المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المصالح وتقديم الأهم فالأهم، وإن خَفِي وجه ذلك على بعض - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ٢

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم بالله وأن المعرفة فعل القلب لقول الله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌وفي هذا الحديث فوائد:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُلقى في النار من الإِيمان

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب تفاضل أهل الإِيمان في الأعمال

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌بابٌ: الحياء من الإِيمان

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب إذا لم يكن الإِسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لقوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} ومن يبتغ غير الإِسلام دينًا فلن يقبل منه

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب السلام من الإِسلام

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب كُفران العشير وكفر دون كفر فيه أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌بابٌ المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] فسماهم المؤمنين

- ‌الحديث الرابع والعشر ون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب ظلم دون ظلم

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب علامات المنافق

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌بابٌ قيام ليلة القدر من الإِيمان

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الجهاد من الإِيمان

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب تطوع قيام رمضان من الإِيمان

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب صوم رمضان احتسابًا من الإِيمان

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌بابٌ الدينُ يُسْرٌ

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الصلاة من الإِيمان

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب حسن إسلام المرء

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب أحب الدين إلى الله أدْوَمُهُ

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الزكاة من الإِسلام وقوله {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب اتِّباعُ الجنائز من الإِيمان

- ‌الحديث الأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب: خوف المؤمن من أن يحبطَ عملُه وهو لا يشعر

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإِسلام والإحسان وعلم الساعة

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل من استبرأ لدينه

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب أداء الخمس من الإِيمان

- ‌الحديث السادس والاربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرىء ما نوى

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب قول النبى صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة لله ولرسوله

- ‌الحديث الخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌لطائف إسناده:

- ‌خَاتِمَة

الفصل: المصالح وتقديم الأهم فالأهم، وإن خَفِي وجه ذلك على بعض

المصالح وتقديم الأهم فالأهم، وإن خَفِي وجه ذلك على بعض الرعية، وفيه جواز الشفاعة عند الإِمام فيما يعتقد الشافع جوازه، وتنبيه الصغير للكبير على ما يظن أنه ذَهِلَ عنه، ومراجعة المشفوع إليه في الأمر إذا لم يؤدِّ إلى مفسدة، وأن الإِسرار بالنصيحة أولى من الإِعلان كما مرت الإِشارة إليه في قوله:"فقُمْتُ فسارَرته" وقد يتعين إذا جرّ الإِعلان إلى مفسدة، وفيه أن من أُشير عليه بما يعتقده المُشير مصلحةً لا يُنْكر عليه بل يبين له وجه الصواب، وفيه الاعتذار إلى الشافع إذا كانت المصلحة في ترك إجابته، وأن لا عَيبَ على الشافع إذا رُدَّت شفاعته لذلك، وفيه استحباب ترك الالحاح في السؤال كما استنبطه المؤلف منه في الزكاة، واستنباطه له منه هو من قول سعد الآتي في الزكاة:"فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فجمع بين عُنُقي وكَتِفي، ثم قال: أقْبِل، أي سعد، إني لأُعطي الرجل" أمر من الإِقبال أو القَبول، وعند مسلم "إقبالا" مصدر، أي: أتُقابلني إقبالًا بهذه المعارضة، وسياقه يُشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كره منه إلحاحه عليه في المسألة، ويُحتمل أن يكون استنباطه من جهة أن المشفوع له ترك السؤال فَمُدِح.

‌رجاله خمسة:

الأول: أبو اليَمان، والثاني: شُعيب بن أبي حَمْزة وقد مرّا في السابع من بدء الوحي.

ومرّ ابن شِهاب في الثالث منه.

الرابع: عامر بن سَعْد بن أبي وقّاص الزُّهريّ المدني.

قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وذكره ابن حِبّان في "الثقات".

وقال العِجْليّ: مدني تابعي ثقة. وذكر البخاري فيمن قال: "لا طلاق قبل النكاح" عامر بن سعد. قال ابن حَجَر: ولا أدري أراد هذا أو عامر ابن سعد البَجَليّ.

ص: 84

روى عن: أبيه، وعثمان، والعباس بن عبد المطلب، وأبي أيوب الأنصاري، وأسامة بن زيد، وأبي هُريرة، وابن عُمر، وعائشة، وخلق.

وروى عنه: ابنه داود، وابنا إخوته إسماعيل بن محمَّد، وأشعث ابن إسحاق، وبجاد بن موسى، وابن أخته سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عَوْف، وسعيد بن المُسَيِّب، وهو من أقرانه، ومُجاهد، والزُّهريّ، وعطاء بن يسار، وعمرو بن دينار، وأبو طُوالة، وعثمان بن حَكيم، وغيرهم.

مات بالمدينة سنة أربع ومئة في خلافة الوليد، وقيل: في وفاته غير ذلك.

وفي الستة: عامر بن سَعْد سواه واحد، وهو البَجَلي الكوفي، روى عن أبي هُريرة، وأبي قَتادة، وغيرهما، له في البخاري حديث واحد.

الخامس: سعد بن أبي وقّاص -بتشديد القاف- واسم أبي وقّاص مالك بن أُهَيب -ويقال له: وهيب- ابن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب القُرشيّ الزُّهريّ أبو إسحاق، أحد العشرة وآخرهم موتًا، وأمه حِمْنة بنت سفيان بن أمية بنت عم أبي سفيان بن حرب.

رُوي عنه أنه قال: أسلمت وأنا ابن تسع عشرة سنة، وأنه قال: كنت السابع في الإِسلام بعد ستة، وأنه قال: أسلمت قبل أن تُفرض الصلاة.

شهد بدرًا والحُديبية وسائر المشاهد كلها، وهو أحد الستة الذين

جعل فيهم عُمر الشُّورى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوفي وهو عنهم راض. وقال

عُمر: إن أصابت الإِمرة سعدًا فذاك، وإلا فلْيستعن به الوالي، فإني لم أعزله عن عَجْز ولا خِيانة. وقيل: أسلم بعد ثلاثه.

وفي "صحيح" البخاري عنه أنه قال: لقد مكثت سبعة أيام وإني لثالث الإِسلام، وهو أول من أراق دمًا في سبيل الله، فقد قال ابن إسحاق في المغازي: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يَسْتخفون بصلاتهم،

ص: 85

فبينا سعد في شعْب من شِعاب مكة في نفر من أصحابه، إذ ظهر عليهم المشركون، فنافروهم وعابوا عليهم دينهم حتى قاتلوهم، فضرب سعد رجلًا من المشركين بِلَحْي جمل فشجه، فكان أول دم أريق في سبيل الله. وهو أيضًا أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان يقال له: فارس الإِسلام، وكان رميه ذلك في جيش عُبَيْدة بن الحارث حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يلقَى عير قريش فترامَوْا بالنَّبْل وفي ذلك يقول سعد:

ألا هل أتى رسولَ الله أنّي

حَمَيْتُ صحَابتي بصُدُور نَبْلي

أذُود بهَا عَدُوَّهُم ذِيادا

بِكُلِّ حُزونةٍ وبكلِّ سَهْلِ

فَمَا يَعتَدُّ رامٍ من مَعَدٍّ

بَسَهم في سبيل الله قَبْلي

وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم له وللزبير أبويه، فقال لكل واحدٍ منهما فيما روي عنه:"ارمِ فداكَ أبي وأمّي" ولم يقل ذلك لأحد غيرهما فيما يقولون.

وروى التِّرمذي من حديث جابر: أقبل سعدٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا خالي فَلْيُرِني امرؤٌ خاله".

وروى الشيخان من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أرِق ليلة، فقال:"ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرُسُني" إذ سمعنا صوت السلاح، فقال:"مَن هذا؟ " قال: أنا سعد. فقام، وفي رواية فدعا له.

وفي الزُّبَير بن بكار من حديث عامر بن سعد، عن أبيه قال: كان رجلٌ من المشركين قد أحرق المسلمين، فنزعت له سهمًا، فأصبت جبهته، فوقع وانكشفت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسماه الواقِدِيّ حِبّان بن العرقة، وزاد أنه رمى بسهم، فأصاب ذيل أم أيْمن، وكانت جاءت تسقي الجرحى، فضحك منها، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمًا لسعد، فوقع السهم في نحر حِبّان، فوقع مستلقيًا، وبدت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"استعاذ لها".

ص: 86

وهو الذي فتح مدائن كسرى في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفتح القادسية وغيرها، وهو الذي تولى قتال فارس ففتح الله على يديه أكثر فارس، وهو الذي بني الكوفة، وولاه عمر العراق، وأرسل إليه وهو أمير العراق أن قاتل الفرس، فمضى إليهم، وحالت بينهما دِجلة وهي كالبحر لا تُعْبر إلا بالسفن، فقال للجند الذين معه: ماذا تَرَوْن؟ فقالوا له: ما تأمر، عزم الله لنا ولك الرشد، فلما سمع كلامهم اقتحم الوادي بفرسه، وتبعه المسلمون، فقطعوا دِجلة خيلًا ورجالًا ودَوابٌ حتى لا يُرى وجه الماء من الشاطىء إلى الشاطىء، وسعد يقول في أثناء القطع: حسبُنا الله ونعم الوكيل، والله لينصرن الله وليّه -يعني عمر- وليظهرن الله دينه، وليهزمن عدوه إن لم يكن في الجيش ذنوب، وكان الفارس إذا أحسّ بالإِعياء أبان الله له رابيةً في جَوْف الماء يقف عليها حتى يرجع إليه نشاطُهُ ثم يقوم براكبه، وخرجت تلك الخيل تَنْفُضُ أعرافها، وجميع الخلق والدواب سالمة، ولم يَضِع لأحد شيء إلا رجل سقط له قَدَح، فعيَّرَه صاحبه، فقال له: أصابَهُ القدر فطاح. وقال: ما كان الله لِيَسْلُبني قدحي من بين العسكر، فضربته الريح والأمواج حتى أخرجته إلى الشاطىء، فقال للذي عَيّره: ألم أقل لك ما كان الله لِيَسْلبني قدحي من دون غيري؟ وكان ذلك لما في الكتب القديمة من أن هذه الأمة تخوض البحر إلى أعدائها.

وفي "تاريخ" أبي العباس السَّرّاج أن جرير بن عبد الله مرّ بعُمر، فسأله عن سعد بن أبي وقاص، فقال: تركته في ولايته أكرمَ الناس وأقلّهم قسوة، هو لهم كالأم البَرّة، يجمع لهم كما تجمع ذَرّة، أشدّ الناس عند الباس، وأحبّ قريش إلى الناس.

وكان مجاب الدعوة، مشهورًا بذلك، تُخاف دعوته لاشتهار إجابتها عندهم، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اللهُمَّ سدَّد سهمه، وأجِب دعوته" ومما شوهد من إجابة دعوته، هو أن أهل الكوفة شَكَوْه إلى عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه حتى قالوا: إنه لا يُحسن الصلاة، فقال - رضي

ص: 87

الله عنه -: أما أنا فكنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرْكُدُ في الأوليين، وأخفف في الأخريين، ثم بعث عمر عدلين من الصحابة يسألان عن ذلك، فكلما مرّا بنادٍ من أهل الكوفة يُثني عليه، حتى مرّا بأبي سَعدة الأسَديّ. فقال: أمّا إذ نَشَدْتُماني، فإن سعدًا كان لا يَسري بالسرية، ولا يَقْسم بالسوية، ولا يعدِل في القضية. فقال سعد: اللهم إن كنت تعلم أنه كاذبٌ، فأطل عمره، وأكثر عياله، وعرضه للفتن، فكان يتعرض للإِماء في الطريق ويَغْمِزُهن، فيقلن: ما هذا؟ فيقول: شيخ أصابته دعوة سعد، نسأل الله العافية.

وفي "مجابي الدعوة" لابن أبي الدُّنيا من طريق جرير عن مغيرة عن أبيه، قال: كانت امرأة قامتها قامة صبي، فقالوا: هذه ابنة سعد، غمست يدها في طَهوره، فقال: قطع الله يديك، فما نشِبت بعدُ.

ولما استعمله عُمر على جيش الفرس، قال له: لا يَغُرَّنَّك أنك خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففتح الله على يديه القوادس، واستأصل فارس.

وكان تزوج امرأة المثنى بن حارثة الشيباني بعد أن استشهد من جراحات أصابته يوم جسر أبي عُبيد، وجلس معها ذات يوم على مكان عال ينظران قتال المسلمين، وكان بسعد جراحات شديدة منعته من القتال، فقالت امرأة المثنى: وامثناه -تندب زوجها الأول، وكان من الشجعان والفرسان- فلطمها سعد رضي الله عنه، وقال لها: ما المثنى إلا رجل من المسلمين يقاتل في سبيل الله.

وفي تخلفه عن القتال يقول الشاعر:

نُقاتِل حتّى أنْزَل الله نصرَهُ

وسعدٌ بباب القادسيةِ مُعْصَمُ

فَرِحْنا وقد آمت نساءٌ كثيرةٌ

ونسوة سعدٍ ليسَ فيهن أيِّمُ

وقال الأُبِّي: إن قائل البيتين قالهما معرضًا بسعد في تركه للقتال،

ص: 88

وإن سعدًا دعا عليه، فقال: اللهم اكفف لسانه ويده، فيبست يده وخرس لسانه.

ورُوي عنه أنه قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة أو البعير ماله خَلْط، ثم أصبحت بنو أسد تُعَزِّرُني على الإِسلام، لقد خِبْت إذًا وضلَّ عملي.

وروي أنه في حصار الشِّعْب بينما هو يمشي إذ وطىءَ على شيء، قال: فأخذته، فإذا هو رَطْبٌ، فابتلعته، فوالله ما أدري ما هو إلى الآن.

وقال: كنت ليلة أبول. فسمعت صلصلةً أو قعقعة تحت البول، فإذا هو قطعة من جلد بعير، فأخذتها، وغسلتها، ثم أحرقتها، ثم رضضتها وسففتها وقويت بها ثلاثًا.

ولما قتل عثمان رضي الله عنه اعتزل الفتن، ولزم بيته، وأمر أهله ألا يخبروه من أخبار الناس بشيء حتى تتفق الأمة على رجل واحد، وجاءه ابن أخيه هاشم بن عُتبة، وقال له: ها هنا مئة ألف سيف يرون أنك أحق بهذا الأمر، فقال له: أبغي منها سيفًا واحدًا، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئًا، وإذا ضربت به الكافر قطع.

ورُوي عن أبي إسحاق أنه قال: أشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة، عُمر وعلي والزبير وسعد.

ورُوي عن عامر بن سعد أن أباه حين رأى اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقهم اشترى أرضًا ميتة، ثم خرج واعتزل فيها بأهله.

وكان سعد من أحد الناس بصرًا، ورأى يومًا شيئًا يزول، فقال لمن معه: ترون شيئًا؟ قالوا: نرى شيئًا كالطائر. قال: أرى راكبًا على بعير، ثم جاء بعد قليل عم سعد على بُخْتيّ، فقال سعد: اللهم إنا نعوذ بك من شر ما جاء به.

وطمع معاوية فيه وفي عبد الله بن عُمر ومُحمّد بن مَسْلمة، فكتب

ص: 89

إليهم يدعوهم إلى عونه على الطلب بدم عثمان، ويقول: إنهم لا يكفِّرون من قتله وخذلانه إلا بذلك، ويقول: إن قاتله وخاذله سواء في نثر ونظم كتب لهم به، فأجابه كل واحد منهم يرد عليه ما جاء به من ذلك، ويُنكِر عليه مقالته، ويعرفه أنه ليس أهلا لما يطلبه، وفي جواب سعد له:

معاويَ داؤك الدّاءُ العياءُ

وليسَ لما تجيءُ به دواءُ

أيَدْعوني أبو حَسنٍ عليٌّ

فَلَم أرْدُدْ عليه ما يشاءُ

وقُلتُ له ابْغِني سَيفًا بصيرًا

تُمازُ به العداوة والولاءُ

فإن الشّرّ أصغرُهُ كثيرٌ

وإنَّ الظّهر تُثقلُهُ الدّماءُ

أتَطمعُ في الذي أعطى عليًّا

على ما قَد طِمِعْتَ به العَفاءُ

لَيَوم منهُ خيرٌ منك حيًّا

ومَيْتًا أنت للمرء الفِداءُ

فأمّا أمرُ عثمان فدَعْهُ

فإنَّ الرّأي أذْهَبَه البَلاءُ

وقد سئل علي رضي الله عنه عن الذين قعدوا عن نصرته وبيعته، فقال: أولئك قوم خذلوا الحق ولم ينصُروا الباطل.

رُوي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مئتا حديث وسبعون حديثًا، اتفقا على خمسة عشر منها، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بثمانية عشر.

روى له الجماعة.

وروى عنه: بنوه إبراهيم، وعامر، ومصعب، وعمر، وعائشة، وروى عنه من الصحابة: ابن عباس، وابن عُمر، وعائشة، وجابر بن سَمُرة، ومن كبار التابعين: سعيد بن المُسيِّب، وأبو عثمان النَّهْديّ، وقيس بن أبي حازم، وعلْقمة، والأحْنف بن قَيس، وآخرون.

مات رضي الله عنه بقصوه بالعقيق على عشرة أميال من المدينة سنة سبع وخمسين، وقيل: خمس، وهو ابن بضع وسبعين سنة، وحمل إلى المدينة على أعناق الرجال، وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذٍ

ص: 90

والي المدينة ودفن بالبقيع في جُبة صوف لقي المشركين فيها يوم بدر، أوصى أن يُكَفّن فيها، وهو آخر العشرة موتًا.

وفي الحديث لفظ فلان مبهم، والمراد به جُعَيْل بن سُراقة الضّمْريّ.

روى ابن إسحاق في "المغازي" قيل: يا رسول الله أعطيت عُيينة ابن حِصن، والأقرع بن حابس مئة مئة وتركت جُعيلًا، فقال:"والذي نفسي بيده لَجُعيل بن سُراقةَ خير من طِلَاع الأرض مثل عُيينة والأقرع، ولكني أتألفهما وأكل جعيلًا إلى إيمانه" وهذا مرسل حسن.

وروى الرُّوياني في "مسنده" وابن عبد الحكم في "فتوح مصر" عن أبي ذرٍّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "كيف ترى جُعيلًا؟ " قلت: مسكينًا كشكله من الناس. قال: "وكيف ترى فلانًا؟ " قلت: سيدًا من السادات، قال:"لجعيلٌ خير من ملء الأرض مثل هذا؟ " قال: قلت يا رسول الله: ففلان هكذا وتصنع به ما تصنع؟ قال: "إنه رأس قومه، فأتألفهم" وإسناده صحيح.

وروى ابن منْده أن جعيلًا أُصيبت عينه في بني قريظة، وجُعيلٌ هذا قيل: أنه هو جعال بن سراقة مصغر، وقيل: إنهما اثنان أخوان.

لطائف إسناده: منها أن فيه التحديث والعنعنة والإِخبار، وفيه ثلاثة زُهريين مدنيين، وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض باعتبار الرواية الآتية: وهم: ابن شِهاب، وعامر، وصالح. وصالح أكبر من ابن شهاب لأنه أدرك ابن عُمر رضي الله عنهما، وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر، ومنها أن قوله: عن سَعد أن رسول الله هكذا هو هنا، ووقع في رواية الإِسماعيلي عن سعد هو ابن أبي وقّاص.

أخرجه البخاري هنا، وفي الزكاة عن محمَّد بن عزيز وغيره، وأبو داود عن طريق مَعْمر، واعتُرض على مسلم في بعض طرق هذا الحديث في عدم جعله لمعمر بين سفيان والزُّهري، والمحفوظ هو كونه عن سفيان

ص: 91

عن معمر عن الزُّهري، ذكره الدارقُطني في الاستدراكات على مسلم، وفي جواب النووي عنه باحتمال كون سُفيان رواه مرة عن الزّهري مباشرة، ومرة بواسطة مَعمر نظرٌ، لأن الروايات قد تظاهرت عن ابن عُيينة بإثبات مَعمر ولم يوجد إسقاطه إلا عن مُسلم.

ثم قال البخاري ورواه يونُس وصالح ومَعمر وابن أخي الزّهري عن الزُّهريّ.

فهذه متابعة من هؤلاء الأربعة، أما رواية يونُس فحديثه موصولٌ في كتاب الإِيمان لعبد الرحمن بن عُمر الزُّهريّ الملقب رُسْتَه -بضم الراء وإسكان السين المهملتين وقبل الهاء مثناة من فوق مفتوحة- وأما رواية صالح فحديثه موصول عند المؤلف في كتاب الزكاة، وفيه اللطائف المتقدمة، وأما رواية مَعْمر فحديثه عن أحمد بن حَنْبل والحُميْديّ وغيرهما عن عبد الرزاق عنه، ومر تعريف الثلاثة، أما يونس ومعمر فقد مرّا في متابعة بعد الرابع من بدء الوحي، وأما صالح بن كَيْسان فقد مر في السابع منه أيضًا، وأما رواية ابن أخي الزُّهري فهي موصولة عند مسلم، وفي روايته لطيفة وهي رواية أربعة من بني زُهرة هو وعمه وعامر وأبوه على الولاء.

وابن أخي الزُّهريّ: هو محمَّد بن عبد الله بن مُسلم بن عُبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زُهرة الزُّهري أبو عبد الله المدني.

قال أحمد: لا بأس به. وقال مرة: صالح الحديث. وقال ابن عَديّ: لم أر بحديثه بأسًا، ولا رأيت له حديثًا منكرًا، فاذكره إذا روى عنه ثقة.

وقال أبو داود: ثقة، سمعت أحمد يُثني عليه، وأخبرني عباس عن يحيى بالثناء عليه. وقال الواقِدي: كان كثير الحديث صالحًا. وقال ابن حِبّان: كان رديء الحفظ كثير الوهم، ويقال: إنه انفرد عن عمه بحديث "كلُّ أمتي مُعافى إلا المجاهرون" وبحديث: "كان صلى الله عليه وسلم يأكُلُ بكفِّه كلِّها"، وقول أبي هُريرة في خُطبته:"كل ما هو آت قريبٌ" وقال ابن مَعين مرة:

ص: 92

ضعيف لا يحتج به. ومرة قال: ابن أخي الزُّهري أحب إلي من ابن إسحاق في الزُّهري. وجعله محمَّد بن يحيى من الطبقة الثانية من أصحاب الزُّهري مع أسامة بن زيد، وابن إسحاق، وابن أُويس، وفُليح. قال: وهؤلاء كلهم في حال الضعف والاضطراب. قال: وإذا اختلف أصحاب الطبقة الثانية. فالمَفْزع إلى أصحاب الطبقة الأولى. وقال السّاجيّ: صدوق، تفرد عن عمه بأحاديث لم يتابَع عليها، يعني: الثلاثة المتقدمة، وقال ابن مَعين مرة: ليس بالقوي. وقال مرة: ابن أخي الزُّهري أحب إلي من أبي أُوَيس. وقال الحاكم أبو عبد الله ابن البيع في كتاب "المدخل": ومما عِيب على البخاري ومسلم إخراجهما حديث ابن أخي الزُّهري، أخرج البخاري له في الأصول، ومسلم في الشواهد. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، يُكتب حديثه. وقال الآجُرِّي: سُئل أبو داود عن ابن أخي الزُّهري، فقال: لم أسمع أحدًا يقول فيه بشيء، إلا أن أحمد بن صالح حكى عن ابن أبي أُويس قال أبو داود: طوبى لابن أبي أُويس أن يقاربه. قال ابن حَجر: محمَّد بن يحيى الذُّهليّ أعرف بحديث الزُّهري، وقد بين ما أنكر عليه، فالظاهر أن تضعيف من ضعفه إنما كان بسبب تلك الأحاديث التي أخطأ فيها، ولم أر له في البخاري إلا أحاديث قليلة، أحدها في الأضاحي عن عمه، عن سالم، عن أبيه في النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وهذا قد تابعه عليه مَعمر عند مسلم وغيره، والثاني في وفود الأنصار عن عمه، عن أبي إدريس، عن عُبادة بن الصامت في المتابعة، وهو عنده بمتابعة شُعيب وغيره عن الزُّهري. والثالث في المغازي في قصة الحديبية عن عمه، عن عُروة، عن المُسَوِّر ومروان بن الحكم بمتابعة سفيان بن عُيينة ومعمر وغيرهما، وله عنده غير هذا مما توبع عليه موصولًا ومعلقًا، وروى له الباقون.

روى عن: أبيه، وعمه، وصالح بن عبد الله بن أبي فَروة، وعدة.

وروى عنه: محمَّد بن إسحاق وهو أكبر منه، وعبد الرحمن بن

ص: 93