الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث عشر
20 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ البيكَنْديّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ:«إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا» .
وقوله: "إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يُطيقون" في معظم الروايات تكرير أمرهم، والمعنى حينئذٍ كان إذا أمرهم بعمل من الأعمال أمرهم بما يطيقون الدوام عليه، فأمرهم الثانية جواب الشرط، وقالوا: جواب ثانٍ، وفي بعض الروايات أمرهم مرة واحدة، والمعنى كان إذا أمرهم بما يَسْهُلُ عليهم دون ما يَشُقُ، خشية أن يعجِزوا عن الدوام عليه، وعمل هو بنظير ما أمرهم به من التخفيف، طلبوا منه التكليف بما يَشُقُّ لاعتقادهم احتياجهم إلى المبالغة في العمل لرفع الدرجات دونه، فيقولون: لسنا كهيئتك، فيغضب من جهة أن حصول الدرجات لا يوجب التقصير في العمل بل يوجب الازدياد شكرًا للمنعم الوهاب، كما قال في الحديث:"أفَلا أكُونُ عبدًا شكورًا" وإنما أمرهم بما يسهل عليهم ليداوموا عليه، كما قال في الحديث الآخر:"أحب العمل إلى الله أدومُهُ".
وقوله: "لسنا كهيئتك" الهَيئة -بفتح الهاء- الحالة والصورة، أي ليس حالنا كحالك، فَحُذِف الحال، وأقيم المضاف إليه مقامه، فاتصل الفعل بالضمير، فقيل: لسنا كهيئتك.
وقوله: "إن الله قد غَفَر لك ما تقَدَّم من ذنبك وما تأخر" أي: حال بينك
وبين الذنوب فلا تأتيها، لأن الغفر الستر، وهو إما بين الذنب والعبد، وإما بين الذنب وعقوبته، واللائق بالأنبياء الأول، وبأممهم الثاني، قيل: المراد ترك الأولى والأفضل بالعدول إلى الفاضل، وترك الأفضل كأنه ذنب لجلالة قدر الأنبياء، وهذا من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقيل: المتقدم ما قبل النبوة، والمتأخر العصمة، وقيل: ما وقع عن سهو أو تأويل، وقيل: المتقدم ذنب آدم، والمتأخر ذنب أمته، وقيل: المعنى أنه مغفور له غير مؤاخذ لو وقع منه.
وقوله: "ثم يقول إنَّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا" يقول بالرفع عطف على يغضب، وأتقاكم اسم إن، وتاليه عطف عليه، وأنا خبره، كأنهم قالوا: أنت مغفور لك لا تحتاج إلى عمل، ومع ذلك تواظب على العمل، فكيف بنا مع كثرة ذنوبنا؟ فرد عليهم بقوله: أنا أولى بالعمل لأني أتقاكم وأعلمكم بالله، فجمع بين القوة العملية والقوة العلمية، أشار بالأول إلى كماله عليه الصلاة والسلام في القوة العملية، وبالثاني إلى القوة العلمية، ووقع عند أبي نُعَيْم:"وأعلمكم بالله لأنا" بزيادة لام التأكيد، وفي رواية الإِسماعيلي:"والله إن أبركم وأتقاكم أنا" ويستفاد منه إقامة الضمير المنفصل مقام المتصل، وهو ممنوع عند أكثر النحاة إلا لضرورة، وأوَّلوا قول الشاعر:
وإنّما يُدَافِعُ عَنْ أحْسابهم أنا أوْ مِثْلي
بأن الاستثناء مقدر، أي: وما يدافع عن أحسابهم إلا أنا.
قال بعض الشراح: والذي وقع في هذا الحديث يشهد للجواز بلا ضرورة، فإن قيل: السياق يقتضي تفضيله على المخاطبين فيما ذكر، وليس هو منهم قطعًا، وشرط أفعل التفضيل إذا كان منويًّا في إضافته معنى من أن يكون جزءًا مما أضيف إليه، والأمر هنا ليس كذلك، وأجيب بأنه إنما قصد التفضيل على من سواه مطلقًا لا على المضاف إليه وحده، والإِضافة لمجرد التوضيح، فما ذكر من الشرط هنا لاغ، إذ يجوز في هذا