الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن حَجَر ينبغي أن لا يكون هذا الرابع قولًا برأسه، بل يجعل شرطًا لمن أجاز، فإن منع غير العالم من ذا الفعل لا يُخالف فيه أحد.
وهذا القول الرابع هو الذي عليه الجمهور، ويوصف بالصحيح دون غيره من بقية الأقوال بشرط أن يكون ما اختصره من المتن غير متعلق بالذي ذكره تعلقًا يُخلُّ حذفه بالمعنى، لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين، أما إذا تعلق به المذكور كالاستثناء والغاية والحال كقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يُباع الذّهب بالذهب إلا سواء بسواء" فلا يجوز حذفه بلا خلاف، وهذا الخلاف محله إذا وقع الاقتصار على بعض الحديث في الرواية، أما إذا قُطِع الحديث المشتمل على أحكام في الأبواب بحسب الاحتجاج به على مسألة فهو بعيد من المنع، وقد فعله من الأئمة مالك وأحمد والبخاري والنّسائي وغيرهم. وحُكي الخلاف عن أحمد أنه ينبغي أن لا يفعل. قال ابن الصلاح: ولا يخلو من كراهية. ومحل الخلاف أيضًا إذا كان الفاعل غير متهم، وأما إذا كان متهمًا فلا يجوز له أن يفعله سواء رواه ابتداءً ناقصًا أم تامًّا، لأنه إن رواه تامًّا بعد أن رواه ناقصًا اتُّهم بزيادة ما لم يسمعه، أو بالعكس اتُّهم بنسيانه لقلة حفظه، فيجب عليه أن يرويه تامًّا لِيَنفي هذه المَظنّة عن نفسه، فإن خالف ورواه ناقصًا جاز له عدم تكميله بعد ذلك، وكَتْم تلك الزيادة خوفَ اتِّهام الزيادة اهـ ثم قال المصنف:
وقوله: "ولا يُكفَّر" بتشديد الفاء المفتوحة، وفي رواية أبي الوقت، بفتح أوله وإسكان الكاف.
وقوله: "إلا بالشّرك" أي: أن كل معصية تُؤخذ من ترك واجبٍ أو فعل محرم فهي من أخلاق الجاهلية، والشرك أكبر المعاصي، ولا يُنسب أحد إِلى الكفر بارتكاب معصية إلا بارتكاب الشرك.
بابٌ المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك امرؤ فيك جاهلية" وقول الله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} .
باب بالتنوين، وسقط عند الأصيلي، والمعاصي مبتدأ، خبره من الجاهلية، والجاهلية زمان الفترة قبل الإِسلام، وسُمي بذلك لكثرة الجهالات فيه، وقد يُطلق في شخص معين أي في حال جاهليته.
ومحصل الترجمة أنه لما قَدَّم أن المعاصي يطلق عليها الكفر مجازًا على إرادة كفر النعمة لا كفر الجَحْد، أراد أن يُبّين أنه كفر لا يُخرج من الملة، خلافًا للخوارج الذين يكفرون بالذنوب، وللمعتزلة القائلين بأنه لا مؤمن ولا كافر، واحتَرَز بالارتكاب عن الاعتقاد، فلو اعتقد حِلَّ حرام معلوم من الدين بالضرورة كفر قطعًا، واستدل المصنف على ما ذكر بقوله صلى الله عليه وسلم:"إنك امرؤٌ فيك جاهلية" وبآية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]، أما الاستدلال بالآية فظاهر، فإنه صيَّر ما دون الشِّرك تحت إمكان المغفرة، فمن مات على التوحيد غيرُ مخلد في النار وإن ارتكب من الكبائر غير الشرك ما عساه أن يرتكب، والمراد بالشِّرك في هذه الآية الكفر، لأن من جحد نبوة محمَّد صلى الله عليه وسلم مثلًا كان كافرًا ولو لم يَجْعل مع الله إلهًا آخر، والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف، وقد يَردُ الشرك ويراد به ما هو أخص من الكفر، كما في قوله تعالى:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} وأما قصة أبي ذرٍّ فإنما ذكرت ليُستدَلَّ بها على أن من بقيت فيه خَصْلة من خِصال الجاهلية سوى الشرك لا يخرُجُ عن الإِيمان بها سواء كانت من الكبائر أم الصغائر.
وقوله: "إنك امرؤ فيك جاهلية" أي: إنك في تعييره بأمه على خُلُقٍ من أخلاق الجاهلية، ولست جاهليًا محضًا، مع أن منزلة أبي ذر من الإِيمان في الذِّروة العالية، وإنما وبّخه بذلك على عظيم منزلته عنده تحذيرًا له عن معاودة مثل ذلك، لأنه وإن كان معذورًا بوجه من وجوه العُذر، لكنّ وقوع ذلك من مثله يُستعظم أكثر ممن هو دونه.