الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لطائف إسناده: منها أن فيه التحديث والعنعنة، وفيه شيخان للبخاري وهما أحمد بن يونُس وموسى بن إسماعيل، وفيه أربعة كلهم مدنيون، أخرجه البخاري هنا، ومسلم في كتاب الإِيمان، والنّسائي نحوه، والترمذي بلفظ غير المذكور هنا ثم قال المؤلف.
باب إذا لم يكن الإِسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لقوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} ومن يبتغ غير الإِسلام دينًا فلن يقبل منه
.
باب بالتنوين، وقوله:"إذا" متضمن معنى الشرط، وجوابه محذوف، أي: إذا كان الإِسلام على ما ذُكر لا يُنتفَع به في الآخرة.
ومحصل ما ذكره أن الإِسلام يُطلق وتراد به الحقيقة الشرعية، وهو الذي يرادف الإِيمان، وينفع عند الله، وعليه قوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19] ويُطلق وُيراد به الحقيقة اللغوية، وهو مجرد الانقياد والاستسلام، فالحقيقة في كلام المصنف هنا هي الشرعية، ومناسبة الحديث للترجمة ظاهرة من حيث أن المسلم يُطلق على من أظهر الإِسلام وإن لم يُعْلَم باطنه، فلا يكون مؤمنًا لأنه ممن لم تَصْدُق عليه الحقيقة الشرعية، وأما اللغوية فحاصلة.
فقوله: "وكان على الاستسلام" أي: الانقياد والظاهر.
وقوله: "لقوله تعالى" في رواية: "عز وجل " بدل تعالى.
وقوله: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ} [الحجرات: 14] المراد بهم أهل البدو، ولا واحد له من لفظه، ومقول قولهم قوله:{آمَنَّا} [الحجرات: 14] نزلت في نفر من بني أسلم قدموا المدينة في سنة جَدْب، وأظهروا الشهادتين، وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أتيناك بالأثقال والعِيال، ولم نقاتِلك كما قاتلك بنو فلان، يريدون الصدقة ويَمُنّون،
فقال الله تعالى لرسوله: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} [الحجرات: 14] إذ الإِيمان تصديق مع ثقة وطمأنينة قلب {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] فإن الإِسلام انقياد، ودخول في السِّلْم، وإظهار للشهادة لا بالحقيقة، ومن ثمّ قال تعالى:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} لأن كل ما يكون بالإِقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام، وما واطأ فيه القلبُ اللسان فهو إيمان، وكان نظم الكلام أن يقول: لا تقولوا آمنا، ولكن قولوا أسلمنا، إذ لم تؤمنوا، ولكن أسلمتم، فعدل عنه إلى هذا النظم ليُفيد تكذيبَ دعواهم.
وفي هذه الآية حُجّة على الكَرّامية ومن وافقهم من المُرجئة في قولهم: إن الإِيمان إقرار باللسان فقط، ومثل هذه الآية في الرد عليهم قوله تعالى:{أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22] إذ لم يَقُل كَتَب في ألسنتهم، ومِن أقوى ما يُرَدُّ عليهم به الإِجماع على كفر المنافقين مع إظهارهم الشهادتين.
وقوله: "فإذا كان على الحقيقة" أي: الشرعية، وهو الذي يُرادف الإِيمان، وينفع عند الله تعالى.
وقولى: "فهو على قوله جل ذكره: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} جواب "فإذا كان"، أي: لا دينَ مرضيٌّ عنده تعالى سواه.
وفتح الكِسائيُّ همزة "إنَّ" على أنه بدل الكل من الكل إن فُسِّرَ الإِسلام بالإِيمان، أو بدل اشتمال إن فُسِّر بالشريعة.
وقد استدل المؤلف بهذه الآية على أن الإِسلام الحقيقي هو الدين، وعلى أن الإِيمان والإِسلام مترادفان، وهو قول جماعة من المحدثين، وجمهور المعتزلة والمتكلمين، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى:{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 35] فاستثنى المسلمين من المؤمنين، والأصل في الاستثناء كون المستثنى من جنس المستثنى منه، فيكون الإِسلام هو الإِيمان، ورُدَّ
بقوله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] فلو كانا شيئًا واحدًا لزم إثبات شيء ونفيه في آن واحد، وهو محال، وأُجيب بأن الإِسلام المعتبر في الشرع لا يوجد بدون الإِيمان، وهو في الآية بمعنى انقياد الظاهر من غير انقياد الباطن كما مر قريبًا.
وقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا} [آل عمران: 85] أي: غير التوحيد والانقياد لحكم الله.
وقوله: {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} جواب الشرط، ووجه استدلال المصنف به على مذهبه الذي هو ترادفهما هو أن الإِيمان لو كان غير الإِسلام لما كان مقبولًا، فتعين أن يكون عينه، لأن الإِيمان هو الدين، والدين هو الإِسلام لقوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} فينتج أن الإِيمان هو الإِسلام، وسقط للكُشْمِيهنِي والحَمَويّ قوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ
…
الخ}.