الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جنازة في أهلها فله قيراطٌ، فإن تبعها فله قيراطٌ، فإن صلّى عليها فله قيراط، فإن انتظرها حتى تدفنَ فله قيراطٌ" فهذا يدل على أن لكل عمل من أعمال الجنازة قيراطًا، وإن اختلفت مقادير القراريط، ولاسيّما بالنسبة إلى مشقة ذلك العمل وسهولته، وعلى هذا فيقال: "إنما خُص قيراطَيْ الصّلاة والدفن بالذّكر لكونهما المقصودين بخلاف باقي أحوال الميت، فإنها وسائل، لكن هذا يخالف ظاهر سياق حديث الباب، فإن فيه أن لمن تبعها حتى يصلّى عليها ويُفرغ من دفنها قيراطين فقط، ويجاب عن هذا بأن القيراطين المذكورين لمن شهد، والذي في حديث البزّار لمن باشر الأعمال التي يحتاج إليها الميت فافترقا، فإن كان مع الجنازة جمع كثير فتقدم إنسان أو جماعة في أول الناس أو تأخروا، فإن كانوا بحيثُ ينسبون إلى الجنازة، ويعدّون من مشيعيها حصل لهم القيراط الثاني، وإلا فلا اهـ.
وفي الحديث الترغيب في شهود الميت، والقيام بأمره، والحض على الاجتماع له، والتنبيه على عظيم فضل الله تعالى وتكريمه للمسلم في تكثير الثواب لمن يتولى أمره بعده، وفيه تقدير الأعمال بنسبة الأوزان، إما تقريبًا للأفهام، وإما على حقيقته اهـ.
رجاله ستة:
الأول: أحمد بن عبد الله بن علي بن سُويد بن منْجوف على وزن اسم المفعول أبو بكر السَّدوسُي البَصْري، وقد ينسب إلى جده.
ذكره ابن حبان في "الثقات". وقال النسائي: صالح. وقال ابن إسحاق الحبّال: بصري ثقة.
روى عن أبي داود الطّيالسِي، ورَوْح بن عُبادة، والأصمعي، وغيرهم.
وروى عنه: البُخاري، وأبو داود، والنّسائي، وأبو عروبة، وابن خُزيمة، وابن صاعد، وابن أبي داود، وغيرهم.
مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين.
والسَّدوسي في نسبه مر الكلام عليه في السادس من كتاب الإيمان، ومر الكلام على البصري في الثالث منه.
وفي الستة أحمد بن عبد الله سواه ثمانية.
الثاني: رَوحْ بن عُبادة بن العلاء بن حسان بن مرثد أبو محمد القيسي البصري.
قال ابن المديني: نظرت لروح بن عبادة في أكثر من مئة الف حديث، كتبت منها عشرة آلاف. وقال يعقوب بن شيبة: كان أحد من يتحمل الحمالات، وكان سريًّا مريًّا كثير الحديث جدًا صدوقًا، سمعت علي بن عبد الله يقول: من المحدثين قوم لم يزالوا في الحديث لم يشتغلوا عنه، نشؤوا فطلبوا، ثم صنفوا، ثم حدثوا، منهم روح بن عبادة. قال: وحدثني محمد بن عمر قال: سألت ابن مَعين عن روح فقال: ليس به بأس صدوق، حديثه يدل على صدقه. قال: قلت ليحيى: زعموا أن يحيى القطان كان يتكلم فيه، فقال: باطل ما تكلم فيه بشيء يحيى القطان، هو صدوق. قال يعقوب. وسمعت علي بن المديني يذكر هذه القصة، فلم أضبطها عنه، فحدثني عبد الرحمن بن محمد عنه قال: كانوا يقولون: إن يحيى بن سعيد كان يتكلم في روح بن عُبادة قال علي: فإني لعند يحيى ابن سعيد يومًا إذ جاءه روح بن عُبادة، فسأله عن شيء من حديث أشعث، فلما قام قلت ليحيى: تعرفه؟ قال: لا. قلت: هذا رَوحْ بن عُبادة. قال: ما زلت أعرفه بطلب الحديث وبكتبه. قال علي: ولقد كان عبد الرحمن يطعن عليه في أحاديث ابن أبي ذئب عن الزُّهري مسائل كانت عنده، قال علي: فقدمت على معن بن عيسى، فسألته عنها، فقال: هي عند بصري لكم. قال علي: فأتيت ابن مهدي، فأخبرته، فأحسبه قال: استحله لي. وقال الخطيب: كان كثير الحديث، وصنف الكتب في السنن والأحكام، وجمع التفسير، وكان ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء
الله. وقال ابن أبي خَيْثمة عن يحيى: صدوق ثقة. وذكره أبو عاصم فأثنى عليه، وقال: كان ابن جُريْج يخصه كل يوم بشيء من الحديث.
وقال روح: سمعت عن سعيد قبل الاختلاط، ثم غبت وقدمت، فقيل لي: إنه اختلط.
وقال الدارِمي عن ابن مَعين: ليس به بأس. وقال أبو بكر البزار في "مسنده": ثقة مأمون. قال يعقوب بن شيْبة: قال محمد بن عمر: قال ابن مَعين القَواريريّ: يحدث عن عشرين شيخًا من الكذابين، ثم يقول: لا أحدث عن روح بن عبادة. قال يعقوب: وكان عفان لا يرضى أمر روح ابن عُبادة، قال: فحدثني محمد بن عمر قال: سمعت عفّان يقول: هو عندي أحسن حديثًا من خالد بن الحارث، وأحسن حديثًا من يزيد بن زُريعْ، فلم تركناه؟ يعني: كان يطعن عليه. فقال له أبو خَيْثمة: ليس هذا بحجة، كل من تركته أنت ينبغي أن يترك، أما روح فقد جاز حديث الشأن في مَن بقي. قال يعقوب: وأحسب أن عفان لو كان عنده حجة مما يُسقط بها رَوْح بن عُبادة لاحتج بها في ذلك الوقت. وقال أبو داود: كان القواريريّ لا يُحدث عن رَوْح، وأكثر ما أنكر عليه تسع مئة حديث، حدث بها عن مالك سماعًا، وقال: وسمعت الحلواني يقول: أول من أظهر كتابه رَوْح بن عُبادة، وأبو أسامة، يريد أنهما رويا ما خُولفا فيه، فأظهرا كتبهما حجة لهما. وقال أبو مسعود الرازي: طَعَن على رَوْح بن عُبادة ثلاثة عشر أو اثني عشر، فلم ينفذ قولهم فيه. وقال أبو داود عن أحمد: لم يكن به بأس، ولم يكن متهمًا بشيء، وكان قد جرى ذكر روح وأبي عاصم فقال: كان رَوْح يخرج الكتاب. وقال الخليل: ثقة أكثر عن مالك، وروى عنه الأئمة.
وقال أبو خَيْثمة: لم أسمع في رَوْح شيئًا أشد عندي من شيء دفع إلى محمد بن إسماعيل صاحبنا كتابًا بخطه، فكان فيه: حدثنا عفان، حدثنا كلام من أصحاب الحديث يقال له: عمارة الصَّيْرفي أنه كان يكتب
عن رَوْح بن عبادة، وعلي بن المديني، فحدثهم بشيء عن شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، فقال له: هذا عن الحكم، فقال رَوح لعلي: ما تقول؟ فقال: صدق هو عن الحكم. قال: فأخذ القلم، فمحى منصورًا، وكتب الحكم. قال عفان: فسألت عليًّا عن حكاية عمارة، فصدقه.
وقال أبو زيد الهَرَويّ: كنا عند شعبة، فسأله رجل عن حديث، وكان في الرجل عجلة، فقال شعبة: لا والله حتى تلزمني كما لزمني هذا لروح وهو بين يديه. وقال محمد بن يحيى: قرأ روح على مالك، فبين السماع من القراءة. وقال الغلابي: سمعت خالد بن الحارث ذكره بجميل.
قال ابن حجر في مقدمته: أما مسألة محوه للاسم ففيها دلالة على إنصافه، وقد احتج به الأئمة كلهم.
روى عن: أيمن بن نابل، ومالك، والأوزاعي، وابن جُريْج، وابن أبي ذئب، وابن أبي عروبة، وشعبة، والسفيانين، وعوف، وغيرهم.
وروى عنه: أبو خَيْثمة، وأبو قُدامة، وأحمد، وبُندار، وإسحاق بن راهويه، وأبو مُوسى، والكُديْمي، وخلق كثير.
مات سنة سبع ومئتين كما قال الكُديْمي، وهو ابن امرأته فيكون أدرى به. وقيل: مات سنة خمس ومئتين.
وليس في الستة رَوْح بن عبادة سواه، وأما روح فكثير.
والقَيْسيّ في نسبه نسبة إلى قيس، وهو في قبائل قيس عيلان، وهو أبو قبيلة، واسمه الناس بن مضر أخو الياس، وقيل: بتشديد السين.
وكون قيس مضافًا إلى عَيْلان هو أحد أقوال النسابين، واختلف فقيل: إن عيلان حاضن حضن قيسًا، وإنه غلام لأبيه. وقيل: عيلان فرس لقيس مشهور في خيل العرب، وكان قيس سابق عليه، وكان رجل من بجيلة يقال له: قيس كبة، لفرس يقال له: كبة مشهور، وكانا متجاورين في دار واحدة قبل أن تلحق بجيلة بأرض اليمن، فكان الرجل إذا سأل عن قيس
قيل له: أقيس عيلان تريد، أم قيس كبة؟، وقيل: إنه سُمي بكلب كان له يقال له عيلان، وقيل: باسم قوس له، ويكون قيس على هذا ولدًا لمضر، والذي اعتمده النسابون ذووا الإتقان هو أن قيسًا ولدٌ لعيلان، وأن عيلان اسمه الناس أخو الياس، الذي هو خندف، وكلاهما ولد مضر لصلبه، ويدل لذلك قول زهير بن أبي سلمى:
إذا ابتَدَرَتْ قيسُ بنُ عَيْلانَ غايةً
…
من المجدِ مَنْ يسبِقْ إليها يَسْبق
وأم عيلان وأخيه هي الخنفاء ابنة إياد المعدية، والقيسان من طيء، قيس بن عناب بالنون ابن أبي حارثة بن جدي بن نذول بن بحذ بن عتود.
والثاني: ابن أخيه قيس بن هذمة بن عناب المذكور، وعبد القيس بن أقصى بن دعمى بن جديلة أبو قبيلة من أسد بن ربيعة، والنسبة إليه عَبْقَسِيّ وإن شئت عبدي اهـ.
الثالث: عوف بن أبي جَميلة -بفتح الجيم- العبدي الهَجَري أبو سهل البَصْري المعروف بالأعرابي، واسم أبي جميلة بَنْدُويه -بفتح الباء الموحدة، وضم الدال المهملة، بينهما نون ساكنة، ثم ياء مفتوحة- وقيل: بندويه اسم أمه، واسم أبيه رزينة.
قال ابن مَعين: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق صالح. وقال النّسائي: ثقة ثبت. وقال مَرْوان بن مُعاوية: كان يسمى الصدوق. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، قال: وقال بعضهم: يرفع أمره أنه ليجيء عن الحسن بشيء ما يجيء به أحد، قال: وكان يتشيع، وقال عن محمد بن عبد الله الأنصاري: كان أثبتهم جميعًا. وذكره ابن حِبّان في "الثقات".
وقال الأنصاري: رأيت داود بن أبي هند يضرب عوفًا ويقول: ويلك يا قدري. وقال في "الميزان": قال بُندار وهو يقرأ لهم حديث عوف: لقد كان قدريًا رافضيًّا شيطانًا. وقال مسلم في مقدمة "صحيحه": وإذا وازنت بين الأقران، كابن عون وأيوب مع عوف وأشعث الحُمْراني وهما صاحبا الحسن وابن سيرين، كما أن ابن عون وأيوب صاحباهما، وجدت البَوْن
بينهما وبين هذين بعيدًا في كمال الفضل وصحة النقل، وإن كان عوف وأشعث غير مدفوعين عن صدق وأمانة. وقال خالد بن الحارث: حدثنا عوف قال: حدثني شيخ من مُزَيْنة أدرك وفاة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، قال: إني أذكر نسوة منا لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم يسودن ثيابهنَّ عليه اهـ.
روى عن أبي رجاء العُطارِديّ، وأبي عُثمان النَّهدي، وأبي العَالية، وأبي المِنْهال سيّار بن سَلامة، وخِلاس الهَجَريّ، وأنس ومحمد ابني سيرين، وعَلْقمة بن وائل، وخالد الأشَجّ، وغيرهم.
وروى عنه: شعبة، والثوري، وابن المُبارك، والقطّان، وهُشَيْم، ورَوْح بن عُبادة، وغُنْدَر، ومروان بن مُعاوية، ويزيد بن زُرَيْع، ومعاذ بن معاذ العَنْبَريّ، وأبو زيد الأنصاري، وهَوْذَة بن خليفة، وآخرون.
كان مولده سنة تسع وخمسين، ومات سنة ست وأربعين ومئة.
والعَبْدي في نسبه مر الكلام عليه في الثامن من كتاب الإيمان.
والأعرابي نسبة إلى الأعراب، وهم سكان البادية من العرب، لا واحد له، ويجمع على أعاريب، وليس هو عربيًا، وإنما قيل له ذلك لفصاحته اهـ.
والهَجَري في نسبه نسبة إلى هجر، ولم أدر لأي هجرات هو، فهَجَر بالتحريك بلدة باليمن بينه وبين عثر يوم وليلة من جهة اليمين، مذكر مصروف، وقد يذكر ويمنع، والنسبة إليه هجري على القياس، وهاجري على غير قياس، قال الشاعر:
وريث غارة أوضعت فيها
…
كسحِّ الهاجِريّ جريم تمرِ
وهجر أيضًا اسم لجميع أرض البحرين، وقيل: اسم لبلد معروف بالبحرين، وقيل: قصبة بلاد البحرين منه إلى بلاد يبرين سبعة أيام، ومنه المثل:"كمُبْضِع تمرٍ إلى هَجَر" ومنه قول عمر رضي الله عنه: عجبت لتاجر هجر، كأنه أراد لكثرة وبائه، أو لركوب البحر.
وهجر أيضًا قرية كانت قرب المدينة، إليها تنسب القِلال الهَجَرية، وقد جاء ذكرها في حديث المعراج. وقيل: إنها منسوبة إلى هجر اليمن.
وهجر أيضًا حصنة من مخلاف ماذن.
والهجران أيضًا قريتان متقابلتان في رأس جبل حصين قرب حضر موت، يقال لإحداهما: خيدون، وللأخرى: دَمون، وساكن خيدون الصدف، وساكن دمون بنو الحارث بن عمرو المقصور بن حجر آكل المراد، وفيها يقول الشاعر:
كأني لَمْ ألْهُ بدمونَ مرةً
…
ولم أشهد الغارات يومًا بعندل
وكان رجل من هاتين القريتين مطل على قلعته، ولهم غيل يصب من سفح الجبل يشربونه، وزروع هذه القرى النخل والذرة والبر، وفيها يقول المتمثل: الهجران كفة بكفه، بها الدبر محتفة، والدبر عندهم الزرع اهـ.
الرابع: الحسن البصري، وقد مر في الرابع والعشرين من كتاب الإِيمان.
الخامس: محمد بن سيرين أبو بكر الأنصاري، مولاهم البصري، وكنية سيرين أبو عمرة.
كان أبو سيرين عبدًا لأنس بن مالك رضي الله عنه، فكاتبه على أربعين ألف درهم، وقيل: عشرين ألفًا، وأدى الكتابة، وكان من مَيْسان -بفتح الميم- بُلَيدة بأسفل أرض البصرة. ويقال: إنه من سبي عين التمر، وإن سيرين كان يعمل قدور النحاس، فجاء إلى عين التمر يعمل بها، فسباه خالد بن الوليد في أربعين غلامًا مجنبين فأنكرهم، فقالوا: إنا كنا أهل مملكة، ففرقهم في الناس.
وأمه صفية مولاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، طيبها ثلاث من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعون لها، وحضر أملاكها ثمانية عشر بدريًّا، فيهم أُبيّ بن كعب يدعو وهم يؤمنون.
وله إخوة: أنس، ومعبد، وحفصة، وكريمة، وذكر بعضهم خالدًا بدل كريمة، وأكبرهم معبد، وأصغرهم حفصة، وكلهم تابعون. وزاد بعضهم في أولاد سيرين عمرة وسودة، وأمهما أم ولد، وزاد بعضهم أيضًا أشعث، وإذا أُطلِق ابن سيرين فالمراد به محمد هذا اهـ.
قال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا عاليًا رفيعًا فقيهًا إمامًا كثير العلم ورعًا، وكان به صمم. وقال ابن المديني: أصحاب أبي هُريرة ستة: ابن المسيِّب، وأبو سلمة، والأعْرج، وأبو صالح، وابن سِيرين، وطاووس. وكان همام بن منبه حدثه حديثهم إلا أحرفًا. وقال عاصم الأحول: سمعت مورقًا يقول: ما رأيت رجلًا أفقه في ورعه، ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين. وقال ابن حِبّان: كان محمد بن سيرين من أورع أهل البصرة، وكان فقيهًا فاضلًا متقنًا، يعبر الرؤيا. وقال أبو قِلابة: اصرفوه حيث شئتم، فَلَتَجِدُنَّهُ أشدكم ورعًا، وأملككم لنفسه. وقال ابن عَوْن: كان من أرجى الناس لهذه الأمة، وأشدهم إزراءً على نفسه. وقال أيضًا: لم أر في الدنيا مثل ثلاثة: محمد بن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجاز، ورجاء بن حَيْوة بالشام، ويما يكن في هؤلاء مثل محمد. وقال أيضًا: كان ابن سيرين يحدث بالحديث على حروفه. وقال هشام بن حسان: حدثني أصدق من أدركته من البشر محمد بن سيرين. وقال أحمد: من الثقات. وقال ابن معين: ثقة. وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وهو من أروى الناس عن شُريح وعُبيدة، وإنما تأدب بالكوفيين أصحاب عبد الله. وقال شُعيب بن الحَبْحاب: كان الشعبي يقول لنا: عليكم بذاك الأصم. وقال عثمان التيمي: لم يكن بالبصرة أحد أعلم بالقضاء منه. وقال أبو عوانة: رأيت ابن سيرين في السوق، فما رآه أحد إلا ذكر الله تعالى. وقال بكر المزنيّ: والله ما أدركنا من هو أورع منه.
وروي أنه اشترى بيتًا، فأشرف فيه على ثمانين ألف دينار، فعرض في قلبه منه شيء، فتركه.
ورُوي أنه كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وكان الأصمعي يقول: الحسن البصري سيد سَمْح، وإذا حدث الأصم بشيء -يعني: ابن سيرين- فاشدد يدك عليه، وقتادة حاطب ليل.
وأوصى أنس بن مالك أنه يغسله ويصلي عليه، وكان ابن سيرين محبوسًا، فأتَوُا الأمير -وهو رجل من بني أسد- فأذن له، فخرج، فغسله وكفنه وصلى عليه في قصر أنس بالطف، ودخل كما هو إلى السجن، ولم يذهب لأهله. وقيل: إن الذي غسل أنس بن مالك هو قطن بن مدرك الكِلابي والي البصرة.
وقد اختلف في السبب الذي لأجله حُبس، فقد روَى محمد بن عبد الله الأنصاري أنه كان اشترى طعامًا بأربعين ألفًا، فأُخبر عن أصله بشيء كرهه، فتصدق به، وبقي المال عليه، فحُبس، حبسته امرأة. وعن ثابت البُناني قال: قال لي محمد بن سيرين: كنت أمتنع من مجالستكم مخافة الشهرة، فلم بي البلاء حتى أخذ بلحيتي، وأقمت على المصطبة، وقيل: هذا محمد بن سيرين آكل أموال الناس. ويروى في سبب حبسه غير ذلك. ولما مات كان عليه ثلاثون ألف درهم دينًا، فقضاها ولده عبد الله، وما مات عبد الله حتى قوم ماله بثلاث مئة ألف درهم.
وكان ابن سيرين صاحب الحسن البصري ثم تهاجرا في آخر الأمر، فلما مات الحسن لم يشهد ابن سيرين جنازته.
ولد له ثلانون ولدًا، وإحدى عشر بنتًا من امرأة، ولم يبق منهم غير عبد الله الذي قضى دينه.
روى عن: مولاه أنس بن مالك، وزيد بن ثابت، والحسن بن علي بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، ورافع بن خُدَيْج، وسمُرة بن جُنْدب، وابن عمر، وابن عباس، ومعاوية، وأبي الدَّرداء، وعائشة أم المؤمنين.
وقال ابن المديني وابن معين: لم يسمع من ابن عباس شيئًا. وقال