤوا إلى جزيرة هو بالهمزة أي لجؤوا إليها، وأقرب السفينة هو بضم الراء وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم، الجمع: قوارب والواحدة: قارب، بكسر الراء وفتحها وجاء هنا أقرب وهو صحيح، لكنه خلاف القياس، وأهلب الشعر: غليظ الشعر كثيره.
والجساسة: بفتح الجيم وتشديد السين الأولى سميت بذلك لتجسسها الأخبار من الجسّ وهو الفحص عن الأخبار والبحث عنها، وقد روي عن عبد الله ابن عمرو أن هذه الدابة هي دابة الأرض التي تخرج في آخر الزمان، تكلمهم.
وبيسان: بفتح الباء الموحدة ولا يقال: بالكسر وهي قرية بالشام.
وعين زغر: بزاي معجمة وغين معجمة مفتوحة ثم راء مهملة على وزن صرد، وهي بلدة معروفة من الجانب القبلي من الشام، وطيبة: بالطاء المهملة هي المدينة الشريفة، والسيف صلتًا: أي مجردًا عن غمده، وفيه فتح الصاد وضمها، والمخصرة: بكسر الميم عصًا أو قضيبا كانت، تكون مع الملك أو الخطيب يشير بها إذا خاطب (1).
قوله صلى الله عليه وسلم: لا بل من قبل المشرق ما هو وأومأ بيده إلى المشرق، قال عياض (2): لفظة ما هو زائدة صلة الكلام، ليست بنافية، والمراد إثبات أنه من جهة الشرق.
4385 -
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيتني الليلة عند الكعبة، فرأيت رجلًا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال، له لِمة كأحسن ما أنت راء من اللمم، قد رجلها، فهي تقطر ماء متكئًا على عواتق رجلين، يطوف بالبيت، فسألت: من هذا؟ فقالوا: هذا
(1) انظر: إكمال المعلم (8/ 497 - 502)، والمنهاج (18/ 104 - 109).
(2)
انظر: إكمال المعلم (8/ 502).
المسيح بن مريم، قال: ثم إذا أنا برجل جعد قطط، أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن، واضعًا يديه على منكبي رجلين، يطوف بالبيت، فسألت: من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح الدجال".
قلت: رواه البخاري في اللباس وفي التعبير ومسلم في الإيمان من حديث عبد الله بن عمرو. (1)
قال الزهري في ابن قطن: رجل من خزاعة هلك في الجاهلية.
- وفي رواية: قال في الدجال: "رجل أحمر جسيم، جعد الرأس، أعور عينه اليمنى، أقرب الناس به شبهًا: ابن قطن".
قلت: رواه الشيخان من حديث ابن عمر. (2)
وأراني: بفتح الهمزة، واللمة: بكسر اللام وتشديد الميم وجمعها لمم، قال الجوهري (3): وتجمع على لمام يعني بكسر اللام، وهي الشعر المتدلي الذي يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغ المنكبين فهو جمة، ورجّلها: بتشديد الجيم أي سرحها بمشط مع ماء أو غيره، وتقطر ماء: قال عياض: معناه عندي أي يكون ذلك عبارة عن نضارته وحسنه، واستعاره لجماله، والعواتق: جمع عاتق، قال أهل اللغة: هو ما بين المنكب والعنق، وفيه لغتان التذكير والتأنيث وهو الأفصح، والمسيح: صفة لعيسى عليه السلام وصفة للدجال، فأما عيسى عليه السلام: فذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الصفة مشتقة، فقيل: لأنه لم يمسح ذا عاهة إلا برىء، وقيل: لأنه ممسوح أسفل القدمين، وقيل: غير ذلك.
(1) أخرجه البخاري في اللباس (5902)، وفي التعبير (6999)، ومسلم (169).
(2)
أخرجه البخاري (3441)(7026)، ومسلم (171).
(3)
انظر: الصحاح للجوهري (5/ 2032).