الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا تقرر أن الذي ارتفع علمُ تعيينها تلك السنة، فهل أُعلم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعد ذلك بتعيينها، فيه احتمال، فقد قال ابن عُيينة فيما علقه البخاري، ووصله محمد بن يحيى بن أبي عمرو في كتاب "الإيمان" له: كل شيء في القرآن فيه {وَمَا أَدْرَاكَ} فقد أخبره به، وكل شيء فيه {وَمَا يُدْرِيكَ} فلم يخبره به، ومقصوده أنه عليه الصلاة والسلام كان يعرف ليلة القدر، لقوله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} وهذا الحصر متعقب بقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} فإنها نزلت في ابن أم مكتوم، وقد علم صلى الله تعالى عليه وسلم بحاله، وأنه ممن تزكى ونفعته الذكرى اهـ.
قلت: يحتمل عندي أن يجاب عن هذا التعقيب بأن المراد من التزكي في هذه الآية التطهير من الذنوب لا الإِسلام، لأنه كان مسلمًا قبل ذلك، والتطهير من الذنوب لا يُعلم علم يقين إلا بالغفران يوم القيامة، أو بالوحي عليه عليه الصلاة والسلام، ويدل على هذا الجواب قوله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري وغيره للأنصارية لما قالت لعثمان بن مظعون بعد موته: لقد أكرمك الله: "وما يدريكِ أنَّ اللهَ أكرمه" إلخ، ولم يُرِدْ عليه الصلاة والسلام إلَاّ علمها بأن الإكرام مغيب، متوقف على النجاة في يوم القيامة، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم.
وروى محمد بن نصر، عن واهب المَعَافِريّ أنه سأل زينب بنت أم سلمة: هل كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يعلم ليلة القدر؟ فقالت: لا، لو علمها لما قام الناس غيرها. وهذا قالته احتمالًا، وليس بلازم، لاحتمال أن يكون التعبد وقع بذلك أيضًا، فيحصل الاجتهاد في جميع العشر، وسيأتي إن شاء الله تعالى بسط الكلام على ليلة القدر في كتاب الاعتكاف اهـ.
رجاله خمسة:
الأول قُتيْبة بن سعيد، وقد مر في الحادي والعشرين من كتاب الإيمان.
والثاني: إسماعيل بن جَعْفر، وقد مر في السادس والعشرين منه أيضًا.
والثالث: حُمَيْد بن أبي حُميد الطويل، أبو عُبيدة الخُزاعي مولاهم، وقيل غير ذلك البصري، واسم أبي حُميد تِيْر -بكسر التاء المثناه من فوق، وسكون الياء، وفي آخره راء- وقيل: اسمه تيرويه، وقيل: زاذويه، وقيل: داور، وقيل: طرخان، وقيل: مهران، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: مَخْلد، وقيل غير ذلك إلى عشرة أقوال، وهو مشهور بحميد الطويل قيل: كان قصيرًا طويل اليدين، فقيل له ذلك، وكان يقف عند الميت فتصل إحدى يديه إلى رأسه، والأخرى إلى رجليه. وقال الأصمعي: رأيته، ولم يكن بذاك الطويل، بل كان في جيرانه رجل يقال له: حُميد القصير، فقيل له: الطويل للتمييز بينهما.
قال ابن مَعين: ثقة. وقال الدارِميّ: قلت لابن مَعين: يونس بن عُبيد أحب إليك في الحسن أو حميد؟ فقال: كلاهما. قال الدارِميّ: يونس أكبر من حميد بكثير. وقال العجلي: بصري ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة لا بأس به، وأكبر أصحاب الحسن حميد وعبادة. وقال ابن خِراش: ثقة صدوق. وقال مرة: في حديثه شيء، يقال: إن عامة حديثه عن أنس، إنما سمعه من ثابت. وقال حماد بن سلمة: أخذ حُميد كتب الحسن فنسخها، ثم ردها عليه. وقال حماد: لم يدع حميد لثابت علمًا إلا وعاه وسمعه منه، وقال أيضًا: عامة ما يروي حميد عن أنس سمعه من ثابت. وقال شعبة: لم يسمع حُميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثًا، والباقي سمعها من ثابت، أو ثبته فيها ثابت. وقال أبو داود: سمعت شعبة يقول: سمعت حبيب بن الشهيد يقول لحميد وهو يحدثني: انظر ما تحدث به شعبة، فإنه يرويه عنك، ثمٍ يقول هو: إن حميدًا رجل نسي، فانظر ما يحدثك به. وقال شعبة أيضًا كما رواه عنه أبو داود الطَّيَالِسيّ: كل شيء سمع حميد من أنس خمسة أحاديث. قال ابن حجر: والراوي لهذا عن أبي داود غير معتمد. وقال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد: كان حميد الطويل إذا ذهب توقفه على بعض حديث أنس يشك فيه. وقال
الحُميدي عن سفيان: كان عندنا شوَيْب بصري يقال له: درست، فقال لي: إن حميدًا قد اختلط عليه ما سمع من أنس، ومن ثابت وقتادة عن أنس إلا شيئًا يسيرًا، فكنت أقول له: أخبرني بما شئت من غير أنس، فأسأل حُميدًا عنها، فيقول: سمعت أنسًا. وقال ابن عدي: له أحاديث كثيرة مستقيمة، وقد حدث عنه الأئمة، وأما ما ذكر عنه أنه لم يسمع من أنس إلا ما ذكر، وسمع الباقي من ثابت عنه، فأكثر ما في بابه أن بعض ما رواه عن أنس يدلسه، وقد سمعه من ثابت. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، إلا أنه ربما دلس عن أنس. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: وهو الذي يقال له حُميد بن أبي داود، وكان يدلس، سمع من أنس ثمانية عشر حديثًا، وسمع من ثابت البناني، فدلس عنه. وقال أبو بكر البَرْديجيّ: وأما حديث حميد فلا يحتج منه إلا بما قال: حدثنا أنس: وقال يحيى بن يعلى المحارِبيّ طرح زائدة حديث حميد الطويل. وقال الحافظ أبو سعيد العلائيّ فعلى تقدير أن تكون أحاديث حميد مدلسة، فقد تبين الواسطة فيها، وهو ثقة صحيح. قال ابن حجر: الرواية المتقدمة من أن حميدًا إنما سمع من أنس خمسة أحاديث قول باطل، فقد صرح حميد بسماعه من أنس بشيء كثير، وفي "صحيح" البخاري من ذلك جملة، والذي روى عن أبي داود الراوي عن شعبة، عيسى بن عامر، وأنا ما عرفته، وحكاية سفيان عن درست ليست بشيء، فإن درست هالك، وإنما ترك زائدة حديثه فذلك لأمر آخر لدخوله في شيء من أمور الخلفاء، وقد بين ذلك مكي بن إبراهيم، وقد اعتنى البخاري في تخريجه لأحاديث حميد بالطرق التي فيها تصريحه بالسماع، فذكرها متابعة وتعليقًا. وقال يحيى القطان: مات حُميد الطويل وهو قائم يصلي.
روى عن: أنس بن مالك، وثابت البُنَاني، وموسى بن أنس، وبُكَيْر بن عبد الله المزنى، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث، وابن أبي مُلَيْكة، وابن المتوكل الناجي، وغيرهم.
وروى عنه: ابن أخته حماد بن سلمة، ويحيى بن سعيد الأنصاري
-وهو من أقرانه- وحماد بن زيد، والسفيانان، وشعبة، ومالك، ووُهَيْب ابن خالد، والقطان، وزائدة، وزهير، وسليمان بن بلال، ويزيد بن هارون، وغيرهم.
مات سنة اثنتين وأربعين ومئة، وقيل: سنة ثلاث وهو ابن خمس وسبعين سنة.
وليس في الستة حُميد بن أبي حُميد سواه، وأما حميد فكثير.
والخُزَاعيّ في نسبه نسبة إلى خُزاعة حي من الأزد. قال ابن الكلبي: ولد حارثة بن عمرو -مُزَيْقِياء- ابن عامر -وهو ماء السماء- ربيعة -وهو لُحَيّ- وأفصى، وعديًا، وكعبًا وهم خزاعة، وأمهم بنت أد بن طانجة بن إلياس بن مضر، فولد ربيعة عَمْرًا وهو الذي بحر البحيرة، وسيب السائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي، ودعا العرب إلى عبادة الأوثان، وهو خزاعة، وأمه فُهَيْرة بنت عامر بن الحارث بن مضاض الجُرْهمي، ومنه تفرقت خزاعة، وإنما صارت الحجابة، إلى عمرو بن ربيعة من قبل فهيرة الجُرْهمية، وكان أبوها آخر من حجب من جُرهم، وقد حجب عمرو، وما مر لـ "تاج العروس". والصحيح أن خزاعة بنو عمرو بن لحي، وأن عمرًا من عدنان، وهو ابن لحي بن قَمَعَة -بالتحريك- ابن الياس، ففي "صحيح" مسلم في أحاديث النار: رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أخا بني كعب هؤلاء يجر قصبة في النار.
وقد سميت خُزاعة بهذا الاسم لأنهم لما ساروا مع قومهم من مأرب، فانتهوا إلى مكة، تخزعوا عنهم، وأقاموا بمكة، وسار الآخرون إلى الشام، قال الشاعر:
فلمّا هَبَطْنا بطنَ مرٍّ تَخَزَّعتْ
…
خزاعةُ عنا في حلولٍ كراكرِ
والبيت قيل: إنه لحسان. وقيل: إنه لعدن بن أيوب الأنصاري، وهو الصحيح.