الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والثلاثون
39 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ هذا الدِّينَ أَحَدٌ إِلَاّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» .
قوله: "إن الدّين يُسْرٌ" مرّ قريبًا، أن في تفسيره تأويلين، واستدل القائل بأن المعنى أنَّه نفسُ اليُسر، بما قاله بعضهم في النبي صلى الله عليه وسلم "إنَّه عَيْن الرحمة" مُسْتدلًا بقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] كأنه، لكثرة الرحمة المودعة فيه، صار نَفْسها. والتأكيد فيه بإن، فيه رد على مُنْكر يُسْر هذا الدين، فإما أن يكون المُخاطب مُنْكرا، أو على تقدير تنزيله مَنْزِلَته، أو على تقدير المنكرين غير المخاطبين، أو لكون القصة مما يُهتم بها. وقوله: ولَنْ يُشَادَّ الدينَ إلا غلبه. هكذا في بعض الروايات بإضمار الفاعل، للعلم به وفي أكثر الروايات "ولن يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلّا غلبه" وفي بعضها هذا الدّين بنصب الدِّين فيهما على المفعولية. وحكى صاحب المَطَالع أن أكثر الروايات برفع الدِّين على أن يُشادَّ مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وتَعقَّبَهُ النّوويّ بأن أكثر الروايات بالنصب، وجمع الحافظُ بينهما بأنه بالنسبة إلى روايات المشارقة والمغاربة. ويؤيد النصبَ حديثُ بُريْدة عند أحمد أنه من شادَّ هذا الدّين يغلِبُه، والمُشادَّة بالتشديد المُغَالبة. يقال: شادّه يُشادُّه مُشادَّةً، إذا قاوَاه. والمعنى لا يَتَعَمَّقُ أحدٌ في الأعمال الدّينية ويترك الرِّفق إلا عَجِز وانقطع، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور
المحمودة، بل منع الإِفراط المؤدي إلى الملَال والمُبالغة في التطوّع المُفْضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفَرْض عن وقته كمن يُصلي الليل كله، ويغالبُ النوم إلى أن غَلبته عيناه في آخر الليل، فنام عن صلاة الصبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة.
قال ابن المُنير: في هذا الحديث عَلَمٌ من أعلام النُّبُوَّة، فقد رأينا، ورأى الناس قبلنا، أن كل متنطع في الدين ينقطع. وفي حديث مِحْجن ابن الأدرع عند أحمد:"إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة، وخَيْر دينكم اليُسْرة". وقد يستفاد من هذا الإِشارة إلى الأخْذ بالرُّخصة الشرعية، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطعٌ كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء، فيُفْضي به استعماله إلى حصول الضرر.
وقوله: فسَدِّدوا -بالمُهملة- من السَّداد، وهو التَّوسُّط في العمل.
أي: الْزموا السَّداد، وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط. وقوله: وقارِبوا: أي في العبادة، بالموحدة، أي: إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل، فاعملوا بما يُقرِّب منه. وقوله: وأبشروا، بقطع الهمزة، من الإِبشار. وفي لغة، بضم الشين، من البُشرى، بمعنى الإِبشار، أي: بالثواب على العمل الدائم، وإن قلّ.
والمراد تبشير من عَجز عن العمل الأكمل بأنَّ العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره. وأبهم المُبشِّر به تعظيمًا له وتفخيمًا. وقوله: واستعينوا بالغَدْوة والرَّوْحة، بفتح أولهما وسكون الثاني. وفي العَيْنيّ، تبعًا لابن الأثير أنّ الغُدْوة بضم الغين. والغَدْوة سَيْر أوّل النهار. وقيل: ما بين صلاة الغَداة وطلوع الشمس. والرَّوْحة: السَّيْر بعد الزوال، وقوله: وشيءٍ من الدُّلْجة، أي: واستعينوا بشيء من الدُّلجة. والدُّلجة، بضم أوله وفتحه، وإسكان اللام: سير آخر الليل. وقيل: سيرُ الليل كلِّه، ولهذا عبَّر فيه بالتبْعيض، ولأن عمل الليل أشقُّ من عمل النهار. وهذه