الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس عشر
22 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا فَيُلْقَوْنَ فِى نَهَرِ الْحَيَاء -أَوِ الْحَيَاةِ شَكَّ مَالِكٌ- فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً» .
وهذا الحديث وافق إسماعيل على روايته عبد الله بن وَهب ومعنُ بن عيسى عن مالك، وأخرجه المؤلف أيضًا عن غيره، فانجبر اللين الذي في إسماعيل.
وقوله: "يدخل أهل الجنة الجنة" عبر فيه بالمضارع العاري عن سين الاستقبال، المتمحض للحال، لتحقق وقوع الإِدخال، وفي رواية الدَّارَقُطنيّ:"يُدْخِلُ الله" وفي رواية له وللاسماعيليّ: "يُدخِلُ من يشاء برحمته".
وقوله: "أخرِجوا" بهمزة قطع من الإِخراج، وفي رواية زيادة:"من النار".
وقوله: "مثقال حَبة" بفتح الحاء، وهو إشارة إلى ما لا أقلَّ منه. قال الخَطّابي: هو مَثَلٌ، ليكون عيارًا في المعرفة لا في الوزن، لأن ما يُشْكِل في المعقول يُرَدُّ إلى المحسوس ليُفهم. وقال إمام الحرمين: إن الوزن للصحف المشتملة على الأعمال، ويقع وزنها على قدر أجور الأعمال.
وقال غيره: يجوز أن تُجسّد الأعراض فتوزن، وما ثبت من أمور الآخرة بالشرع لا دخل للعقل فيه، والمراد بحبة الخردل هُنا ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد، لقوله في الرواية الأُخرى:"أخرجوا من قال: لا إله إلا الله، وعمل من الخير ما يَزِنُ ذرَّةً".
وقوله: "من خَرْدل من إيمان" أي: بالتنكير ليفيد التقليل، وفي رواية من الإِيمان بالتعريف، وقد استنبط الغَزّالي من قوله:"أخرِجوا من النار من كان في قلبه" إلخ، نجاة من أيقن بالإِيمان، وحال بينه وبين النطق به الموت، قال: وأما مَنْ قَدَرَ على النُّطْق، ولم يفعل حتى مات مع إيقانه بالإِيمان بقلبه، فيحتمل أن يكون امتناعه منه بمنزلة امتناعه عن الصلاة، فلا يُخَلَّدُ في النار، ويحتمل خلافه، ورَجَّحَ غيرُه الثاني فيحتاج إلى تأويل قوله:"في قلبه" فيقدر فيه محذوف تقديره منضمًا إلى النُّطق به مع القدرة عليه، ومنشأ الاحتمالين الخلاف في أن النطق بالإِيمان شطرٌ، فلا يتم الإِيمان إلا به، وهو مذهب جماعة من العلماء، واختاره الإِمام شمس الدين وفخر الإِسلام، أو شرطٌ لإِجراء الأحكام الدنيوية فقط، وهو مذهب جمهور المحققين، وهو اختيار الشيخ أبي منصور، والنصوص معاضِدةٌ لذلك، ونظم صاحب المراصد ما قيل في هذه المسألة بقوله:
فإنْ يَكُن ذُو النُّطقِ مِنهُ ما اتَّفَق
…
فَإنْ يَكُن عَجْزًا يَكُن كَمن نَطَقْ
وإنْ يَكُن ذلك عَنْ إبَاءِ
…
فحُكْمُهُ الكُفر بِلَا امْترَاء
وإنْ يَكُن عَن غَفلةٍ فَكَالإِبا
…
وذَا الّذي حَكَى عِياضٌ مَذْهَبَا
وقيلَ كالنُّطقِ ولِلجمهُورِ
…
نُسبَ والشَّيخ أبي مَنصُورِ
وذَيَّلها شيخنا أحمد بن مُحمد بن محمَّد سالم بقوله:
وذلك التَّفصيلُ قطعًا عُهدَا
…
تَخْصيصُه بِمنْ بكُفرٍ وُلِدا
أمّا الّذي وُلِد في الإِسلام
…
فهُوَ مُؤمِنٌ لَدَى الأعْلامِ
وُجُوبُ نُطقهِ وجوبُ الفَرْع
…
يعْصِي بِتركهِ فقط في الشَّرْع
وقوله: "قد اسودّوا" أي صاروا سودًا كالحمم من تأثير النار.
وقوله: "فيُلْقون" -بضم الياء- مبني للمفعول.
وقوله: "في نهر الحيا" رُوي بالقصر وهو المطر، وروي بالمد ولا معنى له، والمعنى على الأولى لأن المراد كل ما تحصُل به الحياة، وبالمطر تحصُل حياة الزرع، فهو ألْيق بمعنى الحياة من الحياء الممدود الذي معناه تغير وانكسار .. الخ ما مرّ، فإنه بعيد من المعنى المراد هنا.
وقوله: "والحياة" بالمثناة الفوقية آخره، وهو النهر الذي مَن غُمِسَ فيه حَيِيَ.
وقوله: "شكَّ مالك" في رواية: "يَشُكُّ" بالمثناة التحتية أوله، أي يشك في أيهما الرواية.
وقوله: "فينبُتون كما تنبُتُ الحِبّةُ" أي بكسر المهملة وتشديد الموحِدة بَزْر العُشب الذي لا يُقتات، فاللام فيه للجنس، وتجمع على حِبَب بكسر الحاء كقِربة وقِرب، والحِبّة بالكسر جمع حَبَة بالفتح، والحبُّ القمح والشعير واحدته حبة بالفتح أيضًا، وإنما افترقا في الجمع، ويُحتمل أن تكون اللام للعهد، ويراد به حِبّة بقلة الحمقاء، لأن شأنه أن ينبُت سريعًا على جانب السيل فيُتلفَه السيل، ثم ينبُت فيتلِفه السبل، ولهذا سميت الحمقاء، لأنه لا تمييز لها في اختيار المنبَت، وتسمى الرِّجْلة -بكسر الراء وبالجيم- بقلة الحمقاء، لأنها لا تنبُت إلا في المسيل.
وقوله: "في جانب السَّيْل" في رواية في حَميل السيل، وهو ما يحمِلُه السيل من طين ونحوه، فإذا اتفقت فيه الحِبّة، واستقرت على شَطِّ مجرى السيل، تنبُت في يوم وليلة، هي أسرع نابتة نباتًا.
وقوله: "ألم تر" خطاب لكل من تتأتّى منه الرؤية، على حد قوله:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} .