الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس والثلاثون
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ "مَنْ هَذِهِ". قَالَتْ فُلَانَةُ. تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا. قَالَ "مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا". وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ
قوله: "وعندها امرأةٌ" فقال: الواو للحال، والفاء في فقال للعطف على دخل السابق، وللأصيلي قال: بحذفها، فتكون جملة استئنافية جواب سؤال مقدر، كان قائلًا قال: ماذ! قال حين دخل؟ قالت: قال من هذه.
وقوله: "قالت؟ فلانة" هذا اللفظ كناية عن كل علم مؤنث، فلا ينصرف لذلك.
وقوله: "تذكُرُ من صلاتِها" بفتح التاء الفوقانية، والفاعل عائشة، ورُوي بضم الياء التحتانية على البناء، لما يسمَّ فاعله وتاليه نائب عنه أي يذكرون أن صلاتها كثيرة، ولأحمد عن يحيى القطان:"لا تنامُ تُصلّي" وللمصنف في صلاة الليل معلقًا عن القَعْنَبيّ: "لا تنامُ بالليل" وهذه المرأة يأتي قريبًا تعريفها في الرجال، ووقع في حديث الباب حديث هشام هذا:"دخل عليها وعندها"، وفي رواية الزُّهري:"أن الحولاءَ مرَّتْ بها" فظاهره التغاير، فيحتمل أن تكون المرأة المارة امرأة غيرها من بني أسد أيضًا، وأن قصتها تعددت، والجواب أن القصة واحدة، ويبين ذلك ما أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل له، عن هشام في هذا الحديث، ولفظه:"مرت برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الحولاء بنت تُوَيتْ" فيحمل على أنها كانت أولًا عند عائشة، فلما دخل صلى الله تعالى عليه
وسلم على عائشة قامت المرأة، كما في رواية حمَّاد بن سَلَمة الآتية.
"فلما قامت لِتخرجَ مرت به في خلال ذهابها، فسأل عنها" وبهذا تجتمع الروايات، قال ابن التّين: لعل عائشة أمنَتْ عليها الفتنة، فلذلك مدحتها في وجهها. قال في "الفتح": لكن في "مسند" الحسن بن سفيان: كانت عندي امرأة، فلما قامت، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:"من هذه يا عائشة؟ قالت: يا رسول الله هذه فلانة، وهي أعبدُ أهل المدينة" فظاهر هذه الرواية أن مدحها كان في غيبتها.
وقوله: "مهْ" بسكون الهاء، وينوّن في الوصل، ومعناه: اكفف، يقال: مَهْمَهْتُهُ إذا زجرتُه، وأصل هذه الكلمة: ما هذا؟ كالإنكار، فطرحوا بعض اللفظة، فقالوا: مه، فصيروا الكلمتين كلمة، وهذا الزجر يحتمل أن يكون لعائشة، والمراد نهيُها عن مدح المرأة بما ذكرت، ويحتمل أن يكون المراد النهي عن ذلك الفعل، وقد أخذ بذلك جماعة من الأئمة، فقالوا: تكره صلاة جميع الليل كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى.
وقوله: "عليكُم بما تُطيقون" أي اشتغلوا بالذي تستطيعون المداومة عليه من الأعمال، وحذف العائد للعلم به، فمنطوقُهُ يقتضي الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة، ومفهومه يقتضي النهي عن تكلف ما لا يطاق، وسبب وروده خاص بالصلاة، ولكن اللفظ عام، وهو المعتبر، وقد عبر بقوله:"عليكم" مع أن المخاطب النساء طلبًا لتعميم الحكم، فغلّب الذكور على الإناث في الذكر.
قوله: "فوالله" فيه جواز الحلف من غير استحلاف، وقد يستحب إذا كان في تفخيم أمر من أمور الدين، أو حث عليه، أو تنفير من محذور.
قوله: "لا يَمَلُّ الله حتى تملُّوا" هو بفتح الميم في الموضعين، والمَلال استثقال الشيء، ونفور النفس منه بعد محبته، وهو محال على الله تعالى باتفاق، لأنه من صفات المخلوقين. قال المحققون: إن هذا الإطلاق من باب المشاكلة والازدواج، وهو أن تكون إحدى اللفظتين
موافقة للأخرى لفظًا، مخالفة لها معنى، كقوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} قال القرطبي: وجه مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالًا، عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببه. وقال الهَرَويّ: لا يقطع عنكم فضله حتى تمَلُّوا سؤاله، فتزهدوا في الرغبة إليه. وقال غيره: معناه: لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم، وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية واعتبار مفهومها، وقيل بتاويلها، فقيل: إن معناها: إذا، أي: لا يمل الله إذا مللتم، وهو مستعمل في كلام العرب، كقولهم في البليغ: لا ينقطِعُ حتى تنقطع خصومه؛ لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم تكن له عليهم مزَيّة، فالمعنى حينئذٍ أنه لا يمَلُّ. وقال المارَزِيّ: إن حتى هنا بمعنى الواو، فيكون المعنى: لا يمل وتَملون، فنفى عنه الملل، وأثبته إليهم. وقيل: حتى بمعنى حين، وكونه من باب المقابلة اللفظية أليق وأجرى على القواعد، ويؤيده ما وقع في بعض طرق حديث عائشة بلفظ:"اكلَفوا من العملِ ما تُطيقون، فإن الله لا يمَلُّ من الثواب، حتى تملوا من العمل" لكن في سنده موسى بن عبيدة، وهو ضعيف. وقال ابن حِبان في "صحيحه": هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد مما يخاطب به إلا بها، وهذا رأيه في جميع المتشابه.
وقوله: "أحبُّ" قال القاضي أبو بكر بن العربي: المحبة من الله تعلق الإرادة بالثواب، أي أكثر الأعمال ثوابًا. أدومُها.
وقوله: "إليه" أي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وصرح به المصنف في الرقاق، وفي رواية المُسْتَمْلي عند المصنف ورواية مسلم وإسحاق بن راهُوية:"إلى الله" وهذه موافقة لترجمة الباب، وليس بين الروايتين تخالف، لأن ما كان أحب إلى الله كان أحب إلى رسوله.
وقوله: "ما داوَمَ عليه صاحبُه" أي: وإن قل كما في رواية للمصنف ومسلم. قال النووي: بدوام القليل تتم الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص