الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصلاة من الإِيمان
باب بالتنوين، وتَرْكه بالإِضافة إلى الجملة، والصلاة مبتدأ خبره من الإِيمان، أي من شُعَبه، ووجه المناسبة بين هذا الباب والذي قبله من حيث أن من جملة المذكور في حديث الباب السابق الاستعانة بالأوقات الثلاثة في إقامة الطاعات، وأفضل الطاعات البدنية التي تُقام في هذه الأوقات الصلوات الخمس، فوقتُ صلاة الصبح في الغَدوة، ووقت صلاة الظهر والعصر في الرَّوْحة، ووقت صلاة العشاءين في جزء الدُّلجة عند من يقول أنها سير الليل كله، فناسب تعقيب هذا الباب للذي قبله لأنه في الصلاة.
ثم قال المُصنِّف: وقول الله عز وجل {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] يعني صلاتكم عند البيت. لفظة قول يجوز فيه الرفع عطفا على لفظة الصلاة والجر عطفًا على مَحلّ المضاف إليه، الذي هو الصلاة، على ترك التنوين في باب وإضافته إلى الصّلاة. وقوله:"ليضيع" اللام فيه لتأكيد النفي، وقوله إيمانكم بالخطاب، وكان المقام يقتضي الغَيْبة، لكنه قصد تعميم الحُكْم للأُمة الأحياء والأموات، فذكر الأحياء المخاطَبين تغليبًا لهم على غيرهم.
وقوله: "صلاتكم عند البيت" قال في الفتح: وقع التنصيص على هذا التفسير من الوجه الذي أخرج منه المؤلف حديث الباب عند النّسائي والطّيالسِيّ بلفظ "إيمانكم صلاتكم إلى بيْت المقدس" قال: فقول المصنف "عند البيت" مُشْكل مع أنه ثابت عنه في جميع الروايات، ولا اختصاص بذلك، لكونه عند البيت. وقد قيل: إنه تصحيف وإن الصواب يعني "صلاتكم لغير البيت".
قال الحافظ: وعندي أنه صواب ولا تصحيف فيه، ومقاصد البخاريّ دقيقة، وبيان ذلك أن العلماء اختلفوا في الجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها في الصلاة، وهو بمكة، فقال: ابن عباس وغيره: كان يصلي إلى بيت المَقْدس، لكنه لا يَسْتدبرُ القِبْلة. بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس،
وأطلق آخرون أنه كان يصلي إلى بيت المقدس، وقال آخرون: إنه كان يصلي إلى الكعبة، فلما تحوّل إلى المدينة، استقبل بيت المقدس، وهذا ضعيف، ويلزم منه دعوى النَّسخ مرتين، والأول أصح، لأنه يجمع بين القولين. وقد صححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس، وكأن البخاري أراد الإِشارة إلى الجزم بالأصح، من أن الصلاة لما كانت عند البيت، كانت إلى بيت المقدس. واقتصر على ذلك اكتفاء بالأوْلويّة.
لأن صلاتهم إلى غير جهة البيت، وهم عند البيت، إذا كانت لا تضيع، فأحرى أن لا تضيع إذا بعدوا منه، فتقدير الكلام، يعني صلاتكم، التي صليتموها عند البيت إلى بيت المقدس. فانظر هذا الجواب ما أحْسَنَه وما أدقَّه، وانظر تحامُل العيْنيّ على ابن حَجَر من أنه كان من حقه أن يرد على من قال إن اللفظ فيه تصحيف. ويقول هذا لا يسمى تصحيفا، ثم قال: ومن لم يعرف معنى التصحيف كيف يجيب عنه بالتحريف وما قاله في غاية التَّحامل الباطل، الذي لا يناسب، فإن القائل بأنه تصحيف قال: إن البخاريّ جعل لفظة "عند البيت" مكان "لغير البيت" وأي تصحيف بعد هذا؟ وهو قد فسر التصحيف فقال: هو أن يتصحف لفظ بلفظ. وما فسره به منطبق على هذا الواقع غاية الانطباق.