الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس والعشرون
33 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا نَافِعُ ابْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» .
قوله آية المنافق: أي علامته، مبتدأ. والقياس جمعه ليطابق الخبر الذي هو ثلاث. وأجِيبَ بأن ثلاثا اسم جمع لفظه مفرد. أو يقال: إن آية مضاف إلى معرفة فيعم، كأنه قال: آياته. وقال في الفتح: الإِفراد على إرادة الجنس، أو أن العلامة إنما تحصل باجتماع الثلاث. قال: والأول أليق بصنيع المؤلف، ولهذا ترجم بالجمع، وتعقبه العَيْنيّ بأن التاء تمنع الجنس، كالتاء في تَمْرة. فالآية والآي كالتّمرة والتمر. قال: وقوله: إنما يحصل باجتماع الثلاث: مُشْعرٌ بأنه إذا وجدت فيه واحدة من الثلاث لا يطلق عليه منافق، وليس كذلك. بل يطلق عليه اسم منافق غير أنه إذا وجدت فيه الثلاث كلها كان منافقًا كاملًا.
قلت: اعتراضه الأول ظاهر، وأما الثاني فغير ظاهر، لأنّ ابن حجر إنما قال ما قال احتمالا. ولم يأت العَيْنيّ بنص يرفع ذلك الاحتمال.
وإنما قال ما قال من أنه إذا وجدت فيه واحدة كان منافقا، غير أنه لم يكن كاملا من نفسه، والحديث الآتي بعد هذا فيه الاستئناس لما قاله ابن حجر، فإن فيه أنَّ الخالِصَ من كانت فيه الخصال الأربع. ومن كانت فيه خصلة منهُنَّ كانت فيه خصلة من النفاق إلخ
…
فلم يقل كان منافقا
غير كامل، بل عبر بأن فيه خصلة، ووجود خصلة فيه لا يستلزم تسميته منافقا، فتأمل.
ثم بيَّن الثلاث فقال: إذا حَدَّث كَذَب، أي أخْبر عنه بخلاف ما هو به، قاصدًا الكذب، وقد حكى ابن التين عن مالك أنه سُئل عمن جُرِّب عليه الكذب، فقال: أي نوع من الكذب؟ لعله حدّث عن عيش له سلف، فبالغ في وصفه، فهذا لا يضر، وإنما يضر من حدّث عن الأشياء بخلاف ما هي عليه قاصدًا الكذب.
وقوله: وإذا وعد أخلف أي: لم يَف بوعده. قال في المُحْكم: يقال وَعَدْتُه خيرًا، ووعدته شرًا، فإذا أسقطوا المفعول، قالوا في الخير: وَعَدته، وفي الشر: أوْعَدْتُه. وحكى ابن الأعرابي: أوعدته خيرًا بالهمز، والمراد بالوعد في الحديث الوعد بالخير، وأما الشر فيُستحب إخلافه، وقد يجب. وهو من عطف الخاص على العام، لأن الوعد نوعٌ من التحديث، وكان داخلًا في قوله وإذا حدّث، ولكنه أفرده بالذِّكر معطوفًا تنبيهًا على زيادة قُبْحه.
فإن قلت الخاص إذا عطف على العام لا يخرج من تحت العام، وحينئذ تكون اثنتين لا ثلاثًا، أُجيب بأنه لازم الوعد الذي هو الإِخلاف الذي قد يكون فعلا، ولازم التحديث الذي هو الكذب لا يكون فعلا، متغايران، فبهذا الاعتبار كان الملزومان متغايرين، وإخلاف الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزمُ عليه مُقارِنا للوعد، أما لو كان عازمًا ثم عَرَض له مانع، أو بدا له رأي، فهذا لم توجد منه صورة النفاق، قاله الغزاليّ.
وفي الطبرانيّ من حديث سَلْمان، ما يشهد له: إذا وعد وهو يحدث نفسه أنّه يُخلف، وكذا في باقي الخِصال. وإسناده لا بأس به. وهو عند أبي داود والتِّرمذيّ من حديث زيد بن أرْقم بلفظ "إذا وَعَد الرجل أخاه ومن نيَّتِه أن يفي له فلم يَفِ فلا إثم عليه"، وقوله: وإذا ائتمن خان، أي: بأن يتصرف فيها على خلاف الشرع.
ووجه الاقتصار على هذه الثلاثة هو أنها مُنبِّهة على ما عداها إذ أصل عمل الديانة منحصر في ثلاث: القول والفعل والنية. فنبه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النية بالخُلْف، لأن خُلْف الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم عليه مُقارنًا للوعد كما مر قريبًا.
وقد قيل إن ظاهر هذا الحديث الحَصْر في ثلاث، فكيف جاء في الحديث الذي يليه "أربعٌ من كنَّ فيه" وأجيب باحتماله، أنه استجد له صلى الله عليه وسلم من العلم بخصالهم ما لم يكن عنده، أو يُجاب بأنه لا تعارض بينهما، لأنه لا يلزم من عد الخصلة المذمومة الدالة على كمال النفاق كونها علامة على النفاق، لاحتمال أن تكون العلامات دالة على أصل النفاق، والخصلة الزائدة إذا أضيفت إلى ذلك كَمُل بها خلوص النفاق.
على أن في رواية مسلم ما يدل على إرادة عدم الحصر، ففيه لفظة "من علامة المنافق ثلاث" وكذا أخرجه الطَّبرانيّ في الأوسط عن أبي سعيد. وإذا حمل اللفظ الأول على هذا لم يرد السؤال، فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت، وببعضها في وقت آخر وهذا غير مفيد لأنه تبقى أربعة لكن يأتي ردها إلى ثلاث. أو يجاب بأنَّ إذا عاهد غَدَر، التي هي إحدى الأربع في معنى قوله: وإذا ائتمن خان، لأن الغدر خيانة.
وعد بعضهم هذا الحديث مُشْكلا من حيثُ أن هذه الخصال قد توجد في المسلم المُجْمع على عدم كفره، وأجيب عن هذا بأن هذه خصال نفاق لا نفاق، فهو على سبيل المجاز، أو المراد نفاق العمل لا نفاق الكفر، وارتضى هذا القُرطبيّ، ويؤيده قول عُمَر لحُذَيْفة: هل تعلم فيّ شيئًا من النفاق؟ فإنه لم يُرِد بذلك نفاق الكُفْر، وإنما أراد نفاق العمل.
أو المراد من اتصف بذلك وكانت له دَيْدنا وعادة. ويدل عليه التعبير بإذا المفيد لتكرار الفعل، وأيضًا حذف المفعول من حدث ووعد يدل على العموم، أي إذا حدّث في كل شيء كذب، أو يجعل قاصرًا أي: إذا وَجَد ماهيّة التحديث كذب. أو هو محمول على من غلبت عليه هذه