المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قول النبى صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة لله ولرسوله - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ٢

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم بالله وأن المعرفة فعل القلب لقول الله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌وفي هذا الحديث فوائد:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُلقى في النار من الإِيمان

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب تفاضل أهل الإِيمان في الأعمال

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌بابٌ: الحياء من الإِيمان

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب إذا لم يكن الإِسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لقوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} ومن يبتغ غير الإِسلام دينًا فلن يقبل منه

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب السلام من الإِسلام

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب كُفران العشير وكفر دون كفر فيه أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌بابٌ المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] فسماهم المؤمنين

- ‌الحديث الرابع والعشر ون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب ظلم دون ظلم

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب علامات المنافق

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌بابٌ قيام ليلة القدر من الإِيمان

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الجهاد من الإِيمان

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب تطوع قيام رمضان من الإِيمان

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب صوم رمضان احتسابًا من الإِيمان

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌بابٌ الدينُ يُسْرٌ

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الصلاة من الإِيمان

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب حسن إسلام المرء

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب أحب الدين إلى الله أدْوَمُهُ

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الزكاة من الإِسلام وقوله {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب اتِّباعُ الجنائز من الإِيمان

- ‌الحديث الأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب: خوف المؤمن من أن يحبطَ عملُه وهو لا يشعر

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإِسلام والإحسان وعلم الساعة

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل من استبرأ لدينه

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب أداء الخمس من الإِيمان

- ‌الحديث السادس والاربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرىء ما نوى

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب قول النبى صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة لله ولرسوله

- ‌الحديث الخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌لطائف إسناده:

- ‌خَاتِمَة

الفصل: ‌باب قول النبى صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة لله ولرسوله

أبي عمر، وقال: حسن صحيح، والنسائي فيها أيضًا عن عمرو بن عثمان، وفي عشرة النساء عن إسحاق بن إبراهيم، وفي "اليوم والليلة" عن محمد ابن سَلَمة، وابن ماجه في الوصايا أيضًا عن هشام بن عمار، وغيره.

ثم قال المصنف:

‌باب قول النبى صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة لله ولرسوله

ولأئمة المسلمين وعامتهم وقوله تعالى: إذا نصحوا لله ورسوله

الترجمة هنا لفظ حديث لم يخرجه المؤلف لما سيأتي قريبًا، وما أورده من الآية وحديث جرير يشتمل على ما تضمنه.

وقوله: "باب" خبر لمبتدأ محذوف، أي: هذا باب، وهو مضاف إلى "قول".

وقوله: "الدين النصيحة" مبتدأ وخبر في محل المفعول به لقول السابق، وهذا التركيب يفيد الحصر، لأن المبتدأ والخبر إذا كانا معرفتين يستفاد ذلك منهما، والمراد بالدين هنا على ما يظهر الدين الشامل للإيمان والإِسلام والإحسان المذكور في قوله عليه الصلاة والسلام السابق:"جاءكم يعلمكم دينكم" إشارة إلى الثلاثة المذكورة، وللدين إطلاقات أُخر:

يطلق على طاعة الملك كما قال زهير:

لئِنْ حَللْتَ بوادٍ في بني أسَدٍ

في دين عمرو وحالَتْ بينَنَا فَدَكُ

وعلى الجزاء كقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وقوله: {إِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} وقوله: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} ، وقول لبيد:

حصادُكَ يومًا ما دَرَسْتَ وإنّما

يُدانُ الفَتى يومًا بما هو دائن

وعلى التوحيد: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} وعلى الحساب: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} ، وعلى الملة:{وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا} وعلى العادة كقول امرىء القيس:

كدينِكَ من أُمِّ الحُوَيْرِثِ قبلَها

ص: 436

والتركيب المذكور المفيد للحصر يحتمل أن يحمل على المبالغة، أي: عماد الدين وقوامه النصيحة، كما قيل في حديث "الحج عرفة" أي: عماده ومعظمه، ويحتمل أن يحمل على ظاهره، لأن كل عمل لم يرد به عامله الإخلاص فليس من الدين.

والنصيحة مشتقة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع، ويقال: نصح الشيء إذا خلص، ونصح له القول إذا أخلصه له، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط، وقيل: مشتقة من النصح وهو الخياطة بالمِنْصَحة، وهي الإبرة، والمعنى: أنه يلم شعث أخيه بالنصح كما تلم المِنْصَحة شعثَ الثوب، ومنه: التوبة النصوح، كأن الذنب يمزق الدين، والتوية تخيطه.

قال الخطابي: النصيحة كلمة جامعة، معناها حيازة الحظ للمنصوح له، وهي من وجيز الكلام، بل ليس في كلام الغرب كلمة مفردة تُستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة، كما قالوا في الفلاح: ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخيري الدنيا والآخرة منه.

وهذا الحديث من الأحاديث التي قيل: انها أحد أرباع الدين، وقال النووي: بل هو وحده محصل لغرض الدين كله، لأنه منحصر في الأمور التي ذكرها كما يظهر لك من تفسيرها:

فالنصيحة لله تعالى منصرف معناها إلى الإيمان به تعالى، ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بما هو له أهل، والخضوع له ظاهرًا وباطنًا، والرغبة في محابه بفعل طاعته، والرهبة من مساخطه بترك معصيته، والجهاد في رد العاصين إليه، والحب فيه، والبغض فيه، وموالاة من والاه، ومعاداة من عصاه، والاعتراف بنعمه التي لا تُحصى، وشكره عليها، والإِخلاص له في جميع الأمور، والدعاء إلى جميع هذه الأوصاف، وحث الناس عليها، وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصحه نفسه، فالله تعالى غني عن نصح الناصح وعن العالمين.

ص: 437

وروى الثَّوْري عن أبي ثُمامة صاحب علي رضي الله تعالى عنه قال: قال الحواريون لعيسى عليه السلام: يا روحَ الله: من الناصح لله؟ قال: الذي يقدم حق الله على حق الناس.

والنصيحة لكتابه تعالى الإيمان بأنه كلامه تعالى وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر الإنس والجن لو اجتمعوا على الإتيان بسورة مثله، وتعلمه، وتعليمه، وتعظيمه، وتلاوته حق تلاوته، وتحسينها، والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة، وتحريرها في الكتابة، وتفهم معانيه، وحفظ حدوده، والذب عنه لتاويل الملحدين وتحريف المحرفين وتعريض الطاغين، والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والإيمان بمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، والعمل بما اقتضى منه عملًا، ودوام تدبره.

والنصيحة لرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم هي الإيمان به، وبجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حيًّا وميتًا، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه، وإعظام حقه، وتوقيره، وإحياء سنته بتعلمها وتعليمها، والاقتداء به في أقواله وأفعاله، وبث دعوته، ونشر شريعته، ونفي التهمة عنها، واستنارة علومها، والتفقه في معانيها، والدعاء إليها وإعظامها، وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه. وكل من اتبعه، ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه.

والنصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حملوا القيام به، وطاعتهم في الحق، وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وسدّ خلتهم عند الهفوة، وإعلامهم بما غفلوا عنه، ولم يبلغهم من أمور المسلمين، وترك الخروج عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم،

ص: 438

ودفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن، والصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج عليهم بالسيف إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يفروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يُدعى لهم بالصلاح.

ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد، وتقع النصيحة لهم ببث علومهم، ونشر مناقبهم، وتحسين الظن بهم، وقبول ما رووه، وتقليدهم في الأحكام.

والنصيحة لعامة المسلمين الشفقة عليهم، والسعي فيما يعود نفعه عليهم، وتعليمهم ما ينفعهم، وكف وجوه الأذى عنهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويعلمهم ما جهلوه من دينهم، ويعينهم عليه بالفعل والقول، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة، وترك غشهم وحسدهم، والذب عن أموالهم وأعراضهم وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل، وحثهم على التخلق بجميع ما ذكرناه، وتنشيط هممهم إلى الطاعات، وقد كان في السلف رضي الله تعالى عنهم من تبلغ به النصيحة إلى الإِضرار في دنياه.

والنصيحة فرض كفاية، يُجزى من قام به، ويسقط عن الباقين، وهي لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه، ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة، ففيها شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المشار إليها بقول القائل:

معرفةُ المنكر والمعروفِ

والظنُّ في إفادةٍ الموصوفِ

والأمنُ فيه من أشَدِّ النُّكر

كقتلِ شخصٍ بقيام الخمرِ

وأن يكون المنكر متفقًا عليه، أو يضعف مدرك القول بالجواز، وأن يكون ظاهرًا لا تجسس فيه، وما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه في صدر

ص: 439

خلافة اجتهاد منه، لا يجب تقليده فيه، وصح أنه رجع عنه.

وفي هذا الحديث من الفوائد زيادة على ما مر أن الدين يُطلق على العمل، لكونه سمى النصيحة دينًا، وعلى هذا المعنى بني المصنف أكثر كتاب الإيمان، ومنها جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب من قوله:"قلنا؟ لمن؟ ".

واعلم أن البخاري ذكر هذا الحديث ولم يخرجه مسندًا في "صحيحه"، لأن راوي الحديث تميم الداري، وأشهر طرقه فيه سهيل بن أبي صالح وليس من شرطه، لأنه لم يخرج له في "صحيحه"، وأخرج له مسلم والأربعة، ولما لم يكن من شرطه لم يأت فيه بصيغة الجزم، ولا في معرض الاستدلال، بل أدخله في التبويب، ولم يترك ذكره، وهو عنده من الواهي ليفهم أنه اطلع عليه، وعلى أن فيه علة منعته من إسناده، وله من ذلك في كتابه كثير يقف عليه من له تمييز.

وأخرجه مسلم في باب الإيمان عن محمد بن عباد المكي، وأبو داود في الأدب عن أحمد بن يونس، والنسائي في البيعة عن يعقوب بن إبراهيم، وإمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خُزيمة في كتاب "السياسة" له عن عبد الجبار بن العلاء المكي.

وقولي: إن البخاري لم يخرج عنه في "صحيحه" تبعت فيه العيني، ويرده ما قاله ابن حجر من أن له في البخاري حديثًا في الجهاد مقرونًا بيحيى بن سعيد الأنصاري عن النُّعمان بن أبي عيّاش، وله حديثان آخران متابعة في الدعوات.

ولنذكر تعريف سهيل وتميم الداري تتميمًا للفائدة:

الأول: سهيل بن أبي صالح، واسمه ذَكْوان السّمان أبو يزيد المَدَني.

قال ابن سعد: كان سهيل ثقة كثير الحديث. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يخطىء. قال ابن عُيينة: كنا نعد سهيلًا ثبتا في الحديث. وقال حرب عن أحمد: ما أصلح حديثه. وقال أبو طالب:

ص: 440

سألت أحمد عن سُهيل ومحمد بن عَمْرو، فقال: قال القطان: محمد بن عمرو أحب إلينا وما صنع شيئًا سهيل أثبت عندهم. وقال ابن مَعين: سهيل بن أبي صالح، والعلاء بن عبد الرحمن حديثهما قريب من السواء، وليس حديثهما بحجة. وقال أبو زُرعة: سهيل أشبه وأشهر من العلاء. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وهو أحب إلى من العلاء. وقال النّسائي: ليس به بأس.

وقال ابن عديّ: لسهيل شيخ، وقد روى عنه الأئمة، وحدث عن أبيه، وعن جماعة عن أبيه، وهذا يدل على تمييزه، لكونه ميز ما سمع من أبيه وما سمع من غير أبيه، وهو عندي ثبت لا بأس به مقبول الأخبار، روى له البخاري مقرونًا بغيره، وعاب عليه النسائي ذلك.

وقال السُّلَمي: سألت الدّارقُطني: لم ترك البخاري حديث سهيل في "صحيحه"؟ فقال: لا أعرف له فيه عذرًا، فقد كان النسائي إذا مر بحديث سهيل قال: سهيل والله خير من أبي اليمان، ويحيى بن بكير، وغيرهما. وقال البخاري في "تاريخه": كان لسهيل أخ، فمات، فوجد عليه، فنسي كثيرًا من الحديث. وقال ابن أبي خيْثمة عن يحيى: لم يزل أهل الحديث يتقون حديثه. وذكر العقيلي عنه أنه قال: هو صويلح، وفيه لين. وقال الحاكم في باب من عيب على مسلم إخراج حديثه: سهيل أحد أركان الحديث، وقد أكثر مسلم الرواية عنه في الأصول والشواهد، إلا أن غالبها في الشواهد مقرون في أكثر رواياته بحافظ لا يُدافع، فيسلم من نسبته إلى سوء الحفظ، وقد روى عنه مالك، وهو الحكم في شيوخ أهل المدينة الناقد لهم، ثم قيل في حديثه بالعراق: إنه نسي الكثير منه، وساء حفظه في آخر عمره. وقال أبو الفتح الأزْدي: صدوق، إلا أنه أصابه برسام في آخر عمره، فذهب بعض حديثه.

روى عن: أبيه، وسعيد بن المسيِّب، والحارث بن مَخْلد الأنصاري، وعبد الله بن دينار، وعطاء بن يزيد الليثي، والأعمش، وربيعة، وغير واحد من أقرانه.

ص: 441

وروى عنه: الأعمش، وربيعة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وموسى ابن عُقبة، وزُهير بن معاوية، وابن جُرَيْج، والسفيانان، وابن أبي حازم، ووهيب، وسليمان بن بلال، وجماعة.

مات في ولاية أبي جعفر، وقال ابن قانع: مات سنة ثمان وثلانين ومئة، وليس في الستة سهيل بن أبي صالح سواه، وأما سهيل فخمسة.

الثاني: تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن جديمة بن وداع -ويقال: ذراع- ابن عدي بن الدار بن هانىء بن تماره بن لخم أبو رُقَيّة -بالتصغير- الداريّ.

انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان، ونزل بيت المقدس، وكان إسلامه سنة تسع، كان نصرانيًّا، وقدم المدينة، فأسلم، وذكر للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم قصة الجساسة والدجال، فحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك على المنبر، وعد ذلك من مناقبه، له ولأخيه نُعيم صحبة.

قال ابن إسحاق: قدم المدينة، وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو نُعيم: كان راهب أهل عصره، وعابد أهل فلسطين، وهو أول من أسرج السراج في المسجد، رواه الطبراني من حديث أي هُريرة، وهو أول من قص في عهد عمر، رواه ابن أبي شَيْبة، وإسحاق بن راهويه، أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم قرية عينون بفلسطين. قال قتادة: كان من علماء أهل الكتابين. وقال ابن سيرين: كان يختم في ركعة. وقال مسروق: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم، قام ليلة بآية حتى أصبح، وهي: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ

} رواه النسائي.

وله قصة مع عمر فيها كرامة له واضحة وتعظيم كثير من عمر له، فقد روى البغوي، عن أبي العلاء، عن معاوية بن حَرْمل، قال: قدمت على عمر بن الخطاب، فقلت: يا أمير المؤمنين: تائب من قبل أن يُقدر علي؟ فقال: من أنت؟ فقلت: معاوية بن حَرْمل ختن مُسيلمةَ. قال: اذهب فانزل على خير أهل المدينة. قال: فنزلت على تميم الداريّ، فبينا نحن

ص: 442

نتحدث إذ خرجت نار بالحرة، فجاء عمر إلى تميم، فقال: يا تميم اخرج. فقال: ما أنا وما تخشى أن يبلُغ من أمري، فصغر نفسه، ثم قام فحاشها حتى أدخلها الباب الذي خرجت منه، ثم اقتحم في أثرها، ثم خرج فلم تضره.

قال في الإصابة: ذهب الذهبي في "التجريد" إلى أن صاحب الجام الذي نزل فيه وفي صاحبه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ .. الآية} غير تميم الداري، وعزى ذلك لمقاتل بن حيّان، وليس بجيد، لأن في التِّرمذي وغيره عن ابن عباس في قصة الجام أنه تميم الداري.

له ثمانية عشر حديثًا، انفرد له مسلم بحديث.

روى عنه سيد البشر صلى الله عليه وسلم حديث الجساسة في البخاري ومسلم، وناهيك بهذه المنقبة الشريفة.

روى عنه: ابن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبو هريرة، ورَوْح بن زنباع، وعطاء بن يزيد الليثي، وزُرارة بن أوفى.

مات بالشام، ولا عقب له، وقبره ببيت جبرين من بلاد فلسطين.

وقال البخاري: أبو هند الداريّ أخوه، وتُعُقِّب، ولكن قال ابن حبان: هو أخوه لأمه.

والدّاري في نسبه نسبة إلى جده المار الدار بن هانىء أبي بطن من لخم، واليهم ينسب أبو هند بُرَيْر -كزبير- الصحابي أخو تميم لأمه كما مر.

وقوله تعالى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} أي: بالإيمان والطاعة في السر والعلانية، أو بما قدروا عليه قولًا أو فعلًا، يعود على الإِسلام والمسلمين بالصلاح.

ص: 443