الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو أنَّ الرجل كان في الحياء، فكان ذلك يمنعه من استيفاء حقوقه، فعاتبه أخوه على ذلك، فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: اتركه على هذا الخلق السَّنِيّ ثم زاده في ذلك ترغيبًا لحكمه بأنه من الإِيمان، وإذا كان الحياء يمنع صاحبه من استيفاء حق نفسه، جرَّ له ذلك تحصيل أجر ذلك الحق، لا سيما إذا كان المتروك له مستحقًا.
وقوله: "فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: دعه فإن الحياء من الإِيمان" قال ابن قُتَيبْة: معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي، كما يمنع الإِيمان فسُمِّي إيمانًا كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه، وحاصله أن إطلاق كونه من الإِيمان مجاز، ومن تبعيضية، كقوله في الحديث السابق:"الحياء شعبة من الإِيمان" ولا يقال: إذا كان الحياء بعض الإِيمان فينتفي الإِيمان بانتفائه، لأن الحياء من مكملات الإِيمان، ونفي الكمال لا يستلزم نفي الحقيقة، والظاهر أن الواعظ كان شاكًّا، بل كان منكرًا، ولذلك وقع التأكيد بإنَّ، ويجوز أن يكون من جهة أن القصة في نفسها مما يجب أن يهتم به ويؤكد، وإنْ لم يكن ثَمَّ إنكارٌ أو شكٌ. وقد مرّت مباحث الحياء في باب أمور الإِيمان.
رجاله خمسة:
الأول: عبد الله بن يوسُف. والثاني: الإِمام مالك بن أنس، وقد مرّا في الثاني من بدء الوحي. والثالث: ابن شِهاب ومرّ في الثالث منه أيضًا، ومر عبد الله بن عُمر في الأثر الرابع أول كتاب الإِيمان قبل ذكر حديث منه.
الرابع من السند: سالِم بن عبد الله بن عُمر بن الخطاب العَدَويّ أبو عُمر، ويقال: أبو عبد الله المدني الفقيه، أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال المتقدمة في ترجمة عُروة بن الزُّبير في الثالث من بدء الوحي.
قال علي بن الحسن العَسْقلاني، عن ابن المُبارك: كان فقهاء أهل المدينة، فذكره فيهم. قال: وكانوا إذا جاءتهم المسألة دَخَلوا فيها
جميعًا، فنظروا فيها، ولا يَقْضي القاضي حتى يرفع إليهم، فينظرون، فيُصدرون. وقال ابن المُسَيِّب: كان عبد الله أشبه أولاد عمر به، وكان سالم أشبه ولد عبد الله به. وقال مالك: لم يكن في زمان سالم أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه، كان يلبس الثوب بدرهمين. وقال: كان ابن عُمر يخرُج إلى السوق فيشتري، وكان سالم دَهْرَه يشتري في الأسواق، وكان من أفضل أهل زمانه. وقال أبو الزِّناد: كان أهل المدينة يكرهون اتِّخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم القُراء السادة: علي بن الحُسَيْن، والقاسم بن محمَّد، وسالم بن عبد الله، ففاقوا أهل المدينة علمًا وتقىً وعبادةً وورعًا، فرغب الناس حينئذٍ في السَّراري. وقال ابن راهويه: أصح الأسانيد كلها: الزُّهريّ عن سالم، عن أبيه. وكان أبوه يُلام في إفراط حب سالم، ويقول:
يَلُومونَني في سالمٍ وألُومُهُم
…
وجِلْدةُ بين العين والأنْفِ سالمُ
وكان يقبله، ويقول: ألا تعجبون من شيخ يقبل شَيخًا. وقال ابن سَعد: كان ثقة كثير الحديث عاليًا من الرجال. وقال ابن مَعين: سالم والقاسم حديثهما قريب من السَّواء، وسعيد بن المُسَيِّب قريب منهما، وإبراهيم أعجب إليّ مرسلًا منهم. وقال العِجليّ: مدني تابعي ثقة.
وكتب عُمر بن عَبْد العزيز إلى سالم بن عبد الله أن اكتب لي بشيء من رسائل عُمر بن الخطاب، فكتب إليه: يا عمر اذكر الملوك الذين تَفَقَّأت أعينهم التي كانت لا تَنْقضي لذتهم بها، وانفقأت بطونهم التي كانوا لا يشبعون بها، وصاروا جِيَفًا في الأرض آكامها، لو كانت بجنب مساكن لنا لتَأذَّيْنا بريحهم.
ودخل سليمان بن عبد الملك الكعبة فوجد فيها سالمًا، فقال له: سلني حوائجَكَ. فقال: والله ما سألتُ في بيت الله غير الله تعالى.
ودخل سالم يومًا على الوليد بن عبد الملك: فقال له: ما أحسن
جسمك: فما طعامك؟ قلت: الكعك والزيت. قال: وتشتهيه؟ قلت: أدعه حتى أشتهيه، وآكله. وكان يقول إياكم ومداومة اللحم، فإن له ضراوة كضراوة الشراب.
وقال ابن إسحاق: رأيت سالم بن عبد الله يلبس الصوف، وكان عَلِجَ الخلق يعالج بيديه ويعمل. وقال ابن حِبّان في "الثقات" كان يُشبه أباه في السَّمْت والهُدى، وأمه من بنات يَزْدَجرد لما قدم سَبْيُ فارس على عمر بن الخطاب كانت فيه بنات يَزْدَجرد، فَقُوِّمْنَ فأخذهن علي بن أبي طالب، فأعطى واحدة لابن عمر فولدت له سالمًا، وأعطى أختها لولده الحسين فولدت له عليًّا، وأعطى أختها لمحمد بن أبي بكر فولدت له القاسم.
روى عن: أبيه، وأبي هُريرة، وأبي رافع، وأبي أيوب، وزيد بن الخطاب. وأبي لُبابة على خلاف فيه، وغيرهم.
وروى عنه: ابنه أبو بكر، وأبو بكر بن محمَّد بن عَمرو بن حَزْم، والزُّهريّ، وصالح بن كَيْسان، وحَنْظلة بن أبي سُفيان، وحُميد الطّويل، وعُمر بن حمزة بن عبد الله بن عُمر، وعَمرو بن دينار، وغيرهم.
له إخوة: عبد الله، وعاصم، وحمزة، وبلال، وواقد، وزيد، وكان عبد الله وصي أبيهم فيهم، وروى عنه منهم: عبد الله وحمزة وبلال.
مات بالمدينة سنة ست ومئة، وقيل: سنة خمس، وقيل: ثمان، وهشام بن عبد الملك يومئذ بالمدينة، وكان قد حجّ بالناس تلك السنة، فقدم المدينة، فوافق موت سالم، فصلى عليه بالبقيع لكثرة الناس، فلما رأى كَثْرة الناس، قال لإِبراهيم بن هِشام المخزوميّ: اضرب على الناس بعث أربعة آلاف، فَسُمِّي عام أربعة آلاف.
وفي الستة سالم بن عبد الله سواه ثلاثة: أبو عبد الله النَّصريّ مولى شدّاد بن الهاد، روى عن عُثمان، وأبي هُريرة، وعائشة، وغيرهم.
والثاني الخَيّاط البَصْريّ مولى عُكّاشة، روى عن الحسن، وابن أبي