الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل من ضُبيعة الذين ليسوا منهم، لقوله في الحديث:"خيرُ ربيعة عبد القيس، ثم الحي الذي أنت منهم" فإنه يعلم منه بديهة أن الحي الذي هو منهم ليس من عبد القيس، فكيف يصح مع الحديث نسبته إلى ضُبيعة عبد القيس، فالحق مع الذي نسبه إلى ضبيعة بكر بن وائل أو غيره من غير ضُبيعة عبد القيس، فتأمله منصفًا.
الرابع: عبد الله بن عبّاس وقد مر في الخامس من بدء الوحي.
لطائف إسناده:
منها أن فيه التحديث والعنعنة والإخبار في أخبرنا شعبة، وفي كثير من النسخ حدثنا شعبة، ورجاله ما بين بغدادي وواسطي وبصري، وفيه من هو من الأفراد وهو أبو جَمْرة، وكذا علي بن الجعد.
انفرد به البخاري وأبو داود عن بقية الستة.
وهذا الحديث أخرجه البخاري في عشرة مواضع هنا كما رأيت، وفي الخمس عن أبي النعمان، وفي خبر الواحد عن علي بن الجعد. وعن إسحاق، وفي كتاب العلم عن بُندار، وفي الصلاة عن قُتيبة، وفي الزكاة عن حجّاج بن المنهال، وفي مناقب قريش عن حماد ومسدد، وفي المغازي عن سليمان بن حَرْب وعن إسحاق بن أبي عامر، وفي الأدب عن عِمران بن مَيْسرة، وفي التوحيد عن عمرو بن علي. ومسلم في الإيمان عن أبي بكر بن أبي شَيْبة وغيره، وفي الأشربة عن خلف بن هِشام، وأبو داود في الأشربة عن سُليمان بن حَرْب وغيره، وفي السنة عن أحمد بن حَنْبل، والترمذي في السِّيَر عن قُتيبة مختصرًا، وفي الإيمان عن قُتيبة بطوله، وقال: حسن صحيح، والنسائي في العلم عن بُندار، وفي الإيمان عن قُتيبة، وفي الأشربة عن أبي داود الحرّاني، وفي الصلاة عن محمد ابن عبد الأعلى.
ولم يذكر البخاري في طرقه قصة الأشج، وذكرها مسلم.
ثم قال المصنف:
باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرىء ما نوى
فدخل فيه
الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والصوم والأحكام وقال {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} على نيته ونفقة الرجل على اهله يحتسبها صدقة وقال النبي صلى الله عليه وسلم ولكن جهاد ونية.
أي: هذا باب بيان ما ورد دالًا على أن الأعمال الشرعية معتبرة بالنية والحسبة، والمراد بالحسبة: طلب الثواب والإخلاص في العمل، وإنما استدل بحديث عمر على أن الأعمال بالنية، وبحديث أبي مسعود على أن الأعمال بالحسبة، وقوله:"ولكل امرىء ما نوى" بعض حديث الأعمال بالنية، وإنما أدخل قوله:"والحسبة" بين الجملتين، للإشارة إلى أن الثانية تفيد ما لا تفيده الأولى، وللتنبيه على أن التبويب شامل لثلاث تراجم: الأعمال بالنية، والحسبة، ولكل امرىء ما نوى.
قوله: "فدخل فيه الإيمان" هو من مقول المصنف، وليس فيه بقية مما ورد، وقد أفصح ابن عساكر في روايته بذلك، فقال: قال أبو عبد الله، يعني: المصنف، والضمير في "فيه" يعود على الكلام المتقدم، وتوجيه دخول النية في الإيمان على طريقة المصنف أن الإيمان عمل كما مر، وأما الإيمان بمعنى التصديق فلا يحتاج إلى نية كسائر أعمال القلوب من خشية الله، وعظمته، ومحبته، والتقرب إليه، وقد مر في حديث إنّما الأعمال بالنية الكلام على فائدتها.
وقوله: "والوضوء" أي: وكذا الوضوء، خلافًا للأوْزاعيّ وأبي حنيفة وغيرهما، محتجين بأنه وسيلة إلى العبادة لا عبادة مستقلة، وبأنه عليه الصلاة والسلام علم الأعرابي الجاهل الوضوء، ولم يعلمه النية، ولو كانت فريضة لعلمه، ونوقضوا بالتيمم، فإنه وسيلة وشرطوا فيه النية، وأجابوا بأنه طهارة ضعيفة، فيحتاج لتقويتها، وبأن قياسه على التيمم غير مستقيمٍ، لأن الماء خلق مطهراً، قال الله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} والتراب ليس كذلك، وكان التطهير به تعبدًا محضًا، فاحتاج إلى النية، إذ التيمم ينبىءُ لغة عن القصد، فلا يتحقق دونه، بخلاف الوضوء، ففسد قياسه على التيمم.
واستدل الجمهور على اشتراط النية في الوضوء بالأدلة الصحيحة المصرحة بوعد الثواب عليه، فلابد من قصد يميزه عن غيره، ليحصل الثواب الموعود به.
وقوله: "والصلاة" أي: وكذا الصلاة، من غير خلاف أنها لا تصح إلا بالنية، نعم نازع ابن القيّم في استحباب التلفظ بها، وكذا المالكية، بل التلفظ بها عندهم خلاف الأولى إلا في حق الموسوس، فيندب له، محتجين بأنه لم يرد أنه صلى الله تعالى عليه وسلم تلفظ بها، ولا عن أحد من أصحابه.
وأجيب بأنه عون على استحضار النية القلبية، وعبادة اللسان، وقاسه بعضهم على ما في "الصحيح" من حديث أنس أنه سمع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعًا، يقول:"لبيك حجّاً وعمرة"، وهذا تصريح باللفظ، والحكم كما يثبت باللفظ يثبت بالقياس، وتجب مقارنة النية لتكبيرة الإحرام، لأنها أول الأركان، وذلك بأن يأتي بها عند أولها، ويستمر ذاكرًا لها
…
إلخ.
واختار النووي تبعًا للغزالي الاكتفاء بالمقارنة العرفية عند العوام، بحيث يعد مستحضرًا للصلاة. وقال ابن الرفعة: إنه الحق، وصوبه السُّبكي، ولو عزبت النية قبل تمام التكبيرة لم تصح الصلاة، لأن النية معتبرة في الانعقاد، والانعقاد لا يحصل إلا بتمام التكبيرة.
ولو نوى الخروج من الصلاة، أو تردد في أن يخرج أو يستمر بطلت، بخلاف الصوم والحج والوضوء والاعتكاف، لأنها أضيق بابًا من الأربعة، فكان تأثيرها باختلاف النية أشد.
ولو علق الخروج من الصلاة بحضور شيء بطلت في الحال، ولو لم يقطع بحصوله، كتعليقه بدخول شخص، كما لو علق به الخروج من الإِسلام، فإنه يكفر في الحال قطعًا، قاله القسطلّاني، ونظم بعض المالكية حاصل ما قيل في رفض العبادة بقوله:
الرَّفضُ للطهرِ إذا ما وَقَعا
…
بعدَ التمام لغوُهُ قد سُمِعا
أما إذا وَقَع في الأثناءِ
…
فَشَهّروا فيه بلا امتراءِ
ضررهُ ومثلُهُ التيممُ
…
كذاكَ الاعتكافُ فيما يُعلمُ
والرفضُ للصلاةِ والصيامِ
…
يُبطلُ عندَ الحلة الأعلامِ
إن كانَ في الأثناءِ أما إن يكُن
…
بعدَهُما ففيه خلفٌ قد زَكن
قولانِ بالصحةِ والبطلان
…
قد ذكروهُما مرجّحانِ
والرفضُ للعمرةِ والحجِّ انتفى
…
ضررُهُ ولو في الأثناءِ وَفَى
وقوله: "والزكاة" أي: وكذا الزكاة تجب فيها النية، وإنما سقطت بأخذ السلطان، ولو لم ينو صاحب المال، لأن السلطان قائم مقامه.
وقوله: "والحج" أي: وكذا الحج تجب فيه النية، وإنما ينصرف إلى فرض من حج عن غيره لدليل خاص، وهو حديث ابن عباس في قصة شبْرُمة، أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي، وهذا عند الشافعية، وعندنا معاشرَ المالكية أن الحج لا ينتقل لغير من وقع له.
وقوله: "والصوم" أي: وكذا الصوم، خلافًا لمذهب عطاء ومجاهد وزُفَر أن الصحيح المقيم في رمضان لا يحتاج إلى نية، لأنه لا يصح النفل في رمضان، وعند الأربعة تلزم النية، لكن تعيين الرمضانية لا يشترط عند الحنفية.
وقوله: "والأحكام" أي: وكذا الأحكام من المناكحات والمعاملات والجراحات، إذ يشترط فيه كلها القصد، فلو سبق لسانه إلى بعت أو وهبت أو نكحت أو طلقت لغى لانتفاء القصد إليه، ولا يصدق ظاهرًا إلا بقرينة، كأن دعى زوجته بعد طهرها من الحيض إلى فراشه، وأراد أن يقول: أنت طاهر، فسبق لسانه، وقال: أنت الآن طالق.
وكل صورة لم تشترط فيها النية فذاك لدليل خاص، وقد ذكر ابن المُنير ضابطًا لما تشترط فيه النية مما لا تشترط، فقال: كل عمل لا تظهر له فائدة عاجلة، بل المقصود به طلب الثواب، فالنية مشترطة فيه، وكل
عمل ظهرت فائدته ناجزة، وتعاطته الطبيعة قبل الشريعة لملائمة بينهما، فلا تشترط النية فيه إلا لمن قصد بفعله معنى آخر يترتب عليه الثواب.
قال: وإنما اختلفت العلماء في بعض الصور من جهة تحقيق مناط التفرقة، قال: وأما ما كان من المعاني المحضة كالخوف والرجاء، فهذا لا يقال باشتراط النية فيه، لأنه لا يمكن أن يقع إلا منويًّا، ومتى فرضت النية مفقودة فيه استحالت حقيقته، فالنية فيه شرط عقلي، ولذا لا تشترط النية للنية فرارًا من التسلسل، وأما الأقوال فتحتاج إلى النية في ثلاثة مواطن:
أحدها التقرب إلى الله تعالى فرارًا من الرياء.
والثاني: التمييز بين الألفاظ المحتملة لغير المقصود.
والثالث: قصد الإنشاء ليخرج سبق اللسان.
وقوله: "وقال الله" الظاهر أنها جملة حالية لا عطف، أي: والحال أن الله قال، ويحتمل أن تكون للمصاحبة، أي: مع أن الله قال.
وقوله: "على نيته" تفسير منه لقوله: {عَلَى شَاكِلَتِهِ} بحذف أداة التفسير، وتفسير الشاكلة بالنية صح عن الحسن البصري ومعاوية بن قُرة المزني، وقتادة. أخرجه عبد بن حُميد والطبري عنهم. وعن مجاهد، قال: الشاكلة الطريقة أو الناحية، وهذا قول الأكثر، وقيل: الدين، وكلها متقاربة.
وقوله: "ونفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة" أي: حال كونه مريدًا بها وجه الله تعالى، فيحتسبها حالٌ متوسط بين المبتدأ والخبر الذي هو صدقة، وفي نسخة إسقاط الواو. وفي رواية أبوي ذرِّ والوقت والأصيلي إسقاط هذه الجملة كلها.
وقوله: "ولكن جهاد ونية" هذا طرف من حديث ابن عباس، أوله:"لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهادٌ ونية، وإن استُنْفِرْتُم فانفِروا".
أخرجه المؤلف هنا معلقًا، وأخرجه مسندًا في الحج عن عثمان بن أبي شَيْبة، وفي الجزية مسندًا أيضًا عن علي بن عبد الله، وفي الجهاد أيضًا مسندًا عن آدم وغيره. وأخرجه مسلم في الجهاد عن يحيى بن يحيى، وفيه وفي الحج عن إسحاق بن إبراهيم، وفي الجهاد أيضًا عن أبي بكر وأبي كُرَيْب وأبو داود في الجهاد والحج عن عثمان معلقًا والترمذي في السير عن أحمد بن عَبْدة، وقال: حسن صحيح. والنسائي فيه وفي البيعة عن إسحاق بن منصور، وفي الحج عن محمَّد بن قُدامة وغيره.
وقد تكلمت عليه وعلى غيره من أحاديث الهجرة في آخر الكلام على حديث "إنما الأعمال بالنيات".