الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجنازة ونحو ذلك، والمطلوب إنما هو ترك فضول الصحبة لما في ذلك من شغل البال، وتضييع الوقت عن المهمات، وبجعل الاجتماع بمنزلة الغداء والعشاء، فيقتصر منه على ما لا بد له منه، فهو أروح للبدن والقلب. وقال القُشَيْريّ في "الرسالة": طريق من آثر العزلة أن يعتقد سلامة الناس من شر لا العكس، فإن الأول ينتجه استصغاره نفسه وهي صفة المتواضع، والثاني شهوده مَزِيّةً له على غيره وهذه صفة المتكبر، وقد وقع لبعض الصحابة الاعتزال كسَلَمَة بن الأكْوَع لما قتل عثمان ووقعت الفتن اعتزل عنها، وسكن الرَّبَذَة، وتأهل بها، ولم يلابِس شيئًا من تلك الحروب كما في "البخاري".
قال في "الفتح": والحق حمل عمل كل أحد من الصحابة على السداد، فمن لابس القتال اتضح له الدليل لثبوت الأمر بقتال الفئة الباغية، وكانت له قدرة على ذلك، ومن قعد لم يتضح له أي الفئتين هي الباغية، أو لم تكن له قدرة على القتال، وقد وقع لخُزَيْمة بن ثابت أنه كان مع علي، وكان مع ذلك لا يقاتل حتى قُتِلَ عمّار فقاتل حينئذٍ، وحدّثَ بحديث:"تَقْتُلُ عمّارًا الفئة الباغية" أخرجه أحمد وغيره، وقد لخصت هنا جميع ما قيل في العزلة والاختلاط لشدة الحاجة إليهما في هذا الزمان.
رجاله خمسة:
الأول: عبد الله بن مَسْلَمة بن قَعْنَب القَعْنَبيّ الحارِثي أبو عبد الرحمن المَدَني نزيل البصرة، كان يسمى الراهب لعبادته وفضله.
وقال عبد الله بن أحمد بن الهَيثم: سمعت جدي يقول: كنا إذا أتينا عبد الله بن مسلمة القَعْنَبي خرج إلينا كأنه مشرف على جهنم نعوذ بالله منها. وقال عبد الله بن داود الخُرَيْبِيّ: حدثني القَعْنبي عن مالك، وهو والله عندي خير من مالك. وقال العِجليّ: بصري ثقة، رجل صالح، قرأ مالك عليه نصف "الموطأ" وقرأ هو على مالك النصف الباقي. وقال أبو حاتم: حجة ثقة، لم أر أخشع منه. وقال أبو زُرعة: ما كتبت عن أحد أجلّ في
عيني منه. وقال عَمرو بن علي: كان مجاب الدعوة. وقال ابن سعد: كان عالمًا فاضلًا، واعلم مالك بقدومه، فقال: قوموا بنا إلى خير أهل الأرض. وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: القَعْنَبِيّ أحب إليك في "الموطأ" أو ابن أبي أُوَيْس؟ قال: القعنبي أحب إلي، لم أر أخشع منه. وقال عبد الصمد بن المُفَضَّل البَلْخيّ: ما رأت عيناي مثل أربعة، رجلين بالعراق: قُبيصة والقَعْنَبِيّ ورجلين بِبَلْخ: خَلَف وشَدّاد. وقال ابن مَعين: ما رأيت رجلًا يحدث لله تعالى إلا وكيعًا والقَعْنَبيّ. وقال ابن حِبّان في "الثقات": كان من المتقشفة الخشن، وكان لا يحدث إلا بالليل، وربما خرج وعليه بارِيّة اتَّشَح بها، وكان من المتقنين في الحديث، وكان يحيى ابن مَعين لا يُقدِّم عليه أحدًا في مالك. وقال النسائي: القَعْنَبِيّ فوق عبد الله ابن يوسف في "الموطأ". وقال الحاكم: سُئل ابن المَديني عنه، فقال: لا أقدم من رواة "الموطأ" أحدًا على القَعْنَبيّ. وقال بن قانِع: بصري ثقة، وفي الزهرة: روى عنه البخاري مئة وثلاثة وعشرين حديثًا، ومسلم سبعين حديثًا.
روى عن: أبيه، وأفْلَح بن حُمَيد، وسَلَمة بن وَرْدان، ومالك، واللَّيث، وداود بن قَيْس، وسليمان بن بلال، وزيد بن أسلم، وشُعبة، وفُضَيل بن عِياض، وغيرهم.
وروى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأخرج له مسلم أيضًا والتِّرمذي والنسائي بواسطة أحمد بن الحسن الترمذي، وروى عنه أبو زُرعة، وأبو حاتم، والذُّهلي، ويعقوب بن سُفيان، وحدث عبد الله بن داود الخُرَيْبيّ وهو أكبر منه، وخلق كثير.
مات بطريق مكة، وقيل: بالبصرة، سنة إحدى وعشرين ومئتين وقيل: بمكة بالمحرم سنة إحدى إلخ
…
والقَعْنَبيّ في نسبه نسبة إلى جده المتقدم قَعْنب كجَعْفَر، والقَعْنَب في
اللغة الشديد، ومنه يقال للأسد القَعْنَب، وللثعلب الذكر، وليس في الستة عبد الله بن مَسْلمة سواه.
الثاني: الإِمام مالك، وقد مر في الثاني من بدء الوحي.
والثالث: عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صَعْصَعَة الأنصاري المازِني ومنهم من يُسقط عبد الرحمن من نسبه، ومنهم من ينسبه إلى جده، فيقول: عبد الرحمن بن أبي صَعْصعة.
قال الدّارَقطني: لم يختلف على مالك في تسميته عبد الرحمن بن عبد الله، واسم جده أبي صَعْصَعة عمرو بن زيد بن عَوْف بن مندُول بن غُنْم بن مازِن بن النجّار بن ثعلبة بن عَمرو بن الخَزْرج. ذكره ابن حبان في "الثقات". وقال أبو حاتم، والنسائي، وابن عبد البر في "التمهيد": ثقة.
روى عن: أبيه، وعطاء بن يسار، والزُّهْري، وعُمر بن عبد العزيز والحارث بن عبد الله بن كعْب بن مالك.
وروى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك، ويزيد بن الهاد،
وابن عُيَيْنة، وعبد العزيز بن أبي سليمان المَاجشُون.
روى له: البخاري، والنسائي، وابن ماجه.
مات سنة تسع وثلاثين ومئة
والمازني في نسبه نسبة إلى مازن بن النَّجار المار في نسبه، ومازن في قبائل في قيس عيلان، مازن بن منصور بن عِكْرمة بن خصفة بن قيس عيلان، وفي قيس عيلان أيضًا مازن بن صَعْصَعَة، وفي فَزَارة مازن بن فَزَارة، وفي ضُبّة مازن بن كعب، وفي مذحج مازن بن ربيعة، وفي تميم مازن بن مالك، وفي شَيْبان بن ذهل مازن بن شَيْبان، وفي هُذَيْل مازن ابن معاوية، وفي الأزْد مازن بن الأزْد.
الرابع: أبوه عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، شهد جده أُحُدًا،
وقتل يوم اليمامة مع خالد بن الوليد شهيدًا، وأبوه عُمِّرَ ومات في الجاهلية، قتله بردع بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر بن الأوس ثم أسلم بردع، وشهد أحدًا، وثقه النسائي، وابن حِبّان.
روى عن: أبيه، وعن أبي سعيد الخُدري.
وروى عنه: ابنه عبد الرحمن، ومالك.
روى له: البُخاري، وأبو داود.
الخامس: أبو سعيد الخُدْريّ، سعد بن مالك بن سِنان بن عُبيد، وقيل عبد بن ثَعْلبة بن عُبيد بن الأَبْجَر، وهو حُذرة بن عوف بن الحارث ابن الخزرَج مشهور بكنيته، استصغر يوم أحد، واستشهد أبوه بها، وغزا هو ما بعدها.
قال حَنْظلة بن أبي سفيان: كان من أفقه أحداث الصحابة. وروى الهَيثم في "مسنده" قال سَهْل بن سَعد: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أنا، وأبو ذَرٍّ، وعُبادة بن الصّامت، ومحمد بن مَسْلمة، وأبو سَعيد الخُدْريّ، وسادس على أن لا تأخذنا في الله لومة لائم، فاستقال السادس، فأقاله. وعن عبد الله بن الشِّخِّير: خرج أبو سعيد يوم الحَرّة، فدخل غارًا، فدخل عليه شامي، فقال: اخرج، فقال: لا أخرج، وإن تدخل علي أقتلك، فدخل عليه، فَوَضَع أبو سعيد السيف، وقال: بُؤْ بِإِثْمِكَ. قال: أنت أبو سعيد الخُدْرِيّ؟ قال: نعم. قال: فاستغفر لي. وعن عطية عن أبي سعيد: قتل أبي يوم أحد شهيدًا، وتركنا بغير مال، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله، فحين رآني قال:"من اسْتَغنى أَغناه الله، ومن يَسْتَعْفِف يُعِفَّهُ الله" فرجعت، ولفظه في "الصحيحين":"من يَسْتَغْنِ يُغْنِه الله، ومن يَستعْفِف يُعِفَّهُ الله، ومن يَتَصبَّر يُصبِّرهُ الله". وعن أبي نصْرة، عن أبي سَعيد الخُدريّ رفعه:"لا يَمْنَعَنَّ أحدكم مخافة النّاس أن يتكلم بالحق إذا رآه، أو علمه" قال أبو سعيد: فحملني ذلك على أن ركبت إلى معاوية، فملأت أذنيه، ثم
رجعت. وعن هِنْد بنة سعيد بن أبي سَعيد الخُدْريّ، عن عمها، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عائدًا إلى أبي سَعيد، فقَدَّمنا إليه ذراع شاةٍ. وعن العَلاء ابن المُسيَّبِ، عن أبيه، عن أبي سعيد الخُدْرِيّ. قلنا له: هنيئًا لك برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته، قال: إنك لا تدري ما أحدثنا بعده. وروى أبو نُصْرة عن أبي سعيد أنه قال: تحدثوا فإن الحديث يَهيجُ الحديث.
له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف حديث ومئة وسبعون حديثًا، اتفقا منها على ستة وأربعين، وانفرد البخاري بستة عشر، ومسلم باثنين وخمسين.
روى عن جماعة من الصحابة منهم الخلفاء الأربعة، ووالده مالك، وأخيه لأمه قَتادة بن النُّعمان، وزَيْد بن ثابت.
وروى عنه جماعة من الصحابة منهم ابن عُمر، وابن عَبّاس، وجابر، ومحمود بن لَبيد، وخلق من التابعين كابن المُسيِّب، وأبي عُثمان النَّهْدِيّ، وطارق بن شِهاب، وخلق كثير.
مات بالمدينة سنة أربع وستين، وقيل: أربع وسبعين، وقيل: سنة ثلاث وستين، وقيل: خمس وستين. وأمه أُنَيْسة بنت أبي حارثة من بني عَدي بن النجَّار.
والخُدريُّ في نسبه -بضم الخاء وسكون الدال المهملة- نسبة إلى خُدرة أحد أجداده كما مر، فخُدرة وخُدارة أخوان بطنان من الأنصار، فأبو مسعود الأنصاري البَدْريّ من خُدارة، وأبو سعيد من خُدرة، وهما ابنا عَوْف بن الحارث إلى آخر ما مر. وكان يقال لسنان جد أبي سعيد الخُدْري: الشهيد. وقَتادة بن النُّعمان أخو أبي سعيد الخُدْرِي لأمه، وضبط الدَّارَقُطنيّ خُدارة بالجيم المكسورة، وصوبه الرشالمي، وفي "تاج العروس" أنه بضم الجيم، وإن الصحيح أنه بالخاء لا بالجيم، ذكره في فصل جَدَرَ بالجيم.
ويشتبه الخُدْرِيّ بالضم بالخِدْريّ بالكسر نسبة إلى خِدرة بطن من ذُهْل