الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وربِّ أبيه. وقيل: هو خاص، ويحتاج هذا إلى دليل، وحكى السُّهيْلي أنه تصحيفٌ والله، فقَصُرتِ اللامان، وأنكره القرطبي، وقال: إنه يَخرُمُ الثقة بالروايات الصحيحة. وغَفَلَ القَرافِي فادّعى أن الرواية بلفظ وأبيه لم تصح؛ لأنها ليست في "الموطأ". وكأنه لم يرتض الجواب، فعدل إلى ردِّ الخبر، وهو صحيح لا مرية فيه. وقال ابن بَطّال: دل قوله: "أفْلَحَ إن صدق" على أنه إن لم يصدُق فيما التزم لا يُفْلح، وهذا يرد على المرجئة، أفلح أي: فاز أو ظفِرَ، واستشكل كونه أثبت له الفلاح بمجرد ما ذكر، وهو لم يذكر له جميع الواجبات ولا المنهيات ولا المندوبات، وأجيب بأن ذلك كله داخلٌ في عموم قوله:"فأخبره بشرائع الإِسلام" المشار إليه سابقًا، الآتي للمصنف في الصيام.
فإن قيل: أما فلاحه بأنه لا ينْقُص فواضح، وأَما بأن لا يزيد فكيف يصِحُّ؟ أجاب النووي بأنه أثبت له الفلاح لأنه أتى بما عليه، وليس فيه أنه إذا أتى بزائد على ذلك لا يكون مفلحًا، لأنه إذا أفلح بالواجب ففلاحه بالمندوب مع الواجب أولى، فإن قيل: فكيف أقرَّه على حَلفه وقد ورد النكير على من حلف أن لا يفعل خيرا؟ أجيب بأن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والاشخاص، وهذا جار على الأصل من أنه لا إثم على غير تارك الفرض، فهو مفلح وإن كان غيره أفلح منه.
وفي الحديث أن السفر والارتحال لتعلم العلم مشروعٌ، وجواز الحلف من غير استحلافٍ ولا ضرورة اهـ.
رجاله خمسة:
الأول إسماعيل بن أبي أُويس، وقد مر في الخامس عشر من كتاب الإيمان.
ومر الإِمام مالك في الثاني من بدء الوحي، ومر أبو سُهيل وأبوه مالك في السادس والعشرين من كتاب الإيمان.
الخامس: طلبة بن عُبَيْد الله بن عُثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيم بن مرة بن كعب بن لُؤي بن غالب أبو محمد القُرَشيّ التَّيْميّ، وأمه الصَّعْبة بنت الحَضْرميّ امرأة من اليمن، وهي أخت العلاء بن الحضرميّ، واسم الحضرمي عبد الله بن عماد بن ربيعة. وهو أحد العشرة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإِسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، وقد نظم الناظم الذين أسلموا أولًا فقال:
أولُ الناسِ بالنبيِّ اقتداءً
…
أمُّ أبنائه الكرامِ الجدودِ
فعَليُّ ثم ابنُ حارثةَ الكلْـ
…
ـبيُّ زيدُ مولى النبيُّ الرشيدِ
ثمَّ إذا آمن العتيقُ دعا النا
…
سَ فجاءت عصابةٌ كالفريدِ
وهي عثمانُ والزبيرُ وسعدٌ
…
وابن عوفٍ وطلحةُ بن عُبيْدِ
يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجد السابع مثل أبي بكر.
وسبب إسلامه فيما رُوي عنه قال: حضرت سوق بُصرى فإذا راهبٌ في صومعته، يقول: سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحدٌ من أهل الحرم؟ قال طلحة: نعم أنا. قال: هل ظهر أحمد؟ قلت: ومَنْ أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرُجُ فيه، وهو آخر الأنبياء، ومخرجه من الحرم، ومُهاجَرُه إلى نخلٍ وحَرَّة وسِباخٍ، فإياك أن تُسبق إليه، فوقع في قلبي، فخرجت سريعًا حتى قدمت مكة، فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم محمد الأمين قد تنبّأ وتبعه ابن أبي قُحافة، فخرجت حتى أتيت أبا بكر، فخرج بي إليه، فأسلمت، فأخبرته بخبر الراهب.
كان رضي الله عنه أبيض يضربُ إلى العمرة، مربوعًا إلى القصر أقْرَبَ، رحب الصدر، بعيد ما بين المنْكِبيْن، ضخم القدمين، إذا التفت التفت جميعا، كثير الشعر ليس بالجَعْد ولا بالسَّبْط، حسن الوجه، دقيق العِرْنين، إذا مشى أسرع، وكان لا يغير شيبه.
شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم ما عدا بدرًا كسعيد بن زيد، وقد ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره فيها، وسبب تخلفه عنها أنه كان في تجارة بالشام، وقدم بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من بدر، وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه هو وسعيد بن زيد إلى طريق الشام يتجسسان الأخبار قبل أن يخرج من المدينة إلى بدر، ثم قدما على المدينة يوم بدر، وقد وهم البخاري في قوله: إن سعيد بن زيد ممن حضر بدرًا، وهو من العصابة الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد على الموت حين انهزم المسلمون، فصبروا وبذلوا نفوسهم دونه حتى قُتل من قتل منهم، وكان فيمن بايع على ذلك أبو بكر وعمر وطلحة والزبير وسعد وسَهْل بن حُنَيْف وأبو دُجانة، ولما رمى مالك بن زهير النبي صلى الله عليه وسلم وقاه طلحة بيده من الضربة التي قُصد بها وجهُهُ الكريم، فأصابت خِنصِره، فقال حين أصابته: حَسْ حَسْ أو صَرْ صَرْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو قال بسمِ الله لدخل الجنةَ والناس ينظرون". وفي رواية: "لرأيت بناءَك الذي بني اللهُ لك في الجنة وأنتَ في الدنيا" قيل: جُرح في ذلك اليوم خمسًا وسبعين جراحة، وكان الصّديق رضي الله عنه إذا ذَكر أحدًا قال: ذلك يوم كُلُّه لطلحة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نهض إلى صخرة من الجبل ليعلوها، وكان قد ظاهر بين دِرْعين، فلما ذهب لينهض لم يستطع، فجلس تحته طلحة، فنهض حتى استوى، فقال:"أوجبَ طلحةُ" ويقال كما لابن السَّكَن: إنه تزوج أربع نسوة، كل واحدة منهن عند النبي صلى الله عليه وسلم أختها: أم كُلثوم بنت أبي بكر الصديق أخت عائشة رضي الله عنهما، وحَمْنَة بنت جَحْش أخت زينب، والنّازِعة بنت أبي سُفْيان أخت أم حبيبة، ورُقَيّة بنت أبي أمية أخت أم سَلَمة.
وعن قَبيصة بن جابر أنه قال: صحبتُ طلحة، فما رأيت رجلًا أعطى لجزيل ماله من غير مسألة منه.
وسمع علي رضي الله عنه رجلًا ينشد:
فتىً كانَ يُدنيهِ الغنى من صديقِه
…
إذا ما هُو اسْتغْنى ويُبْعِده الفقرُ
فقال: ذلك أبو محمد طَلحة بن عُبيد الله رحمه الله.
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذي قَرَد على ماء يقال له: بيسانٌ مالحٌ، فقال: هو نعمانٌ طيبٌ، فغير اسمه، وغير الله صفته، فاشتراه طلحة وتصدق به، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما أنتَ يا طلحةُ إلا فياضٌ" فلذلك قيل له: طلحة الفياض، ويقال له: طلحة الخير، وطلحة الجواد.
ولما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه قبل الهجرة آخى بينه وبين الزُّبير، ولما آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين أبي أيوب، وقيل: آخى بينه وبين كعب بن مالك، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إليه، فقال:"من أرادَ أن ينظرَ إلى شهيدٍ يمشي على وجه الأرض، فَلْينظر إلى طلحة".
وروى أبو بُردة عن مسعود بن خِراش، قال: بينا أنا أطوف بين الصفا والمروة، فإذا أناس كثير يتبعون أناسًا، فنظرت، فإذا شابٌّ موثق يده إلى عنقه، فقلت: ما شأن هؤلاء، فقالوا: هذا طلحة بن عُبيد الله قد صَبَأ. شهد الجمل محاربًا لعليّ.
وروى صالح بن كَيْسان أن عليًّا رضي الله عنه قال في خطبته حين نهوضه إلى الجمل: إن الله عز وجل فرض الجهاد، وجعلني نصرته وناصره، وما صلحت دنيا ولا دين إلا به، وإني مُنيتُ بأربعة أدهى الناس وأسخاهُم طلحة، وأشجع الناس الزُّبير، وأطوع الناس في الناس عائشة، وأسرع الناس إلى فتنة يَعْلى بن مُنْية، والله ما أنكروا عليَّ شيئاً منكرًا، وما استأثرت بمال، وما مِلْت بهوىً، وإنهم ليطلبون حقًا تركوه، ودمًا سفكوه، ولقد وُلّوه دوني وإن كنت شريكهم في الإنكار لما أنكروه، وما تَبعةُ عثمان إلا عندهم، وإنهم لهم الفئة الباغية، بايعوني ونكثوا بيعتي، وما استبانوا فيَّ حتى يعرِفوا جَوْري من عدلي، وإني لراضٍ بحجة الله عليهم، وعلمه فيهم، وإني مع هذا لداعيهم ومعذر، فإن قبلوا فالتوبة مقبولة والحق أولى ما انصرف إليه، وإن أبَوْ أعطيتهم حد السيف، وكفى
به شافيًا من باطل، وناصرًا للحق، والله إن طلحة والزبير وعائشة ليعلمون أني على الحق، وهم مبطلون.
ورُوي عن علي أيضًا أنه قال: والله لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله تعالى فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47]. وروي عن أبي حَبيبةَ مولى طلحة، قال: قدمت على علي بعدما فَرَغ من أصحاب الجمل مع عِمران بن طلحة، فرحب به، وأدناه، وقال: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله تعالى فيهم {ونزعنا
…
إلخ}.
وزعم بعض أهل العلم أن عليًّا دعاه، فذكره أشياء من سوابقه وفضله، فرجع عن قتاله على نحو ما فعل الزُّبير، واعتزل في بعض الصفوف، فرماه مروان بن الحكم بسهم فأصاب ركبته، فجعل الدم يسيلُ، فإذا أمسكوه أمسك، وإذا تركوه سال، وكانوا إذا أمسكوا فم الجرح انتفخت ركبته، فقال: دعوه، فإنما هو سهم أرسله الله تعالى، فمات منه.
وعن قيس بن أبي حازِم قال: كان مروان مع طلحة والزبير يوم الجمل، فلما شبَّ الحرب، قال: لا أطلب بثأري بعد اليوم، فرماه، ولما أصابه التفت إلى أبان بن عُثمان، وقال له: قد كفيناك بعض قتلةِ أبيك، وذلك أن طلحة فيما زعموا كان مِمّن حاصر عثمان واشتد عليه.
ولم يختلف العلماء الثقات أن مروان بن الحكم هو الذي قتل طلحة، وكان في حزبه.
روى ابن سعد عن أبي جَنَاب الكَلْبيّ قال: حدثني شيخٌ من كلب، قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول: لولا أن أمير المؤمنين مروان أخبرني أنه قتل طلحة، ما تركت أحدًا من ولد طلحة إلا قتلته بعثمان.
وعن عبد الملك بن أبي مَرْوان، قال: دخل موسى بن طلحة على
الوليد، فقال له الوليد: ما دخلت عليَّ قطٌّ إلا هممت بقتلك، لولا أن أبي أخبرني أن مروان قتل طلحة.
ورُوي أن طلحة يوم الجمل قال:
ندِمتُ ندامةَ الكُسَعيِّ لَمّا
…
شَرَيْتُ رضى بني جَرْم بِرَغْمي
اللهم خذ مني لعثمان حتى يرضى.
روي له ثمانية وثلاثون حديثًا، اتفقا على حديثين منها، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة.
روى عن: أبي بكر، وعمر.
وروى عنه أولاده محمد وموسى وعيسى ويحيى وعمران وإسحاق، وعائشة، وابن أخيه عبد الرحمن بن عثمان، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وقيس بن أبي حازِم، والسّائب بن يزيد، ومالك بن أوس بن الحَدَثَان، وعبد الله بن شدَّاد بن الهاد، وأبو سَلمة بن عبد الرحمن، وقيل: لم يسمع منه، وغيرهم.
وكانت وقعة الجمل التي مات فيها لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين عن أربع وستين سنة، وقيل: اثنتين وستين، وقيل: ثمان وخمسين. وقبره بالبصره.
قال ابن قُتيبة: دفن بقنطرة قرة، فرأته ابنته في المنام بعد ثلاثين سنة يشكو إليها النَّداوة، وقيل: الذي رآه مولىً له رآه ثلاث ليال كأنه يشكو له البرد، فنُبش، فوجدوا ما يلي الأرض من جسده مخضرًّا، وقد تحاصَّ شعره، فاشتروا له دارًا من دور أبي بَكْرة، بعشرة آلاف درهم، فدفنوه بها، وتسمى تلك الدار دار الهجرتين بالبصرة، وقبره مشهور يزار، خلَّف من الدراهم ألف ألف، ومن الذهب ألفي ألف ومئتي ألف دينار. وقال ابن